لجريدة عمان:
2024-11-01@03:49:00 GMT

عُمان والجزائر.. تاريخ من النضال والعروبة

تاريخ النشر: 28th, October 2024 GMT

ثمة تشابه كبير بين عُمان وبين الجزائر، تشابه لم يتأسس في العقود الأخيرة وإنْ كان قد توثق أكثر في إطار الدولة الحديثة، ولكنه تأسس عبر سياق تاريخي تراكمي طويل جدا، ومنجز بشري سواء على مستوى الإضافات إلى المنجز الإنساني أو على مستوى النضال من أجل الوحدة الوطنية/ والعربية. ومن يعد إلى كتب التاريخ يعرف معنى التشابه الذي أتحدث عنه هنا، فالجزائر مثلها مثل عُمان لها امتداد كبير في التاريخ، فهي حاضرة في عمق التاريخ منذ حضارات الفينيقيين والرومان والبيزنطيين قبل الفتح الإسلامي ولها حضورها في المشهد الإسلامي منذ الدولة الأموية والعباسية ودولة الأدارسة والأغالبة والرستميين والزيديين والموحدين، هذا الحضور أعطى الجزائر قوة كبيرة ونضجا حضاريا ليس فقط في حربها الطويلة من أجل استقلالها ووحدتها الوطنية ولكن أيضا في بنائها الداخلي وفي مواقفها الثابتة والصلبة من القضايا العربية والإسلامية.

إن هذه الصورة تشبه عُمان تماما، الحضارة التي تأسست منذ فجر التاريخ وتفاعلت مع حضارات العالم تأثيرا وتأثرا مع تمسك لا يتزعزع بالثوابت العربية والإسلامية والإنسانية. هذا الحضور التاريخي هو الذي أسس مبادئ البلدين ومواقفهما العربية الراسخة وهو الذي شكل الوعي بقداسة التراب الوطني وهو الذي قاد النضال من أجل التحرر الوطني.

وإذا كان العمانيون قد قادوا نضالا ليس من أجل تحرير عُمان وحدها من الاحتلال البرتغالي في القرن السابع عشر ولكن من أجل تحرير الإقليم بأكمله والمحيط الهندي من مرحلة استعمار الكشوفات الجغرافية الذي دام 140 سنة، فإن الجزائريين، أيضا، قادوا نضالا من أجل دحر الاستعمار الفرنسي الذي دام 132 سنة بعد مقاومة امتدت من عهد الأمير عبدالقادر الجزائري إلى مرحلة جبهة التحرير التي حصلت على الاستقلال في 5 يوليو 1962. كان الفرنسيون على وشك بناء فرنسا جديدة على أرض الجزائر لكنّ عروق التاريخ التي تحركت في دماء الجزائريين التي كانت تروي الأرض وتسير فوق جسورها أفشلت المشروع واندحر الاستعمار على أجساد أكثر من مليون ونصف شهيد ما زالت أرواحهم تحلق فوق الجزائر وتحميها من امتدادات الأيديولوجيا وتحولات الجغرافيا.

واليوم عندما تحتفي سلطنة عمان سليلة التاريخ والمجد، بالرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الذي بدأ أمس زيارة «دولة» لعُمان فإنها تحتفي بكل التاريخ الجزائري الذي لا يفخر به الجزائريون وحدهم إنما هو مجال فخر لكل عربي أصيل، ولكل حر في هذا العالم. ومن حسن الطالع أن يصل الرئيس الجزائري لعُمان قرب العتبة الأولى لشهر نوفمبر الذي هو عند العمانيين شهر استثنائي، ففيه تخلصت عمان من بقايا الاحتلال البرتغالي بالكامل في سنة 1650، وفيه قبل 280 سنة تأسست الدولة البوسعيدية التي ما زالت تتسنم عرش عُمان بقيادة سليل الدولة والتاريخ حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم، وفي نوفمبر تأسست النهضة الحديثة بقيادة السلطان الراحل قابوس بن سعيد، طيب الله ثراه، وفيه تعيش عُمان الحديثة أعيادها ومفاخرها.

ولا غرابة إذن أن تتشابه مواقف عُمان والجزائر فالسياق التاريخي هو الذي صنع هذا النضج السياسي وشكل هذا الفكر الوطني والعروبي؛ ولذلك نجد هذا التشابه في المواقف السياسية والشعبية التي تؤيد قضايا الأمة العربية وخاصة القضية الفلسطينية في لحظة تاريخية تشهد الكثير من التراخي والتضعضع والتحولات العميقة. ونستطيع أن نستعيد هنا، أيضا، موقف كل من سلطنة عمان والجزائر من الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003، وموقف البلدين الصلب من تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية وكان ذلك الموقف لا يراعي مصلحة سوريا وحدها ولكن مصلحة الأمة العربية ووحدتها وأمنها نتيجة رؤية سياسية عميقة تنطلق من بعد عربي وليس من أي أجندة أو مصالح جزئية. كما يمكن أن نستذكر بعضا من جهود البلدين لإنهاء الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي لما في ذلك ليس من صالح العراق وحده ولكن لمستقبل الأمة العربية وسد باب التدخلات الخارجية التي حدثت مع الأسف الشديد نتيجة تجاهل البعض للرؤى السياسية الناضجة التي حاولت الدبلوماسية العمانية شرحها في محافل كثيرة عربية وإقليمية.

