حُداء الخالدين.. من ابن الأكوع إلىى الساروت وأبو قينص
تاريخ النشر: 28th, October 2024 GMT
عندما وصلني قبل أعوام خبر استشهاد منشد الثورة السورية عبد الباسط الساروت أصابني غمٌّ شديد وحزنٌ عميق؛ لقد كانت أناشيدُه الثورية ذاتَ أثرٍ كبيرٍ في إلهاب الحماس بكلماتها القوية وبأدائه الصادق المواكب لأحداث الثورة.. والآن أصابني الغم والحزن ذاته لاستشهاد منشد الشهداء حمزة أبو قينص في غزة؛ لقد كانت أناشيده ومرثياته من أروع ما قيل في رثاء الشهداء، وقد زادها تأثيرا صوتُه الشجي وأداءُه المتناسب مع مقام الرثاء.
يروي لنا سلمةُ بن الأكوع قصةَ عمّه عامر رضي الله عنهما فيقول: "خَرَجْنا مع رَسولِ اللهِ ﷺ إلى خَيْبَرَ، فَتَسَيَّرْنا لَيْلا، فَقالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ لِعامِرِ بنِ الأكْوَعِ: أَلا تُسْمِعُنا مِن هُنَيْهاتِكَ، وَكانَ عامِرٌ رَجُلا شاعِرا، فَنَزَلَ يَحْدُو بالقَوْمِ يقولُ:
اللَّهُمَّ لَوْلا أَنْتَ ما اهْتَدَيْنا
وَلا تَصَدَّقْنا وَلا صَلَّيْنا
فاغْفِرْ فِداء لكَ ما اقْتَفَيْنا
وَثَبِّتِ الأقْدامَ إنْ لاقَيْنا
وَأَلْقِيَنْ سَكِينَة عَلَيْنا
إنّا إذا صِيحَ بنا أَتَيْنا
وَبِالصِّياحِ عَوَّلُوا عَلَيْنا
فَقالَ رَسولُ اللهِ ﷺ: مَن هذا السّائِقُ؟ قالوا: عامِرٌ، قالَ: يَرْحَمُهُ اللَّهُ، فَقالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: وَجَبَتْ يا رَسولَ اللهِ، لَوْلا أَمْتَعْتَنا به. قال: فأُصيب، فقُتِلَ يومَ خيبرَ شهيدا".
اسمع للساروت يطوف في أراجيزه بين المدن السورية ويعدِّد مآثرها واحدة واحدة، وأنصت لأبي قينص ينشد لشهداء غزة والضفة والأرض المحتلة، ويؤكد في قصائده على ميراث الشهداء وعهد الأحياء لهم على الثأر ومواصلة الطريق
لقد حبا الله تعالى عامرَ بن الأكوع موهبة مميزة تتمثل بصوته الندي وقدرته على ارتجال الأراجيز التي تناسب الحدث، وقد كان صوتُه في المعركة مؤثرا بصورةٍ جليةٍ في رفع معنويات الجيش وبثِّ الحماسة فيه. ولم تكن تلك الموهبة مجرد أداة تسلية وترفيه، بل كان لها أبعاد أكبر وآثار أعمق في نفوس الجنود ضمن ميدان المعركة. وقد فهم عمر رضي الله عنه -كما في بعض الروايات- أن النشيد المحفِّز والصوت الشجي أحدُ متطلبات المعركة، وعرف أهميته في رفع معنويات الجند بين يدي الاستعداد للقتال، وهو ما دفعه ليقول: لولا أمتعتنا به يا رسول الله، أي: لولا أبقيته لنا ننتفع بدوره المهم. ثم إن هذه الهنيهات التي كانت مطلبا شعبيا في تلك الأمسية، إنما تعبِّر عن حاجةٍ فطريةٍ في النفوس، لا بد من ملئها وتلبيتها لا سيما في تغطية الأحداث وحشد التأييد وتعبئة الجماهير، وبصورة مكثفة زمن الحرب والاستنفار. وهذا ما جال في خاطري عندما بدأت تصل أخبار استشهاد الساروت وأبو قينص: يا رب لولا أمتعتنا به، رجاءَ أن يبقيهما الله ليكملا رسالتهما، ويتابعا دورهما الأساسي في التسلية والترفيه وفي التحشيد والتحميس.
