جريدة الرؤية العمانية:
2025-11-20@02:19:03 GMT

سينما الأحقاف.. أولى نوافذنا الثقافية

تاريخ النشر: 28th, October 2024 GMT

سينما الأحقاف.. أولى نوافذنا الثقافية

 

 

خالد بن سعد الشنفري

سينما الأحقاف التي كانت تربض أسفل جبال ظفار "الأحقاف قديمًا" في بداية السبعينيات وعلى بعد أمتار قليلة من شاطئ بحر العرب السهل ركوبه والاصطياد منه في كل الفصول والممتنع ركوبه في فصل الخريف؛ حيث يتعذر ركوبه وحتى السباحة فيه ويكون هائجا مزمجمرا مزبدًا، يتعذر على البحارة (الصيادين) ركوب بقواربهم صيدهم الصغيرة آنذاك (الهواري) فيتجهون بها قبل بدء موسم الخريف إلى ريسوت؛ حيث تكون مذرى أمن لهم بجبالها.

وكانوا يستأجرون في سبيل ذلك الحمير للذهاب والجيئة من الحافة إلى ريسوت لجلب أسماكهم التي يصطادونها يوميًا إلى سوق "ماركيت الحافة" المخصص حينها لبيع الأسماك ومشتقاتها من اللخام (سمك القرش المجفف) والمالح (سمك مملح محفوظ بعناية في صفائح معدنية لمدة لا تقل عن 40 يومًا) ليعمر بعد ذلك، ويمكن أكله لأشهر دون فساد (شخصيا قد استفدت من ريع تأجير حماري ورفيق دربي (البطران) في أواخر الستينيات لهم وكان الكثير منهم يتسابقون لحجزه لصلابته وسرعته ورشاقته، وقد أفردت للبطران قصة قصيرة من كتابي القصصي سوالف الستينات، هي قصتي معه وذلك وفاءً وعرفانًا لدوره في تلك المرحلة)، إضافة إلى بيع اللحوم التي تذبح طازجة يوميًا؛ حيث لا وجود للثلاجات وحافظات التبريد حينها، علاوة على بيع الخضراوات والفواكه الموسمية.

سوق "ماركيت الحافة" سوق قديم في ظفار وكان أشبه بالهبطة في شمال عمان وكان يسمى قديمًا "العرصة" ويقع خارج أسوار قصر الحصن الحالية، هذا السور الذي يحتضن بين جنباته مرافق الدولة من المحكمة والبرزة والجوازات والبريد ومحطة كهرباء القصر الوحيدة في ظفار كلها، عدا القاعدة الجوية في صلالة، وسوق ظفار الرئيسي الذي أسسه السلطان تيمور في بداية القرن الماضي لغرض تجميع الدكاكين التي كانت موزعة بالمناطق لتكون داخل أسوار القصر بالقرب من الفرضة، ولاستفادة الدولة من العشور (الضريبة) وتأجير أراضي السوق لدعم دخل الدولة، الذي كان اقتصادها يعاني. وبعد أن امتنع أو تعذر تجميع عشور من سكان الجبال على إنتاجهم من السمن البلدي. وكان هذا السوق يباع فيه كل شيء تقريبًا حتى التمور، ما عدا الأسماك واللحوم والخضراوات والفواكه.

وتحتضن أسوار القصر كذلك سكك حارات ثلاث هي: حارة النبات، وحارة السجن، وحارة سكة عيريت، وهو لفظ باللغة الجبالية أطلقته عليه إحدى العجائز من الجبل، والتي زارتها قديمًا ومعناه بالعربي السكة العمياء أو المقفلة؛ حيث لا يوجد إلّا بوابة واحدة للدخول والخروج محاطة بسور الحصن الخارجي من الأربعة جهات. والطريف في هذه السكة أنه حتى بعد عصر النهضة بعدة سنوات ودخول السيارات إلى صلالة كان الذي يدخل بسيارة لهذه السكة يضطر للخروج منها بالرجوع بالسيارة للخلف، رغم امتدادها طوليًا لمئات الأمتار، وكان يقطن هذه السكك فقط عسكر الحكومة (السركال) وبعض مقدمي الخدمات للحصن والحكومة.

ومن المفارقات في أواخر الستينيات أن احترقت سكة عيريت، وبما أن معظم بيوتها عشش، فقد انتشرت فيها النيران كالهشيم؛ مما دعا الحكومة للاستعانة بسيارات مطافئ القاعدة الجوية البريطانية بصلالة (RF)؛ لإخماد هذا الحريق الهائل. ولعدم تمكن سيارات الإطفاء من الدخول للسكة فقد اضطروا للاستعانة بشباب المنطقة ليتسلقوا أشجار نخيل النارجيل المحيطة بها طوليًا من الجنوب حاملين معهم خراطيم مياه الإطفاء والرش بالمياه من أعلى النخيل، وقد كانت إحدى هذه البيوت التي احترقت تمامًا بيت شاعر الموروث الغنائي الشعبي الظفاري جمعان ديوان أبومانع- رحمة الله عليه- الذي أرَّخ لهذه الحادثة بقصيدته الغنائية الشهيرة التي يقول في مطلعها:

الحمد لله سلم راسي

على المال ماشي حسوفيه

 

نزلوا المحطة وأهل الفوج     

نزلوا نزلة الدوج عاشوا عيال الظفارية      

 

مثال قالت يا عنوة (مثال وعنوة هما بنات الشاعر)

كل من بلانا تجيه بلوة والنار صبحت مطفيه.

