شدد تقرير نشر في صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية من قلق طويل الأمد في المنطقة بعد "المكاسب التكتيكية" التي حصلت عليها دولة الاحتلال الإسرائيلي بعد هجومها على إيران، مشيرا إلى أن طهران قد تجد أنه لم يتبق لديها سوى دفاع واحد: السباق للحصول على سلاح نووي.

وقال كاتبو التقرير الذي ترجمته "عربي21"، وهم ديفيد سانغر وإريك شميت ورونين بيرغمان وفرناز فصيحي، إنه عندما انطلقت الطائرات المقاتلة الإسرائيلية من المدرجات ليلة الجمعة، في رحلة بطول ألف ميل إلى إيران، كانت تتجه نحو مجموعتين رئيسيتين من الأهداف: الدفاعات الجوية التي تحمي طهران، بما في ذلك قيادة إيران، وخلاطات الوقود العملاقة التي تصنع الوقود لأسطول الصواريخ الإيراني.

 

وأضاف أن القادة العسكريين الإسرائيليين، خلصوا في مكالمات مع وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن الثالث وغيره من كبار المسؤولين الأميركيين، إلى أن تدمير الدفاعات الجوية من شأنه أن يجعل قادة إيران يخشون عدم إمكانية الدفاع عن طهران نفسها. وكان هذا الشعور بالضعف مرتفعا بالفعل، بعد أن قضت إسرائيل على قيادة حماس وحزب الله. 


كان العنصر المفاجئ بالنسبة للإيرانيين هو مجموعة من الضربات التي أصابت نحو عشرة خلاطات وقود، وأدت إلى تدمير الدفاعات الجوية التي تحمي العديد من مصافي النفط والبتروكيماويات الحيوية، وفقا لمسؤول أمريكي كبير ومسؤولين دفاعيين إسرائيليين تحدثا بشرط عدم الكشف عن هويتهما لمناقشة التخطيط الداخلي، وفقا للتقرير.

وذكر التقرير أنه بدون القدرة على خلط الوقود، لا تستطيع إيران إنتاج المزيد من النوع من الصواريخ الباليستية التي أطلقتها قواتها على إسرائيل في الأول من تشرين الأول/ أكتوبر، وهو الاستفزاز المباشر للضربة الإسرائيلية. وقد يستغرق الأمر أكثر من عام لاستبدالها من الموردين الصينيين وغيرهم. 

بحلول يوم السبت، زعم المسؤولون الأمريكيون والإسرائيليون تحقيق نجاح كبير، ولكن وراء الرضا عن المكاسب التكتيكية يكمن قلق أطول أجلا. مع أكوام مشتعلة من الدفاعات الجوية الإيرانية المصنعة في روسيا، يخشى كثيرون أن يستنتج القادة الإيرانيون أنهم لم يتبق لديهم سوى دفاع واحد: السباق للحصول على سلاح نووي. 

وقال معدو التقرير إن هذا هو بالضبط ما كان الاستراتيجيون الأميركيون يحاولون تجنبه بشكل يائس لمدة ربع قرن، باستخدام التخريب والهجمات الإلكترونية والدبلوماسية لمنع طهران من عبور العتبة لتصبح قوة مسلحة نوويا بالكامل. 

بدا الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي حذر "إسرائيل" علنا قبل ثلاثة أسابيع من تجنب ضرب المواقع النووية والطاقة الإيرانية خوفا من تصاعد الصراع إلى حرب إقليمية، راضيا، للمرة الأولى، عن أن رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو استمع إليه. 

وقال بايدن للصحفيين يوم السبت بعد تلقي تقييم استخباراتي مع نائبة الرئيس كامالا هاريس، التي لم تكن تتوقع حربا متوسعة في الشرق الأوسط بينما هي في الأيام العشرة الأخيرة من حملتها الرئاسية: "يبدو أنهم لم يضربوا شيئا سوى أهداف عسكرية". 

وقال: "آمل أن تكون هذه هي النهاية". 

