تمثّل الحماية الاجتماعية منعطفا اجتماعيا راسخا ومتينا لحماية الأسر فـي سلطنة عُمان من التحديات والصعوبات التي تواجهها فـي تلبية متطلبات الحياة الاجتماعية اليومية، وهي إحدى الأدوات الفاعلة والحلول المستدامة لضمان استمرار الرفاه الاجتماعي مع استمرار مبادرات البرنامج الوطني للاستدامة المالية؛ فالحماية الاجتماعية رغم ربطها بالمستوى المعيشي للأسر، إلا أنها عميقة المعنى ولا يمكن إقصاء المصطلح أو التقليل منه اجتماعيا ولا خطابيا، وهي صمام أمان أمام التحديات الاجتماعية الناتجة عن الإجراءات المالية المتخذة خلال الفترة الماضية.

وهناك تحد فـي فهم بعض المصطلحات والمفاهيم المرتبطة بمنظومة الحماية الاجتماعية؛ الأمر الذي زاد من حدة التفاعل السلبي مع القرارات المنظمة لاستحقاق المنافع، رغم أن مجمل اللوائح المرافقة لقانون الحماية الاجتماعية تحوكم استحقاق المنافع وتوجهها للفئة الأكثر استحقاقا فـي المجتمع، إلا أنه نظرا لغياب الوعي التام بأهميتها أفقد جزءا مهما من قيمتها ودورها فـي دعم الأمان الاجتماعي؛ لصعوبة فهم الرسائل الإعلامية والاتصالية التي يبثها صندوق الحماية الاجتماعية، مما ولّد عاطفة سلبية لدى الرأي العام؛ فالعلوم الاجتماعية عندما تقترن بالعلوم المحاسبية تؤدي إلى غياب الوعي بأهمية المسارات الاجتماعية التي خطط لها وتسبب غموضا يتطلب توضيحات باستمرار وبلغة واضحة سهلة تضمن وصول المعلومة صحيحا إلى الفئة المستهدفة. ومن الجيد توجيه رسائل واضحة تراعي فـي مضمونها فهم جميع شرائح المجتمع وتبتعد عن المصطلحات التي تقبل التأويل والتشكيك فـي كفاء المنظومة مثل مفهوم الدخل المكافئ الذي أسيء فهمه؛ كونه مفهوما جديدا على المجتمع واقترن وجوده بالدخل الافتراضي الذي لم يحظ بقبول واسع بسبب تحليلات غير صحيحة يروّج لها البعض عن المفهوم، وكان ينبغي أن يتم تناوله بطريقة تشجّع المستهدفـين على الانخراط فـي سوق العمل للحصول على دخل أكبر من 35 ريالا التي يفترضها الصندوق مكافأة لمنفعتي الأيتام والأرامل خلال فترة سن العمل.

ورغم أن منظومة الحماية الاجتماعية فـي بدايتها من حيث صرف المنافع، إلا أنها تواجه تحديا فـي تأصيل مفهوم الحماية الاجتماعية لفئة المستفـيدين من المنافع على أقل تقدير؛ ربما يعود ذلك إلى حداثة المفهوم فـي المجتمع العُماني، وإضفاء البعض الطابع المالي عن المنظومة بدلا من الجانب الاجتماعي الأهم فـي المنظومة، إضافة إلى غياب الدور المجتمعي ممثلا بمؤسسات المجتمع المدني فـي تكريس التوجهات الوطنية من إرساء منظومة الحماية الاجتماعية مثل تحقيق الأمان الاجتماعي، وضمان وجود دخل لكل فرد فـي الأسرة، وأنها مرنة فـي احتمالية ارتفاع دخل الأسرة مع التطورات التي تشهدها من حيث زيادة عدد أفرادها أو استحقاقها لمنفعة إضافـية، ما يربك الجمهور عند استحداث منفعة جديدة أو إجراء تعديل على شروط منفعة معينة هو كثرة التفسيرات والتأويلات التي تفتقد إلى الصحة والدقة فـي غالبيتها مما يقلل من أهمية منظومة الحماية الاجتماعية التي تعد منجزا وطنيا تم الاشتغال عليه خلال فترة شهدت ظروفا مالية واقتصادية صعبة لكنها فـي الوقت ذاته لم تغفل عن أي شريحة فـي المجتمع، وضمنت وجود دخل لكل فرد بدءًا من مرحلة الطفولة مرورا بمرحلة الشباب وصولا إلى مرحلة كبار السن.

