جريدة الرؤية العمانية:
2025-04-26@11:02:24 GMT

سينما الأحقاف.. أولى نوافذنا الثقافية

تاريخ النشر: 28th, October 2024 GMT

سينما الأحقاف.. أولى نوافذنا الثقافية

 

 

خالد بن سعد الشنفري

سينما الأحقاف التي كانت تربض أسفل جبال ظفار "الأحقاف قديمًا" في بداية السبعينيات وعلى بعد أمتار قليلة من شاطئ بحر العرب السهل ركوبه والاصطياد منه في كل الفصول والممتنع ركوبه في فصل الخريف؛ حيث يتعذر ركوبه وحتى السباحة فيه ويكون هائجا مزمجمرا مزبدًا، يتعذر على البحارة (الصيادين) ركوب بقواربهم صيدهم الصغيرة آنذاك (الهواري) فيتجهون بها قبل بدء موسم الخريف إلى ريسوت؛ حيث تكون مذرى أمن لهم بجبالها.

وكانوا يستأجرون في سبيل ذلك الحمير للذهاب والجيئة من الحافة إلى ريسوت لجلب أسماكهم التي يصطادونها يوميًا إلى سوق "ماركيت الحافة" المخصص حينها لبيع الأسماك ومشتقاتها من اللخام (سمك القرش المجفف) والمالح (سمك مملح محفوظ بعناية في صفائح معدنية لمدة لا تقل عن 40 يومًا) ليعمر بعد ذلك، ويمكن أكله لأشهر دون فساد (شخصيا قد استفدت من ريع تأجير حماري ورفيق دربي (البطران) في أواخر الستينيات لهم وكان الكثير منهم يتسابقون لحجزه لصلابته وسرعته ورشاقته، وقد أفردت للبطران قصة قصيرة من كتابي القصصي سوالف الستينات، هي قصتي معه وذلك وفاءً وعرفانًا لدوره في تلك المرحلة)، إضافة إلى بيع اللحوم التي تذبح طازجة يوميًا؛ حيث لا وجود للثلاجات وحافظات التبريد حينها، علاوة على بيع الخضراوات والفواكه الموسمية.

سوق "ماركيت الحافة" سوق قديم في ظفار وكان أشبه بالهبطة في شمال عمان وكان يسمى قديمًا "العرصة" ويقع خارج أسوار قصر الحصن الحالية، هذا السور الذي يحتضن بين جنباته مرافق الدولة من المحكمة والبرزة والجوازات والبريد ومحطة كهرباء القصر الوحيدة في ظفار كلها، عدا القاعدة الجوية في صلالة، وسوق ظفار الرئيسي الذي أسسه السلطان تيمور في بداية القرن الماضي لغرض تجميع الدكاكين التي كانت موزعة بالمناطق لتكون داخل أسوار القصر بالقرب من الفرضة، ولاستفادة الدولة من العشور (الضريبة) وتأجير أراضي السوق لدعم دخل الدولة، الذي كان اقتصادها يعاني. وبعد أن امتنع أو تعذر تجميع عشور من سكان الجبال على إنتاجهم من السمن البلدي. وكان هذا السوق يباع فيه كل شيء تقريبًا حتى التمور، ما عدا الأسماك واللحوم والخضراوات والفواكه.

وتحتضن أسوار القصر كذلك سكك حارات ثلاث هي: حارة النبات، وحارة السجن، وحارة سكة عيريت، وهو لفظ باللغة الجبالية أطلقته عليه إحدى العجائز من الجبل، والتي زارتها قديمًا ومعناه بالعربي السكة العمياء أو المقفلة؛ حيث لا يوجد إلّا بوابة واحدة للدخول والخروج محاطة بسور الحصن الخارجي من الأربعة جهات. والطريف في هذه السكة أنه حتى بعد عصر النهضة بعدة سنوات ودخول السيارات إلى صلالة كان الذي يدخل بسيارة لهذه السكة يضطر للخروج منها بالرجوع بالسيارة للخلف، رغم امتدادها طوليًا لمئات الأمتار، وكان يقطن هذه السكك فقط عسكر الحكومة (السركال) وبعض مقدمي الخدمات للحصن والحكومة.