وبحسب التقرير، فإن ذلك يبدو أنه غير مرجح. حتى مساعدو بايدن أنفسهم يشتبهون في أن قادة إيران، جزئيا بسبب كبريائهم المجروح، لن يسمحوا ببساطة للهجوم المضاد بالمرور. وأمر بايدن القوات الأميركية في المنطقة بأن تكون في حالة تأهب قصوى، وخاصة تلك الموجودة في العراق وسوريا والتي قد تكون أهدافا للانتقام الإيراني. وفي الأسبوع الماضي، وضعت القوات الأمريكية وحدة دفاع جوي إضافية تم إرسالها إلى إسرائيل، وملأ الضجيج أجواء الخليج مع وصول أسراب إضافية من الطائرات العسكرية لتعزيز قوة جوية كبيرة موجودة. 

وورد أن المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي كان يجتمع مع كبار قادة الحرس الثوري الإسلامي لتحديد خطواته التالية واتخذ نبرة مدروسة في تصريحاته الأولى بشأن الهجمات، قائلا إنه لا ينبغي "تضخيمها أو التقليل من شأنها". وبصرف النظر عن التحذيرات الغامضة القاسية من المسؤولين الإيرانيين الآخرين بشأن الدفاع عن سيادة الأمة، لم يكن هناك سوى القليل من الأدلة على اتخاذ أي قرار بشأن الرد. 


ونقل التقرير عن دانا سترول، المسؤولة السابقة عن سياسة الشرق الأوسط في البنتاغون، وهي الآن زميلة بارزة في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، قولها "لقد أظهر الإسرائيليون للتو قدرات غير عادية، مع الحفاظ على دقة ضرباتهم المعقدة متعددة الموجات ومعايرة بعناية. من خلال استهداف المنشآت العسكرية فقط والضرب في وقت من اليوم مصمم لتجنب وقوع خسائر كبيرة، تم منح الإيرانيين مسارا لخفض التصعيد". 

وأضافت سترول أن إيران إذا اختارت التصعيد فإن منشآتها العسكرية والقيادية والنووية الحيوية سوف تكون أكثر عرضة للخطر من أي وقت مضى. وأضافت: "إن الطاولة مهيأة لخفض التصعيد إذا اختارت إيران القيام بذلك. وإلا فإن الرد الإسرائيلي القادم سوف يكون أكثر تدميرا". 

وأكد أربعة مسؤولين أميركيين وثلاثة مسؤولين دفاعيين إسرائيليين، تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هوياتهم لمناقشة التخطيط السري، هذا التقييم.

وبحسب التقرير، فإنه حتى إذا قررت إيران عدم شن ضربة صاروخية أخرى على إسرائيل ــ وخاطرت بأن تعود القوات الجوية الإسرائيلية لتسبب المزيد من الضرر، بما في ذلك البنية الأساسية للطاقة الحيوية للاقتصاد الإيراني المنهك ــ فإن قادتها لديهم خيار آخر. علنا أو سرا، يمكنهم عكس الحظر الظاهري الذي فرضه آية الله على بناء سلاح نووي. 

ولم تكن البلاد قط أقرب إلى العتبة النووية. الآن تمتلك إيران مخزونات أكبر من اليورانيوم الذي يقترب من درجة القنبلة مقارنة بأي وقت مضى منذ بدأت في تجربة المفاعلات النووية الصغيرة، بما في ذلك المفاعل الذي قدمته الولايات المتحدة للشاه، قبل الثورة الإسلامية عام 1979. 

وبناء على تقارير من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهي هيئة تفتيش أنشأتها الأمم المتحدة، تمتلك إيران الآن ما يكفي من اليورانيوم متوسط التخصيب لإنتاج ثلاثة إلى أربعة أسلحة. وذلك بفضل طفرة الإنتاج التي بدأت بعد وقت قصير من انسحاب الرئيس دونالد ترامب من الاتفاق النووي الإيراني في عام 2018. وحتى تلك النقطة، كانت إيران ملتزمة بحدود الإنتاج الضيقة التي وافقت عليها كجزء من الاتفاق، الذي تم التوصل إليه مع إدارة أوباما، والذي رفع العقوبات في المقابل. 