خلال الفترة الماضية، عانى مرتادو شبكات التواصل الاجتماعي من تحليلات سطحية وغير دقيقة أثّرت على الهدف النبيل من إطلاق منظومة الحماية الاجتماعية، تمثّلت هذه التحليلات فـي تكوين عاطفة سلبية تجاه المنظومة عموما ومنافعها على وجه الخصوص، ورغم يقيني بأن التفاعل غالبيته منبثق من حرص مجتمعي بأن تكون المنظومة تشمل جميع فئات المجتمع العُماني وهي كذلك فعلا، إلا أنني قلق من تحوّل التفاعل إلى نمط سلوكي سلبي فـي التفاعل يستهدف كل ما هو مرتبط بالمنظومة ويؤثر على الصورة المشرقة من إرساء منظومة الحماية الاجتماعية ويحجّم من الأهداف السامية والنبيلة التي أنشئت من أجلها، وهي للأسف سمة دخيلة على المجتمع العُماني لا تمثّلنا كعُمانيين فـي مجالسنا ونقاشاتنا وأطروحاتنا، وأرى من المهم معالجة الموضوع من زاويتين، الأولى: أن يقوم صندوق الحماية الاجتماعية بالتعاون مع الجهات الإعلامية بابتكار مواد إعلامية جديدة ترافقها أنشطة إعلامية متنوّعة؛ لضمان وصول الرسالة الإعلامية الصحيحة للجمهور بدون تضليل ولا اجتهاد فـي التحليل، مع ضرورة الوضع فـي الحسبان أن منافع الحماية الاجتماعية تتطلب جهدا تحليليا وأمثلة افتراضية تضمن إقناع الجمهور بمدى استحقاقها للمنفعة، وأقترح إطلاق تطبيق إلكتروني بالاستفادة من تطبيقات الذكاء الاصطناعي يوضّح لكل حالة أسباب استحقاقها للمنفعة من عدمه. الزاوية الأخرى: من الجيد دراسة مقترح تحسين الصورة الذهنية لصندوق الحماية الاجتماعية عبر ابتكار طرق وأنشطة إعلامية تساعد على ذلك عبر قيام إدارة الصندوق بزيارة المحافظات والالتقاء بالشباب وبمؤسسات المجتمع المدني على أن يضمن الصندوق حضور جميع المواطنين؛

كون أن منظومة الحماية الاجتماعية تشمل جميع فئات المجتمع، وأرى أنه فـي حال تحقّق المعالجتين، سنضمن وعي أفراد المجتمع بأهمية الحماية الاجتماعية كمفهوم وسنضمن وقايتهم من استقبال الرسائل الإعلامية فـي شبكات التواصل الاجتماعي التي تتضمن تحليلا سطحيا عن المنظومة ومنافعها.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: منظومة الحمایة الاجتماعیة

إقرأ أيضاً:

التكافل الاجتماعي واستقرار المجتمعات وقوتها

لا تقوم المجتمعات القوية على المصالح الفردية وحدها، بل على شبكة من القيم التي تربط أفرادها بروابط تتجاوز المادة إلى المعنى، ومن هذه القيم قيمة التكافل الاجتماعي، الذي يمثل في جوهره ترجمة حية لفكرة المسؤولية المتبادلة. والإنسان في الفكر الإسلامي ليس كيانًا منعزلًا إنما هو جزء من نسيج متكامل هو المجتمع وعندما تترسخ هذه الحقيقة في النفس يتعزز معها الشعور بالواجب والمسؤولية تجاه الآخرين، وتترسخ قيم العطاء والتعاون، فتكون النتيجة مجتمعًا متماسكًا ودولة قوية ومستقرة.

