عندما نتحدث عن قادة الحروب والأبطال التاريخيين الذين غيروا مجرى الأحداث، لا يمكننا أن نغفل عن اسم الملك أحمس الأول، الذي يعد واحدًا من أعظم حكام مصر القديمة، فقد كان أحمس البطل الذي قاد شعبه إلى الحرية وطرد الغزاة الهكسوس بعد سنوات من الاحتلال.

 لكن انتصاره لم يكن صدفة، بل كان نتاج عمل دؤوب لتطوير الجيش المصري وتحديث أسلحته وتقنياته الحربية، فما الذي جعل أحمس قادرًا على تحقيق هذا الإنجاز العسكري الفريد وكيف استطاع تحويل الجيش المصري إلى قوة ضاربة لا تقهر.

في بداية القرن السابع عشر قبل الميلاد، تمكن الهكسوس، وهم شعوب آسيوية ذات جذور مختلطة، من احتلال أجزاء واسعة من شمال مصر، واستطاعوا بفضل تفوقهم العسكري والتكنولوجي السيطرة على الدلتا وتحويلها إلى مركز حكمهم، مما جعلهم يشكلون تهديدًا خطيرًا على استقرار مصر ووحدتها. 

اعتمد الهكسوس في هيمنتهم على تفوقهم في استخدام تقنيات جديدة مثل العربات الحربية التي كانت مجهولة بالنسبة للمصريين في ذلك الوقت، إضافة إلى الأسلحة المتطورة المصنوعة من البرونز، لكن هذا التفوق لم يدم طويلًا، بفضل ما قام به أحمس من تغييرات جذرية في بنية الجيش المصري.

تطوير الجيش المصري.. رؤية أحمس العبقرية

كان أحمس مدركًا أن النصر على الهكسوس لن يكون ممكنًا إذا لم يتفوق الجيش المصري في جميع النواحي العسكرية، وهنا برزت عبقريته العسكرية ورؤيته الاستراتيجية، حيث قام بإجراء عدة إصلاحات شاملة هدفت إلى تحديث الجيش وتسليحه بأحدث الأسلحة، بالإضافة إلى تدريب الجنود على أساليب قتالية مبتكرة.

تبني العربات الحربية وتطويرها

من أهم التقنيات التي جلبها الهكسوس معهم كانت العربات الحربية، وهي مركبات حربية تجرها الخيول وتستخدم للمناورة السريعة في المعارك، في البداية كانت هذه العربات مصدر رعب للجنود المصريين الذين لم يكونوا معتادين على هذا النوع من الأسلحة، ولكن أحمس لم يكتفِ بمجرد تبني هذه العربات، بل قام بتطويرها.

وأدخل أحمس تعديلات هندسية على العربات الحربية لتصبح أخف وزنًا وأكثر سرعة، حيث جعل تصميمها أكثر مرونة وقوة في المناورة، كما تم تزويدها بعجلات أخف وزنًا وأكثر متانة، مما مكن الجنود المصريين من التحرك بسرعة وكفاءة في أرض المعركة.

استخدام الأسلحة البرونزية المتقدمة

وقبل عهد أحمس، كان المصريون يعتمدون بشكل رئيسي على الأسلحة الحجرية والنحاسية، والتي كانت أقل فعالية مقارنة بالأسلحة البرونزية المتطورة التي استخدمها الهكسوس، ولتدارك هذا الفارق، أمر أحمس بتصنيع الأسلحة من البرونز، وهي سبيكة أكثر صلابة ومرونة من النحاس، مما أدى إلى تحسين قوة الضربات ودقة الأسلحة.

ومن بين هذه الأسلحة كانت السيوف، الخناجر، والرماح البرونزية، والتي أصبحت جزءًا أساسيًا من تجهيزات الجنود المصريين، كما تم تطوير الدروع البرونزية والخوذات، مما زاد من حماية الجنود وجعلهم أكثر قدرة على مواجهة الهكسوس في المعارك وجهًا لوجه.

