الجزيرة:
2025-07-03@04:04:41 GMT

البيمارستان الصلاحي إرث طبي تاريخي في قلب القدس

تاريخ النشر: 29th, October 2024 GMT

البيمارستان الصلاحي إرث طبي تاريخي في قلب القدس

يقع البيمارستان الصلاحي في البلدة القديمة للقدس. واختلفت المصادر فيما إذا كان تاريخه يعود إلى العهد الفاطمي أم الأيوبي، وقد قدم الرعاية الصحية للمقدسيين وزوار مدينة القدس.

والبيمارستان كلمة فارسية الأصل مركبة من مقطعين "بيمار" بمعنى مريض، و"ستان" بمعنى موضع أو دار، واصطلاحا يُعرف البيمارستان بأنه المكان الذي يعالج فيه المرضى تحت إشراف أطباء مختصين، ويقدم خدمات طبية متكاملة تشمل الدواء والطعام والماء، إضافة إلى الأدوات والخدمات المساعدة.

الموقع

يقع البيمارستان الصلاحي في الجهة الجنوبية لكنيسة القيامة في البلدة القديمة للقدس.

التأسيس والتاريخ

تباينت المصادر بشأن تاريخ إنشاء البيمارستان الصلاحي، إذ تشير بعض الروايات إلى أن تأسيسه كان في عهد صلاح الدين الأيوبي بعد فتح مدينة القدس عام 1187م.

فقد جاء في كتاب أحمد عيسى "تاريخ البيمارستانات في الإسلام" أن السلطان صلاح الدين، عند فتحه القدس، أمر بتحويل الكنيسة المجاورة لدار الأسبتار إلى بيمارستان للمرضى.

كما أوقف صلاح الدين على البيمارستان مواضع متعددة وزوده بالأدوية والعقاقير الوفيرة، وفوَّض القاضي بهاء الدين يوسف بن رافع بن شداد، الذي اشتهر بلقب ابن شداد نسبة إلى جده لأمه، بالإشراف على الأوقاف المخصصة للبيمارستان بفضل علمه وكفاءته.

الحجر التذكاري في الباحة الخلفية لكنيسة الفادي تخليدا لمشفى القديس جون زمن الصليبيين (موقع بيمارستان القدس)

في المقابل، تفيد مصادر أخرى بأن البيمارستان كان قائما في العهد الفاطمي، وأن صلاح الدين أعاد بناءه وتطويره بعد ذلك.

وأورد مجير الدين الحنبلي في كتابه "الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل" أن "البيمارستان الصلاحي كان موجودا منذ العصر الفاطمي، وقد تهدم جزء منه، فأمر الملك صلاح الدين بإعادة ترميم وبناء ما تهدم".

وبحسب المصادر، فقد كان الموقع كنيسة قديمة، وعندما تهدمت أُنشئ مكانها مستشفى صغير توسع خلال الفترة الصليبية، وأصبح مركزاً لفرسان القديس يوحنا، الفرقة التي أسسها الأب جرار، والتي عُرفت عند العرب بـ"الأسبتارية"، نظرا لسمعتهم في علاج المرضى من الفرسان الصليبيين.

وبعد تحرير صلاح الدين القدس، ظل المستشفى قائما، وأصبح يُعرف باسم "البيمارستان الصلاحي"، واستمر في العصور اللاحقة.

واستمر البيمارستان الصلاحي في القدس بتقديم خدماته الطبية أثناء فترة الدولة العثمانية الأولى (1516-1831م) للمقدسيين والزوار. ومع نهاية القرن الـ18 الميلادي توقف عن العمل.

وفي عام 1868، قدم السلطان عبد العزيز الجزء الشرقي من هذه المنطقة إلى ولي العهد فريدريك ويليام من بروسيا أثناء زيارته للقدس، وكان الأمير في ذلك الوقت رئيسا لفرسان "جونانتروردن"، الورثة البروتستانت لفرع سابق من فرسان المستشفى.

وأنشأ الفرسان الألمان طريقا يمر عبر البيمارستان من الشمال إلى الجنوب، وأطلقوا عليه اسم "شارع الأمير فريدريك ويليام"، وأصبح العقار مركزا للجالية الألمانية في القدس.

التنظيم والهيكلة

وفقا للآلية المتبعة في البيمارستان، كان توظيف الأطباء يتم فقط بناء على أمر من السلطان العثماني، وكان رئيس الأطباء هو المسؤول عن تعيين الأطباء والصيادلة ومنحهم حق مزاولة المهنة.

ومن بين الذين شغلوا منصب رئيس الأطباء الشيخ شمس الدين محمد بن زين الدين، الذي كان يتقاضى أجرة مقدارها 3 أقجات في اليوم، وكذا محمد بن أحمد الذي تولى هذا المنصب في البيمارستان عام 1595م.

