جريدة الرؤية العمانية:
2025-01-22@08:46:53 GMT

سينما الأحقاف.. أولى نوافذنا الثقافية

تاريخ النشر: 28th, October 2024 GMT

سينما الأحقاف.. أولى نوافذنا الثقافية

 

 

خالد بن سعد الشنفري

سينما الأحقاف التي كانت تربض أسفل جبال ظفار "الأحقاف قديمًا" في بداية السبعينيات وعلى بعد أمتار قليلة من شاطئ بحر العرب السهل ركوبه والاصطياد منه في كل الفصول والممتنع ركوبه في فصل الخريف؛ حيث يتعذر ركوبه وحتى السباحة فيه ويكون هائجا مزمجمرا مزبدًا، يتعذر على البحارة (الصيادين) ركوب بقواربهم صيدهم الصغيرة آنذاك (الهواري) فيتجهون بها قبل بدء موسم الخريف إلى ريسوت؛ حيث تكون مذرى أمن لهم بجبالها.

وكانوا يستأجرون في سبيل ذلك الحمير للذهاب والجيئة من الحافة إلى ريسوت لجلب أسماكهم التي يصطادونها يوميًا إلى سوق "ماركيت الحافة" المخصص حينها لبيع الأسماك ومشتقاتها من اللخام (سمك القرش المجفف) والمالح (سمك مملح محفوظ بعناية في صفائح معدنية لمدة لا تقل عن 40 يومًا) ليعمر بعد ذلك، ويمكن أكله لأشهر دون فساد (شخصيا قد استفدت من ريع تأجير حماري ورفيق دربي (البطران) في أواخر الستينيات لهم وكان الكثير منهم يتسابقون لحجزه لصلابته وسرعته ورشاقته، وقد أفردت للبطران قصة قصيرة من كتابي القصصي سوالف الستينات، هي قصتي معه وذلك وفاءً وعرفانًا لدوره في تلك المرحلة)، إضافة إلى بيع اللحوم التي تذبح طازجة يوميًا؛ حيث لا وجود للثلاجات وحافظات التبريد حينها، علاوة على بيع الخضراوات والفواكه الموسمية.

سوق "ماركيت الحافة" سوق قديم في ظفار وكان أشبه بالهبطة في شمال عمان وكان يسمى قديمًا "العرصة" ويقع خارج أسوار قصر الحصن الحالية، هذا السور الذي يحتضن بين جنباته مرافق الدولة من المحكمة والبرزة والجوازات والبريد ومحطة كهرباء القصر الوحيدة في ظفار كلها، عدا القاعدة الجوية في صلالة، وسوق ظفار الرئيسي الذي أسسه السلطان تيمور في بداية القرن الماضي لغرض تجميع الدكاكين التي كانت موزعة بالمناطق لتكون داخل أسوار القصر بالقرب من الفرضة، ولاستفادة الدولة من العشور (الضريبة) وتأجير أراضي السوق لدعم دخل الدولة، الذي كان اقتصادها يعاني. وبعد أن امتنع أو تعذر تجميع عشور من سكان الجبال على إنتاجهم من السمن البلدي. وكان هذا السوق يباع فيه كل شيء تقريبًا حتى التمور، ما عدا الأسماك واللحوم والخضراوات والفواكه.

وتحتضن أسوار القصر كذلك سكك حارات ثلاث هي: حارة النبات، وحارة السجن، وحارة سكة عيريت، وهو لفظ باللغة الجبالية أطلقته عليه إحدى العجائز من الجبل، والتي زارتها قديمًا ومعناه بالعربي السكة العمياء أو المقفلة؛ حيث لا يوجد إلّا بوابة واحدة للدخول والخروج محاطة بسور الحصن الخارجي من الأربعة جهات. والطريف في هذه السكة أنه حتى بعد عصر النهضة بعدة سنوات ودخول السيارات إلى صلالة كان الذي يدخل بسيارة لهذه السكة يضطر للخروج منها بالرجوع بالسيارة للخلف، رغم امتدادها طوليًا لمئات الأمتار، وكان يقطن هذه السكك فقط عسكر الحكومة (السركال) وبعض مقدمي الخدمات للحصن والحكومة.

