المقاومة ومناصرة الحق… من منطلق إنساني!

فيصل محمد صالح

من البديهيات أنّ التعاطف مع من تراه مظلومًا يقاوم الظلم والعدوان لا يقتضي بالضرورة أن تتوافق مع كل آرائه السياسية ورؤيته وبرامجه، سواء كان هذا الطرف هو “حماس” أو “حزب الله” أو المؤتمر الوطني الأفريقي أو إرنستو تشي جيفارا.

يظن البعض أنّ الكتّاب والصحفيين والسياسيين السودانيين يجب أن يركّزوا على الشأن السوداني فقط، ولا يصرفوا وقتًا في الاهتمام بقضايا الدول والمناطق الأخرى.

هذا بالطبع خيار شخصي لمن اختاره، لكن الدعوة لتعميمه وتبنيه تتجاهل أنّ السودان ليس كوكبًا منعزلًا في المجرة، وإنما هو جزء من واقع وإقليم مضطرب، يؤثر ويتأثر بما يحدث، وبالتالي هناك واجب يجب أن يقوم به البعض، إن لم يكن الكل، في قراءة الواقع الاقليمي الدولي والبحث والكتابة عنه.

في الحالة الفلسطينية هناك احتلال وعدوان وفي حالة السودان النزاعات في أساسها بين أطراف سودانية

من النقاط التي تثار في السياق السوداني القول بأنّ السودان أبدى اهتمامًا كبيرًا بالقضايا العربية، ومنها القضية الفلسطينية، ولم تجد قضاياه اهتمامًا مماثلًا من الدول والشعوب العربية، وفي هذا الأمر أخذ ورد، ولكن لا يمكن تعميمه بشكل مطلق، كما أنّ مسألة المقارنة بالاهتمام العربي بأحداث غزّة تبدو غير منطقية. في الحالة الفلسطينية هناك الاحتلال والعدوان من دولة أجنبية، وهناك جانب القدسية الدينية لمدينة القدس، مثلًا، ولبيت لحم مكان ميلاد السيد المسيح. في حالة السودان فإنّ النزاعات في أساسها داخلية وبين أطراف سودانية في الأساس، ومن بعد ذلك يأتي البُعد الخارجي، ينطبق هذا على حرب الجنوب، وحروب دارفور، والحرب الحالية.

تبدو مسألة الاهتمام العربي بقضايا السودان مسألة نسبية ومتفاوتة، فيمكن الاحتجاج بأنّ المصدر الرئيسي لأخبار وتغطيات الحرب في السودان مصدرها القنوات العربية، على اختلاف توجهاتها، وليس الإعلام السوداني نفسه، أو العالمي، وكذلك تفعل الصحافة العربية التي تفتح صفحاتها للكتّاب السودانيين، وعلى اختلاف توجهاتهم أيضًا.

من منطلق الضمير الإنساني خرج طلاب الجامعات في أوروبا وأمريكا للتظاهر نصرةً للشعب الفلسطيني

ولا ينطلق الاهتمام بالقضية الفلسطينية والعدوان على غزّة ولبنان من منطلق عروبي وإسلامي فقط، وإلا لضاقت دائرة المهتمين، وإنما من منطلق إنساني عام، لمن أراد، ومن منطلق الضمير الذي يأبى الظلم أيًا كان موقعه ومرتكبه. ومن منطلق الضمير الإنساني الحر الذي يأبى الظلم والقهر والعدوان، خاصة إذا كان قد ذاقه من قبل، حملت جنوب أفريقيا قضية العدوان الإسرائيلي على غزّة إلى محكمة العدل الدولية. ومن المنطلق نفسه خرج طلاب الجامعات في أوروبا وأمريكا لأسابيع طويلة للتظاهر والاعتصام احتجاجًا على هذا العدوان ونصرةً للشعب الفلسطيني، ولم يكونوا عربًا ولا مسلمين، ولا أظنهم سمعوا بالقومية العربية ولا غيرها من الافكار السياسية في المنطقة العربية.

ينطلق كثير من السودانيين من مرارة حقيقية من ما فعلته حركة الإسلام السياسي بالبلاد وبالشعب السوداني طوال حكمها الذي استمر ثلاثين عامًا، من سجن وتعذيب وتشريد، ورهن مقدرات البلاد لمغامراتها الداخلية والخارجية، ومن تدمير وتشويه مؤسسات الدولة وإهدار مواردها، ثم مؤامراتها التي استمرت حتى أدخلت البلاد في هذه الحرب اللعينة. ويتحكم هذا الإحساس في مواقف البعض من حركات الإسلام السياسي في كل مكان، حتى في معاركها في صف مقاومة الاحتلال والعدوان الإسرائيلي، وهذا أمر يحتاج لإعادة نظر، فلكل خياراته واختياراته، لكننا جُبلنا على مناصرة الحق في مواجهة الباطل.