كان البيمارستان يتكون من مجموعة دعامات حجرية تعلوها عقود، وقد قُسِّمَت مساحته إلى عدد من القاعات المغطاة بسقوف ذات أقبية متقاطعة وسقوف برميلية. كل قاعة من هذه القاعات كانت مخصصة لعلاج أمراض مختلفة.

البيمارستانات كانت عموما تقدم للسكان خدمات اجتماعية وطبية مختلفة (موقع بيمارستان القدس)

تنوعت الممتلكات الموقوفة على البيمارستان ما بين الدور والدكاكين والمدابغ وخان الزيت وقبانه وفرن وأراض زراعية وغيرها.

ومن بين أبرز الأطباء الذين عملوا في البيمارستان: يعقوب بن صقلاب النصراني وأصله من البلقاء، ولد في مدينة القدس وتعلم الطب فيها، ثم التحق للعمل في البيمارستان الصلاحي، وبقي فيه حتى نقله المعظم عيسى ابن العادل إلى دمشق للعمل في بيمارستانها.

ومنهم أيضا رشيد الدين الصوري، وهو ابن المنصور بن أبي الفضل، ولد في مدينة صور، وكانت له معرفة واسعة بالأدوية والصناعة الطبية، وكان من أبرز من اطلع على كتب غالينوس في زمانه، وأقام في القدس سنوات طويلة وعمل في بيمارستانها ثم نقله الملك العادل إلى مصر وخدم فيما بعد عند المعظم عيسى.

الاختصاصات والإنجازات

كانت البيمارستانات عموما، تقدم للسكان خدمات اجتماعية وطبية مختلفة، منها مجانية العلاج، خصوصا للضعفاء والفقراء، كما كانت مأوى للأيتام والنساء العاجزات، وكان يُغسل ويُكفن فيها الموتى ويكفنوا، إضافة إلى الدور العام الذي كان للبيمارستانات أثناء انتشار الأوبئة، التي كانت عاملا أساسيا لإنشائها.

ومع مرور الوقت تطورت البيمارستانات من كونها مؤسسات تقدم الخدمات الصحية والعلاجية إلى مؤسسات تقدم مبالغ مالية للمرضى وملابس عند خروجهم، حتى لا يضطروا للعمل طوال فترة الشفاء، كما ساهمت في انتشار العلوم الطبية.

وفيما يتعلق بالبيمارستان الصلاحي، فقد قُسّم إلى عدة أقسام متخصصة لمواكبة مختلف أنواع الأمراض، فكان فيه قسم للطب العام تقام فيه العمليات الجراحية، وقسم لجراحة العيون وقاعة لعزل المجانين.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الجامعات صلاح الدین

إقرأ أيضاً:

