بعد مرور أكثر من عام على حرب "إسرائيل" ضد قطاع غزة، من الصعب التحدث عن "التصعيد"، لأن عزل لحظات منفردة من التصعيد العسكري، مثل الهجوم الإسرائيلي على إيران السبت، يبدو وكأنه يوحي بأن ما يحدث في غزة أمر طبيعي أو مقبول بخلاف ذلك. 

ونشرت صحيفة "الغارديان" مقالا للصحفية نسرين مالك جاء فيه إنه "يمكننا بدلا من ذلك التحدث عن المواجهة وربما يمكننا التحدث عن كيف واجهت حملة إسرائيل في شمال غزة العالم خلال الأسبوعين الماضيين بما أصبح من الصعب إنكاره على نحو متزايد: التطهير العرقي لسكان غزة.

يُقتل المدنيون، بما في ذلك الأطفال، بطرق لا يمكن أن تشير إلا إلى هجوم عشوائي للقضاء على الفلسطينيين، أو تخويفهم حتى ينتقلوا بأعداد كبيرة من مناطق الموت والجوع المتزايدة باستمرار. قال القائم بأعمال رئيس الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة يوم السبت: "إن سكان شمال غزة بالكامل معرضون لخطر الموت".

وأشارت الكاتبة إلأى أن لدى المتطرفين الإسرائيليين الجواب على التساؤل: "ولكن إلى أين سيذهبون؟"، ففي وقت سابق من هذا الشهر، انعقد مؤتمر تحت عنوان "الاستعداد لإعادة توطين غزة"، حضره مئات الأشخاص، خارج قطاع غزة. 

وعلى أصوات المدفعية وإطلاق النار، اجتمع الإسرائيليون لاتخاذ قرار بشأن ما ينبغي لهم أن يفعلوه بغزة ومن يعيش فيها بمجرد انتهاء الحرب. واقترحت إحدى الشابات: "ينبغي لنا أن نقتلهم جميعا". 


وكان وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، أكثر عقلانية بعض الشيء. فقال: "سنشجع على النقل الطوعي لجميع مواطني غزة. وسنقدم لهم الفرصة للانتقال إلى بلدان أخرى لأن هذه الأرض مُلك لنا".

أما كيف يبدو هذا "التشجيع"؟ أجابت مالك، إنه استنادا إلى أحداث العام الماضي، فمن الآمن أن نقول إنه لا ينطوي على المنطق والإقناع. إن التشجيع يبدو في شكل الغارات الجوية "المتواصلة" على شمال غزة، كما وصفت الأمم المتحدة المرحلة الأخيرة من الهجوم. 

وأضافت أن "إحراق المرضى أحياء في أسرة المستشفيات، كما حدث لشعبان الدلو، الذي كان لا يزال متصلا بخط وريدي بذراعه، واستهداف الأطفال بمسيّرات، ثم الضرب المزدوج: إرسال ضربة ثانوية لضرب أولئك الذين يتجمعون للمساعدة. وخلق ظروف المجاعة من خلال منع الإمدادات. وإصدار الأوامر للفرق الطبية والدفاع المدني بمغادرة مخيم جباليا للاجئين. وتصنيف العديد من مراسلي الجزيرة الذين ما زالوا يعملون في المنطقة على أنهم إرهابيون".

وأكدت أن هذه إستراتيجيات متطرفة ولكنها تتوافق بشكل عام مع النهج الذي يمارس في جميع أنحاء الأراضي المحتلة، والذي يفرض على الفلسطينيين الحركة "الطوعية" من خلال حرق الأرض التي يعيشون عليها، مشيرة إلى أنها زارت مؤخرا العديد من المدن في الضفة الغربية، حيث كان من الواضح إلى أي مدى تم تأمين توسع المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية من خلال عدم إعطاء الفلسطينيين أي خيار سوى الانتقال - من خلال الترهيب، وخنق النشاط الاقتصادي من خلال إغلاق مناطق السوق وتزويدها بنقاط التفتيش والجنود، والخداع البيروقراطي الذي يسمح بهدم المنازل وإغلاق المتاجر. 

