لجريدة عمان:
2025-04-10@11:39:13 GMT

عُمان والجزائر.. تاريخ من النضال والعروبة

تاريخ النشر: 28th, October 2024 GMT

ثمة تشابه كبير بين عُمان وبين الجزائر، تشابه لم يتأسس في العقود الأخيرة وإنْ كان قد توثق أكثر في إطار الدولة الحديثة، ولكنه تأسس عبر سياق تاريخي تراكمي طويل جدا، ومنجز بشري سواء على مستوى الإضافات إلى المنجز الإنساني أو على مستوى النضال من أجل الوحدة الوطنية/ والعربية. ومن يعد إلى كتب التاريخ يعرف معنى التشابه الذي أتحدث عنه هنا، فالجزائر مثلها مثل عُمان لها امتداد كبير في التاريخ، فهي حاضرة في عمق التاريخ منذ حضارات الفينيقيين والرومان والبيزنطيين قبل الفتح الإسلامي ولها حضورها في المشهد الإسلامي منذ الدولة الأموية والعباسية ودولة الأدارسة والأغالبة والرستميين والزيديين والموحدين، هذا الحضور أعطى الجزائر قوة كبيرة ونضجا حضاريا ليس فقط في حربها الطويلة من أجل استقلالها ووحدتها الوطنية ولكن أيضا في بنائها الداخلي وفي مواقفها الثابتة والصلبة من القضايا العربية والإسلامية.

إن هذه الصورة تشبه عُمان تماما، الحضارة التي تأسست منذ فجر التاريخ وتفاعلت مع حضارات العالم تأثيرا وتأثرا مع تمسك لا يتزعزع بالثوابت العربية والإسلامية والإنسانية. هذا الحضور التاريخي هو الذي أسس مبادئ البلدين ومواقفهما العربية الراسخة وهو الذي شكل الوعي بقداسة التراب الوطني وهو الذي قاد النضال من أجل التحرر الوطني.

وإذا كان العمانيون قد قادوا نضالا ليس من أجل تحرير عُمان وحدها من الاحتلال البرتغالي في القرن السابع عشر ولكن من أجل تحرير الإقليم بأكمله والمحيط الهندي من مرحلة استعمار الكشوفات الجغرافية الذي دام 140 سنة، فإن الجزائريين، أيضا، قادوا نضالا من أجل دحر الاستعمار الفرنسي الذي دام 132 سنة بعد مقاومة امتدت من عهد الأمير عبدالقادر الجزائري إلى مرحلة جبهة التحرير التي حصلت على الاستقلال في 5 يوليو 1962. كان الفرنسيون على وشك بناء فرنسا جديدة على أرض الجزائر لكنّ عروق التاريخ التي تحركت في دماء الجزائريين التي كانت تروي الأرض وتسير فوق جسورها أفشلت المشروع واندحر الاستعمار على أجساد أكثر من مليون ونصف شهيد ما زالت أرواحهم تحلق فوق الجزائر وتحميها من امتدادات الأيديولوجيا وتحولات الجغرافيا.

واليوم عندما تحتفي سلطنة عمان سليلة التاريخ والمجد، بالرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الذي بدأ أمس زيارة «دولة» لعُمان فإنها تحتفي بكل التاريخ الجزائري الذي لا يفخر به الجزائريون وحدهم إنما هو مجال فخر لكل عربي أصيل، ولكل حر في هذا العالم. ومن حسن الطالع أن يصل الرئيس الجزائري لعُمان قرب العتبة الأولى لشهر نوفمبر الذي هو عند العمانيين شهر استثنائي، ففيه تخلصت عمان من بقايا الاحتلال البرتغالي بالكامل في سنة 1650، وفيه قبل 280 سنة تأسست الدولة البوسعيدية التي ما زالت تتسنم عرش عُمان بقيادة سليل الدولة والتاريخ حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم، وفي نوفمبر تأسست النهضة الحديثة بقيادة السلطان الراحل قابوس بن سعيد، طيب الله ثراه، وفيه تعيش عُمان الحديثة أعيادها ومفاخرها.