لكنها أمضت السنوات الأربع الماضية في الانخراط في ترقية تقنية حادة، حيث تتخلى النخبة الحاكمة في البلاد عن إصرارها المستمر منذ عقود على أن البرنامج النووي للبلاد سلمي تماما. الآن هي على "عتبة" ان تصبح قوة نووية، قادرة على تخصيب وقودها بشكل أكبر لصنع يورانيوم صالح للاستخدام في القنبلة في غضون أيام أو أسابيع. 

ولكن من الواضح أن هذا ليس هو الحال. فقد يستغرق الأمر وقتا أطول كثيرا، ربما أكثر من 18 شهرا، لتحويل هذا الوقود إلى رأس حربي، على افتراض أن إيران لن تحصل على مساعدة من قوة نووية راسخة ــ مثل روسيا، أكبر زبائنها للمسيّرات، أو كوريا الشمالية، التي عملت معها عن كثب على تكنولوجيا الصواريخ الباليستية، حسب التقرير.

وأشارت الصحيفة، إلى أن المسؤولين الأميركيين يقولون حتى الآن إنهم لا يرون أي دليل على قرار سياسي من جانب الإيرانيين بالتسابق للحصول على سلاح نووي. ولكن كما قال أحد كبار المسؤولين الأميركيين، فإن الدول تبني الأسلحة النووية عندما تشعر بالضعف. واليوم، هذا هو بالضبط الشعور الوطني لدى إيران. 

وبحسب التقرير، فقد ركز بايدن بشدة على البرنامج النووي الإيراني منذ أيامه في مجلس الشيوخ، وكان مشاركا رئيسيا في مناقشات إدارة أوباما حول استخدام سلاح سيبراني، أطلق عليه فيما بعد اسم ستوكسنت، لتدمير أجهزة الطرد المركزي النووية الإيرانية في نطنز. 

وفي الأيام التي أعقبت الضربة التي شنتها إيران في الأول من تشرين الأول/ أكتوبر، والتي جاءت بعد مقتل زعيم حزب الله حسن نصر الله في غارة جوية في لبنان، كان بايدن صريحا في تحذير إسرائيل من ضرورة إبقاء مواقع الطاقة والمواقع النووية خارج قائمة الانتقام. 

لقد احتفى المسؤولون الإسرائيليون بحقيقة أن الهجوم الإيراني لم يخلف سوى القليل من الضرر، على الرغم من أن بعض المسؤولين الإسرائيليين والأمريكيين قالوا إنهم كانوا محظوظين لأنهم نجوا من دمار أسوأ. في البداية، كانت قيادة إسرائيل تميل إلى الرد بضرب الأصول الإيرانية الثمينة. لكنها قلصت من ذلك بعد وقت قصير من تصريح بايدن بأنه لن يدعم أي ضربة مضادة يمكن أن تؤدي إلى حرب إقليمية أوسع. 

عندما سأل أحد المراسلين بايدن على وجه التحديد عن ضرب المنشآت النووية الإيرانية - وهي العملية التي تدربت عليها القوات الإسرائيلية كثيرا - أوضح الرئيس أنه سيعتبر ذلك تجاوزا للحد. 

وقال: "الإجابة هي لا". وأشار إلى أنه دعا زعماء مجموعة الدول السبع، التي تضم بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان وكندا، وأضاف أن "جميعنا السبعة متفقون على أن لديهم الحق في الرد، ولكن يجب أن يستجيبوا بشكل متناسب". 

ويصر المسؤولون الإسرائيليون، وفقا للتقرير، على أنهم اتخذوا قراراتهم بأنفسهم بشأن ما سيضربونه، ولم يستسلموا للضغوط الأمريكية عندما اختاروا الأهداف. لكنهم عرضوا إعطاء تحذير مسبق بشأن توقيتهم وخططهم ــ وهو ما فشلوا في القيام به في بعض الضربات السابقة ــ ووافقت الولايات المتحدة على تجديد مخزون الأسلحة المسحوبة بسرعة للضربة. واعترف بايدن للصحافيين قبل أسبوع بأنه كان على علم بالتوقيت والأهداف. 