 

وعودًا على بدء في موضوعنا عن سينما الأحقاف التي قامت بإنشائها شركة الشنفري في بداية السبعينيات والتي تعتبر أولى دور السينما الصيفية بدون أسقف في ظفار، بعد أن أغلقت سينما صغيرة (لا يحضرني اسمها) فوق سطح أحد المباني داخل منطقة سور الحصن. وكانت هذه السينما متنفسنا الوحيد آنذاك، نحن ذلك الجيل؛ حيث يكفينا أن نتسكع حولها مساءً كل يوم؛ حيث شهدت المنطقة توسعًا، ووزعت حولها أراضٍ تجارية، وابتدأت منها تأسيس أوائل المطاعم والمقاهي وبعض المحلات المتعددة الأغراض.

ورغم أن معظم الأفلام التي كانت تعرض فيها هندية لكون مشغليها من أبناء الجالية الهندية، إلّا أنها كانت أفلام قديمة ملونة في منتهى الروعة والإخراج، لأبطال مشاهير، كنَّا نطلق عليهم مسميات من عندنا قبل أن نتعرف على أسمائهم مثل البطل الطويل (أميتابتشان) والممثل الشهير دليب كومار والممثلة هيما ماليني والممثل الهندي دارا سينج، وأفلام سوراج وماذر أوف إنديا، وغيرها بأغانيها الشجية بصوت المغنية الهندية الشهيرة لاتا مانغيشكار.

والجميل في سينما الأحقاف أنها قبل بدء عرض الفيلم بفترة طويلة تصدح جنباتها بأغاني أم كلثوم الشهيرة، بحيث يسمعها كل من في المنطقة لقوة مكبراتها الصوتية، فتطرب الجميع حتى حفظنا معظم أغاني "الست" في تلك الفترة، وكنَّا نتعمّد دخول دار العرض قبل بدء عرض الفيلم بساعة على الأقل وكل منَّا يحمل معه من المطعم الباكستاني في كيس من الورق المقوى السمبوسة الباكستانية المحشوة بالبطاطا اللذيذة الطعم، والباكورا (معجنات بالبصل والفلفل الحار) مع زجاجة كوكاكولا (مال زمان) بغازاتها القوية النفاذة، فنستمتع بقرمشتها، وكانت هذه الأكياس تصنعها حصريًا عائلة بنجالية، كانوا من بقايا الحجيج البنجلادشيين الذين يستقرون عادة بظفار لفترة في طريق عودتهم إلى بلادهم بعد الحج أو العمرة، في فترة الستينيات، وكنَّا نسميهم "الحجاجيين"، ويفترشون أرض الشاطئ تحت أشجار النارجيل حتى الحصول على عبرة بإحدى سفن البضائع الخشبية لتُقِلَهُم. وبعد عصر النهضة المباركة احتضنتهم عُمان ومُنحوا الجنسية العمانية، وأصبح لهم اليوم أحفاد الأحفاد، ولطالما احتضنت ظفار من مرَّ بها وطاب له المقام فيها.

على الله عودة الماضي، مهما كانت العودة!

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

"ظفار للأغذية والاستثمار" تطلق حملة "غد عُمان من خيرها"

مسقط- الرؤية

تعزيزًا لالتزامها برفع مستوى الوعي الوطني وترسيخ روح المشاركة المجتمعية، أعلنت شركة ظفار للأغذية والاستثمار -الرائدة في تعزيز الأمن الغذائي وتطوير التنمية الزراعية والغذائية في سلطنة عُمان- عن إطلاق مبادرتها الاجتماعية الجديدة بعنوان "غد عُمان من خيرها.. مسابقة رؤية عُمان 2040" وتمتد الحملة من شهر نوفمبر 2025 إلى شهر أكتوبر 2026؛ مستندةً إلى النجاح الذي حققته نسختها السابقة، مع مزيدٍ من المواءمة لأهدافها مع مستهدفات رؤية عُمان 2040.

وتأتي هذه المبادرة كحملة تفاعلية توعوية تمتد على مدى عام كامل، تهدف إلى تثقيف المجتمع وإشراكه وتمكينه من خلال المشاركة الرقمية المعرفية السلسة والمتاحة للجميع.