ولا غرابة إذن أن تتشابه مواقف عُمان والجزائر فالسياق التاريخي هو الذي صنع هذا النضج السياسي وشكل هذا الفكر الوطني والعروبي؛ ولذلك نجد هذا التشابه في المواقف السياسية والشعبية التي تؤيد قضايا الأمة العربية وخاصة القضية الفلسطينية في لحظة تاريخية تشهد الكثير من التراخي والتضعضع والتحولات العميقة. ونستطيع أن نستعيد هنا، أيضا، موقف كل من سلطنة عمان والجزائر من الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003، وموقف البلدين الصلب من تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية وكان ذلك الموقف لا يراعي مصلحة سوريا وحدها ولكن مصلحة الأمة العربية ووحدتها وأمنها نتيجة رؤية سياسية عميقة تنطلق من بعد عربي وليس من أي أجندة أو مصالح جزئية. كما يمكن أن نستذكر بعضا من جهود البلدين لإنهاء الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي لما في ذلك ليس من صالح العراق وحده ولكن لمستقبل الأمة العربية وسد باب التدخلات الخارجية التي حدثت مع الأسف الشديد نتيجة تجاهل البعض للرؤى السياسية الناضجة التي حاولت الدبلوماسية العمانية شرحها في محافل كثيرة عربية وإقليمية.

وإذا كانت زيارة الرئيس الجزائري تلقى كل هذا الاحتفاء وهذا الترحيب من القيادة السياسية ومن الشعب العماني الذي يكن حبا واحتراما للشعب الجزائري ولتاريخه المجيد فإن الشعبين العماني والجزائري يتطلعان إلى مرحلة جديدة من العلاقات على المستوى الاقتصادي والاستثماري الأمر الذي يعود بالمنافع على البلدين وعلى خططهما المستقبلية. وإذا كان العالم اليوم يتحدث بلغة الاقتصاد فإن مجالات التعاون الاقتصادي بين البلدين كبيرة جدا وهي محفوظة ومحمية بالإرادة السياسية للبلدين. ولذلك نطمح جميعا أن يخرج لقاء القمة بين الزعيمين الكبيرين اليوم برؤية واضحة لتعزيز شراكات المستقبل على كل المستويات السياسية والاقتصادية والاستثمارية والثقافية. وهي شراكات قابلة أن تأخذ طريقها للتفعيل في القريب العاجل.

وفي القلب أن تدرس منطلقات الرؤية العمانية والجزائرية للقضايا العربية، وخاصة القضية الفلسطينية، وبفحص جوهر تلك الرؤية وعمقها فإن فيها روحا عروبية تضامنية كانت راسخة في أعماق العرب جميعا ومستمدة من مبادئهم الإنسانية وهي رؤية تعكس الأمل في تحقيق مستقبل يسوده السلام والعدالة والكرامة لشعب فلسطيني يستحق ذلك كثيرا كما تستحقه جميع الشعوب في العالم.

عاصم الشيدي كاتب ورئيس تحرير

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: هو الذی من أجل

إقرأ أيضاً:

تعلّم الرومانسيّة ودع عنك التاريخ

قبيل ظهر الجمعة وصلنا إلى قرية «كيبويني»، وهي على بُعد ستة كيلومترات من «المدينة الحجرية» التي سكَنّا فـيها. وكانت وجهتُنا «قصر السعادة» الذي بناه السلطان خليفة بن حارب بن ثويني عام 1915. وفور وصولنا استقبَلَنا الدليل القائم على القصر بامتعاض، لأنّ الوقت الآن غير مناسب للزيارة، فقد اقترب موعد صلاة الجمعة. قلتُ محاولًا التخفـيف من امتعاضه: «اذهب للصلاة، ودع تلك المرأة تشرح لنا». ردّ وقطراتُ ماء الوضوء تقطر منه: «هذه عملها محاسبة فقط».

