الأغبى من الحمار وأعزَّ اللهُ الحمار..!
تاريخ النشر: 28th, October 2024 GMT
د. محمد عبد الله شرف الدين
لم يكن الإنسانُ المخلوقَ الوحيدَ الواعيَ والمستشعِرَ لألوهية الله تعالى، وربوبيتِه؛ إذْ تناوَلَ القرآنُ الكريمُ ما يُعَبِّرُ عن ذلك الاستشعار؛ فقال تعالى: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ}، [سُورَةُ الجُمُعَةِ: ١].
ويتنامى هذا الاستشعارُ؛ فيبلُغُ درجةً عاليةً من الخضوع والتسليم، من خلال عبادةِ التسبيح؛ فقال جَلَّ شأنُه: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ}، [سُورَةُ الحَجِّ: ١٨].
وعند الدواب خَاصَّةً يتراءى مستوى وعيها، بسجودِها المتأتي استشعارًا لعظمة الخالق سبحانَه في فكرها، ووجدانها، وهذا ما يغيبُ عن كثير من البشر الذين يعتبرون (الحمار) الذي يسبِّحُ لله تعالى، ويسجُدُ له أغبى حيوان!!
لقد ضرب اللهُ تعالى مَثَلًا في القرآن الكريم يتعَلَّق بالحمار؛ فقال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا، بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ، وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}، [سُورَةُ الجُمُعَةِ: ٥].
فالحمارُ لا يعلمُ ماذا تحوي هذه الأسفار بينما ينوءُ بحملها على ظهره؛ فكذلك اليهود لما لم يتعلموا التوراة، ولا اتّبعوها؛ فهذا المثل ليس بِـ حَطٍّ من قيمة الحمار؛ إنما هذا مَثَلُ اليهود السيِّئِ الذي انطبق عليهم، فلم تعد لديهم الصلاحيةُ لجعل الرسالة فيهم، وقد تركوا التوراة.
وفعلًا؛ ثمة بشرٌ هم أغبى من الحمار وأعز الله الحمار؛ فلا يستشعرون عظمةَ الله، وقدرته، ويعيشون أزمةَ ثقة بالله، فيدعّون إلى أحضان اليهود والنصارى دَعًّا، كأنهم حُمُرٌ مستنفِرَةٌ، فرَّت من قسورة إلى مذأبة.
وواقعُ كثير من زعماء العرب والمسلمين اليوم يجسِّدُ ذلك الغباء؛ إذ يرتمون تحتَ أحذية العدوّ أمريكا و “إسرائيل” متغابين عن تحذيرات الله تعالى، حاملين ذاكرةَ الفيل تجاه الواقع المعبِّر بجلاء عن تخلي العدوّ عن جُلِّ عملائه، بل وتصفيتهم أحيانًا.
فقد لبثت طائرةُ الفارّ شاه إيران، وشرطي العدوّ تحلِّقُ في الجو ساعاتٍ، تلهث عن مأوى، وزين العابثين التونسي الذي فتح ترابَ تونس الطاهر لسنين تدنِّسُه قطعانُ الصهاينة المتجولة، نفته أرضُها الطاهر، وخاتمة الخزي لحسني وأبي تميم بعضٌ من تراجيديا لا تنتهي.
لقد سعى الحمارُ جاهدًا مجتهدًا مستشعرًا قولَ الله تعالى: {وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم، مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ، ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ}، [سُورَةُ الأَنۡعَامِ: ٣٨]، ليحاسبه سبحانه، فيثيب، ويعاقب، وهذا -للأسف- ما لا يستشعره بعضُ العرب والمسلمين؛ فهم يرتبطون بأوثق العُرَى بالعدوّ الأمريكي والإسرائيلي اللذين يرتبطان بعمق بالشيطان؛ ليكون قائدهم، يتقدمهم يوم الحساب، ويسوقهم إلى جهنم، وبئس المصير.
ويسبق ذلك في العاجل بسوقهم إلى ما يدنِّسُ كرامتهم، وإنسانيتهم، حتى يأتيَ دورُهم؛ فالعالم العربي والإسلامي كله مستهدَفٌ أمريكيًّا وإسرائيليًّا، فلا يُستثنى أحدٌ، وهذا ما يأباه الحمار؛ فلا تراه يرمي بنفسه في مهلكة، ثم لا تراه يسالِمُ من عَضَّه، أَو يطبِّع معه، كما بعض زعماء العرب والمسلمين، ولا يفاوض إلا رفسًا لعدوه، ولا تراه يقابِلُ الضربَ المبرح -ناهيك بالقتل- بالمفاوضات، والمجاملات -النفاق-، والاستسلام أكثرَ، فأكثرَ، فحاشاه أعز الله فطرته.
إذن.. سلامُ الله على مسبحات الدواب، الساجدات لعظمة الله، ولا عزاءَ لمن ولّوا قِبلتَهم جهةَ البيت الأبيض، يطوفون حولَه ملبِّين، مهللين، مسبحين، ممجدين للعدو الأمريكي والعدوّ الإسرائيلي، منتظرين الدورَ في باب المقصلة؛ ليُذبَحوا، كالنعاج، وأعز الله النعاج؛ فهي ضمن دائرة الدواب المسبحات لله تعالى.