ومع ذلك، كان هناك قدر كبير من النقاش خلف الكواليس حول كيفية تضييق نطاق الهجوم. ففي التاسع عشر من تشرين الأول/ أكتوبر، أمضى أوستن معظم استراحة الغداء خلال اجتماع أمني لمجموعة الدول السبع في نابولي يتحدث هاتفيا مع يوآف غالانت، نظيره الإسرائيلي، الذي كان مسؤولا عن صياغة استراتيجية إسرائيل. وما نتج عن سلسلة المحادثات كان خطة مصممة لردع إيران عن الانتقام من خلال تعريض القيادة والمنشآت العسكرية والطاقة لضربة مضادة سريعة. ولكن مهاجمة خلاطات الوقود أرسلت رسالة إضافية: ستركز إسرائيل على شل قدرة إيران على توسيع أسطولها الصاروخي القوي. 

وذكر التقرير أنه كان على الإسرائيليين أيضا أن يتفاوضوا حول العديد من العقبات الدبلوماسية بعد أن حثت إيران الدول المجاورة على عدم السماح للطائرات الإسرائيلية باستخدام مجالها الجوي لشن هجوم. وقد امتثلت العديد من الدول، بما في ذلك الأردن، التي شاركت في اعتراض الصواريخ الإيرانية في نيسان/ أبريل. (ويقول الأردنيون إنهم سيساعدون في الدفاع عن إسرائيل، لكنهم يمتنعون عن المشاركة في الضربات الهجومية أو السماح للإسرائيليين بالتحليق فوق أراضيهم). 

وفي النهاية، لم يحلق الإسرائيليون فوق الأردن. لقد مروا بشكل رئيسي عبر سوريا، وبدرجة أقل، عبر المجال الجوي العراقي، الذي أطلقوا منه النار على إيران، وفقا لبيان صادر عن القوات المسلحة الإيرانية. ورفض المسؤولون الأميركيون الكشف عن نوع الترتيبات التي تم اتخاذها ــ إن وجدت ــ مع الحكومة العراقية، وأحالوا جميع الأسئلة إلى الإسرائيليين. 


والخلل الوحيد كان في التوقيت: فقد تسبب سوء الأحوال الجوية فوق الأهداف في تأخير الضربات الإسرائيلية لبضعة أيام، كما قال مسؤولون أميركيون وإسرائيليون. 

وفي يوم السبت، أبدى أعضاء اليمين في ائتلاف نتنياهو أسفهم لأن الضربات لم تذهب بعيدا بما فيه الكفاية. 

وقال إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي المتشدد، الذي حث نتنياهو على الذهاب مباشرة إلى موقع الإنتاج النووي الإيراني، إن هجوم يوم السبت يجب اعتباره "ضربة افتتاحية". 

ولكن في حين يعتبر بن غفير من أقصى اليمين، فقد انضم إليه في الانتقاد يائير لابيد، زعيم المعارضة البرلمانية الوسطى. وأشار إلى أن نتنياهو ارتكب خطأ في الاستجابة لتحذيرات بايدن. 

وقال إن "القرار بعدم استهداف الأهداف الاستراتيجية والاقتصادية في إيران كان خطأ. كان بوسعنا، بل كان ينبغي لنا، أن نجعل إيران تدفع ثمنا أعلى كثيرا".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية الاحتلال إيران بايدن نتنياهو إيران نتنياهو الاحتلال بايدن صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الدفاعات الجویة بما فی ذلک یوم السبت سلاح نووی إلى أن

إقرأ أيضاً:

ما الذي تريده إسرائيل من سوريا الجديدة؟

تتسم المقاربة الإسرائيلية تجاه سوريا الجديدة بنهج عدائي شديد الوضوح، فقد نظرت القيادة الإسرائيلية إلى التحولات الجيوسياسية الناشئة كتهديد للأمن القومي الإسرائيلي، حيث شرعت منذ اللحظات الأولى لسقوط نظام الأسد بشن سلسلة من الاعتداءات والغارات الجوية وقامت بتوغلات برية أسفرت عن ضم واحتلال مزيد من الأراضي السورية. وقد أعلنت إسرائيل دون لبس أو مواربة عن عدائها للقيادة السورية الجديدة، وكشفت عن رغبتها وعزمها على إبقاء سوريا دولة هشة وضعيفة ومفككة ودون وجود سلطة مركزية قوية. وعبّرت إسرائيل بجلاء عن قلقها وخوفها من تنامي النفوذ التركي المتصاعد، وأكدت على خوفها وخشيتها من عودة وإحياء الإسلام السياسي السني الذي بات يسيطر على دمشق، وأثره وتداعياته على أمن الكيان الإسرائيلي وخطورته على أمن المنطقة.