إعادة تنظيم الجيش وبناء قوات بحرية قوية

إلى جانب تحديث الأسلحة، أدرك أحمس أهمية تنظيم الجيش بشكل أفضل ليكون أكثر فعالية في المعركة، وقام بتقسيم الجيش إلى وحدات متخصصة، حيث كان هناك وحدات للمشاة، وحدات للعربات الحربية، وأخرى للرماة، وهذا التنظيم ساعد على تنسيق الهجمات بشكل أفضل وتوزيع الأدوار في ساحة المعركة بفعالية أكبر.

كما لم يغفل أحمس عن أهمية القوة البحرية، فقام بتطوير أسطول حربي قوي يمكنه التصدي لأي تهديدات تأتي من البحر واستخدم هذا الأسطول في شن هجمات على معاقل الهكسوس في شمال مصر وعلى طول الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، مما ساعد في تقويض سيطرة الهكسوس وتعزيز التفوق المصري.

بناء التحصينات والاستراتيجية الدفاعية

كان أحمس يدرك أن حماية مصر لا تعتمد فقط على الهجوم، بل أيضًا على الدفاع المحكم ولذلك أمر ببناء وتطوير العديد من التحصينات والحصون لحماية الحدود المصرية، وخاصة في المناطق الاستراتيجية مثل دلتا النيل، كما طور نظم الدفاع في المدن المصرية لتكون قادرة على الصمود أمام أي هجوم مفاجئ.

استراتيجية أحمس في المعركة.. عبقرية القيادة

لم يكن أحمس مجرد قائد عسكري تقليدي، بل كان استراتيجيًا عبقريًا وعرف كيف يستغل نقاط ضعف الهكسوس ويوظف تفوقه العسكري لتحقيق النصر فمثلًا، في معركة "أفريس" الشهيرة، التي تعد من أبرز المعارك في حربه ضد الهكسوس، قام أحمس بتنفيذ هجوم مفاجئ على مدينة أفريس، العاصمة الرئيسية للهكسوس في مصر، باستخدام عربات حربية متطورة وجنود مدربين على أعلى مستوى، تمكن الجيش المصري من اختراق دفاعات الهكسوس وتدمير معاقلهم.

بعد هذه المعركة، تابع أحمس حملته لتحرير الدلتا بالكامل، فقام بملاحقة فلول الهكسوس حتى فلسطين، حيث قضى على آخر بقاياهم وضمن استقرار مصر لعدة قرون.

إرث أحمس.. بداية عصر جديد لمصر

لم يكن انتصار أحمس مجرد انتصار عسكري، بل كان بداية لعصر جديد من القوة والاستقرار في مصر وبفضل إصلاحاته العسكرية وتحديثه للجيش، أسس أحمس لدولة قوية استعادت سيادتها وأمنها، وقد استمر أبناؤه وأحفاده في اتباع نهجه، مما أدى إلى فترة من الازدهار والرخاء استمرت لعقود طويلة.

ويمكن القول إن أحمس الأول لم يكن مجرد قائد عسكري عادي، بل كان قائدًا ملهمًا قاد شعبه في أحلك الظروف نحو النصر وبفضل رؤيته الثاقبة وعبقريته في تطوير الجيش، تمكن من تحرير مصر من الهكسوس، ووضع أسسًا جديدة لقوة الجيش المصري ظلت مرجعًا للأجيال التالية من الحكام.

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: ابطال استقرار مصر الهكسوس الجيش المصري القرن السابع عشر العربات تقنيات جديدة

إقرأ أيضاً:

التاريخ.. والسياسة.. والشِعر!

 

 

 

يوسف عوض العازمي

@alzmi1969

 

 

"وحده الشعر يُمكنه كسر الغرف المغلقة للإلهام، وإرجاع المناطق المخدرة إلى الشعور، وإعادة شحن الرغبة". أدريان ريتش.

 

*****

في جلسة ليلية بإحدى ليال الكويت الباردة، تحت خيمة الصباح الدافئة، وعلى وهج الجمر فوق الدوه، وفوقها تجلس بهدوء على النار الهادئة دلة قهوة، و قوري شاي، وأحاديث سمر عن التاريخ، والسياسة، وأحوال الناس، وأوضاع الأحوال المستقرة واللا مستقرة، وتدخلات القصيد والشعر، وآراء أهل الأدب في السياسة، وكلام أهل الاقتصاد عن التضخم، والإنتاج والبطالة، وأحاديث تميل أحيانًا عن أسعار الغنم والأبل، وتموضعات ما جرى ويجري على ساحة السياسة الدولية، وأثناء ذلك و بعد ذلك حضر الشعر، وازدان المجلس بأبياته، وتعلقت المعاني بذهن السامع، ويبقى المعنى في بطن الشاعر!