وقال فيبول باهل الرئيس التنفيذي بالإنابة لشركة ظفار للأغذية والاستثمار: "تجسّد رؤية عُمان 2040 خطةً تحويليةً لمسيرة تقدّم الوطن، وبصفتنا شركة عُمانية متجذّرة في النسيج الاقتصادي والاجتماعي للبلاد، نرى أنه من مسؤوليتنا أن نكون جزءًا فاعلًا في هذه المسيرة. ومن خلال هذه الحملة التفاعلية، نهدف إلى إثارة فضول الجمهور وتعزيز مشاعر الفخر لديهم، وتشجيعهم على فهم أعمق لأهداف رؤية عُمان 2040 ولدورنا الجماعي في تحقيقها. فعندما تتحوّل المعرفة إلى مشاركة، يتحوّل الوعي إلى تمكين وهذا هو النوع من التفاعل الذي نسعى إلى ترسيخه".

وتُعدّ الحملة مبادرة تفاعلية على وسائل التواصل الاجتماعي، تهدف إلى تحويل التعرّف على محاور الرؤية الوطنية إلى تجربة تعليمية مشوقة ومتاحة للجميع. ففي كل شهر، تسلّط الحملة الضوء على أهداف الرؤية من خلال أسئلة تفاعلية ومواد بصرية تعليمية مختصرة تُنشر على حسابات التواصل الإجتماعي الخاصة بالشركة، داعية الجمهور إلى الاستكشاف والتعلّم والمشاركة في دعم الطموحات الوطنية طويلة المدى.

لتوسيع نطاق المبادرة الرقمية إلى تجارب الحياة اليومية، قامت شركة ظفار للأغذية والاستثمار أيضًا بتوفير شاشات مزوّدة برمز الاستجابة السريعة (QR) الخاص بالحملة في أبرز منافذ البيع والمراكز التجارية، لتمكين العملاء من المسح والمشاركة فورًا. ومن خلال دمج التجربة الواقعية مع التفاعل الرقمي، تُحوّل الحملة التجربة اليومية إلى فرص للتعلّم الوطني، وتعزيز الوعي والفخر بالوطن بطرق مبتكرة.

تواصل الحملة بناء مجتمع عُماني مطلع ومساهم من خلال إشراكهم في التفاعلات الرقمية والواقعية. وحرصًا على تعزيز المشاركة المستمرة، تميزت المبادرة بتقديم جوائز قيمة تحفّز المشاركة وتثري المعرفة والفهم. تتضمن الحملة أكثر من 40 فائزًا، ففي كل شهر يتم اختيار ثلاثة فائزين: اثنان يحظيان بصناديق هدايا 'الصفوة'، فيما ينال الثالث قسيمة تسوق بقيمة 50 ريالًا عُمانيًا. بالإضافة إلى ذلك، كل ثلاثة أشهر يُكرّم فائزان بالجائزة الكبرى، المكوّنة من قسيمة تسوق بقيمة 100 ريال عُماني وجهاز iPhone 16. يتأهل المشاركون من خلال التعليق بالإجابات الصحيحة على منشورات الأسئلة، ومتابعة حسابي ألبان الصفوة وdhofarfood، مما يوسّع دائرة الوعي والتشجيع بين المستخدمين الرقميين.

وتتجاوز هذه المبادرة كونها مجرد حملة، لتعبّر عن دور شركة ظفار للأغذية والاستثمار كمحفز للوعي الوطني، مستفيدةً من تأثيرها في تشجيع الحوار والمشاركة الهادفة، ومعززةً بذلك التزام الشركة بإيجاد قيمة اجتماعية مستدامة تتماشى مع الأولويات الاستراتيجية للسلطنة.

مقالات مشابهة

  • الأخوان ناصر: إنسان غزة جوهر الحكاية.. ولا نصنع سينما سياسية فقط
  • بحث رفع ثقافة جودة العمل المؤسسي بمحافظة ظفار
  • شاهيناز العقاد: مصر الدولة الوحيدة في المنطقة التي تملك صناعة سينما متكالمة
  • دينا نجلة الراحل محمد صبري: كنت أريد لعب كرة القدم منذ صغري.. وكان حلم والدي أن أكون مهندسة
  • "ظفار للأغذية والاستثمار" تطلق حملة "غد عُمان من خيرها"
  • فلسطين تعتبر قرار مجلس الأمن بشأن غزة خطوة أولى نحو السلام
  • حفيدة شكوكو: كتب معظم المونولوجات بنفسه وكان يحب التعاون مع فتحي قورة
  • حفيدة زكي رستم: جدي ارتبط مرة واحدة وكان يقول حبي الوحيد ولكن لم يحدث الزواج وبعدها لم يتزوج
  • عمرو أديب: قرار الرئيس لن ينساه أحد وكان في تجاوزات في الانتخابات
  • مش فارق معايا حاجة بعد قتله وكان لازم يموت.. اعترافات قاتل صديقه بالإسكندرية