وقد جمع ابن الأكوع رضي الله عنه إلى حدائه الماتع مهارتَه القتالية وشجاعته العسكرية وانخراطه المباشر، وهذا بُعدٌ إضافي في التأثير، فكلمات الحداء المليئة بالقيم العالية والمعاني السامية يتضاعف تأثيرها حين يتمثَّلُها صاحبها ويعيشها في واقعه؛ فالشجاعة والشهادة والتضحية والثبات والفخر والأخوة وبذل النفس وحب الوطن وغيرها من القيم.. تبقى مجردة في عالم الأفكار حتى يراها الناس في صورٍ واقعيةٍ تتجلى في الحياة العملية، فكيف إذا كان صاحبها يؤديها بروحه وشجنه ويسقيها من جرحه ودمه؟! اليوم نحن نسمع كلمات الساروت وأبو قينص بطعمٍ جديد وأثرٍ أعمق.
كما أنَّ للنشيد أيضا دورا جليّا في توحيد الصف أثناء التحريض والاستعداد لمواجهة العدو، مما يعزز الهوية الجماعية ويذيب الخلافات بين الجنود لا سيما إذا تضمَّن الحداء تلك المعاني التي تزيد الألفة وتعمّق التآخي.. اسمع للساروت يطوف في أراجيزه بين المدن السورية ويعدِّد مآثرها واحدة واحدة، وأنصت لأبي قينص ينشد لشهداء غزة والضفة والأرض المحتلة، ويؤكد في قصائده على ميراث الشهداء وعهد الأحياء لهم على الثأر ومواصلة الطريق.
الشعر والنشيد يساهمان في صياغة الوعي وصناعة الرأي العام، فهما أداة فعالة في التعبير عن المشاعر العميقة والقضايا الدينية والوطنية والاجتماعية، وهو ما يمكن -حين يلتحم مع الثقافة والقضايا الساخنة- أن يتحوَّل إلى جزءٍ من المكونات الشخصية للجيل، بل يصبح في مرحلة من المراحل مصدرا للمعرفة والتراث، وبذلك تصبح مثل هذه الشخصيات جزءا أساسيا من الهوية الجماعية والتراث الثقافي
ومن جانب آخر فإنَّ الشعر والنشيد يساهمان في صياغة الوعي وصناعة الرأي العام، فهما أداة فعالة في التعبير عن المشاعر العميقة والقضايا الدينية والوطنية والاجتماعية، وهو ما يمكن -حين يلتحم مع الثقافة والقضايا الساخنة- أن يتحوَّل إلى جزءٍ من المكونات الشخصية للجيل، بل يصبح في مرحلة من المراحل مصدرا للمعرفة والتراث، وبذلك تصبح مثل هذه الشخصيات جزءا أساسيا من الهوية الجماعية والتراث الثقافي. لذا فإنَّ هؤلاء المؤثرين من خلال إنشادهم للشعر، يساهمون في تشكيل الرأي العام وتكوين الآراء حول القضايا الساخنة، مما يمكنهم من التأثير على توجهات المجتمع وتبنيه لمختلف الأفكار والخيارات، فضلا عن كون تأثيرهم هذا لا يقتصر على زمانهم، بل يمتد إلى الأجيال اللاحقة التي تتوارث أشعارهم وكلماتهم، وفي عصر التكنولوجيا تتناقل أصواتهم وأسلوبهم.
وهذا النوعُ من المؤثرين لا يلبث أن يتحول إلى أيقونة شعبية تجسِّد أحدَ أصناف القدوة التي تتعلق بها الأجيال، ويشكل بالنسبة إليها إلهاما معنويا، وحافزا للعمل ومواجهة التحديات، وعنصرا مهما في تعميق الوعي والانتماء. وهذا يمكن أن ندركه من قول النبي صلى الله عليه وسلم: من السائق؟ أي الحادي، وَفِي الحديث: كانَ رَسولُ اللهِ ﷺ في بَعْضِ أَسْفارِهِ، وَغُلامٌ أَسْوَدُ يُقالُ له: أَنْجَشَةُ يَحْدُو، فَقالَ له رَسولُ اللهِ ﷺ: يا أَنْجَشَةُ، رُوَيْدَكَ سَوْقا بالقَوارِير، ومعنى ذلك كما جاء في لسان العرب: أَي: حادٍ يَحْدُو الإِبلَ فَهُوَ يسُوقهن بحُدائِه، وسَوَّاق الإِبل يَقْدُمُها.