ومن المفارقات في أواخر الستينيات أن احترقت سكة عيريت، وبما أن معظم بيوتها عشش، فقد انتشرت فيها النيران كالهشيم؛ مما دعا الحكومة للاستعانة بسيارات مطافئ القاعدة الجوية البريطانية بصلالة (RF)؛ لإخماد هذا الحريق الهائل. ولعدم تمكن سيارات الإطفاء من الدخول للسكة فقد اضطروا للاستعانة بشباب المنطقة ليتسلقوا أشجار نخيل النارجيل المحيطة بها طوليًا من الجنوب حاملين معهم خراطيم مياه الإطفاء والرش بالمياه من أعلى النخيل، وقد كانت إحدى هذه البيوت التي احترقت تمامًا بيت شاعر الموروث الغنائي الشعبي الظفاري جمعان ديوان أبومانع- رحمة الله عليه- الذي أرَّخ لهذه الحادثة بقصيدته الغنائية الشهيرة التي يقول في مطلعها:

الحمد لله سلم راسي

على المال ماشي حسوفيه

 

نزلوا المحطة وأهل الفوج     

نزلوا نزلة الدوج عاشوا عيال الظفارية      

 

مثال قالت يا عنوة (مثال وعنوة هما بنات الشاعر)

كل من بلانا تجيه بلوة والنار صبحت مطفيه.

 

وعودًا على بدء في موضوعنا عن سينما الأحقاف التي قامت بإنشائها شركة الشنفري في بداية السبعينيات والتي تعتبر أولى دور السينما الصيفية بدون أسقف في ظفار، بعد أن أغلقت سينما صغيرة (لا يحضرني اسمها) فوق سطح أحد المباني داخل منطقة سور الحصن. وكانت هذه السينما متنفسنا الوحيد آنذاك، نحن ذلك الجيل؛ حيث يكفينا أن نتسكع حولها مساءً كل يوم؛ حيث شهدت المنطقة توسعًا، ووزعت حولها أراضٍ تجارية، وابتدأت منها تأسيس أوائل المطاعم والمقاهي وبعض المحلات المتعددة الأغراض.

ورغم أن معظم الأفلام التي كانت تعرض فيها هندية لكون مشغليها من أبناء الجالية الهندية، إلّا أنها كانت أفلام قديمة ملونة في منتهى الروعة والإخراج، لأبطال مشاهير، كنَّا نطلق عليهم مسميات من عندنا قبل أن نتعرف على أسمائهم مثل البطل الطويل (أميتابتشان) والممثل الشهير دليب كومار والممثلة هيما ماليني والممثل الهندي دارا سينج، وأفلام سوراج وماذر أوف إنديا، وغيرها بأغانيها الشجية بصوت المغنية الهندية الشهيرة لاتا مانغيشكار.

والجميل في سينما الأحقاف أنها قبل بدء عرض الفيلم بفترة طويلة تصدح جنباتها بأغاني أم كلثوم الشهيرة، بحيث يسمعها كل من في المنطقة لقوة مكبراتها الصوتية، فتطرب الجميع حتى حفظنا معظم أغاني "الست" في تلك الفترة، وكنَّا نتعمّد دخول دار العرض قبل بدء عرض الفيلم بساعة على الأقل وكل منَّا يحمل معه من المطعم الباكستاني في كيس من الورق المقوى السمبوسة الباكستانية المحشوة بالبطاطا اللذيذة الطعم، والباكورا (معجنات بالبصل والفلفل الحار) مع زجاجة كوكاكولا (مال زمان) بغازاتها القوية النفاذة، فنستمتع بقرمشتها، وكانت هذه الأكياس تصنعها حصريًا عائلة بنجالية، كانوا من بقايا الحجيج البنجلادشيين الذين يستقرون عادة بظفار لفترة في طريق عودتهم إلى بلادهم بعد الحج أو العمرة، في فترة الستينيات، وكنَّا نسميهم "الحجاجيين"، ويفترشون أرض الشاطئ تحت أشجار النارجيل حتى الحصول على عبرة بإحدى سفن البضائع الخشبية لتُقِلَهُم. وبعد عصر النهضة المباركة احتضنتهم عُمان ومُنحوا الجنسية العمانية، وأصبح لهم اليوم أحفاد الأحفاد، ولطالما احتضنت ظفار من مرَّ بها وطاب له المقام فيها.

على الله عودة الماضي، مهما كانت العودة!

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

فعالية اليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف بجامعة ظفار

نظمت جامعة ظفار فعالية ثقافية بمناسبة "اليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف"، بمقر المكتبة في الحرم الجامعي، وذلك بحضور الشيخ سالم بن مبارك الشنفري، عضو مجلس أمناء جامعة ظفار، وبحضور الدكتور عامر بن علي الرواس رئيس جامعة ظفار وجمع من الأكاديميين والطلبة.