وأوضحت أن مدينة الخليل الفلسطينية تزداد ارتفاعا وكثافة، حيث يقوم الناس ببناء شقق للانتقال من المنطقة القديمة التي يتم تقليص عدد سكانها "طوعا"، من خلال إجراءات تجعل المنطقة غير صالحة للسكن. ويجد الفلسطينيون الذين بقوا في المدينة أنفسهم محاصرين في مواجهات مع المستوطنين والجنود، ثم يتم وصفهم بأنهم خطر أمني ويتم قتلهم لتحديهم الخطة.

وبينت أن هذا الأمر يتكرر بقوة في غزة. ففي مقابلة إذاعية في أيلول/ سبتمبر، قال البروفيسور عوزي رابي، رئيس مركز موشيه ديان في جامعة تل أبيب، إنه يأمل في إبعاد "جميع السكان المدنيين من الشمال، وإدانة من يبقون هناك قانونيا باعتبارهم إرهابيين وإخضاعهم لعملية تجويع أو إبادة". 

وهذا يتفق مع ما يسمى بخطة الجنرالات، وهي خطة اقترحها عدد من الجنرالات المتقاعدين إلى الحكومة الإسرائيلية في أوائل تشرين الأول/ أكتوبر، يدعو إلى منح الفلسطينيين بضعة أيام لمغادرة شمال غزة، ثم إعلانها منطقة عسكرية وقتل وتجويع من يبقون.

وقالت إن هذه المرحلة الجديدة الصارخة، وحتى الاحتفالية [إسرائيليا]، من الحرب تحمل شيئا من الشلل. إنها مذهلة في قسوتها التي لا يمكن تصورها، والتي يتعين على بقية العالم أن يبتلعها كل صباح. إن كل الانتصارات الخطابية والقانونية التي تحققت خلال العام الماضي، وكل الاحتجاجات والصراخ والإدانات من جانب المنظمات الدولية، لا قيمة لها إذا كان ما انتهى بنا إليه هو مكان يحمل فيه الأطفال الفلسطينيون الآن إخوتهم الجرحى لساعات. ومع ذلك، لا يمكن، ولا يُراد، إيقاف هذا.


وأضافت أن ما تواجه إسرائيل به العالم الآن هو ليس معرفة أن النظام معطل، بل إنه يعمل بالضبط كما تم تصميمه. وهذا التصميم هو الذي تكون فيه الحسابات الأنانية للقوى الإمبريالية وحلفائها هي كل ما يهم. إن الفلسطينيين يجلسون ليس في مرمى نيران إسرائيل فحسب، بل وأيضا الأنظمة العربية التي استقرت بفضل قربها من الولايات المتحدة التي تطالب بالخضوع عندما يتعلق الأمر بأفعال إسرائيل. وفي مرمى نيران صناعة الأسلحة المربحة للغاية بحيث لا يمكن تقليصها. وفي مرمى نيران نظام تديره الولايات المتحدة والذي قايض حياة الفلسطينيين من أجل رعاية قوة مهيمنة في المنطقة من شأنها أن تحد من قوة إيران. وفي مرمى نيران حكومات غربية ترفض الحد من تصرفات إسرائيل بشكل هادف بينما توبخ المواطنين الذين يهددون بالتصويت لأحزاب أخرى.

وكمثال على ذلك اشارت الكاتبة إلى ما قالته كامالا هاريس الأسبوع الماضي عندما سُئلت عن الناخبين الذين قد يختارون طرفا ثالثا لتسجيل غضبهم من سياسة الإدارة تجاه غزة: "أعلم أيضا أن العديد من الأشخاص الذين يهتمون بهذه القضية يهتمون بخفض أسعار البقالة، كما يهتمون بديمقراطيتنا"، فهل يريد الناخب بطنا أكثر امتلاء أم يريد وقف الإبادة ضد الفلسطينيين؟ يا له من خيار.

