مدى صحة مقولة دعوة أربعين غريبًا مستجابة
تاريخ النشر: 28th, October 2024 GMT
قالت دار الإفتاء المصرية، برئاسة الدكتور نظير عياد، إن دعاء الشخص لغيره بظهر الغيب مستحب، بل ومستجاب إن شاء الله تعالى، إلا أنه لم يرد في الشرع ما يفيد تقييد الداعين بعددٍ معين، ولا بكونهم غرباء.
مدى صحة ما يقال من أن دعوة أربعين غريبًا مجابةوأوضحت الإفتاء أن مقولة دعوة أربعين غريبًا مجابة، ليست حديثًا نبويًّا، وإنما هو ممَّا شاع على ألسنة الناس واشتُهر، ولم نقف عليه في كتب السنة بهذا اللفظ، إلا أنَّ معناه ثابتٌ في حديث سيدنا عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ أَسْرَعَ الدُّعَاءِ إِجَابَةً؛ دَعْوَةُ غَائِبٍ لِغَائِبٍ» رواه أبو داود والترمذي في "سننيهما".
قال الإمام المظهري في "المفاتيح شرح المصابيح" (3/ 130، ط. دار النوادر): [قوله: "إنَّ أسرعَ الدعاءِ إجابةً دعوةُ غائبٍ لغائبٍ"؛ يعني: إذا دعا أحدٌ لغائب يُستجابُ دعاؤه له؛ لأنه بعيدٌ عن الرياء والطمع، بل لا يدعو غائبٌ لغائب إلا خالصًا لله، وما كان خالصًا لله يكون مقبولًا] اهـ.
وأضافت الإفتاء: الدعاء للغير مشروع، وهو أشد تأكيدًا وأرجى في القبول إذا كان بظهر الغيب؛ أي في غيبة المدعو له؛ لأنه أبلغ في الإخلاص؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَدْعُو لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ، إِلَّا قَالَ الْمَلَكُ: وَلَكَ بِمِثْلٍ» أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه".
قال الإمام النووي في "شرحه على صحيح مسلم" (17/ 49، ط. دار إحياء التراث العربي) : [وفي هذا فضل الدعاء لأخيه المسلم بظهر الغيب، ولو دعا لجماعة من المسلمين حصلت هذه الفضيلة، ولو دعا لجملة المسلمين فالظاهر حصولها أيضًا، وكان بعض السلف إذا أراد أن يدعو لنفسه يدعو لأخيه المسلم بتلك الدعوة؛ لأنها تستجاب ويحصل له مثله] اهـ.
ويضاف إلى ذلك ما جاء في "شرح سنن أبي داود" للإمام بدر الدين العيني (5/ 446، ط. مكتبة الرشد): [قوله: «بظهر الغيب» أي: في سرّه وبغير حضوره، كأنه من وراء معرفته ومعرفة الناس؛ لأنه دليل على إخلاص الدعاء له كمثل ما يجعله الإنسان وراء ظهره، ويسْتره عن أعين الناس] اهـ.
وأكدت الإفتاء أنه لم يرد في الشرع ما يدل على تقييد العدد بأربعين أو غيره كقيد لاستجابة الدعاء، وإنما مطلق الدعاء بظهر الغيب مستجاب إن شاء الله كما بينَّا سابقًا.
بيان فضل الدعاء
وعن فضل الدعاء أوضحت الإفتاء أنه عبادة مستحبة؛ لِما فيها من التضرع والتذلّل والافتقار إلى الله تعالى، وقد حثَّنا الله تعالى عليها فقال سبحانه: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة: 186]، وقال أيضًا عزَّ وجلَّ: ﴿ٱ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾ الأعراف: 55.
وقد ورد في السنة النبوية المطهرة بيان فضل الدعاء؛ فعن سيدنا النعمان بن بشيرٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الدُّعَاءَ هُوَ الْعِبَادَةُ»، ثم قرأ: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غافر: 60] أخرجه الأربعة في "سننهم".