ومن المفارقات في أواخر الستينيات أن احترقت سكة عيريت، وبما أن معظم بيوتها عشش، فقد انتشرت فيها النيران كالهشيم؛ مما دعا الحكومة للاستعانة بسيارات مطافئ القاعدة الجوية البريطانية بصلالة (RF)؛ لإخماد هذا الحريق الهائل. ولعدم تمكن سيارات الإطفاء من الدخول للسكة فقد اضطروا للاستعانة بشباب المنطقة ليتسلقوا أشجار نخيل النارجيل المحيطة بها طوليًا من الجنوب حاملين معهم خراطيم مياه الإطفاء والرش بالمياه من أعلى النخيل، وقد كانت إحدى هذه البيوت التي احترقت تمامًا بيت شاعر الموروث الغنائي الشعبي الظفاري جمعان ديوان أبومانع- رحمة الله عليه- الذي أرَّخ لهذه الحادثة بقصيدته الغنائية الشهيرة التي يقول في مطلعها:

الحمد لله سلم راسي

على المال ماشي حسوفيه

 

نزلوا المحطة وأهل الفوج     

نزلوا نزلة الدوج عاشوا عيال الظفارية      

 

مثال قالت يا عنوة (مثال وعنوة هما بنات الشاعر)

كل من بلانا تجيه بلوة والنار صبحت مطفيه.

 

وعودًا على بدء في موضوعنا عن سينما الأحقاف التي قامت بإنشائها شركة الشنفري في بداية السبعينيات والتي تعتبر أولى دور السينما الصيفية بدون أسقف في ظفار، بعد أن أغلقت سينما صغيرة (لا يحضرني اسمها) فوق سطح أحد المباني داخل منطقة سور الحصن. وكانت هذه السينما متنفسنا الوحيد آنذاك، نحن ذلك الجيل؛ حيث يكفينا أن نتسكع حولها مساءً كل يوم؛ حيث شهدت المنطقة توسعًا، ووزعت حولها أراضٍ تجارية، وابتدأت منها تأسيس أوائل المطاعم والمقاهي وبعض المحلات المتعددة الأغراض.

ورغم أن معظم الأفلام التي كانت تعرض فيها هندية لكون مشغليها من أبناء الجالية الهندية، إلّا أنها كانت أفلام قديمة ملونة في منتهى الروعة والإخراج، لأبطال مشاهير، كنَّا نطلق عليهم مسميات من عندنا قبل أن نتعرف على أسمائهم مثل البطل الطويل (أميتابتشان) والممثل الشهير دليب كومار والممثلة هيما ماليني والممثل الهندي دارا سينج، وأفلام سوراج وماذر أوف إنديا، وغيرها بأغانيها الشجية بصوت المغنية الهندية الشهيرة لاتا مانغيشكار.

والجميل في سينما الأحقاف أنها قبل بدء عرض الفيلم بفترة طويلة تصدح جنباتها بأغاني أم كلثوم الشهيرة، بحيث يسمعها كل من في المنطقة لقوة مكبراتها الصوتية، فتطرب الجميع حتى حفظنا معظم أغاني "الست" في تلك الفترة، وكنَّا نتعمّد دخول دار العرض قبل بدء عرض الفيلم بساعة على الأقل وكل منَّا يحمل معه من المطعم الباكستاني في كيس من الورق المقوى السمبوسة الباكستانية المحشوة بالبطاطا اللذيذة الطعم، والباكورا (معجنات بالبصل والفلفل الحار) مع زجاجة كوكاكولا (مال زمان) بغازاتها القوية النفاذة، فنستمتع بقرمشتها، وكانت هذه الأكياس تصنعها حصريًا عائلة بنجالية، كانوا من بقايا الحجيج البنجلادشيين الذين يستقرون عادة بظفار لفترة في طريق عودتهم إلى بلادهم بعد الحج أو العمرة، في فترة الستينيات، وكنَّا نسميهم "الحجاجيين"، ويفترشون أرض الشاطئ تحت أشجار النارجيل حتى الحصول على عبرة بإحدى سفن البضائع الخشبية لتُقِلَهُم. وبعد عصر النهضة المباركة احتضنتهم عُمان ومُنحوا الجنسية العمانية، وأصبح لهم اليوم أحفاد الأحفاد، ولطالما احتضنت ظفار من مرَّ بها وطاب له المقام فيها.

على الله عودة الماضي، مهما كانت العودة!