وقالت الكاتبة: "لقد عدنا في التاريخ، إلى كون القوة فقط هي الحق، وتحولت أصواتنا الانتخابية وأصواتنا إلى غبار. إذا لم تحرك أجساد الأطفال المشوهة شعرة لدى هاريس، فما الفرق إذا صوت المرء لها أم لا، إذا صوت على الإطلاق؟ كيف يمكن للمرء أن يبرر المحو المتكشف لشعب على مرأى من الجميع، وإيجاد طريقة ما لدمجه في منطق سياسي حيث معاناتهم في ظل إدارة ديمقراطية أخرى لا تزال أقل الشّرين؟ كيف تضع مسافة كافية بينك وبين الفلسطينيين في غزة، دون قبول أن بعض إنسانيتك تموت مع ذلك؟".

وذكرت أن كانت المرحلة الأخيرة من الحزن هي القبول. إلا أنه لا يمكننا قبول إلا ما مضى وانتهي. أما في غزة، حيث الموت مستمر، والدمار لا هوادة فيه، والنوايا واضحة، لا يمكن القبول بما يجري ـ بل فقط القطيعة والانسحاب.. ولا يمكن التعايش مع ما يحدث. ومع وصول إسرائيل إلى قمة أخرى من الوحشية، يصبح من الواضح بلا شك أن القوى التي سمحت لكل شيء بالوصول إلى هذا الحد لا يمكن التفاهم معها ولا يمكن ان تجعلها تخجل. بل لا يمكن إلا التمرد عليها.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات سياسة دولية سياسة دولية إسرائيل غزة الفلسطينيين إسرائيل فلسطين غزة الإعلام الغربي حرب الابادة المزيد في سياسة سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی مرمى نیران شمال غزة لا یمکن من خلال فی غزة

إقرأ أيضاً:

جميل عفيفي: العالم عاجز أمام غطرسة إسرائيل ومصر لن تسمح بتهجير الفلسطينيين

قال الكاتب الصحفي جميل عفيفي، إنّ رسائل الرئيس عبدالفتاح السيسي خلال مؤتمر الأمس مهمة للغاية وحملت معاني كثيرة، موضحا أنه منذ عام 1948 وحتى أزمة 7 أكتوبر 2023  إلى الآن لم يوجد حل للقضية الفلسطينية، لكن إسرائيل تزداد غطرسة ودموية وتواصل تنفيذ جرائم ضد الإنسانية، وضرب مستمر لقطاع غزة واستهداف المدنيين والبنية التحتية.    

خبير سياسي: السيسي عبّر عن موقف مصر الحازم في رفض تهجير الفلسطينيين بسمة وهبة: تصريحات الرئيس السيسي اليوم تاريخية.. "تحيا مصر وفلسطين"  الدولة المصرية لعبت دورا مهما في وقف إطلاق النار في قطاع غزة

وأضاف «عفيفي»، خلال حواره مع الإعلاميتين سارة سراج ويارا مجدي، ببرنامج «هذا الصباح»، المذاع عبر فضائية «إكسترا نيوز»، أنّ الدولة المصرية لعبت دورا مهما في وقف إطلاق النار في قطاع غزة وإعادة إعمارها، مشيرا إلى أنه منذ 1948 وحتى الآن العالم لا يتحرك نهائيا لحل القضية الفلسطينية، معلقا: «الحل الحقيقي هو وجود دولة على حدود الرابع من يونيو 67 وعاصمتها القدس الشرقية».

محاولة التهجير القسري للفلسطينيين تعني التصفية التامة للقضية 

وتابع: «محاولة التهجير القسري للفلسطينيين تعني التصفية التامة للقضية الفلسطينية كما أكد الرئيس السيسي بالأمس أن هذا ظلم للشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية ودماء الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم من أجل الحفاظ على أرضهم».  

جدير بالذكر أن المفكر السياسي الدكتور عبد المنعم السعيد، أكد أن كلمات الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال المؤتمر الصحفي مع نظيره الكيني كانت ردًا قويًا على دعم مصر الثابت للحق الفلسطيني، حيث عبّر عن موقف مصر الواضح والحازم في الدفاع عن بقاء الفلسطينيين على أرضهم ورفض التهجير، والتأكيد على استمرار هذا الدعم دون تراجع.

وأضاف خلال مداخلة عبر "القاهرة الإخبارية"، أن تصريحات الرئيس السيسي شكلت أيضًا ردًا مباشرًا على الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، خاصة بعد أن ادّعى ترامب إجراء مكالمة مع السيسي بخصوص القضية الفلسطينية، وهو ما ثبت عدم صحته بعد مراجعة سجلات البيت الأبيض.