 

يا صاحبي بعض العرب ناموا وأنا نومي ثقيل

والسالفة إن روحت أو وقفت هي مشكلة..

 

يا صاحبي والشدة إمع النفس بالدرب الطويل

تعبر مسافات الطريق الموحشة والموغلة.

 

تجري بنا الأيام والأحلام وبليا حصيل

سنين عمر الناس مرسومة سواة السلسلة..

 

بعض المسائل غامضة مستصعبات وما تميل

تحرق مراحل وضعها من مرحلة لي مرحلة..

 

أدور وأوقف وأتحرك والمساعي ما تخيل

وأدارك الوضع المشوه وأتحاشى البهذلة..

 

مرة تجي بالكيف ومره هي سواه المستحيل

لا شك خلاق الملا.. أمورنا ما تجهله..

 

أمشي وأبطي خطوتي أناظر إل شمس الأصيل

أفكر بعمق العلوم القادمات المقبلة..

 

عن السياسة وأهلها وإعلوم من قايل وقيل

ومن يكتب التاريخ ويدون جواب الأسئلة..

 

بحر السياسة فايض بالدم وأمواجه تسيل

كل يداحم بس منهو اللي يطول الطايلة..

 

يا كم عميل في عواهنها تبرا من عميل

صفحات تاريخ البشر فيها العلوم إمسجله..

 

ما يكتب التاريخ محتال ولا عابر سبيل

وأهل النقاط المبهمة وأهل الآراء المرسلة..

 

أما تكون إكتابتك ملجا ولك ظل ظليل

وإلا تخير في فنا التاريخ أية مزبلة!

 

كتابة التاريخ درب شرطه الصبر الجميل

كم من مؤرخ مالقا له في كتابتها صله..

 

الراس في التاريخ ما يصلح تصفه مع ذليل

العنصر الفعال في صنع الحدث لا تهمله..

 

الناس كأصناف المنازل كل منزل له دليل

مرقمه ومحسبه.. ومرتبه.. ومنزله..

 

أكتب حقيقة ما حصل الصدق ما عنه بديل

لا تصير في خانة أهل الباطل ولا تستسهله..

 

ناس تقول وما تطول ناس تشال وما تشيل

ناس فرجها الله وناس ما تزال إبمُعضلة..

 

يا الله نحمد نعمتك إلك الثنا وشكر جزيل

إستر علينا ما مضى يسر علينا العاجلة..

 

أنعامنا خير كثير واللي بقى ما هو قليل

من رحمتك من قدرتك في الآخرة والأوله..

 

يا صاحبي بعض العرب ناموا وأنا نومي ثقيل

لا شك خلاق الملا.. أمورنا ما تجهله..

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • قماش البروكار الدمشقي عبق التاريخ يأبى الاندثار
  • آخر معلومة.. إسرائيل ستنسحب من الجنوب في هذا التاريخ
  • التاريخ.. والسياسة.. والشِعر!
  • عمرو أديب يرد على حواس: إذا كانت حتشبسوت أهلاوية فالملك أحمس زملكاوي
  • واشنطن: التدريبات العسكرية مع الفلبين "دفاعية فقط"
  • أحمس زملكاوي وعندي الدليل.. عمرو أديب يرد على زاهي حواس بأهلاوية حتشبسوت
  • عمرو أديب يرد على زاهي حواس: إذا كانت حتشبسوت اهلاوية فأحمس زملكاوي
  • سنجة تستعيد عدد من العربات وآليات النظافة المنهوبة من قبل مليشيا الدعم السريع
  • بكري: الجيش المصري الذي حقق النصر في أكتوبر قادر على تكرارها
  • «مصطفى بكري»: مش عايزين المعونة الأمريكية.. وحنقطع من لقمة عيشنا لدعم الجيش المصري «فيديو»