نتائج الانتخابات البرلمانية في جورجيا في مفترق الطرق
تاريخ النشر: 28th, October 2024 GMT
موسكو– انتهت الانتخابات البرلمانية في جورجيا بتحقيق حزب "الحلم الجورجي" الحاكم انتصارا مقنعا فيها، لكن ردود أفعال قوى المعارضة على نتائجها تشير إلى أن التوتر السياسي في البلاد سيستمر، بل قد يتصاعد أكثر على وقع اتهامات بتزوير الانتخابات وبتدخل روسيا فيها.
وبحسب بيانات لجنة الانتخابات المركزية، حصل حزب "الحلم الجورجي" على 54.
وصفت رئيسة البلاد، سالومي زورابيشفيلي، نتائج الانتخابات بأنها مزورة ورفضت الاعتراف بها، واتهمت روسيا بالتدخل فيها، داعية الجورجيين إلى الاحتجاج.
وكما كان متوقعًا، دعت واشنطن وبروكسل إلى إجراء تحقيق في ما اعتبرتاه انتهاكات ارتُكبت خلال الانتخابات. وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في بيان إن بلاده "تدين جميع انتهاكات الأعراف الدولية وتنضم إلى دعوات المراقبين الدوليين والمحليين لإجراء تحقيق كامل في جميع المخالفات الانتخابية المبلّغ عنها"، بما في ذلك "إساءة استخدام الحزب الحاكم للموارد العامة ورشوة الناخبين والترهيب".
أما روسيا، فردت على الاتهامات الموجهة لها بالتدخل في الانتخابات، وقال السكرتير الصحفي الرئاسي، ديمتري بيسكوف، إن موسكو ترفض بشدة الاتهامات بالتدخل في الانتخابات البرلمانية في جورجيا، وإنه لا أساس لها من الصحة على الإطلاق.
وتعليقا على كلام الرئيسة الجورجية بأنها لا تعترف بنتائج الانتخابات، قال بيسكوف "إنه لا يعرف ما إذا كان من صلاحيات رئيسة جورجيا الاعتراف بالانتخابات أم لا".
استقطاب خارجيويتوقع مراقبون روس وجورجيون احتمال بدء اضطرابات واحتجاجات في البلاد مرتبطة باستياء المعارضة الموالية للغرب من فوز حزب "الحلم الجورجي" الحاكم، وما يعتبرونه نتائج "روسية" للانتخابات.
ولهذه الانتخابات أهمية جيوسياسية بالغة الحساسية بالنسبة لمستقبل العلاقات الخارجية لجورجيا مع كل من روسيا والاتحاد الأوروبي، لا سيما أنها تأتي وسط أجواء استقطاب حاد بين موسكو وبروكسل على النفوذ في الجمهورية السوفياتية السابقة.
وبرأي الباحث في مركز مشاكل القوقاز والأمن الإقليمي، نيقولاي سيلايف، فإن نتائج التصويت متوقعة، على الرغم من كل تقلبات الأشهر الأخيرة والضغوط من الغرب، في ظل عدم وجود برنامج سياسي واقتصادي واجتماعي متكامل للمعارضة، التي انحصرت جهودها بانتقاد الحكومة الحالية، بينما قام حزب "الحلم الجورجي" بحملة انتخابية مؤثرة.
تتزامن الانتخابات البرلمانية في جورجيا مع تأزم العلاقات مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي (وكالة الأناضول) بين نارينولكن فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية، والذي يطلق عليه الغرب "الموالي لروسيا"، سيضع جورجيا أمام أزمة سياسية جديدة على ضوء رفض الرئيسة وأحزاب المعارضة قبول نتائج الانتخابات، مما سيؤدي إلى احتجاجات حاشدة وتوتر الوضع في البلاد، حسب سيلايف.
كما أن تصريحات الدبلوماسيين الغربيين حول بعض الانتهاكات في الانتخابات البرلمانية في جورجيا، تهدف -وفق المتحدث- إلى الضغط على لجنة الانتخابات وإجبارها على إعادة النظر في النتائج لصالح قوى المعارضة في البلاد، وهذا تدخل واضح وسافر في الشؤون الداخلية لدولة تريد رسم مسارها مع مراعاة مصالحها الوطنية.