يقول نبينا الكريم -صلى الله عليه وسلم- «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»، هذه الصورة العميقة التي رسمها الإسلام تضع التكافل في صلب بنية المجتمع، فلا يُترك الضعيف لمصيره، ولا يُهمَّش المحتاج، بل يكون للجميع دور في تحقيق التوازن الاجتماعي.

وقد تشكل المجتمع العماني الذي نفخر دائما بقوته وصلابته على هذا المبدأ، مبدأ التكافل، وتحول الشعور بالمسؤولية الفردية تجاه المجتمع إلى طور «المؤسسة» فظهر الوقف وانتشر في كل الولايات والقرى العمانية، وقف مالي لكل تفاصيل الحياة مهما كانت بسيطة في نظرنا اليوم. هذا الأمر دوّن شعور صنع صلابة المجتمع، وساهم في صناعة النفس الإنسانية الصافية التي تنظر لنفسها في سياق الجماعة لا في سياق الفردية.

ورغم التحولات التي شهدتها المجتمعات في كل مكان وبروز نزعة الفردانية المتزايدة التي ساهمت في نزعة الانعزال، حيث يُنظر إلى الفقر على أنه مسؤولية الفقير وحده، والضعف على أنه تقصير من الضعيف، ما خلق فجوات اجتماعية تهدد تماسك المجتمعات، رغم كل هذا فإن المجتمع العماني ما زال متمسكا، إلى حد كبير، بقيمه ومبادئه وفي مقدمتها قيمة التكافل ويتحسس الناس حاجات الفقراء وعوز المعوزين.

لكن لا بد من التأكيد على أهمية أن تنشأ الأجيال الجديدة على قيمة التكافل، فلا معنى للإنسانية إن نامت قرية وفي بيت من بيوتها من لا يجد قوت يومه. ولا بد أن يؤمن الجميع، كل أبناء المجتمع، بأن غياب التكافل يضعف البناء الاجتماعي بأكمله، حيث تتآكل الثقة بين الأفراد، ويصبح الإنسان مغتربا في وطنه، غارقا في دوامة الذاتية التي تفقده حس الانتماء.

والتكافل نظام يعكس عمق الوعي الحضاري؛ فالمجتمعات التي تترسخ فيها قيم المسؤولية الجماعية تخلق بيئة أكثر عدالة لا يشعر أحد فيها بأنه منسي أو متروك وهذا ينعكس مباشرة على استقرار الدولة وقوتها، إذ لا يمكن لأي مجتمع أن يزدهر إذا كان جزء منه يعاني ويشعر بالإقصاء.

علينا ألا ننظر إلى التكافل الاجتماعي بوصفه قضية أخلاقية ولكن قيمة إسلامية وقيمة وجودية إنسانية حين تسود بيننا فإننا في الطريق نحو مفهوم «المدينة الفاضلة» التي يتكامل الأفراد فيها دون أن يفقدوا فرديتهم، ويعيش الإنسان فيها بقيم تجعله أكثر وعيًا بإنسانيته، وأكثر التزامًا بمسؤوليته تجاه الآخرين.

مقالات مشابهة

  • مجلس شباب «تمكين المجتمع» يضيء على القيم الاجتماعية
  • مجلس الوزراء يعتمد قرارات بشأن منظومة الدعم والتمكين الاجتماعي
  • طارق زيدان يطالب بضرورة توسيع شبكة الحماية الاجتماعية وتحسين الإنتاجية في موازنة 2025-2026
  • برلماني: موازنة 2025-2026 تعزز الحماية الاجتماعية وتدعم الاستقرار المالي
  • التكافل الاجتماعي واستقرار المجتمعات وقوتها
  • تخصيص الموارد لتمويل حزمة الحماية الاجتماعية.. تفاصيل اجتماع الرئيس السيسي مع وزير المالية| فيديو
  • حصاد منظومة الشكاوى الحكومية الموحدة خلال فبراير
  • «الحماية الاجتماعية»: قريبًا .. تصنيف للأمراض المستديمة وحاسبة إلكترونية لمعاشات التقاعد
  • كاتب صحفي يبرز أهمية منظومة الشكاوى الحكومية الموحدة
  • لتعزيز الحماية الاجتماعية| هكذا تضع الدولة المواطن في مقدمة أولوياتها.. تفاصيل