جريدة الرؤية العمانية:
2024-10-02@01:24:00 GMT

العراق.. ونظرية فصل الرأس عن الجسد

تاريخ النشر: 14th, August 2023 GMT

العراق.. ونظرية فصل الرأس عن الجسد

 

علي بن مسعود المعشني

ali95312606@gmail.com

خطط الأمريكان- تجنبًا للحرب على العراق واحتلاله عام 2003- لتطبيق نظرية فصل الرأس عن الجسد؛ أي إزاحة رأس النظام والإبقاء على جسده والمُتمثل في سياساته، وكان رأس النظام المُرشح والبديل للرئيس صدام حسين- وكما يُقال- هو ابن خاله وزير الدفاع الفريق عدنان خير الله.

النظام القائم في العراق حينها كان مثاليًا للغرب من ناحية عدائه لكل من سوريا والثورة الإيرانية، وبالنتيجة قيامه بدور المنطقة العازلة بين البلدين، وبالتالي يمكن التجاوز عن مخاطره الأخرى والتي لا ترقى إلى مصاف هذه المصلحة. وحين فشل الأمريكان في تطبيق نظريتهم، لم يجدوا بديلًا عن غزو العراق واحتلاله وسعيهم لاحقًا لتطبيق نظريتهم على دولة العراق تحت البند السابع والاحتلال والسيطرة المباشرة.

الأمريكان بطبيعتهم لا يفكرون؛ بل يُجربون حتى يفشلوا، لهذا تجاهلوا تركيبة العراق وطبيعته الجغرافية وتاريخه وثوابته وإرثه السياسي، وقبل كل ذلك فطرته؛ فهذه العوامل جميعها جعلت من العراق عصيًا وقويًا حتى بعد احتلاله والتنكيل به، لأن الصراع في العراق وعليه، اكتسب صفة الإرادات لاحقًا، فانتصرت إرادة العراق رغم كل مظاهر الهزيمة والبؤس والإجهاد المنظم الذي مارسه المحتل. وحين اكتشف المحتل الأمريكي أن مناعة العراق وفطرته أقوى بكثير من سلاحه وبطشه، لجأ إلى تنفيذ مُخططات فرعية أخرى لإجهاد العراق وإغراق شعبه في المزيد من المُعاناة؛ حيث حُرم العراق المحتل من أبسط حقوقه السيادية، وحُرم الشعب العراقي من أبسط مفردات التنمية، وهذا بقصد "الترحم" على النظام السابق ورثائه سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، رغم أن العراق انتقل من مرحلة سيئة إلى مرحلة أسوأ، وليس من العقل تمني عودة السيئ بعد تجربة الأسوأ، ولكنها نظرية أمريكية بامتياز.

بقيت فكرة المنطقة العازلة بين سوريا وإيران هاجسًا قويًا للمحتل الأمريكي، بعد فشله الذريع في إيجاد رأس للنظام أو جسده؛ حيث اصطدمت تلك الأحلام بفطرة العراق والعراقيين العروبية الوحدوية والواقعية.

لجأ المحتل الأمريكي إلى صنيعته "داعش"، وزودها بكل أسباب القوة لتقيم دولتها في المنطقة العازلة "الحلم"، من الموصل شمالًا إلى درعا السورية جنوبًا، ثم الانقضاض على بغداد وفرضها بالقوة كأمر واقع، فتفاجأ المحتل بفتوى المرجعية بالجهاد الكفائي وقيام الحشد الشعبي من جميع أطياف العراق ودحر الدواعش. والجهاد الكفائي محدود بالعدد والمكان، أي ليس مُطلق لكل من يُقلد المرجعية السيستاني من شيعة العالم؛ بل محصور في العراق فقط، وهي رسالة قوية للمحتل الأمريكي لم يحسب حسابها وتنم عن جهله بالكثير من تفاصيل العراق.

اليوم.. يلوح المحتل الأمريكي بقيامه بهذا الدور وإقامته منطقة عازلة بين العراق وسوريا، وهذا يعني إقراره بفشل كل مساعيه لخلق رأس أو جسد موالٍ له بالعراق، رغم كل مظاهر الشتات والوهن والسيطرة الظاهرية له. وبالعودة قليلًا إلى الوراء وتحديدًا عام 2011، فقد فشل المحتل الأمريكي- قبيل انسحابه- في انتزاع معاهدة مع العراق المُحتل؛ لأن المعاهدة تتطلب موافقة كل من الحكومة والبرلمان والاستفتاء الشعبي، وحين استحال عليه موافقة الشعب العراقي عبر استفتائه، لجأ إلى الاتفاقية والتي لا تتعدى موافقة الحكومة والبرلمان وفي ذات الوقت غير ملزمة للحكومات المتعاقبة.

يقول محمود المشهداني رئيس مجلس النواب العراقي السابق في حديث لإحدى القنوات الفضائية إن الأمريكان نصحوا بعض الساسة العراقيين بعدم الانخراط في العملية السياسية بعد الاحتلال، وقالوا لهم بالحرف الواحد إن هناك مخططا قادما للعراق بعد عشرة أعوم أو يزيد قليلًا لتغيير وجهه ووجهته.