الإصلاح: هل يبدأ بالراعي أم بالرعية

#الإصلاح: هل يبدأ بالراعي أم بالرعية
مقال الإثنين: 30 /6/2025

بقلم: د. #هاشم_غرايبه


عند الحديث عن #الإصلاح، لا يختلف اثنان على أن له ضرورة قصوى، لكن عند الحديث عن ترتيب أولوياته يحتدم الجدل، فالسلطة تنزع الى #الاستبداد، والإصلاح دائما ما يكون باستعادة #المحكوم شيئا مما استلبه إياه #الحاكم، لذا يصبح الأمر تصارعا على المكتسبات والمنافع، فيميل محامو السلطة الى محاولة تأجيل إجراءات الإصلاح، برمي الكرة في ملعب الرعية، بحجة أنه يجب البدء بأن يصلح كل فرد ذاته، فإن صلحت الرعية فلا بد أن يكون الراعي صالحا، فهو فرد من هذا المجتمع، ويحتجون بالقول: “كما تكونوا يولَّ عليكم”.
هذا الكلام صحيح نظريا، لكنه كلام حق يراد به باطل، وليس دافعه الرغبة الصادقة بالإصلاح، بل هو للتسويف، فكل حاكم يعتقد أنه رمز الصلاح، وأنه لا يزلُّ ولا يطغى، قوله حكمة وفعله عدل.
قد لا يكون الحاكم في داخله مقتنعا بذلك، لكنه يبدأ بتصديق أنه كذلك، لكثرة المتزلفين والمنافقين من حوله، فهؤلاء يزينون أفعاله، ويبررون زلاته، ويتسترون على أخطائه.
عندها يبدأ الفساد، إذ مقابل خدماتهم هذه ينالون منه العطايا، وتوسد إليهم المناصب التي لا يصلحون لها، ويستبعد المخلصون والأكفاء، فتتردى الأحوال العامة، وتتفاقم الأمور عندما يستغل هؤلاء المقربون الفاسدون مراكزهم ونفوذهم لمصالحهم الفردية، فتسوء الأحوال الإقتصادية، وتصبح الأحوال المعيشية عصيبة.
لقد سأل أبو جعفر المنصور الفيلسوف “ابن المقفع” عن سبب تغير الزمان وفساد النفوس عما كانت عليه الأحوال في بداية الدولة الإسلامية، فأجابه برسالة تعتبر مرجعاً في الإصلاح السياسي بدأها بقوله: “أما سؤالكم عن الزمان فإن الزمان هو الناس”.
وقد حدد مسار الدولة الإسلامية، في أنها تمر بأربعة أزمنة حضارية: أفضلها الزمن الأول وهو “ما اجتمع فيه صلاح الراعي والرعية”، ويليه في الأفضلية الزمن الثاني وهو “أن يصلح الإمام نفسه ويفسد الناس”، وبعدهما الزمان الثالث الذي يتميز بـ”صلاح الناس وفساد الوالي”، أما الزمان الرابع فإنه ” ما اجتمع فيه فساد الوالي والرعية” وهو شرُّ الزمان.
أما ابن تيمية فيحدد الصلاح بمدى الترابط بين السلطة والدين: “إن انفرد السلطان عن الدين (أي خالفه)، أو الدين عن السلطة (كفصل الدين) فسدت أحوال الناس”
هنا نفهم لماذا أنزل الله الدين للناس، فهو يمثل الآلية الأنجح الضابطة لصلاح النفوس، كما يحدد العلاقة بين الحاكم والمحكوم.
قد يبرز هنا سؤال: لماذا نجد الصلاح في الأقطار الكافرة أكثر من الأقطار المؤمنة؟.
الإجابة ترتكز على التعريف أولا: فليس أداء العبادات دليلا على الإيمان بل هي علامة ظاهرية، درجة الإيمان تتحدد بالتقوى، فمن كان يخشى الله وحسابه، وهمُّه إرضاء ربه، سواء كان المرء حاكما أم محكوما، فهو المؤمن، وهذا بالضبط ما يعنيه صلاح النفس، وذلك هو مراد الدين ومناط العبادات.
لكن كيف صلحت نفس الكافر وهو لا يتقي الله؟.
لقد أودع الله الفطرة السليمة في كل النفوس، وهي المرجعية المعيارية التي تحبب النفس بعمل الخير والبعد عن الشر، تقوى فاعليتها او تضعف بثلاثة عوامل:
1 – التوجيه التربوي، ويمثل المرحلة التأسيسية.
2 – الظروف المعيشية، وهي التي تؤثر في توجيه النفس بتعزيز قيم الصلاح أو تبعدها عنها.
3 – وأما الثالث فهو الأهم والأبلغ تأثيرا، فهو وجود الحافز والردع ويمثله الدين.
عند غير المؤمنين يتمثل الردع بالخوف من سطوة القانون لدى المحكوم، أو من التشهير أي سيف الإعلام والرقابة ان كان حاكماً لأنه يضعف فرصة بقائه في الحكم.
ولما كان هذان السلاحان فتاكين، فعقوبات القانون في الدول (غير المسلمة) رادعة وتطبق بحزم، لذا يلتزم الجميع فلا تجد أحدا يجرؤ على مخالفة قوانين الصلاح (السلامة العامة والصحة والبيئة والسير..الخ)، وليس ذلك عن صلاح ذاتي بل خوفا من العقوبة، فهو إن أمِنَها فسد، وهذا هو الفارق عن المؤمن، والذي رادعه الخوف من عقوبة الله التي لا يمكن تجنبها ولا التحايل عليها، وإذا أضفنا عليه خوفه من القانون إن طبق بواسطة حاكم صالح عادل، فعندها يصبح صلاح النفس مؤكدا.
لها وجدنا الزمن الأول عند ابن المقفع يمثل الحالة المثالية، ولذلك أيضا اشترط ابن تيمية صلاح الأمة ببقاء الارتباط بين الدين والسلطان قائما، وافتراقهما مفسدة.

مقالات ذات صلة حياتنا مرةٌ صعبةٌ وعيشنا كئيبٌ حزينٌ 2025/06/30

مقالات مشابهة

  • في ذكرى رحيله الـ62.. عز الدين ذو الفقار “الفنان الضابط” الذي حوّل السينما إلى سلاحه الخاص
  • رقم تاريخي.. 3500 لاعب في بطولة الجمهورية للتايكوندو للبومزا
  • تعلن المحكمة التجارية الابتدائية بالأمانة بالتنفيذ الاختياري ضد الأخ/ فيصل محمد الصلاحي
  • إنزاجي يثأر من جوارديولا ويقود الهلال لإنجاز تاريخي
  • الهلال يسطع في صباح تاريخي بمونديال الأندية ويُقصي مانشستر سيتي
  • تعلن المحكمة التجارية الابتدائية ان على فيصل الصلاحي بالتنفيذ الاختياري لأمر الأداء
  • الإصلاح: هل يبدأ بالراعي أم بالرعية
  • تامر عبد المنعم عن ثورة 30 يونيو: يوم تاريخي.. خاص
  • إلهام شاهين عن ثورة 30 يونيو: يوم تاريخي
  • تعلن المحكمة التجارية الابتدائية بالأمانة المنفذ ضده فيصل محمد الصلاحي بالتنفيذ الاختياري لأمر الأداء