وأكد أن الرئيس عبد الفتاح السيسي أوضح بشكل قاطع أن هناك حدودًا لما يمكن أن تفرضه إسرائيل، وحدودًا أخرى لما يمكن للولايات المتحدة التدخل فيه.

وأشار السعيد إلى أن الشعب الفلسطيني في غزة أثبت تمسكه بأرضه رغم الدمار والمعاناة، حيث اتجه العديد من النازحين شمالًا نحو ديارهم بدلاً من التوجه إلى الحدود المصرية، في دليل واضح على صمودهم وإصرارهم على البقاء في وطنهم.

وأعرب محمود عباس، رئيس دولة فلسطين ، عن بالغ التقدير لموقف الرئيس عبد الفتاح السيسي الثابت الذي أعاد فيه التأكيد على رفض بلاده تهجير شعبنا من قطاع غزة.

​​ وبحسب وكالة الانباء الفلسطينية"وفا"، أضاف عباس، في برقية بعثها إلى الرئيس المصري بهذا الخصوص، "إننا نعرب عن بالغ تقديرنا لموقف مصر الثابت الذي قمتم اليوم بإعادة التأكيد عليه، وهو تجديد الرفض لتهجير شعبنا من قطاع غزة، ورفض الظلم على الشعب الفلسطيني، وتجديد موقف مصر التاريخي الداعم للقضية الفلسطينية والذي لا يمكن أبداً التنازل عنه بأي شكلٍ من الأشكال، إن هذه الكلمات لها وقعها وأثرها الكبيرين على أبناء شعبنا، وهو الموقف المتوافق مع القانون الدولي، والذي يصر عليه شعبنا، ويتمسك بالبقاء على أرض فلسطين والصمود فيها، ومكافحة أي محاولة لاقتلاع شعبنا من أرضه إلى أي بلد آخر".

وأضاف : "نثمن كذلك، تأكيد دعم مصر بقيادتكم للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ونيل حريته واستقلاله، بإنهاء الاحتلال وتحقيق السلام المستند لقرارات الشرعية الدولية، ولتنعم دول وشعوب منطقتنا بالأمن والاستقرار، وهو ما نسعى بكل السبل لتحقيقه، مع التأكيد بأن الأولوية الآن لتثبيت وقف إطلاق النار وتوفير المساعدات وبدء استلام السلطة الفلسطينية إدارة معبر رفح، تمهيدا لتولي دولة فلسطين لمهامها في قطاع غزة، كونه جزءا لا يتجزأ من أرض دولة فلسطين".

وتمنى عباس، للرئيس المصري الصحة والسعادة، ولجمهورية مصر العربية وحكومتها الرشيدة وشعبها الشقيق، المزيد من التقدم والازدهار.

مقالات مشابهة

  • وزير شئون الأسرى الفلسطينيين الأسبق: إسرائيل لم توقف حربها على غزة بشكل كامل
  • وزير شؤون الأسرى الفلسطينيين الأسبق: إسرائيل لم توقف حربها على غزة بشكل كامل
  • مقال في فورين أفيرز: هذا ثمن سياسة القوة التي ينتهجها ترامب
  • "مصر تجسد القوة العربية الحقيقية".. تقرير يوضح الموقف المصري الثابت لدعم الفلسطينيين
  • تعرّف على المنظمة التي تلاحق مجرمي الحرب الإسرائيليين بجميع أنحاء العالم
  • الرئيس اللبناني يشدد على ضرورة إعادة الأسرى اللبنانيين الذين اعتقلتهم إسرائيل خلال الحرب
  • تعرّف على الأسرى الفلسطينيين الذين ستفرج عنهم إسرائيل في الدفعة الثالثة
  • جميل عفيفي: العالم عاجز أمام غطرسة إسرائيل ومصر لن تسمح بتهجير الفلسطينيين
  • كاتب صحفي: العالم عاجز أمام غطرسة إسرائيل.. ومصر لن تسمح بتهجير الفلسطينيين
  • سرقة السيارة التي« لا يمكن سرقتها»