قبل اللقاء.. يبدو أن المحتل الأمريكي استمرأ الفشل في العراق وفي غيره من الأماكن التي لفظته وواجهته بالإرادة الصلبة، وسينتج المزيد من الفشل مستقلًا.

وبالشكر تدوم النعم..

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الانتشاء بالجريمة لن يغير لوحة الصراع

في المرحلة الأولى السابقة لجريمة العدوان على لبنان، وتوسيع رقعته باستهداف الضاحية الجنوبية لبيروت واغتيال أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، مع قادة كبار للحزب سياسيين وعسكريين، تركز المسعى الصهيوني في غزة على تحقيق هدفين: ارتكاب جرائم إبادة جماعية تحت ذريعة سحق المقاومة واستعادة الرهائن وتحقيق الأمن لإسرائيل، وتوفير ضمانات سياسية عسكرية غربية أمريكية لهذه الجرائم، والهدف الثاني أن تكون غزة نموذجا مرعبا لمن يجرؤ على مقاومة المحتل، وأن يكون هذا النموذج في أجندة عربية رسمية مثالا للعجز ولتخويف الشعوب منه، بعدما استخدم نموذج تحطيم الثورات العربية سلاحا بيد المستبد بشعار "لن نكون مثل سوريا ومصر وليبيا واليمن والعراق والسودان".

يتم استخدام العجز العربي نفسه وتحويله لأداة ضاغطة على قوى المقاومة والقضية الفلسطينية برمتها، من خلال اللجوء لنهج براغماتي قاتل من قبل بعض النظام العربي ومحور المقاومة وعلى رأسها إيران، باعتماد أساليب ومواقف ظلت طيلة عام من العدوان على غزة بمثابة العنوان الكبير لمجموعة من المفاهيم والشعارات المتناقضة والبراقة المضللة، مكنت المؤسسة الصهيونية من مراكمة الجرائم في فلسطين وغزة، واستنساخها اليوم في لبنان، وهو ما يؤكد على عقيدة صهيونية ثابتة بمحاولة ضرب وكي وعي عربي فلسطيني، يضمن للاحتلال تفوقه وتمدده في المنطقة ومحاولة فرض حالة استسلام عربي جماعي رسمي.

تتابع المرحلة الثانية من العدوان والجرائم على لبنان مقاومة وشعبا، عنوانها فك العلاقة مع غزة وفلسطين، وتطبيق القرار 1701 الذي ينشغل العالم العربي وإسرائيل والمجتمع الدولي بتطبيقه، بينما كل القرارات الدولية الصادرة منذ عام 1948 من مجلس الأمن والأمم المتحدة ومجلس حقوق الانسان، ومحكمة العدل الدولية التي تخص الصراع العربي الاسرائيلي والقضية الفلسطينية؛ لا تمتثل لها المؤسسة الصهيونية.

خطاب صهيوني مكرر من الأكاذيب والخبث عما يجري في غزة وعموم فلسطين، وتقسيم عالم العرب بين أشرار وأخيار، ومن خلال استقطاب بنيامين نتنياهو من على منبر الأمم المتحدة كل عناصر الخداع والتضليل المكشوف من أجل التمويه على أن المؤسسة الصهيونية حركة استعمارية استيطانية، واستمراريتها تقوم على إرهاب الدولة المنظم، الذي يجب أن يحتل الرعب منها مكانة في صدور شعوب المنطقة العربية، ولتجسيد فكرة الاندماج والتطبيع العربي مع إسرائيل، لدرء مخاطر ما تعتبره الأخيرة مشتركا بينها وبين النظام الرسمي العربي، وهو ما يفسر المواقف العربية التي تستخدم ذات اللغة الخائفة من "تصعيد" مستمر من طرف واحد يمارس العدوان في فلسطين وسوريا واليمن ولبنان والعراق واليمن، وقد أنجز كامل الجريمة في غزة من تطهير عرقي وإبادة جماعية، فمكنته هذه السياسة والمواقف من جرائمه في غزة، من استئناف تهويد المقدسات وتوسيع الاستيطان، وضياع ما يُبكى عليه عربيا ودوليا من السلام إلى حل "الدولتين"، بينما تشير البوصلة الصهيونية لرغبة قديمة جديدة لتغيير خارطة الشرق الأوسط بحسب رؤية نتنياهو وبن غفير وسموتريتش وساعر، ومن خلفهم الولايات المتحدة لتكريس واقع إسرائيل المهيمنة بالإرهاب والقوة والتوسع.

