علوم الطبيعة.. حقائق ثابتة أم فرضيات مُتغيرة؟ (2)
تاريخ النشر: 14th, August 2023 GMT
هل "الانفجار العظيم" حقيقة علمية؟!
أ. د. حيدر بن أحمد اللواتي **
تحدثنا عن أنَّ الظاهرة الطبيعية التي نرصدها بحواسنا أو بامتداداتها هي حقائق علمية لا يُشك في صحتها، وفي هذه المقالة سنُسلط مزيدًا من الضوء حول مفهوم الحقائق العلمية.. فمثلًا عندما يتحدث علماء الطبيعة عن الذرة الكونية وأن الكون بدأ بانفجار عظيم، أو أن هناك سلفًا مُشتركًا للكائنات الحية، فهل هذه الظواهر العلمية هي حقائق علمية مُسلَّمٌ بها؟ إذ الملاحظ هنا أن هذه الظواهر العلمية مادية، ومن الناحية النظرية يمكن رصدها بالحواس، فهل يُمكن عدها حقائق علمية؟!
التحدي في الإيمان بأن هذه الظواهر العلمية هي حقائق علمية، يكمن في عدم إمكانية إخضاعها للتجربة أو الرصد اليوم، فهي أحداث فريدة من نوعها وظواهر طبيعية لا يُمكن لها أن تتكرر، فنحن لا نستطيع أن نُكرر ظاهرة نشأة الحياة في المُختبر ولا نستطيع أن نُكرر ظاهرة نشوء الكون؛ فلهذه الظواهر الطبيعية بُعدان: بُعدٌ علمي يتمثل في كونها ظاهرة طبيعية، وبُعدٌ تاريخي يتمثل في كونها حدثت في زمن سابق ولا يُمكن لنا تكرارها، ولذا فلا يصح أن نُعِدُ هذه الظواهر الطبيعية حقائق علمية كحقيقة كُرويَّة الأرض مثلًا أو دورانها حول الشمس، فهذه حقائق علمية لا يُمكن لها أن تتغير.
ومن هنا.. يُمكننا تقسيم الظواهر العلمية إلى صنفين؛ الصنف الأول: يمكن الكشف عنه ورصده في كل زمان، وهذا الصنف نطلق عليه "حقائق علمية". وهناك صنف آخر من الظواهر الطبيعية وقعت في التاريخ ولا يمكن لنا أن نعيدها في المختبر؛ فهي ظواهر طبيعية تاريخية، وهذه لا يمكن أن تتحول إلى حقائق علمية، نعم يمكننا أن نصل فيها إلى مستوى عالٍ من المصداقية بسبب الأدلة الداعمة لها، لكن ولأنها لا تخضع للتجربة والرصد فلا يُمكن الجزم بصحتها وعدها حقائق علمية.
ولذلك تبرُز أهمية التجربة في المنهج العلمي والتحقق من الحقيقة العلمية؛ بل نستطيع القول إنها العمود الفقري للمنهج العلمي، وذلك كونها العماد في الكشف عن الحقائق العلمية، ومن هنا فإن من أبرز الأمور في التجارب أن تكون نتائجها موضوعية وتعكس الواقع ولا تعتمد على الظروف المحيطة، ولا على العالم الذي يقوم بالتجربة. لهذا يولي علماء الطبيعة أهمية كبيرة لتكرار التجربة وإعادتها باستخدام أدوات قياس مختلفة من قبل عدد من العلماء في مختبرات بحثية مختلفة، وذلك للتحقق من البيانات التي تنتج من التجارب. وتُعد النتائج موضوعية وصادقة إذا تكررت التجربة وأنتجت نفس النتائج، مع هامش الخطأ المتوقع من التجارب بناءً على الحسابات الإحصائية. أما التجارب التي لا يُمكن تكرارها فلا قيمة لها؛ فالتجربة العلمية إما أن تكون صادقة وإما أن تُرمى بعرض الحائط، فلا توجد تجارب مشكوك في صحتها أو تجارب "ظنيَّة" يُظن أن نتائجها صحيحة؛ فالتجارب العلمية التي يتم اعتمادها لا بُد وأن تكون حقائق علمية لا يشك بصحتها.
وهذا هو مَكمن قوة علوم الطبيعة وتميُّزها عن كثير من العلوم... فالقاعدة -التجربة العلمية- التي ينطلق منها العلماء في تفسيرهم قائمة على حقائق علمية متفق عليها وليس على تجارب محتملة الصحة؛ فالمؤرخ مثلًا عندما يقوم بتحليل حادثة تاريخية معينة، فإنه قد يستند في تحليله على روايات تاريخية لا يتفق المؤرخون على صحتها، ولذا فقد تجد مؤرخًا آخر يرفض التحليل الذي طرحه المؤرخ الأول؛ لأنه استند على روايات تاريخية ضعيفة من وجهة نظر المؤرخ الثاني. أما نتائج التجربة العلمية، فلا يختلف عليها إثنان من العلماء؛ فالتجربة التي يُشك في صحتها تخضع للتكرار، فإن أنتجت ذات النتائج مع هامش الخطأ المُتوقع من التجارب بناءً على الحسابات الإحصائية، أُخذ بها.. وإلّا لا يُحتكم إليها ولا تُعد حقيقة علمية، ولذا لا يحق لأي عالم من علماء الطبيعة الاعتماد عليها.
لكن من المُهم جدًا في علوم الطبيعة وغيرها من العلوم، التفريق بين نتائج التجربة والتفسير المطروح للتجربة، وهذا ما سنتحدث عنه في المقالة المُقبلة.