وجاءت الانتخابات البرلمانية في جورجيا في وقت تأزمت فيه علاقاتها مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في ربيع العام الحالي، عندما بادر الحزب الحاكم إلى اعتماد قانون "شفافية النفوذ الأجنبي" الذي ينص على منح صفة العميل الأجنبي لأي منظمة غير حكومية أو وسيلة إعلامية إذا تلقت أكثر من 20% من دخلها من "جهة أجنبية".
كما تم اعتماد قانون يحظر الدعاية للمثليين في جورجيا. وعلى إثر هذين القرارين أعلنت بروكسل تعليق عملية انضمام تبليسي إلى الاتحاد الأوروبي.
يُذكر أن نظام الحكم في جورجيا برلماني، ويعتمد اتجاه السياسة الخارجية للدولة على من يسيطر على البرلمان يشكل الحكومة. ووفقًا للنتائج شبه النهائية للانتخابات، فقد ضمن فوز "الحلم الجورجي" حصوله على 89 مقعدا من أصل 150 في البرلمان، وهو ما يكفي لحكم البلاد، لكنه ليس كافيا للحصول على الأغلبية المطلقة اللازمة لإجراء تغييرات دستورية واسعة النطاق.
جماعات المعارضة الجورجية تسعى للتقارب مع الغرب بدل روسيا وتؤيد الانضمام للاتحاد الأوروبي (رويترز) تكرار السيناريو الأوكرانيولكن من وجهة نظر المختص في الشؤون الجورجية، غيفي أباشيدزه، فإنه مع وصول حزب "الحلم الجورجي" مجددًا إلى السلطة، فقد بات من الممكن نسيان انتقال البلاد إلى الاتحاد الأوروبي، على الرغم من أن هذا الحزب سيظهر رسميًا أنه يأمل في انضمام جورجيا إلى الاتحاد الأوروبي، ولكن دون الانجرار إلى مواجهة مع روسيا.
ويتابع في تعليق للجزيرة نت، أنه من الواضح أن المعارضة الجورجية قد هُزمت، إلا أن الغرب سوف يبذل قصارى جهده لنقل المعركة بين الحكومة والمعارضة إلى شوارع المدن الجورجية في محاولة لإلغاء نتائج الانتخابات.
وبرأيه، فإن ذلك سيكون وفق السيناريو الذي حصل في أوكرانيا عام 2004، عندما فاز فيكتور يانوكوفيتش بالانتخابات الرئاسية، ولكن تحت ضغط المعارضة، كان لا بد من إلغاء نتائج التصويت، وأصبح فيكتور يوشينكو رئيسا، وهو ما مهد في وقت لاحق لصعود القوى الموالية للغرب والمعادية لروسيا إلى السلطة في كييف.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الانتخابات البرلمانیة فی جورجیا نتائج الانتخابات الحلم الجورجی فی الانتخابات فی البلاد
إقرأ أيضاً:
خاص 24.. خسائر "المحور الإيراني" تضع الحشد الشعبي والحوثيين أمام "مفترق طرق"
كان للضربات القاصمة التي تعرض لها تنظيم حزب الله اللبناني وحركة حماس الفلسطينية، ومقتل أغلبية قيادات الصف الأول فيهما، وما تلى ذلك من سقوط نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، وفراره من البلاد، دورٌ في مراجعة الحسابات من جانب بقية الأطراف المنضوية تحت مظلة المحور الإيراني، الذي يتشكل من أذرع تستخدمها طهران لتنفيذ أجنداتها في المنطقة.
وفي الوقت الذي توقفت هجمات فصائل داخل الحشد الشعبي العراقي، معروفة بولائها المطلق لإيران تجاه إسرائيل بالمسيرات والصواريخ، خصوصاً بعد تحذير إسرائيلي في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي أكدت فيه حقها في الدفاع عن نفسها إذا لم تكن الحكومة العراقية قادرة أو راغبة في كبح جماح تلك الجماعات المسلحة، لا تزال ميليشيا الحوثيين مستمرة في شن هجمات على المصالح الإسرائيلية والأمريكية في البحر الأحمر وخليج عدن، وتنفيذ ضربات في الداخل الإسرائيلي أيضاً، ما يطرح تساؤلات حول مصير الفصائل العراقية والحوثيين، بعد تقليم بقية الأذرع الإيرانية في المنطقة.