دفعنا الرسوم المقررة بعد السؤال التقليدي الذي يتكرر فـي كلِّ مكان نذهب إليه: «هل أنتم ضيوف؟»، وتأتي الإجابة ذاتُها فـي كلِّ مرة: «نعم. نحن ضيوف». وأظن أنهم يكررون لنا السؤال دائمًا لأنهم لا يستطيعون أن يجزموا هل نحن من زنجبار أو من عُمان، خاصةً أننا نتحدّث لغتهم. أخذَنا الدليل إلى أقسام «قصر السعادة» المختلفة؛ والذي تبدو حالته جيدة بعد أعمال الصيانة التي أجريت له. أخبرنا أنّ الحكومة الزنجبارية استخدمت القصر فـي بعض المراسم الرئاسية، وجعلت منه مقرًّا لسكن رئيس الوزراء فـي سنة 1986 لفترةٍ وجيزة؛ ثم حُوِّلَ إلى متحفٍ وطني يستقبل الزوار ابتداءً من عام 2022م. أخبرَنا أيضًا أنّ القصر كان استراحة السلطان خليفة بن حارب فـي عطلات نهاية الأسبوع، بعيدًا عن ضوضاء المدينة. وما لم يخبرنا به أنه بعد أحداث عام 1964، استولى الانقلابيون على القصر واستخدموه مقرًّا لاجتماعاتهم الرسمية، وبعد سنواتٍ من الإهمال أقدمت حكومة زنجبار على ترميمه. تساءلتُ فـي قرارة نفسي: تُرى كيف هو شعور أحفاد السلطان خليفة بن حارب وهم يرون أموالهم وبيوتهم تُسرَق من أمام أعينهم وهم بلا حول ولا حيلة ولا قوة؟! ثُمَّ وسّعتُ التساؤل: بِمَ يُحِسّ يا تُرى أولئك الذين نُهبت أموالهم بغير حقّ من العُمانيين واليمنيين والهنود؟! مثل هذه المآسي تحدُث عادةً عندما تقلم أظافر العدالة التي أمر بها الله عز وجل فـي كتابه الكريم، إنها تخلِّف فـي الحلق طعمًا أمرَّ من العلقم، غير أنّ المظالم الفادحة ستظلّ كتابًا مفتوحًا يُقرأ على رؤوس الأشهاد فـي ذلك اليوم الذي لا ينفع فـيه مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. وفـي ظلِّ هذه المظالم هناك من أعيد لهم بعض ممتلكاتهم بعد جهد جهيد. وقد حكى لي أحد هؤلاء أنّ الانقلابيين استولوا على عقار يعود لجدته، واستحلّوه سنين طويلة بغير وجه حقّ، وعندما أعيد لهم بعد ذلك الجهد، استغرق الأمر سنوات أخرى لبيعه (مضطرين) لأنّ العقار أصبح من حقِّ عشرات الورثة. والعقار حاليًّا يرمم من قبل المشتري الهندي ليصير فندقًا. ونستطيع أن نقيس هذا الأمر على أناس آخرين تعرضوا للنهب، وحين عادت ممتلكاتهم المنهوبة لم يستطيعوا الاستفادة منها بسبب التقادم؛ وهناك كثيرون استسلموا للأمر الواقع، مؤثرين الراحة بدلًا من صداع الرأس والجري هنا وهناك، لا سيما وأنّ الدلائل والشواهد تشير إلى أنّه لا أمل فـي عودة حقهم المسلوب. وقد قادني التساؤلات إلى أن أسأل نفسي: لماذا لا يشتري أحفاد السلطان خليفة بن حارب هذا القصر، طالما أنّ كلَّ شيء قابلٌ للبيع الآن؟!

فـي استراحة السعادة، شاهدنا المقتنيات الشخصية للسلطان خليفة وكامل الأثاث من أسرّة وكراسٍ وطاولات، وسمح لنا القائم عليها أن نلتقط صورة تذكارية فـي الكرسي السلطاني (كرسي العرش) الذي كان يترأس فـيه السلطان الاجتماعات، وبه شعاره الخاص. وكعادته استغل سيف الموقف فصوّر لقطات فـيديو نشرها فـيما بعد فـي حسابه فـي «إنستجرام» وفـي «تيك توك»، وكان لسليمان -كعادته أيضًا- تعليقاته اللطيفة واللماحة؛ فعندما رأى كرسيًّا خاصًّا مصممًا لشخصين يجلسان عليه متقابلين، بعدما وصفه الدليل بأنه «كرسي المحبة»، صرخ سليمان: «يا زاهر تعلّم الرومانسية وخلي عنك التاريخ».

أخبرني الباحث ناصر الريامي أنّ الأثاث الموجود فـي الاستراحة حاليًّا ليس هو الأثاث الأصلي للقصر، إذ إنّ معظم الأثاث الحالي منقول من «بيت العجائب» و«بيت الساحل»، بعدما تقرر غلقهما وحجب جمهور العامة عنهما منذ ما يربو على الثلاث سنوات؛ مخافةَ الانهيار بالكامل، بعد أن انهار جزء من «بيت العجائب»، ليعقب ذلك نقل أغلب أثاثهما إلى متحف استراحة السعادة (قصر كيبويني). وعليه؛ فإنّ هذا الوضع قد يُحدِث لبسًا لزوار المتحف، فـيظنون خطأً أنّ الأثاث المعروض هو ذاته الذي تزينت به الاستراحة فـي فترة السلطان المؤسس لها، ومن جلس على عرش زنجبار من بعده. وأنا شخصيًّا وقعتُ فـي الفخ، فظننتُ أنّ هذا أثاثُ القصر؛ لأنّ المرشد لم يشر إلى الموضوع، لا من قريب ولا بعيد.