***********
سلسلة من المقالات العلمية تتناول علوم الطبيعة، وتجيب على أسئلة ما إذا كانت هذه العلوم مجموعة من الحقائق التي لا يعتريها شك ولا شبهة، أم أنها محض ظنون لا يقر لها قرار وتتغير بتغير الزمان؟
** كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
بالأرقام.. حقائق مروعة عن حجم الدمار وأزمة النزوح في قطاع غزة
كشفت مصادر حكومية لـ"عربي21" عن أرقام وحقائق غير مسبوقة لحجم الدمار الهائل الذي حل في قطاع غزة، وما نتج عنه من أزمة نزوح خانقة ومتصاعدة.
وفي تصريح خاص لـ"عربي21" ، قال مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، إسماعيل الثوابتة، إن سياسة نسف وتدمير المنازل التي ينتهجها الاحتلال في قطاع غزة ليست سوى صورة من صور الإبادة الجماعية الممنهجة، وهي ترتقي إلى جريمة حرب مكتملة الأركان، بل إنها تُصنّف ضمن "جرائم ضد الإنسانية" وفق ميثاق روما المؤسس لمحكمة الجنايات الدولية.
480 ألف وحدة سكنية مدمرة
وشدد على أن الاحتلال لا يكتفي باستهداف الأفراد، بل يستهدف "الحياة نفسها"، بتدمير البيوت فوق رؤوس ساكنيها، وتفجير مربعات سكنية كاملة، في عمليات قصف عشوائية ومقصودة في آنٍ واحد.
وأكد أن ما يجري مجزرة معمارية وبشرية شاملة هدفها تفريغ الأرض من سكانها وإبادة الوجود الفلسطيني.
وكشف الثوابتة في تصريحه لـ"عربي21" أنه حتى بداية نيسان/ أبريل الجاري، دمر الاحتلال الإسرائيلي قرابة 480 ألف وحدة سكنية، منها 165 ألف وحدة سكنية بشكل كلي، وقرابة 115 ألفا بشكل بليغ وغير صالحة للسكن، وقرابة 200 ألف وحدة سكنية دمرها الاحتلال بشكل جزئي، لكنها أصبحت غير صالحة للسكن.
مليون مشرد ونازح
وعلق المسؤول الحكومي على هذه الأرقام بالقول، إن ما يزيد على المليون فلسطيني أصبحوا مشردين بلا مأوى، في واحدة من أفظع الكوارث الإنسانية في العصر الحديث.
وأضاف: "الدمار لا يشمل فقط البيوت، بل يمتد إلى البنية التحتية بالكامل: شبكات الكهرباء والماء، المستشفيات، المدارس، المساجد، وحتى المقابر".
ويرى الثوابتة أن الدوافع المعلنة للتدمير من قبل الاحتلال تتذرع بالادّعاءات الأمنية، لكن الحقيقة أن هذه السياسة تهدف إلى تحقيق أربعة أهداف خبيثة:
أولا: تفريغ الأرض من شعبنا الفلسطيني وتحقيق التهجير القسري على نطاق جماعي، وهذه جريمة حرب.
ثانيا: ترهيب المجتمع الفلسطيني بالكامل عبر تحويل البيوت إلى قبور، وقتل العائلات عن بكرة أبيها وهذه جريمة حرب أيضاً.
ثالثا: تدمير النسيج الاجتماعي والمدني، وشلّ الحياة الاقتصادية والتعليمية والصحية، وهذه جريمة حرب كذلك.
رابعا: خلق واقع ديموغرافي جديد بالقوة، يخدم أطماع الاحتلال الإسرائيلي في السيطرة على الأرض دون سكان، وهذه جريمة حرب إضافية.
وشدد على أن ما يجري ليس إجراءً عسكرياً، بل عقيدة تطهير عرقي واستراتيجية إبادة مكتملة الأركان، مستنكرا في الوقت نفسه سياسة الكيل بمكيالين التي ينتهجها المجتمع الدولي حيال هذه، حيث تُمارس ضغوط سياسية على بعض الأطراف، بينما يُترك الاحتلال الإسرائيلي طليقاً يكرر جرائمه بلا مساءلة.
ومع ذلك، رحب الثوابتة بأي جهود قانونية، بما فيها التحقيقات المفتوحة في محكمة الجنايات الدولية، والدعاوى القضائية التي رفعتها مؤسسات حقوقية في عواصم غربية، لكنه أكد أن "السكوت على هذه الجريمة يجعل من الصامتين شركاء فيها، ويشجّع الاحتلال على التمادي أكثر".
ودعا المجتمع الدولي إلى إنقاذ ما تبقى من كرامة إنسانية في غزة التي يشن عليها الاحتلال حرب إبادة جماعية شاملة وممنهجة، والمجتمع الدولي مطالبٌ بأن ينقذ ما تبقّى من الكرامة الإنسانية.
ووجه الثوابتة رسالة للفلسطينيين في غزة قال فيها: "سنبقى ثابتين على أرضنا الفلسطينية، وسنُعيد بناء ما هدموه، لأن إرادتنا أقوى من طائراتهم، وحقنا أقوى من صواريخهم". مؤكدا على ضرورة استخدام كل الوسائل السياسية والقانونية والإعلامية لكشف هذه الجريمة وملاحقة مرتكبيها، و"سنُبقي ملف الإبادة مفتوحاً أمام العالم حتى تتحقق العدالة، ويُقدّم المجرمون إلى محكمة التاريخ والضمير".
وترتكب دولة الاحتلال بدعم أمريكي مطلق إبادة جماعية في غزة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2032 خلفت أكثر من 165 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على الـ14 ألف مفقود.