وألقى علي بن بخيت العوائد مدير المكتبة كلمة استعرض فيها أهداف الفعالية وأهمية دعم الثقافة المعرفية وحقوق المبدعين، وشكر فيها إدارة الجامعة على دعمها اللامحدود لتوفير المصادر والمراجع العلمية المنتقاة وتشجيع المؤلفين في الجامعة والاحتفاء بهم وإبراز مواهبهم وأعمالهم.

كما اعتادت المكتبة أن تُشرك في كل عام إحدى كليات الجامعة في هذه الاحتفالية؛ فشاركت كلية الهندسة هذا العام بتقديم ورقة عمل بعنوان "مستقبل صناعة الكتب في ظل الذكاء الاصطناعي" قدمها الدكتور ياسر علي عرب، أستاذ مساعد بقسم الهندسة المعمارية بكلية الهندسة، تناول فيها تأثير التكنولوجيا الحديثة على قطاع النشر وتحولات القراءة الرقمية، حيث خلصت إلى عدد من التوصيات منها للناشرين بتبني التكنولوجيا بوعي، والاستثمار في تدريب الكفاءات، والتركيز على الجودة، وكذلك للمؤلفين باستكشاف الأدوات الجديدة كمساعدين مع الحفاظ على الأصالة، وللقراء بأهمية الوعي بتأثير الخوارزميات والتكنولوجيا على ما يقرؤون ويستهلكون.

وفي الختام، قام راعي الفعالية عضو مجلس الأمناء، والدكتور عامر بن علي الرواس رئيس الجامعة، بتكريم مؤلفي الكتب الحديثة في الجامعة والمشاركين في فعاليات الحفل، فقد دأبت الجامعة سنويًا على تكريم مؤلفي الكتب الجديدة على مؤلفاتهم، تقديرًا لهم على إسهاماتهم الفاعلة في النشر والتأليف، حيث تم تكريم 13 من أعضاء الهيئة التدريسية في الجامعة نظير جهودهم القيمة وإثراء مكتبة الجامعة بتلك المراجع المهمة وعددها 17 كتابًا.

وفي نهاية التكريم، قام الدكتور عامر بن علي الرواس رئيس الجامعة بتقديم هدية تذكارية للشيخ سالم بن مبارك الشنفري عضو مجلس الأمناء راعي الفعالية، كما قام راعي الفعالية بافتتاح قاعة عرض الكتب والمراجع المميزة من مجموعات المكتبة التي تم تنظيمها بالتعاون مع كليات الجامعة ومركز الدراسات التحضيرية للاطلاع عليها في الطابق الأول من المكتبة.

وتستمر المكتبة سنويًا في توفير العديد من الإصدارات الحديثة، وذلك بمشاركة أعضاء الهيئة التدريسية والطلبة من جميع كليات الجامعة، مشكورين في اختيار الكتب ضمن سلسلة من الإجراءات لضمان انتقاء العناوين المرجعية المميزة دعمًا للتخصصات المطروحة في الجامعة، وكذلك الارتقاء بالجانب الثقافي لمجتمع الجامعة والمجتمع المحلي.

مقالات مشابهة

  • ما هي الإمتيازات التي كانت تدافع عنها د. هنادي شهيدة معسكر زمزم
  • موسكو: اجتماع ويتكوف وبوتين استمر 3 ساعات وكان بنّاءً ومفيدًا
  • فعالية اليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف بجامعة ظفار
  • حزنت جدا للمصيبة التي حلت بمتحف السودان القومي بسبب النهب الذي تعرض له بواسطة عصابات الدعم السريع
  • فيلم “ماينكرافت” ظاهرة عالمية يعرض الآن في TMV سينما غاردن سيتي
  • "شكرًا لأنك تحلم معنا" لثاني أسبوع في سينما زاوية
  • عرض إضافي لفيلم " شكرًا لأنك تحلم معنا" في سينما زاوية
  • فوز بنك ظفار بجائزة "أسرع البنوك نموًا من حيث شبكة الفروع"
  • بنك ظفار يفوز بجائزة أسرع البنوك نموًا من حيث شبكة الفروع في سلطنة عمان
  • اعتداء جديد يطال موقعاً أثرياً شرق مدينة ظفار التاريخية في إب