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: دار الافتاء المصرية الإفتاء دعوة أربعين غريب ا مستجابة بظهر الغیب فضل الدعاء
إقرأ أيضاً:
علي جمعة: لا حياء في الدين مقولة خاطئة والصحيح لا حرج في الدين
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، انه في بداية عام جديد ، نسعى لتأسيس منهج للأخلاق التي بُعِثَ بها سيدنا رسول الله ﷺ ، عسى أن يوفقنا الله للتخلق بأخلاقه الشريفة الرفيعة، فنفوز بخيري الدنيا والآخرة. هيا بنا نستمع إلى وصاياه ﷺ حول الأخلاق، ونعمل على تطبيقها في حياتنا، بدءًا بأنفسنا، ثم بمن يلينا، ومن نعول، امتثالًا لقوله ﷺ: «ابدأ بنفسك ثم بمن تعول»، حتى نصبح قدوة حسنة، كما كان ﷺ قدوة للعالمين.
وأضاف جمعة، في منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، ان من بين هذه الأخلاق، أخلاق أساسية اشترك فيها العالم في الدعوة إليها، حتى بدايات هذا العصر النكد، الذي خلقنا الله فيه، حيث أصبحت وكأنها مَنْقَصَة، لذا، علينا التمسك بها. يقول رسول الله ﷺ «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت». فالحياء كان وما زال أحد أخلاق الأنبياء. وإذا غاب الحياء عن الفرد أو المجتمع، فقدوا ضابطهم الأخلاقي. تخيل شخصًا أو جماعة يفعلون ما يشاؤون دون رادع؛ النتيجة كارثية، كتلك السيارة التي تسير بلا قائد، فتحطم نفسها وكل ما حولها. الحياء هو الضابط الذي يجعل الإنسان عابدًا لربه، معمّرًا لكونه، مزكيًا لنفسه.
جاء أحدهم إلى رسول الله ﷺ يلوم أخاه على شدة حيائه فقال له رسول الله ﷺ : « دَعْهُ فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنَ الإِيمَانِ ».كل أنواع الحياء خير، وليس هناك في نفي الحياء خير، بل الشر كل الشر في نفي الحياء.
وقال النبي ﷺ عن حياء عثمان بن عفان رضي الله عنه: «ألا أستحيي من رجل تستحيي منه الملائكة». فقد بلغ عثمان رضي الله عنه أعلى درجات الحياء، فكان حييًّا مع الله، ومع نفسه، ومع الناس. حياؤه كان حاضرًا حتى في خلواته، فما بالك بجلواته. هذا الولي التقي كان يستحيي من الله في سره وعلنه، حتى استحت منه الملائكة.
عندما جاء سيدنا جبريل عليه السلام إلى سيدنا النبي ﷺ في بدء الوحي، قصّ النبي ﷺ على السيدة خديجة ما يحدث، وقال إنه لا يعرف هل هو ملك أم شيء آخر. فقالت: إذا أتاك فأخبرني، فأتاه، فخلعت السيدة خديجة ما على رأسها من خمار، فذهب ، فلما أعادت ارتداءه ، عاد، فعرفت أنه مَلَك؛ فقالت: ما هذا بشيطان، هذا ملك من الرحمن. لأن الشياطين لا تعرف الحياء، بينما الحياء من صفات الملائكة. معيار واضح وحاد وصريح.
سيدنا النبي ﷺ وضح أن أصل الحياء هو الحياء من الله. لذا، درب نفسك على استحضار مراقبة الله في كل وقت. وهناك عَلَاقة بين الحياء وبين الذكر، {اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} ؛ فالذكر يعين على غرس الحياء من الله في القلب، ليظهر أثره في الوجه والسلوك بين الناس.
شاعت بين الناس عبارة:"لا حياء في الدين". وهي مقولة غير صحيحة. الصحيح هو: "لا حرج في الدين". فقد أباح الدين السؤال والتعلم حتى في الأمور التي قد تكون حساسة، مع مراعاة الأدب والحياء.وأن نكتفي بالإجمال دون التفصيل.
الحياء هو المفتاح السحري للأخلاق. إذا التزم الإنسان بالحياء، فتحت أمامه أبواب الخير، وأصبح مستحقًا لبقية أخلاق الإسلام.