شكّل سقوط نظام آل الأسد الوحشي الطائفي في سوريا بعد عملية "ردع العدوان"، على يد فصائل المعارضة المسلحة بقيادة "هيئة تحرير الشام" في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر 2024، مفاجأة غير سارة للكيان الإسرائيلي، لكنه كان خبرا سعيدا لتركيا، ففي الوقت الذي تريد تركيا أن تكون سوريا الجديدة دولة ناجحة، ترغب إسرائيل بوجود دولة سورية جديدة فاشلة، ولذلك سارعت إسرائيل بالتزامن مع سقوط نظام الأسد، بشن سلسلة من الهجمات، ولم تكتف تل أبيب بالدخول إلى المنطقة العازلة، بل سيطرت على مرصد وقمة جبل الشيخ الاستراتيجية، وشنت أكثر من 300 غارة جوية أدت إلى تدمير البنية التحتية العسكرية التي تركها النظام السوري ومستودعات السلاح والصواريخ الإستراتيجية ومراكز البحث العلمي والتصنيع العسكري.

انهيار "محور المقاومة" الذي تقوده إيران في سوريا، وانكفاء نفوذه الإقليمي وتراجع مشروعه الطموح الذي كان يمتد من إيران والعراق عبر سوريا إلى لبنان حزب الله، مثّل نعمة أمنية آنية بالنسبة لإسرائيل، فسرعان ما شعرت إسرائيل بالقلق من أن المحور الإسلامي السُنّي الجديد بقيادة تركيا قد يصبح خطيرا بنفس القدر، وربما يتفوق على الخطر الإيراني مع مرور الوقت
ورغم أن تركيا وإسرائيل استفادتا بشكل كبير من تفكك المحور الذي تقوده إيران، وخاصة في سوريا، لكن تركيا كانت الرابح الأكبر، بينما تضاربت المشاعر الإسرائيلية وأفضت إلى نشوة مؤقتة أعقبها قلق دائم، فالعداء بين إسرائيل وتركيا لا يقارن بالصراع الطويل والدموي بين إسرائيل وإيران ووكلائها، والتحديات التي تواجه العلاقات التركية الإسرائيلية في الشرق الأوسط بعد الأسد تشير إلى تشكل منعطف حاسم في الجغرافيا السياسية الإقليمية، الأمر الذي يغير بصورة جذرية الديناميكيات التي طبعت العلاقات التاريخية بين تركيا وإسرائيل، والتي تأرجحت بين نسق من التحالفات البراغماتية والانقسامات الأيديولوجية، وقد أدى زوال عدوهما المشترك في سوريا إلى تحول في توازن القوى الإقليمي، وهو ما خلق تحديات جديدة وأخل بمرونة علاقاتهما الهشة.

إن انهيار "محور المقاومة" الذي تقوده إيران في سوريا، وانكفاء نفوذه الإقليمي وتراجع مشروعه الطموح الذي كان يمتد من إيران والعراق عبر سوريا إلى لبنان حزب الله، مثّل نعمة أمنية آنية بالنسبة لإسرائيل، فسرعان ما شعرت إسرائيل بالقلق من أن المحور الإسلامي السُنّي الجديد بقيادة تركيا قد يصبح خطيرا بنفس القدر، وربما يتفوق على الخطر الإيراني مع مرور الوقت، فالدعم التركي العلني الذي يقدمه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لأعداء إسرائيل وفي مقدمتهم حركة حماس، قد يتطور إلى آفاق بعيدة.