ولهذا وجب أن يتصدَّى صاحبُ الرسالة في ممارسة هذا الدور سوقا بالأجيال، فيحدو للقيم الإسلامية والمعاني الإيمانية والأخلاق القرآنية. وهذا هو أبرز الدروس التي نستلهمها من هذه الشخصيات، وأنه لا بدَّ لصاحب القضية أن يفعّل دوره الرسالي، ويكتشف ما أودعه الله فيه من المواهب والقدرات، والمزايا والطاقات، وأن يسعى في توظيفها بإتقان وإبداع في حياته العملية لخدمة دينه ودعم قضيته، فلكلٍ ثغرُه الذي أقامه الله فيه، وبابُه الذي يجب أن يلجَ منه، وبهذا تتكامل الجهود وتوظَّف الإمكانات: "یَـٰبَنِیَّ لَا تَدۡخُلُوا۟ مِنۢ بَابࣲ وَاحِدࣲ وَٱدۡخُلُوا۟ مِنۡ أَبۡوَابࣲ مُّتَفَرِّقَةࣲۖ وَمَاۤ أُغۡنِی عَنكُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَیۡءٍۖ إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِۖ عَلَیۡهِ تَوَكَّلۡتُۖ وَعَلَیۡهِ فَلۡیَتَوَكَّلِ ٱلۡمُتَوَكِّلُونَ" (يوسف: ٦٧).
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مدونات مدونات غزة النشيد سوريا غزة نشيد سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة تفاعلي سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة رضی الله
إقرأ أيضاً:
«السيسى المنقذ».. تحدى مخطط الشيطان
سوف يذكر تاريخ مصر الحديث، بأن «الرئيس عبدالفتاح السيسى» هو الذى أنقذ مصر وشعبها، من مصير مجهول وعلم غيب مطلق لا يَعْلَمُهَ إِلَّا اللَّهُ، وقد تَرَدَّدَ اسْمُهُ عَلَى كُلِّ الألسنة بوصفه «مُنْقِذ وَطَنَ» أى «اِنْتِشَالُهُ»، من وحل مستنقع الفوضى الخلاقة، وهذه الفكرة الخطيرة والهدامة مصطلح سياسى تبنته أمريكا، وأوضحته وأفصحت عنه وزيرة خارجيتها فى ذلك الوقت، كونداليزا «كوندى» رايس «Condoleezza Rice»، أثناء حديثها الكاذب بمفهومه الخادع لصحيفة «واشنطن بوست» عام ٢٠٠٥، وهو عن تحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، مع تغيير الأنظمة السلطوية للشعوب العربية والإسلامية، وهذا التضليل هو الوجه الخفى للمتآمرين والمتربصين على هذه الشعوب، لتنفيذ مؤامرتهم الشيطانية بإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط من جديد، وغرقها فى مستنقع الصراعات الداخلية والحروب الأهلية، ونشر فيها الفتن والشائعات وإنهاكها فى حروب وصراعات، ثم يتم جرها إلى وحل التقسيم والتهجير، وتفكيك مؤسساتها الوطنية العسكرية والأمنية «الجيش والشرطة»، ثم تواجه هذه الدول خطر انهيار أنظمتها السياسة والاقتصادية والاجتماعية، وتوقف حركة التنمية والعمران فيها وانهيار بنيتها التحتية، ومن عجب العجاب بأن شعوب هذه الدول هم السبب فيما آلت إليه هذه الأوضاع والأمور فيها، بعد خروجهم فى مظاهرات تطالب بإسقاط نظام الحكم فى البلاد، لأنهم انساقوا وراء أباطيل من العبث كاذبة، ولَغْو مُنافٍ لِلْحَقِّ والعَدْلِ بَاطِلاً، لا يقبلون نَصيحَة أو مَوْعِظَةٌ حَسَنَةٌ، أو مَشْوَرةً لأصحاب الرأى فى القول السديد والعمل الصالح، ولا سبيل إلى اقناعهم بأن ما يصنعونه من اضطرابات وانحرافات، ما هو إلا هَلاك وتَدْمِير للأوطان يُخْرِبُونَه بِأَيْدِيهِمْ، بعد أن أغواهم الشيطان وأضلّهم وأغراهم إلى طريق الفساد، وهذه كانت خطيئة الفئة الضالة المنحرفة من خونة أحداث ٢٥يناير عام ٢٠١١، هؤلاء الذين افتقروا إلى حرية الفكر والثبات والتركيز العقلى، انساقوا وراء همجية وخطورة جماعة الإخوان، حتى ظنوا بأن هذه الأعمال التخريبية، تمهد الطريق لنظرية الفوضى الخلاقة، ولكن اللَّهَ سَيُبْطِلُ عمل الشيطان فقد صدق قول الحق فيهم بقوله تعالى:»إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ» الآية رقم (81) من سورة يونس.
