جريدة الرؤية العمانية:
2024-11-02@17:34:23 GMT

سينما الأحقاف.. أولى نوافذنا الثقافية

تاريخ النشر: 28th, October 2024 GMT

سينما الأحقاف.. أولى نوافذنا الثقافية

 

 

خالد بن سعد الشنفري

سينما الأحقاف التي كانت تربض أسفل جبال ظفار "الأحقاف قديمًا" في بداية السبعينيات وعلى بعد أمتار قليلة من شاطئ بحر العرب السهل ركوبه والاصطياد منه في كل الفصول والممتنع ركوبه في فصل الخريف؛ حيث يتعذر ركوبه وحتى السباحة فيه ويكون هائجا مزمجمرا مزبدًا، يتعذر على البحارة (الصيادين) ركوب بقواربهم صيدهم الصغيرة آنذاك (الهواري) فيتجهون بها قبل بدء موسم الخريف إلى ريسوت؛ حيث تكون مذرى أمن لهم بجبالها.

وكانوا يستأجرون في سبيل ذلك الحمير للذهاب والجيئة من الحافة إلى ريسوت لجلب أسماكهم التي يصطادونها يوميًا إلى سوق "ماركيت الحافة" المخصص حينها لبيع الأسماك ومشتقاتها من اللخام (سمك القرش المجفف) والمالح (سمك مملح محفوظ بعناية في صفائح معدنية لمدة لا تقل عن 40 يومًا) ليعمر بعد ذلك، ويمكن أكله لأشهر دون فساد (شخصيا قد استفدت من ريع تأجير حماري ورفيق دربي (البطران) في أواخر الستينيات لهم وكان الكثير منهم يتسابقون لحجزه لصلابته وسرعته ورشاقته، وقد أفردت للبطران قصة قصيرة من كتابي القصصي سوالف الستينات، هي قصتي معه وذلك وفاءً وعرفانًا لدوره في تلك المرحلة)، إضافة إلى بيع اللحوم التي تذبح طازجة يوميًا؛ حيث لا وجود للثلاجات وحافظات التبريد حينها، علاوة على بيع الخضراوات والفواكه الموسمية.

سوق "ماركيت الحافة" سوق قديم في ظفار وكان أشبه بالهبطة في شمال عمان وكان يسمى قديمًا "العرصة" ويقع خارج أسوار قصر الحصن الحالية، هذا السور الذي يحتضن بين جنباته مرافق الدولة من المحكمة والبرزة والجوازات والبريد ومحطة كهرباء القصر الوحيدة في ظفار كلها، عدا القاعدة الجوية في صلالة، وسوق ظفار الرئيسي الذي أسسه السلطان تيمور في بداية القرن الماضي لغرض تجميع الدكاكين التي كانت موزعة بالمناطق لتكون داخل أسوار القصر بالقرب من الفرضة، ولاستفادة الدولة من العشور (الضريبة) وتأجير أراضي السوق لدعم دخل الدولة، الذي كان اقتصادها يعاني. وبعد أن امتنع أو تعذر تجميع عشور من سكان الجبال على إنتاجهم من السمن البلدي. وكان هذا السوق يباع فيه كل شيء تقريبًا حتى التمور، ما عدا الأسماك واللحوم والخضراوات والفواكه.

وتحتضن أسوار القصر كذلك سكك حارات ثلاث هي: حارة النبات، وحارة السجن، وحارة سكة عيريت، وهو لفظ باللغة الجبالية أطلقته عليه إحدى العجائز من الجبل، والتي زارتها قديمًا ومعناه بالعربي السكة العمياء أو المقفلة؛ حيث لا يوجد إلّا بوابة واحدة للدخول والخروج محاطة بسور الحصن الخارجي من الأربعة جهات. والطريف في هذه السكة أنه حتى بعد عصر النهضة بعدة سنوات ودخول السيارات إلى صلالة كان الذي يدخل بسيارة لهذه السكة يضطر للخروج منها بالرجوع بالسيارة للخلف، رغم امتدادها طوليًا لمئات الأمتار، وكان يقطن هذه السكك فقط عسكر الحكومة (السركال) وبعض مقدمي الخدمات للحصن والحكومة.