وبحسب تقرير لجنة "جاكوب ناجل" بشأن ميزانية الدفاع الإسرائيلية، الذي نُشر في السادس من كانون الثاني/ يناير 2025، فإن طموحات تركيا إلى "إعادة التاج العثماني إلى مجده السابق" تشكل تحديا أمنيا ملحا، وقد أوصت اللجنة في تقريرها إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بالاستعداد لحرب محتملة مع تركيا، في ضوء مخاوف متزايدة لدى تل أبيب من تحالف أنقرة مع الإدارة الجديدة في دمشق بعد سقوط نظام بشار الأسد. ونبهت اللجنة في تقريرها إلى خطر التحالف السوري التركي، الذي ربما "يخلق تهديدا جديدا وكبيرا لأمن إسرائيل"، وقد يتطور إلى شيء "أكثر خطورة من التهديد الإيراني"، وفقا للجنة التي تم تشكيلها عام 2023، قبل بدء الحرب على غزة، لتقديم توصيات لوزارة الدفاع الإسرائيلية بشأن مواطن الصراع المحتملة التي تواجهها إسرائيل في السنوات المقبلة، ويترأس اللجنة يعقوب ناجل، الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي.

إن التهديد الذي تشكله تركيا لإسرائيل يشكل تحديا جديا كبيرا لأمن إسرائيل في ضوء التحولات الجيوسياسية الدولية والإقليمية، وهو تحد بالغ الخطورة بالنسبة لإسرائيل، إذ يعد الجيش التركي أحد أكبر الجيوش وأكثرها قوة في الشرق الأوسط، ويتألف الجيش التركي من 425 ألف جندي نشط و380 ألف جندي احتياطي. ووفقا لمصادر أمنية، فإن النفوذ المتزايد لتركيا في سوريا كقوة مهيمنة يستلزم دراسة جدية لقدراتها العسكرية، وتشكل المليشيات العسكرية الموالية لتركيا في سوريا، مثل "الجيش الوطني السوري"، تهديدا محتملا لإسرائيل، وخاصة على طول الحدود السورية الإسرائيلية. ويمكن للرئيس أردوغان أيضا الاستفادة من مجموعات مثل هيئة تحرير الشام بقيادة الرئيس الحالي أحمد الشرع ضد إسرائيل.

وقد أعلن الجولاني، في السابق ذات مرة أنه "بعون الله، لن نصل إلى دمشق فحسب؛ بل إن القدس تنتظرنا". وكان أردوغان قد أصدر تهديدات مباشرة لإسرائيل، ففي 28 تموز/ يوليو 2024، صرح في مؤتمر لحزب العدالة والتنمية بالقول: "كما دخلنا قره باغ وليبيا، سنفعل الشيء نفسه مع إسرائيل".

إن السيناريو الإسرائيلي المفضل في سوريا هو التفتيت والتقسيم وخلق كيانات هشة ضعيفة على أسس عرقية ومذهبية، وهي الطريقة الوحيدة التي تجعل من إسرائيل دولة طبيعية في المنطقة من خلال كيانها اليهودي العنصري. ففي سوريا تتحقق رؤيتها من خلال تأسيس دويلات هشة وضعيفة على أسس عرقية إثنية ومذهبية دينية، وهي ذات الرؤية الاستعمارية التقليدية، فأُمنية "إسرائيل" هي رؤية سوريا مقسمة إلى بضعة جيوب؛ الأكراد في الشمال الشرقي، والدروز في الجنوب، والعلويون في الغرب.

وكانت وكالة رويترز كشفت نقلا عن أربعة مصادر مطلعة أن إسرائيل تسعى للضغط على الولايات المتحدة من أجل بقاء سوريا ضعيفة ومفككة ودون سلطة مركزية قوية، بما في ذلك السماح لروسيا بالاحتفاظ بقواعدها العسكرية لمواجهة ما سمته النفوذ التركي المتزايد في البلاد. وأضافت المصادر أن إسرائيل أبلغت واشنطن أن من سمتهم الحكام الإسلاميين الجدد في سوريا، المدعومين من أنقرة، يشكلون تهديدا لحدودها. ووفقا لرويترز، فقد ذكرت ثلاثة مصادر أميركية أن إسرائيل تشعر بقلق بالغ إزاء الدور الذي تلعبه تركيا كحليف للإدارة السورية الجديدة.