يرى رئيس مركز "التفكير السياسي" وأستاذ السياسات العامة في جامعة بغداد الدكتور إحسان الشمري، أن توقف هجمات فصائل الحشد الشعبي "مرتبط بحسابات إيرانية أكثر من كونها عراقية، حيث سبق أن طالبت الحكومة العراقية الحالية، التي تمثل الفصائل المسلحة ركيزة أساسية لها وداعمة لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني، بوقف هجماتها تجاه إسرائيل، وهذه الفصائل، التي طبقت مبدأ "وحدة الساحات" و"الإسناد"، لم تستجب لطلب الحكومة العراقية، ولكن الرؤية الإيرانية هي التي كانت ضاغطة ومؤثرة على الفصائل بوقف هجماتها".
وأضاف الشمري: "من جانب آخر، هناك عوامل أخرى ساهمت في وقف الهجمات، مثل مقتل حسن نصر الله وقيادات حزب الله الأخرى، بالإضافة إلى إنهاء حكم حماس وتقويض نفوذها وقوتها العسكرية، إلى جانب سقوط نظام بشار الأسد الحليف لإيران، كل ذلك دفع الفصائل إلى التراجع، خصوصاً أنها وجدت أن المحور الإيراني قد سُحق بشكل كامل، وانهارت قوة إيران الإقليمية، ولذلك أرادت هذه الفصائل المحافظة على ما تبقى لها من نفوذ في العراق سياسياً وعسكرياً، وعلى ترسانتها من الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة وغيرها من الأسلحة".
ولفت الدكتور إحسان الشمري إلى أن "هذه الفصائل توقفت عن الهجمات نتيجة وجود تسوية أمريكية، لأن إسرائيل كانت تتهيأ لضرب هذه الفصائل رداً على هجماتها، لكن تدخل الولايات المتحدة، وبضمانات تعهد بها رئيس الوزراء العراقي بإيقاف هجمات الفصائل وتفكيك سلاحها، دفع الفصائل إلى إيقاف الهجمات تكتيكياً ومرحلياً، لأنها غير قادرة على مواجه الآلة العسكرية الأمريكية أو الإسرائيلية"
وأكد رئيس مركز "التفكير السياسي" وأستاذ السياسات العامة في جامعة بغداد، أن "إيران لا تزال مؤثرة في هذه الفصائل، وحتى خلال زيارة قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني الأخيرة، أظهرت تلك الفصائل تمسكها بسلاحها، ما يُظهر الدور الإيراني المؤثر في قرارها".
وأشار الشمري إلى أن "الضربة الإسرائيلية ضد فصائل الحشد الشعبي مؤجلة ولم يتم إلغاؤها، لأن خطابات نتنياهو تؤكد عزمهم على الاستمرار في ملاحقة إيران وأذرعها في المنطقة، كما أن ترسانة الأسلحة لهذه الفصائل لم تُفكك إلى الآن، والتي تضم صواريخ بالستية، علاوةً على أن اتفاقات الهدنة بين إسرائيل وحماس، وبين إسرائيل وحزب الله، يُنظر إليها على أنها اتفاقات هشة لن تصمد، كما أن المنشآت النووية الإيرانية ما زالت معرضة لضربات إسرائيلية، كل ذلك قد يُنذر بعودة الهجمات من جانب الفصائل كجزء من أوراق الضغط الإيرانية على إسرائيل، وبالتالي تصبح احتمالات تنفيذ ضربة إسرائيلية، قائمة".
وعن الهجمات المتفرقة التي يشنها الحوثيون، أكد الشمري أن "هذه الجماعة مدعومة من إيران ومن الفصائل العراقية المسلحة، وبالتالي فإن قراراتها في شن تلك الهجمات ليست فردية، وهي جزء من استراتيجية المُشاغلة والمناورة بالنسبة لإيران، التي لم يتبق لها سوى الفصائل العراقية والحوثي في المنطقة".