* نقلاً عن منصة “عروبة 22”

الوسومأرنستو تشي جيفارا السودان القضية الفلسطينية المؤتمر الوطني الأفريقي حزب الله حماس عروبة 22 غزة فلسطين فيصل محمد صالح

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: السودان القضية الفلسطينية المؤتمر الوطني الأفريقي حزب الله حماس عروبة 22 غزة فلسطين فيصل محمد صالح من منطلق

إقرأ أيضاً:

الدور التركي في النزاع السوداني مابين الوساطة والمصالح الاستراتيجية

منذ اندلاع النزاع المسلح في السودان، برزت العديد من القوى الإقليمية والدولية كلاعبين رئيسيين يسعون إلى تحقيق مصالحهم عبر الوساطة أو التدخل غير المباشر. من بين هذه القوى، كانت تركيا حاضرة في المشهد، سواء من خلال محاولات الوساطة بين الأطراف المتحاربة، أو عبر تحركاتها الاستراتيجية في المنطقة، بما في ذلك تعزيز وجودها العسكري في تشاد القريبة من الحدود السودانية. هذا المقال يستعرض دور تركيا في النزاع السوداني، علاقتها مع الأطراف المختلفة، مصالحها الاستراتيجية، وتأثير ذلك على مستقبل الصراع.
تركيا كوسيط بين الأطراف المتصارعة
مع تصاعد القتال في السودان، حاولت أنقرة تقديم نفسها كوسيط قادر على جمع الأطراف المتحاربة إلى طاولة المفاوضات. وضمن هذا الإطار، عرضت تركيا التوسط بين حكومة الأمر الواقع في بورتسودان ودولة الإمارات العربية المتحدة، في محاولة لاحتواء الخلافات المرتبطة بالصراع السوداني.
كما شهد يناير 2025 زيارة وزير الخارجية التركي إلى السودان، حيث التقى بالقيادة العسكرية لمجلس السيادة الانتقالي في بورتسودان، وقدم مقترحات لحل النزاع بالتنسيق مع دول إقليمية أخرى. تعكس هذه التحركات رغبة أنقرة في لعب دور سياسي في الملف السوداني، مستغلة علاقتها المتوازنة مع مختلف القوى الإقليمية والدولية ذات الصلة بالصراع.
الإسلاميون السودانيون في تركيا ودورهم في الصراع
تركيا تستضيف منذ سنوات عدداً من الإسلاميين السودانيين الذين غادروا البلاد بعد سقوط نظام البشير، والذين ما زالوا يمتلكون نفوذاً في المشهد السياسي والعسكري السوداني. بعض هؤلاء الإسلاميين يدعمون الجيش السوداني في مواجهة قوات الدعم السريع، بينما يفضل آخرون التهدئة والانخراط في عملية سياسية تضمن لهم دوراً مستقبلياً في الحكم.
وفي هذا السياق، ظهرت تقارير تفيد بأن قيادات إسلامية سودانية في تركيا تحاول التأثير على القرار العسكري والسياسي داخل السودان، سواء من خلال دعم الاتصالات بين الحكومة السودانية وأنقرة، أو عبر تحركات دبلوماسية تهدف إلى كسب التأييد الدولي لموقف الجيش السوداني.
علاقة تركيا بقوات الدعم السريع واللقاءات السرية
رغم دعمها الرسمي للجيش السوداني، لم تقطع أنقرة اتصالاتها مع "قوات الدعم السريع"، حيث عُقد في الأسبوع الأخير من ديسمبر 2024 لقاء سري في نيروبي بين مسؤولين أتراك وقيادات من الدعم السريع. خلال هذا الاجتماع، طلب قادة الدعم السريع من المسؤولين الأتراك أن يكون لتركيا دور في الاتفاق السياسي القادم بعد الحرب، كما طالبوا بتأمين حضور تركي في مرحلة إعادة الإعمار.
يبدو أن أنقرة تحاول الحفاظ على خطوط تواصل مفتوحة مع جميع الأطراف السودانية، تحسباً لأي سيناريوهات قد تطرأ في المستقبل، بما في ذلك احتمالات التسوية السياسية التي قد تفرض إشراك قوات الدعم السريع في أي اتفاق جديد.
الوجود العسكري التركي في تشاد وتأثيره على النزاع السوداني
في خطوة تعكس اهتمام تركيا بتوسيع نفوذها الإقليمي، تستعد أنقرة لتعزيز وجودها العسكري في تشاد عبر الحصول على قاعدتين عسكريتين بالقرب من الحدود مع ليبيا والسودان، وهما قاعدتا "أبشي" و"فاي لارجو"، اللتان انسحبت منهما القوات الفرنسية مؤخراً.
يمثل هذا التحرك تحولاً استراتيجياً، حيث يمكن لتركيا استخدام هذه القواعد لتعزيز حضورها في منطقة الساحل الإفريقي، والتأثير على التوازنات العسكرية في السودان وليبيا، خاصة في ظل التداخل بين المجموعات المسلحة السودانية والميليشيات الموجودة في تلك المناطق.