في هذا السياق أطلق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 23 شباط/ فبراير الماضي تحذيرا أشبه بإعلان حرب للإدارة الجديدة في دمشق، إذ قال: "لن نسمح لقوات النظام السوري الجديد بالانتشار جنوب دمشق"، وطالب بإخلاء جنوبي سوريا من هذه القوات بشكل كامل، وأكد نتنياهو على أن إسرائيل "لن تتسامح مع أي تهديد للطائفة الدرزية" في المنطقة. وتزامنت هذه التصريحات مع سلسلة هجمات واستهدافات عسكرية شنتها إسرائيل في ريف دمشق وجنوبي سوريا، ولاحقا شنت إسرائيل سلسلة هجمات في 25 شباط/ فبراير الماضي على مواقع عسكرية في ريف دمشق ودرعا والقنيطرة، كما توغلت برا في بلدات وقرى على الحدود الإدارية بين المحافظتين.

وقال وزير الحرب الإسرائيلي يسرائيل كاتس في بيان إن الهجمات "جزء من السياسة الجديدة التي حددناها لإخلاء جنوب سوريا من السلاح، والرسالة واضحة: لن نسمح لجنوب سوريا أن يصبح جنوب لبنان".

وعقب حالة التوتر في الأول من آذار/ مارس 2025، جراء اشتباكات بين عناصر أمن تابعين للسلطة السورية الجديدة ومسلحين محليين دروز في ضاحية جرمانا قرب دمشق، أسفرت عن مقتل شخص وإصابة تسعة آخرين بجروح، أصدر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس تعليمات للقوات الإسرائيلية "بالاستعداد للدفاع" عن مدينة جرمانا ذات الأغلبية الدرزية، وقال بيان صادر عن مكتب كاتس إن المدينة "تتعرض حاليا لهجوم من قبل قوات النظام السوري"، وقال كاتس: "لن نسمح للنظام الإسلامي المتطرف في سوريا بإيذاء الدروز. إذا آذى النظام الدروز، فسوف نضربه". وأضاف: "نحن ملتزمون تجاه إخواننا الدروز في إسرائيل ببذل كل ما في وسعنا لمنع إيذاء إخوانهم الدروز في سوريا، وسنتخذ كل الخطوات اللازمة للحفاظ على سلامتهم".

تستند إسرائيل في سياساتها العدوانية في سوريا إلى دعم أمريكي عسكري وسياسي مطلق، فما تقرره القيادة الإسرائيلية كضرورة للحفاظ على أمنها القومي تصادق عليه الإدارة الأمريكية، وتعتبر واشنطن ممارسات إسرائيل العدوانية بداهة استراتيجية من باب حق الدفاع عن النفس، فالمستعمرة الاستيطانية الصهيونية حجر الزاوية الأساس في مشروع الهيمنة الأمريكية على الشرق الأوسط، والاشتراطات الأمريكية على القيادة السورية الجديدة هو الالتزام بأمن إسرائيل ومحاربة أي مجموعة أو كيانات تناهض إسرائيل، وهو ما عبرت عنه واشنطن بوضوح، فعندما التقى القائد العام للإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع، بوفد دبلوماسي أمريكي رفيع المستوى في دمشق في 20 ديسمبر/ كانون الأول 2024، كانت مسألة الحفاظ على أمن إسرائيل ومحاربة الجماعات التي تهدد أمن المستعمرة والتي تختزل بتسميتها بالإرهابية هي جوهر البحث والمداولة. فقد قالت مساعدة وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف عقب اللقاء:سوريا الجديدة سوف تبقى تحت وطأة التصورات التي تحددها المستعمرة الصهيونية، والتي تصادق عليها الولايات المتحدة دون قيود، وتتجلى الرؤية الإسرائيلية بوجود دولة سورية هشة وضعيفة ومفككة ودون وجود سلطة مركزية قوية، وتستند إلى مقاربة استعمارية تقليدية تقوم على مبدأ "فرق تسد" من خلال التلاعب بالمكونات الإثنية العرقية والدينية الطائفية. فوجود كيان حكم سني يشكل كارثة وخطرا ينذر بولادة تحالف سني أكبر إن أبو محمد الجولاني التزم خلال الاجتماع في دمشق بعدم السماح للجماعات الإرهابية بالعمل في سوريا وتهديد الولايات المتحدة والدول المجاورة (إسرائيل)، فالولايات المتحدة على مدى عقود، ترتكز في مقاربتها للمنطقة على ضرورة مكافحة الإرهاب (الإسلامي) وضمان أمن إسرائيل (الصهيوني).