وإذا كانت زيارة الرئيس الجزائري تلقى كل هذا الاحتفاء وهذا الترحيب من القيادة السياسية ومن الشعب العماني الذي يكن حبا واحتراما للشعب الجزائري ولتاريخه المجيد فإن الشعبين العماني والجزائري يتطلعان إلى مرحلة جديدة من العلاقات على المستوى الاقتصادي والاستثماري الأمر الذي يعود بالمنافع على البلدين وعلى خططهما المستقبلية. وإذا كان العالم اليوم يتحدث بلغة الاقتصاد فإن مجالات التعاون الاقتصادي بين البلدين كبيرة جدا وهي محفوظة ومحمية بالإرادة السياسية للبلدين. ولذلك نطمح جميعا أن يخرج لقاء القمة بين الزعيمين الكبيرين اليوم برؤية واضحة لتعزيز شراكات المستقبل على كل المستويات السياسية والاقتصادية والاستثمارية والثقافية. وهي شراكات قابلة أن تأخذ طريقها للتفعيل في القريب العاجل.

وفي القلب أن تدرس منطلقات الرؤية العمانية والجزائرية للقضايا العربية، وخاصة القضية الفلسطينية، وبفحص جوهر تلك الرؤية وعمقها فإن فيها روحا عروبية تضامنية كانت راسخة في أعماق العرب جميعا ومستمدة من مبادئهم الإنسانية وهي رؤية تعكس الأمل في تحقيق مستقبل يسوده السلام والعدالة والكرامة لشعب فلسطيني يستحق ذلك كثيرا كما تستحقه جميع الشعوب في العالم.

عاصم الشيدي كاتب ورئيس تحرير

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: هو الذی من أجل

إقرأ أيضاً:

عُمان والجزائر.. رؤى وأفكار مشتركة

أثمرت القمة العمانية الجزائرية التي ترأسها حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم وأخوه فخامة الرئيس عبدالمجيد تبون رئيس الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية اليوم عن نتائج مهمة خاصة فـي تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين وفتح آفاق جديدة للتعاون فـي المجالات التعليمية والبحثية والمعرفـية وفـي الخدمات المالية والتشغيل والتدريب وفـي المجالات الإعلامية. ووقع البلدان 8 مذكرات تفاهم من شأنها أن تفعِّل الكثير من مسارات التعاون. وتبدو مجالات التعاون المطروحة والتي عبر عنها الجانبان بـ «التعاون الممكن» مهيأة جدا نظرا لتقارب الأفكار السياسية بين البلدين، وهي فـي الحقيقة جزء من استراتيجية تبادل الخبرات والمعرفة بين بلدين يشتركان فـي قواسم كثيرة ويتطلعان نحو المستقبل بالحرص نفسه والقيم والمبادئ والأهداف نفسها.

وإذا كان التقارب فـي الجوانب السياسية وفـي التعاطي مع القضايا العربية والإقليمية قائما منذ عقود طويلة فإن الزيارة تهدف إلى تكريس ذلك التقارب والتأكيد على التشاور المستمر وتوحيد المواقف السياسية بما يخدم البلدين ويخدم القضايا العربية ويساهم فـي تحقيق الأمن والسلم فـي المنطقة. وعقد الزعيمان الكبيران اليوم جلسة مباحثات رسمية تناولت الأحداث الراهنة فـي المنطقة العربية وتداعياتها على أمن واستقرار المنطقة وتقدم الدول العربية إضافة إلى الأوضاع الإنسانية السيئة التي يعيشها الشعب الفلسطيني نتيجة الحرب الظالمة التي يشنها الكيان الصهيوني منذ أكثر من عام كامل.. والتي تمددت الآن إلى لبنان الذي دخل فـي ظروف إنسانية وأمنية سيئة.

وأكد وزير الخارجية معالي السيد بدر البوسعيدي أن العلاقات بين البلدين ستشهد مزيدا من النمو والازدهار خلال المرحلة القادمة، وتحدث معاليه عن آلية لمتابعة المذكرات الموقعة بين البلدين.

ورغم أن العلاقات العمانية الجزائرية علاقات قوية وتاريخية وتتسم بتقارب اجتماعي وفكري كبير إلا أن العلاقات الاقتصادية بقيت دون الطموحات ويبدو أن الوقت قد حان فعلا لإحداث تغيير جذري من شأنه أن يعزز التبادل التجاري ويفتح فرصا استثمارية مشتركة بين الجانبين. ويمكن لكل من سلطنة عمان والجزائر أن تستفـيد بشكل عميق من خبرات البلد الثاني. ولدى كل بلد ما يستطيع تقديمه للبلد الآخر من خبرات سياسية واقتصادية وتعليمية وثقافـية وإعلامية.

وإذا كانت الإرادة السياسية قوية فـي هذا الجانب فإن المرحلة القادمة ستكون أكثر فاعلية وأسرع انطلاقا نحو المستقبل.

مقالات مشابهة

  • جامعة الدول العربية ومصر تدينان “الانتهاكات الجسيمة” التي قامت بها قوات الدعم السريع في ولاية الجزيرة السودانية
  • مركز أبوظبي للغة العربية يصدر كتاب «الأفوكادو تاريخ عالمي»
  • "أبوظبي للغة العربية" يصدر "الأفوكادو: تاريخ عالمي"
  • عُمان والجزائر.. رؤى وأفكار مشتركة
  • عُمان والجزائر وقِدم علاقات التّأريخ
  • تاريخ حافل.. قفزة نوعية في العلاقات الاقتصادية بين مصر والجزائر
  • ماكرون باللغة العربية : في الرباط نفتح فصلاً جديداً في التاريخ الطويل بين المغرب وفرنسا
  • 8 مذكرات تفاهم بين سلطنة عمان والجزائر
  • «أبوظبي للغة العربية» يصدر كتاب «الفانيليا: تاريخ عالمي»
  • عضو بـ«النواب»: زيارة الرئيس الجزائري إلى مصر تعكس تقديره لدورها العربي والأفريقي