ومن المفارقات في أواخر الستينيات أن احترقت سكة عيريت، وبما أن معظم بيوتها عشش، فقد انتشرت فيها النيران كالهشيم؛ مما دعا الحكومة للاستعانة بسيارات مطافئ القاعدة الجوية البريطانية بصلالة (RF)؛ لإخماد هذا الحريق الهائل. ولعدم تمكن سيارات الإطفاء من الدخول للسكة فقد اضطروا للاستعانة بشباب المنطقة ليتسلقوا أشجار نخيل النارجيل المحيطة بها طوليًا من الجنوب حاملين معهم خراطيم مياه الإطفاء والرش بالمياه من أعلى النخيل، وقد كانت إحدى هذه البيوت التي احترقت تمامًا بيت شاعر الموروث الغنائي الشعبي الظفاري جمعان ديوان أبومانع- رحمة الله عليه- الذي أرَّخ لهذه الحادثة بقصيدته الغنائية الشهيرة التي يقول في مطلعها:

الحمد لله سلم راسي

على المال ماشي حسوفيه

 

نزلوا المحطة وأهل الفوج     

نزلوا نزلة الدوج عاشوا عيال الظفارية      

 

مثال قالت يا عنوة (مثال وعنوة هما بنات الشاعر)

كل من بلانا تجيه بلوة والنار صبحت مطفيه.

 

وعودًا على بدء في موضوعنا عن سينما الأحقاف التي قامت بإنشائها شركة الشنفري في بداية السبعينيات والتي تعتبر أولى دور السينما الصيفية بدون أسقف في ظفار، بعد أن أغلقت سينما صغيرة (لا يحضرني اسمها) فوق سطح أحد المباني داخل منطقة سور الحصن. وكانت هذه السينما متنفسنا الوحيد آنذاك، نحن ذلك الجيل؛ حيث يكفينا أن نتسكع حولها مساءً كل يوم؛ حيث شهدت المنطقة توسعًا، ووزعت حولها أراضٍ تجارية، وابتدأت منها تأسيس أوائل المطاعم والمقاهي وبعض المحلات المتعددة الأغراض.

ورغم أن معظم الأفلام التي كانت تعرض فيها هندية لكون مشغليها من أبناء الجالية الهندية، إلّا أنها كانت أفلام قديمة ملونة في منتهى الروعة والإخراج، لأبطال مشاهير، كنَّا نطلق عليهم مسميات من عندنا قبل أن نتعرف على أسمائهم مثل البطل الطويل (أميتابتشان) والممثل الشهير دليب كومار والممثلة هيما ماليني والممثل الهندي دارا سينج، وأفلام سوراج وماذر أوف إنديا، وغيرها بأغانيها الشجية بصوت المغنية الهندية الشهيرة لاتا مانغيشكار.

والجميل في سينما الأحقاف أنها قبل بدء عرض الفيلم بفترة طويلة تصدح جنباتها بأغاني أم كلثوم الشهيرة، بحيث يسمعها كل من في المنطقة لقوة مكبراتها الصوتية، فتطرب الجميع حتى حفظنا معظم أغاني "الست" في تلك الفترة، وكنَّا نتعمّد دخول دار العرض قبل بدء عرض الفيلم بساعة على الأقل وكل منَّا يحمل معه من المطعم الباكستاني في كيس من الورق المقوى السمبوسة الباكستانية المحشوة بالبطاطا اللذيذة الطعم، والباكورا (معجنات بالبصل والفلفل الحار) مع زجاجة كوكاكولا (مال زمان) بغازاتها القوية النفاذة، فنستمتع بقرمشتها، وكانت هذه الأكياس تصنعها حصريًا عائلة بنجالية، كانوا من بقايا الحجيج البنجلادشيين الذين يستقرون عادة بظفار لفترة في طريق عودتهم إلى بلادهم بعد الحج أو العمرة، في فترة الستينيات، وكنَّا نسميهم "الحجاجيين"، ويفترشون أرض الشاطئ تحت أشجار النارجيل حتى الحصول على عبرة بإحدى سفن البضائع الخشبية لتُقِلَهُم. وبعد عصر النهضة المباركة احتضنتهم عُمان ومُنحوا الجنسية العمانية، وأصبح لهم اليوم أحفاد الأحفاد، ولطالما احتضنت ظفار من مرَّ بها وطاب له المقام فيها.

على الله عودة الماضي، مهما كانت العودة!