خلاصة القول أن سوريا الجديدة سوف تبقى تحت وطأة التصورات التي تحددها المستعمرة الصهيونية، والتي تصادق عليها الولايات المتحدة دون قيود، وتتجلى الرؤية الإسرائيلية بوجود دولة سورية هشة وضعيفة ومفككة ودون وجود سلطة مركزية قوية، وتستند إلى مقاربة استعمارية تقليدية تقوم على مبدأ "فرق تسد" من خلال التلاعب بالمكونات الإثنية العرقية والدينية الطائفية. فوجود كيان حكم سني يشكل كارثة وخطرا ينذر بولادة تحالف سني أكبر يؤدي إلى تنامي النفوذ التركي المتصاعد، ويشير إلى عودة وإحياء الإسلام السياسي السني، الذي تخشى الولايات المتحدة من تداعيات انتشاره على أمن الكيان الإسرائيلي وخطورته على أمن المنطقة.

ولذلك لن تفلح تطمينات النظام الجديد في سوريا، وسوف يبقى تحت وطأة التصنيفات الأدائية السياسية للإرهاب، وسوف تبقى الإدارة الأمريكية مخلصة في تأمين وجود ومصالح الاستعمار الصهيوني في المنطقة، وتلبية المتطلبات الإسرائيلية الأمنية والسياسية. ومهما قولبت "هيئة تحرير الشام" من أيديولوجيتها وبعثت برسائل تطمينية للعالم ودول المنطقة، لن تحصل على الرضى والقبول الأمريكي الإسرائيلي، وسوف تبقى تحت وطأة الضغوطات والتخريب بذريعة "الإرهاب"، ولن ترضى الإدارة الأمريكية والإسرائيلية عن الحكم الجديد دون شرط الخضوع التام، ولذلك فإن أولوية سوريا الجديدة هي تعزيز روابط التحالف مع تركيا، والعمل بجد على تأسيس جيش موحد قوي، وإخضاع كافة النزعات الانفصالية. فالرد على الكيان الاستعماري الإسرائيلي يجب أن يكون داخليا أولا باتخاذ قرارات وإجراءات قانونية وعسكرية وسياسية حاسمة تجاه المكونات الانفصالية؛ بدءا بقوات سوريا الديمقراطية ثم الانعطاف إلى بقية الكيانات الموازية.

x.com/hasanabuhanya

مقالات مشابهة

  • تحليل لهآرتس عن تحقيقات 7 أكتوبر: حماس تفوقت على الجيش الإسرائيلي
  • مناطق ج قلب الضفة الغربية الذي تخنقه إسرائيل
  • إيران: لن نقبل تجربة الإهانة التي تعرض لها زيلينسكي
  • اقرأ غدًا في «البوابة».. تحذيرات أممية من تفاقم الأزمة الإنسانية.. إدانات عربية ودولية لقرار إسرائيل منع دخول المساعدات إلى غزة
  • ما هي الأسباب التي تعزز فرص الهجوم الإسرائيلي على إيران؟
  • فونسيكا مدرب أولمبيك ليون قد يتعرض لإيقاف طويل.. اعرف السبب
  • 3 منهم في حالة خطرة.. إصابة 4 أشخاص في عملية طعن شمال كيان الاحتلال الإسرائيلي
  • إسرائيل تعتقل مواطنا بتهمة التجسس لصالح إيران
  • ما الذي تريده إسرائيل من سوريا الجديدة؟
  • مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي يعترف: تلقينا تحذير من هجوم حماس ليلة 7 أكتوبر لكن نتنياهو ظل نائما