وفي الأخير: المسارُ الصحيحُ في النظرة للعدو والموقف منه، هو مسارُ الله تعالى، رسمه في القرآن الكريم، وجسَّده على مستوى الواقع منهجًا عمليًّا الأنبياءُ وأعلامُ الهدى، والمجاهدون في سبيل الله، (فَذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ، فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ، فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ)، [سُورَةُ يُونُسَ: ٣٢].
فيا ترى: من أغبى من الحمار!!!! وأعز اللهُ الحمار.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: الله تعالى
إقرأ أيضاً:
حكم تأجيل العمل وقت الدوام ليكون إضافيًّا.. الإفتاء توضح
أوضحت دار الإفتاء المصرية أن قيام العامل بما كلف به من مهام بموجب العقد المبرم بينه وبين جهة العمل أمر واجبٌ شرعًا، وأما تعمُّد تأجيل بعض الأعمال المطلوبة منه في وقت العمل الرسمي إلى وقت الساعات الإضافية من أجل حصوله على مقابلٍ لذلك دون عذر تقرره الجهات المختصَّة فحرام شرعًا؛ لما فيه من التحايل وخيانة الأمانة التي اؤتمن عليها، وأكل الأموال بالباطل.
وأكدت الإفتاء أنه ورد النهي عن أكل المال بالباطل في قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 92].
حثُّ الشرع الحنيف على العمل والسعي لكسب الرزق الحلال
وحثَّ الشرع الحنيف على العمل والسعي لكسب الرزق الحلال؛ لكي يكون المسلم عضوًا فعَّالًا مُنْتِجًا في مجتمعه، عاملًا على توفير حياة كريمة له ولأهل بيته، قال الله تعالى: ﴿وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ﴾ [المزمل: 20].
قال الإمام النَّسَفِي في "مدارك التنزيل وحقائق التأويل" (3/ 560، ط. دار الكلم الطيب): [﴿يَضْرِبُونَ﴾: يسافرون، و﴿يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ﴾: رزقه بالتجارة... فسوَّى بين المجاهد والمكتسب؛ لأنَّ كسب الحلال جهاد] اهـ.
وعن المِقْدَام بن مَعْدِي كَرِبَ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ» أخرجه البخاري في "صحيحه".
كما جاء الحث على إتقان العمل في قوله تعالى: ﴿وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة: 195]، وقال تعالى في وصف عباده المؤمنين: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾ [المؤمنون: 8]، وهذا أمر بالإحسان في كل عمل، والرعاية والحفظ في كل أمانة، وأثنى سبحانه على ممتثل ذلك بوصفه بالإيمان والإحسان، فالعامل المتقن لعمله يثاب على إخلاصه وتفانيه واجتهاده، فهو سبيلٌ لمحبة الله تعالى له، ولذلك ورد في الحديث عن السيدة عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ يُتْقِنَهُ» أخرجه الطَّبَرَانِي في "المعجم الأوسط"، والبَيْهَقِي في "شُعب الإيمان"، واللفظ للطَّبَرَانِي.
حكم تأجيل العمل إلى وقت الساعات الإضافية ليكون عملًا إضافيا
وقالت الإفتاء إن العلاقة بين العامل وصاحب العمل تُكَيَّفُ شرعًا على أنها علاقة إجارة، سواء كان العمل عامًّا أي: حكوميًّا أو خاصًّا؛ حيث يقوم العامل بأداء عمل معين ومهام محددة للطرف الآخر في وقت محدد مقابل أجر محدد معلوم بينهما وهذه هي حقيقة الإجارة، إذ تُعرَّف بأنها: عقدٌ على منفعة مقصودة معلومة قابلة للبَذْل والإباحة بعِوَضٍ مَعلوم.
والذي يضبط تلك العلاقة بين طرَفَيْهَا هو العقد المبرم بينهما وقانون العمل، فيجب على كلٍّ منهما الالتزام بما تضمنه من بنود، والتقيد بما فيه من شروط؛ وذلك لقوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: 1]، أي: ما عَقَدَه المرء على نفسه من بيع وشراء وإجارة... وغير ذلك من الأمور، ما كان ذلك غير خارجٍ عن الشريعة، كما جاء في "تفسير الإمام القُرْطُبِي" (6/ 32، ط. دار الكتب المصرية).
ولما ورد عن عمرو بن عَوف المُزَني رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «المُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ، إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا، أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا» أخرجه التِّرْمِذِي في "سننه".
كما أَنَّ تأجيل الأعمال والإبطاء فيها؛ لأجل التحايل على أجرٍ مضاعف يُعدُّ من أكل المال بالباطل؛ ذلك أَنَّ الموظَّف أو العامل قد أهدر وقت الدوام الرسمي دون أن يُنجز عمله دون عذر، وقد ورد النهي عن أكل المال بالباطل في قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 92].
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ، وَأَمْوَالَكُمْ، وَأَعْرَاضَكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا» متفق عليه.