تغيير لوحة الصراع والمواجهة، لدرجة استبعاد ربط قضية فلسطين بعمقها العربي، وربط كل حركة مقاومة للمحتل والتصدي لجرائمه بـ"الإرهاب" والأجندات الخارجية، سيبقى نقطة الضعف المميتة لسياسة عربية نهشها التمزق والهزائم أمام عدو شعوبها، بامتثالها وخضوعها المستمر للإملاءات والشروط الأمريكية والإسرائيلية، حيث توهم النظام العربي بأن مظلة المحتل له ستكون عامل صد أبدي أمام مخاطر انهياره، لذلك كله، يتم تنفيذ سياسة الاغتيال والتصفية لقادة المقاومة في لبنان وتدمير غزة، لإنجاز خارطة جديدة للمنطقة يكون فيها الحسم والقرار صهيونيا.

فلوحة الهزائم التي سادت في المنطقة العربية لعقودٍ طويلة، لم تكن أطرها مشدودة بعناية فائقة، ومن وسط ركامها المتناثر، وزحمة الأماكن والتواريخ المفجعة المرتبطة بوجود المستعمر الصهيوني على أرض فلسطين ودنيا العرب، كان الخبر يأتي في كل دورة تاريخية محملا ببشائر مختلفة، وبطبيعة مغايرة لطبيعة ورغبة المحتل والمستبد العربي، فالانتشاء المستمر بجريمة المحتل والافتتان بعضلاته لن يكون عامل خلاص لرقبة العربي من مقصلة المحتل والطاغية.

ومن نذر نفسه لاستظهار أحلام شعبه وأمته، ستظل جذوره تضرب في أرضه لتبقى فلسطين وقضيتها تتسيد مكانتها في القلب منه، يخفق بها كل نبض حي يعيد للجسد الممدود حركته وحيويته. فمن يرى جرائم المحتل اليوم في غزة ولبنان أنها ستمهد له طريق الخلاص من عبء ظلام دامس أحاطه به المحتل والطاغية العربي، عليه أن يدرك أن ما يلمع من بريق المشاريع الاستعمارية المتحالفة مع المستعمر الصهيوني والمستبد العربي تتعاكس مع أهداف وطموحات بعيدة عن الإنسان العربي وأحلامه ومستقبله، ومن يرتكب جرائم الإبادة بحق أشقائك لا يهدف لتعبيد طريق حريتك بل يحمي قصر عبوديتك.

بقي علينا كعرب وفلسطينيين واقفين في وجه جرائم الإبادة الجماعية في غزة ولبنان، وواقفين في وجه الاستبداد والطغيان والاحتلال، أن نأخذ العبر من خسارتنا وهزائمنا المتتالية أمام الطاغية العربي والمحتل الباغي، فنبادر بدورنا لتعزيز مفهومنا للحرية والتحرر الوطني والمواطنة والكرامة الإنسانية، والسمو فوق خلافاتنا الثانوية لتقديم مثال ملموس آخر، على قدرة هذه الأمة وشعوبها ومقاومتها على النهوض والتقدم والتحرر.

وقد أصبح واضحا على ضوء مجريات العدوان الصهيوني على غزة ولبنان، وعلى ضوء انجلاء المواقف العربية ووحدتها وصلابتها في الاستبداد العربي وانكفائه وتقوقعه بالجبن والتآمر على قضية فلسطين والمقاومة، أن أقصى ما يقدمه نظام الاستبداد العربي و"حلفاء المقاومة" وقت إبادتك، هو بعض من تسويات بنفس الأساليب والأدوات والمناورات التي تمنع نهوضك، فتسمع كلاما سخيا عن فلسطين، وكرما بالألفاظ المفرطة بالكرامة والسيادة والوطنية، وبالحقوق التي تبدأ بحريتك وكرامتك، بينما تشاهد وتراقب عدوك وحليفه يُغدق عليه بملايين الذخائر وآلاف الأطنان من القنابل وحاملات الطائرات وأجهزة التجسس ليقتلك، ويستنفر كل المنابر الدولية لتشريع الجرائم، والنظام العربي يتحرج من استنكار الجريمة، وإعلامه ينتشي بها.

والسؤال الأخير هنا: هل من تعبير آخر له أثر في السياسة العربية، بعد كل هذه الجرائم غير التحقيق المطلق لقبول الظلم والضيم والجرائم وهضم الأكاذيب والتزوير خوفا على "سلام" يفضي لاستقرار محتل وطاغية؟

x.com/nizar_sahli

مقالات مشابهة

  • بسبب تشواميني.. إصابة مدافع أتلتيكو مدريد بورم دموي في الرأس
  • أتلتيكو مدريد يعلن إصابة مدافعه في الرأس
  • كريم فهمي يظهر حليق الرأس في حفل زفاف فاطمة عادل.. ما القصة؟
  • الانتشاء بالجريمة لن يغير لوحة الصراع
  • إضراب عام بالداخل المحتل إحياءً للذكرى 24 لهبة القدس والأقصى
  • في ذكرى هبة القدس والأقصى.. إضراب شامل في الداخل الفلسطيني المحتل يوم غد الثلاثاء
  • حزب الله بعد أمينه العام الثالث
  • ضبط 3 قضايا مخدرات في حملات أمنية بأسوان
  • حبس أكبر مروجي المواد المخدرة في طوخ بالقليوبية
  • نداء مهم لشباب ونساء العراق!