ونوَّه الشمري إلى أن "هجمات الحوثيين تندرج ضمن سياق وحدة الساحات، وأعتقد أن استمرار الحوثيين في هذه الهجمات يعني أنهم سيلاقون مصير حماس وحزب الله بإنهاء قوتهم العسكرية وقياداتها، خصوصاً وأن الحوثيون يواجهون حالياً (تحالف حارس الازدهار)، فضلاً عن الضربات الإسرائيلية، وبالتالي لا أرى أي مستقبل للحوثيين، في ظل المتغيرات التي يشهدها الشرق الأوسط".
بدوره، أكد الباحث في الشأن السياسي علي ناصر، أن "معطيات الأحداث والمتغيرات في الشرق الأوسط وما حدث في سوريا ولبنان، أثرت بشكل كبير في وقف إطلاق النار في غزة، وكذلك عمليات القصف من جانب المحور الإيراني، خصوصاً في العراق والجنوب اللبناني، وهناك تحركات شبه خفية في العراق تجنح باتجاه السياسة، وتبتعد عن العمليات العسكرية تجاه إسرائيل في هذه الفترة الحرجة والصعبة على الجميع".
وقال ناصر إن "عودة دونالد ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة تعني انتصار الجمهوريين، الذين سبق وأن كانت لهم وقفات في وجه العراق خلال الأزمات السابقة، مثل عملية عاصفة الصحراء، والحصار الاقتصادي على العراق، وبالتالي هناك رؤية واضحة لدى الجمهوريين بأن العراق يجب أن يكون تحت سيطرة الولايات المتحدة، لا أن يكون مقرباً من إيران، لأن العقوبات الأمريكية على إيران تصبح غير مجدية إطلاقاً إذا كان هناك تمويل من الداخل العراقي، وبالتالي هناك تحرك أمريكي لقطع الإمدادات بين العراق وإيران، وهو ما أثر في الحشد الشعبي، ودفعه إلى وقف ضرباته على إسرائيل، كما أن المتغيرات التي تحدثنا عنها في البداية لا تستوجب استمرار القصف من جانب المحور الإيراني من الداخل العراقي باتجاه إسرائيل".
وأضاف الباحث في الشأن السياسي علي ناصر، أن "اتفاق غزة الذي جرى في قطر بحضور مصر، وكذلك الولايات المتحدة، التي تعتبر الضامن الأكبر للاتفاق المرحلي المكون من 3 مراحل بين إسرائيل وحماس، هو اتفاق "مبهم"، كما إن الأسماء التي سيتم الإفراج عنها مبهمة بشكل كبير، وقد تتعرض لمتغيرات، خصوصاً بعد تصريحات مسؤولين إسرائيليين بأن حماس حاولت تغيير مسودة الاتفاق ومعطياته المبدئية، عن طريق طرح أسماء لتحريرها، وهو ما سيضع الاتفاق أمام مشاكل رغم إقراره وتطبيقه على أرض الواقع مؤخراً".
ومضى قائلاً: "أما بخصوص الحشد الشعبي، فقد كانت هناك نية لضرب مواقعه داخل العراق، كما كانت هناك تحركات في الداخل العراقي من أجل ترك تلك المواقع تجنباً للخسائر، وهذه التحركات كانت من جانب حكومة محمد شياع السوداني من خلال إجراء العديد من الاتصالات والزيارات الإقليمية والدولية التي ساهمت في منع أي ضربات على الداخل العراقي، ولكن هناك مخاوف من فرض عقوبات اقتصادية قد تتمثل في إيقاف صرف رواتب الحشد الشعبي، وهو ما يعتبر أكبر خطر قد يواجه الداخل العراقي، لأن إيقاف الرواتب يعني أن هيئة الحشد الشعبي التابعة لرئاسة الوزراء ستواجه مشكلة كبيرة، وبالتالي فإن الحكومة العراقية مطالبة بإظهار هذه الهيئة كجهة تابعة لها، وليست تابعة للمرشد الأعلى وإيران، وبالتالي إبعادها عن المخاطر المحدقة بها".