اقتَرَنَ اِسْمُ «الرئيس السيسى» بكلمة «مُنْقِذ للوَطَن» وعُرف بسُمُوّ أخلاقه، وصدقه وقوة إيمانه، حتى اتصف بصفة من الصفات الحميدة للنبى محمد صلى الله عليه وسلم، «الصادق الأمين» أى صادق مع شعبه وأمين عليه، فهوا مُقْتَرِنٌ ومُرْتَبِطٌ بِكُلِّ الانْتِصَارَاتِ والإنجازات الْمَجِيدَةِ فى عهده، وهذا التَّلَازُمَ أَوِ التَّوَافُقَ مُجَرَّدُ فى ذكر معنى الكلمات عن زعامته وعبقريته العسكرية والسياسية، وإيمانه القوى بوطنه ونظرته لذاته ونظرة العالم له فى عظمة شموخة وقيمة قامته السامقة، حيث أنه له أعظم قدراً وسمواً وجلالا، بأنه حافظ على وطنه من التقسيم، وشعبه من التشريد، وجيشه من التفكيك، وتحطمت على يديه مؤامرة الفوضى الخلاقة، التى كانت تريد جعل مصر ساحة للتنافر واضطرابات وصراعات، لا تهدأ ولا يطمئن لها أحد للعيش على أرضها، ولا يأمن على حياة أى إنسان ساكن فيها أبدا.. ويرجع له الفضل فى إرساء دعائم دولة المؤسسات، وإقرار العدالة الاجتماعية والعيش فى حياة كريمة هنية، والاطمئنان الآمن للنفس البشرية على حياتها ومالها وعرضها، بسبب اِسْتِتْبَابُ الأمن والنِّظَامِ واِسْتِقْرَارُهُ، وهذا هو جوهر شريعة حكم دولة العدل والقانون، إن الرئيس «السيسى» يجمع بين شعبية «عبدالناصر» وذكاء ونبوغ عبقرية «السادات»، حيث أنه فهم بوعيه وكياسته، كل مايدور من مخططات تآمرية دولية لتقسيم المنطقة، والعصف بها، بسبب ما أثرته أحداث فوضى الخريف العربى، التى تشرذمت دوله فصارت ضعيفة مستباحة، مستحيلا عودة أى دولة فيهم تكون ذات سيادة موحدة، فقد حسب «السيسى» لتلك المؤامرات كل الحسابات بيقظة وتبصر وبفكر عقيدة وطنية راسخة، لزعيم وطنى أصيل له أعظم الأثر فى حرصه الشديد على تقوية «جيشه» بأقوى الأسلحة المتطورة والحديثة، وبفضل الله ثم قوة قواتنا البواسل تم القضاء على الإرهاب، وهذا يصح لنا أن نَّشِيدُ بعظمة وقوة «جيشنا» أعظم «جيوش» الأمم، لأنه هو المدرسة التى يتخرج فيها القادة العظام المتعلقون بالنزعة «الوطنية»،والروح القتالية القوية العالية وعزم أكيد، لردع كل من تسول له نفسه المساس بمقدرات الوطن وأمنه واستقراره، ونحن كلنا ثقة لا تتزعزع فى قوة «جيشنا» وقائده الأعلى سيادة الرئيس «السيسى»، فى حرصهم الشديد على سلامة وأمن واستقرار البلاد، وعلى ذلك أهيب بالشعب المصرى العظيم، بأن يقف صفا واحدا خلف «جيشه» والرئيس «السيسى»، وأن نضع كل آمالنا فيهم، لأنهم خير من يعتمد ويؤتمن عليهم، فى استكمال بناء مسيرة نهضة الإصلاح والتنمية فى جهاد وكفاح، وأيضا لا نكون جاهلين بما يخططه العدو لنا لأنه لا يزال يتربصن بنا، ويطلق شراذم أعدائنا وعملائه الخونة، الذين يطلقون حروب الجيل الرابع من الشائعات، ويتملقون الرأى العام بالكذب والخداع بشكل فوضوى، على القنوات الفضائية الخارجية والمنصات الرقمية الذكية، لا تستمعوا أو تشاهدوا هؤلاء الحمقى فهم معول هدم لنشر الفتن والشائعات والاضطرابات فى مصر، ونختم مقالى هذا بقوله تعالى: «لشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ».
سورة البقرة الآية رقم (268).