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

سينما أوبرا ترحل.. ومشروع استثماري جديد يولد في سوهاج

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

تخيّل أن تكون قد شهدت طفولتك وأيام شبابك تتخللها زيارات متكررة إلى ذلك الصرح الشاهق، حيث تنبثق الأضواء وتنهمر الكلمات من شاشة فضية كبيرة، لتأخذك إلى عوالم أخرى بعيدة، مكان كان فيه السينما أكثر من مجرد تسلية، مكان هو بوابة إلى الأحلام والخيال، هذا المكان هو "سينما أوبرا" في محافظة سوهاج، التي أوشكت الآن على أن تكون مجرد ذكرى.

ففي مشهد حزين ومؤثر، شهدت مدينة سوهاج، وداعًا مؤلمًا لأيقونة من أيقوناتها الثقافية، حيث بدأ بالفعل تنفيذ قرار إزالة "سينما أوبرا" التاريخية، هذا القرار، الذي اتخذ في إطار خطة المحافظة لاستغلال الأصول غير المستغلة، يهدف إلى إنشاء مشروع استثماري جديد يحقق عوائد اقتصادية للمحافظة.

فيعتبر الأهالي أن "سينما أوبرا" أكثر من مجرد مبنى قديم، فهي جزء لا يتجزأ من ذاكرة أجيال عديدة في سوهاج، فهي كانت شاهدة على أفراحهم وأحزانهم، وملاذًا لهم في أوقات فراغهم، ومع رحيلها يختفي جزء كبير من هوية المدينة وتراثها الثقافي.

وأثار قرار إزالة السينما جدلًا واسعًا بين أهالي سوهاج، حيث عبّر الكثيرون عن حزنهم الشديد على هذا الخسارة، وطالبوا بالحفاظ على هذا المعلم التاريخي، ولو بجزء منه، من جهة أخرى، تؤكد المحافظة على أهمية الاستثمار في المشاريع التنموية التي من شأنها أن تساهم في النهوض بالمحافظة وتوفير فرص عمل للشباب.

وكان اللواء دكتور عبد الفتاح سراج محافظ سوهاج، تفقد مؤخرًا أعمال إزالة " سينما أوبرا " وإخلاء الموقع تمهيدا لإنشاء مشروع استثماري لخدمة أبناء المحافظة، ورافقه الدكتور محمد عبد الهادي نائب المحافظ، واللواء علاء عبد الجابر سكرتير عام المحافظة، وعلي لطفي رئيس حي شرق سوهاج، وذلك في إطار خطة المحافظة لاستغلال كافة الأصول غير المستغلة وطرحها للاستثمار لتوفير مصدر دخل اقتصادي.

وبدأت الوحدة المحلية لحي شرق سوهاج في إجراءات إزالة " سينما أوبرا " بميدان الثقافة واستغلال الموقع المتميز بوسط المدينة في إنشاء مشروع استثماري متكامل لخدمة أهالي سوهاج، وتحقيق عائد اقتصادي للمحافظة.

ويعد موقع "سينما أوبرا" أحد الفرص الاستثمارية الواعدة بالمحافظة، وهو غير مستغل منذ عشرات السنين، نظرا لقدم وتهالك المبنى، ومن المقرر استغلال الموقع في إقامة مشروع استثماري " تجاري، إداري، خدمي، وترفيهي"، مع مراعاة الحفاظ على الأهمية والمقومات الثقافية للسينما.

1000002467 1000002471 1000002469

مقالات مشابهة

  • انفوسوفت وجامعة الأحقاف توقعان اتفاقية تعاون لتمكين الخريجين وتطوير التعليم المحاسبي
  • توغي تؤكد أهمية التراث السمعي البصري في تشكيل الهوية الثقافية وحفظ الذاكرة الجماعية
  • زراعة اللوبيا في محافظة ظفار تعزز دخل الأسر الريفية
  • انطلاق مهرجان البليد للطهي في محافظة ظفار
  • موسم الصفيلح أحد أهم مواسم الصيد في محافظة ظفار
  • مجتمع إنسانهُ مبدع تكرم الشباب المبدع في المجال الأدبي بمحافظة ظفار
  • في ذكرى ميلاده.. مصطفى بكري: المشير طنطاوي تحمل المسئولية بحكمة وإخلاص وكان شريفا في مواقفه
  • سينما أوبرا ترحل.. ومشروع استثماري جديد يولد في سوهاج
  • لطيفة بنت محمد تفتتح “منتدى المدن الثقافية العالمي 2024”
  • الجونة.. ليست سينما ولا فساتين!