المصالح التركية في إنهاء الصراع السوداني
تمتلك تركيا عدة دوافع تجعلها حريصة على إنهاء الحرب في السودان، من بينها-
دور رئيسي في إعادة الإعمار ولقد حصلت تركيا على وعود من بعض الدول الخليجية بأن تكون شركاتها من الفاعلين الأساسيين في مشاريع إعادة الإعمار بالسودان بعد انتهاء الحرب، مما يمنحها فرصة اقتصادية مهمة.
تعزيز النفوذ الإقليمي و تسعى تركيا إلى توسيع نطاق تأثيرها في منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر، حيث تمتلك مصالح اقتصادية وسياسية وأمنية، ويرتبط السودان بموقع استراتيجي يخدم هذا الهدف.
العلاقات الاقتصادية السودان يمثل سوقاً واعدة للاستثمارات التركية في مجالات الزراعة والبنية التحتية والطاقة، وبالتالي فإن تحقيق الاستقرار في البلاد يخدم المصالح الاقتصادية لأنقرة.
تأمين نفوذها في تشاد والساحل الإفريقي , تعزيز الوجود العسكري التركي في تشاد يمنحها موطئ قدم قوي يمكن استخدامه لدعم مصالحها في السودان، سواء من خلال تقديم دعم مباشر للحكومة السودانية، أو عبر التأثير على مسارات الحل السياسي.
تلعب تركيا دوراً محورياً في النزاع السوداني، مستفيدة من علاقاتها مع مختلف الأطراف المتصارعة وسعيها لتحقيق مصالحها الاستراتيجية في المنطقة. وبينما تحاول أنقرة تقديم نفسها كوسيط سياسي قادر على إنهاء الحرب، فإن تحركاتها العسكرية والاقتصادية تكشف عن طموحات أوسع تتجاوز مجرد الوساطة، لتشمل إعادة تشكيل التوازنات الإقليمية في منطقة القرن الإفريقي والساحل الإفريقي.

*ويبقى السؤال الأهم وهو هل ستنجح تركيا في تحقيق توازن بين دورها كوسيط وبين مصالحها الاستراتيجية، أم أن تدخلها في الملف السوداني سيؤدي إلى تعقيد المشهد أكثر؟*

zuhair.osman@aol.com

   

مقالات مشابهة

  • مصطفى بكري: الجيش السوداني سيقضي على ميليشيا الدعم السريع
  • شجاع ومبدأي: بيان "الفجر" السعودي.. رفض مباشر لتصفية القضية الفلسطينية  
  • السوداني يبدي موافقته المبدئية على المشاركة في القمة العربية الروسية
  • الرياض تمارس دورها التاريخي.. رفض مباشر لتصفية القضية الفلسطينية
  • الدور التركي في النزاع السوداني مابين الوساطة والمصالح الاستراتيجية
  • وزير الخارجية السوداني: نشكر مصر على كرم ضيافتها لشعبنا .. زيارة مرتقبة للأمين العام للجامعة العربية
  • وزير الخارجية السوداني: نشكر مصر على ححسن ضيافة مُواطنينا
  • وزير الخارجية السوداني: المؤامرات قد تكون ضد مصر وليس فقط السودان
  • وزير الخارجية السوداني: الشعوب هي من تصنع العلاقات بين الدول
  • وزير خارجية السودان: ناقشت مع «أبو الغيط» نتائج تحركات الجامعة العربية في الشأن السوداني