هناك مقطع مصوّر يعرض نزول السلطان عبدالله بن خليفة بن حارب السُلّم وخلفه أخوه السيد حارب بن عبدالله، بينما يصطف بجانب السلّم ثلة من الشرطة تحية للسلطان. هذا المقطع لم أكن أعلم أنه مأخوذٌ من هذا القصر إلا بعد أن قرأتُ سلسلة المقالات التي كتبها الباحث ناصر الريامي عن القصور السلطانية فـي زنجبار، وإلا لكنتُ أخبرت سيف أن يلتقط لنا صورًا فـي السلّم نفسه للذكرى.

تجولنا فـي الاستراحة التي تتكون من ثلاثة طوابق. الطابق الأرضي به عدد من الغرف، خُصصت لمن يرافق السلطان من أفراد الأسرة المالكة، كما يشغلها الضيوف أحيانًا، وتوجد بجوار السُلّم غرفة للحارس مزودة بجهاز اتصال هاتفـي من النوع الكلاسيكي العتيق؛ فإذا ما قرر السلطان زيارة الاستراحة يجري الاتصال بالحارس وتنقل إليه التعليمات بتجهيزها لاستقبال جلالته وضيوفه. ومتى ما وصل السلطان يرفرف علم الدولة الأحمر على منارتها مربعة الشكل. أما عن المساحة الإجمالية لقصر السعادة فـيُقدِّرها الباحث محمد بن حمد العريمي ما بين ألفـين إلى ثلاثة آلاف متر مربع. ويعلّق العريمي على طريقة بنائه فـي مقال له فـي صحيفة «أثير» الإلكترونية بالقول: إنه «وعلى الرغم من عدم وجود المساحات الكبيرة التي تميّز القصور عادةً بسبب كونه قصرًا خاصًّا لاستراحة السلطان وقضاء إجازاته، إلا أنّ مكوناته وطريقة بنائه تنم عن ذوقٍ عالٍ فـي التصميم، وتشير إلى التقدم الحضاري الذي وصلت إليه زنجبار فـي تلك الفترة، ومسايرةِ حكامها للتطور الحاصل فـي العمارة والبناء. وقد اختير المكان بعناية حيث إنه مبنيٌّ على حافة الجبل ويطل بشكلٍ كامل على البحر».

هذه الإطلالة على البحر هي ما يجعل قصر السعادة من أجمل الأماكن التي تهفو النفوس لزيارتها أكثر من مرة، خصوصًا مع هدوء المكان، والمساحة الخضراء التي تحيط به من كلِّ جانب.

على كل حال، تركنا القائم على المتحف أو القصر أو الاستراحة ليلتحق بما تبقى من خطبة صلاة الجمعة، وواصلنا مسيرنا إلى «بيت المرهوبي» لنشاهد معلمًا آخر من معالم التاريخ العُماني فـي الشرق الأفريقي.

زاهر المحروقي كاتب عُماني مهتم بالشأن العربي ومؤلف كتاب «الطريق إلى القدس»

مقالات مشابهة

  • موعد مباراة الاتحاد والعروبة في الدوري السعودي والقنوات الناقلة
  • إيكواس تُعرب عن قلقها إزاء التصعيد في أفريقيا: ماذا يحدث بين مالي والجزائر؟
  • غوتيريش يؤكد على حضوره لمؤتمر القمة العربية الذي سيعقد في بغداد
  • إيكواس تعلّق على الأزمة بين مالي والجزائر 
  • مباحثات رسمية بين عُمان والجزائر لتعزيز التعاون اللوجستي
  • تعلّم الرومانسيّة ودع عنك التاريخ
  • سؤال وجواب..إضاءة على الأزمة السياسية بين مالي والجزائر
  • نفاد تذاكر مواجهة الاتحاد والعروبة
  • نفاد تذاكر مواجهة الاتحاد والعروبة بعد طرحها بـ 8 ساعات
  • هيئة التراث تسلط الضوء على تاريخ الجزيرة العربية الخضراء في مؤتمر صحفي غدًا