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

165.1 ألف زائر للمواقع الأثرية والتاريخية بمحافظة ظفار في 2024

بلغ عدد زوار مواقع أرض اللبان بمُتنزهي البليد وسمهرم الأثريين، ومحمية وادي دوكة الطبيعية، وموقع وبار الأثري في محافظة ظفار 155,795 زائرًا، فيما بلغ عدد الزوار في حصني طاقة ومرباط 9,313 زائرًا خلال عام 2024.

وأوضحت الإحصائية الصادرة عن المديرية العامة للتراث والسياحة بمحافظة ظفار أن متنزه البليد الأثري ومتحف أرض اللبان استقبلا في العام الماضي 64,819 زائرًا، فيما بلغ عدد زوار متنزه سمهرم الأثري 27,582 زائرًا، بينما استقبل موقع وبار الأثري (نيابة الشصر) بولاية ثمريت 13,394 زائرًا.

وذكرت الإحصائية أن عدد زوار حصن ولاية طاقة في ذات العام بلغ 5,327 زائرًا، فيما وصل عدد زوار حصن ولاية مرباط إلى 3,986 زائرًا واللذين يخضعان لتحسينات من قبل الشركات التي وقّعت الوزارة معها أخيرًا عقودًا لإدارة وتشغيل المعلمين التاريخيين، مبينةً أن إجمالي زوار تلك المواقع الأثرية والتاريخية مجتمعةً بلغ 165,108 زوار من داخل سلطنة عُمان بنسبة نمو بلغت 16 بالمائة مقارنة بالعام السابق 2023م.

وأكدت المديرية العامة للتراث والسياحة بمحافظة ظفار على أن نمو أعداد الزوار جاء نتيجة لجهود وزارة التراث والسياحة في تنفيذ خطط استراتيجية تهدف إلى تنشيط الفعاليات والأنشطة السياحية، وتعزيز جودة التجارب السياحية في المحافظة، إذ تجاوز عدد زوار فعاليات موسم اللبان في نسخته الثالثة أكثر من 50 ألف زائر خلال الفترة من 27 نوفمبر ولغاية 6 ديسمبر 2024م.

وفي السياق نفسه، تعمل وزارة التراث والسياحة على إبرام عقود انتفاع جديدة لمشروعات فندقية وسياحية بمحافظة ظفار في عام 2025، تماشيًا مع حجم النمو الكبير في القطاع، لتوفير فرص استثمارية متعدّدة في مجال الضيافة والسياحة بالمحافظة.

وضمن جهود تنمية قطاع الضيافة في محافظة ظفار، وقّعت الوزارة في عام 2024 على عقود حق انتفاع لإنشاء 8 مشروعات فندقية ذات تصنيفات مختلفة، التي ستُقام على أراضٍ سياحية مملوكة للوزارة، ومن المتوقع أن تُسهم في دعم البنية الأساسية لقطاع السياحة في المحافظة، وتوفير مرافق سياحية متطورة تلبي احتياجات الزوار المحليين والدوليين.

يُذكر أن البليد، وسمهرم، ووبار، ووادي دوكة مواقع مسجّلة ضمن قائمة لجنة التراث العالمي في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" تحت مسمّى مواقع أرض اللبان.

مقالات مشابهة

  • خبر صادم.. وفاة لاعب عماني عن 37 سنة داخل منزله
  • وفاة نجم منتخب عمان عبدالسلام عامر
  • بالصور: سبب وفاة عبد السلام عامر لاعب المنتخب العماني - ويكيبيديا
  • أنغام: والدي أسس أستوديو في التسعينيات وكان يصنع داخله أعماله الموسيقية والغنائية
  • عرس قانا الجليل.. المعجزة الأولى التي غيرت مسار التاريخ الروحي
  • صحيفة لاريبوبليكا الإيطالية: “نجيم” اعتقل في الفندق وكان يخطط للذهاب إلى ملعب تورينو
  • صور .. إفتتاح معرض “صُنع في سوهاج” بأرض سينما أوبرا
  • النصر يتفوق على ظفار في ذهاب ربع نهائي الكأس
  • الخدمات المصرفية للأطفال من بنك ظفار تعزز ثقافة الادخار لدى الأجيال
  • 165.1 ألف زائر للمواقع الأثرية والتاريخية بمحافظة ظفار في 2024