تراشقات أولية بين إسرائيل وإيران !
تاريخ النشر: 28th, October 2024 GMT
بعد نحو خمسة وعشرين يوما من الحديث المتواصل عن الرد الإسرائيلي على الهجوم الصاروخي الإيراني على إسرائيل فـي الأول من الشهر الجاري والمبالغة فـي التهديد والاستعداد والحساب وإعادة الحساب والاستنجاد بصواريخ « ثاد» الأمريكية المتطورة للدفاع الجوي، شعر الكثيرون فـي المنطقة وخارجها بالقلق بشكل حقيقي من أن نتنياهو يدفع بالمنطقة إلى حرب خطرة يمكن أن تتطور إلى حرب إقليمية شاملة بل إلى ما هو أكثر من ذلك من وجهة نظر البعض عندما استخدم الطرفان مفردات نووية ونفطية فـي بعض تصريحاتهما للتخويف أو للتلاعب بها، ومما يحسب لواشنطن أن الرئيس الأمريكي بايدن سارع إلى إعلان معارضته استهداف إسرائيل للمواقع النووية والنفطية الإيرانية ليس فقط للخطورة الشديدة لذلك على دول وشعوب المنطقة ومستقبلها ولكن أيضا لأن ذلك هو أقرب سيناريو للانجرار إلى حرب عالمية لا يعرف أحد لا كيف ولا متى يمكن أن تتوقف وتنتهي وما يمكن أن يترتب عليها من خسائر مادية وبشرية ودمار شهد العالم مقدماته فـي غزة ورفح ولبنان.
من جانب آخر، فإن ما جعل الحرب أو الاشتباكات بين إيران وإسرائيل أقرب إلى التراشق والاشتباكات المحسوبة بدقة على الجانبين أن كلا منهما حرص على تقليل خسائره فـيها وذلك باللجوء إلى استخدام طرف ثالث لإبلاغ الطرف الآخر بين الجانبين أن أفضل سبيل لعدم التصعيد أن لا يكون هناك رد على العدوان وهو ما حدث أكثر من مرة من حيث عدم الرد وعدم تصعيد القتال حتى لا تتسع رقعة الصراع والمواجهة بين الطرفـين وحتى لا تنجر أطراف أخرى فـي المنطقة وربما خارجها إلى التورط فـيها، ولأن هذا الأسلوب فـي التعامل بين الجانبين والصدام قد حدث أكثر من مرة من قبل فإن المصداقية فـي مواقفهما قد اهتزت بدرجة غير قليلة والى الحد الذي يمكن أن يشكك فـي ما يعلنانه من مواقف وحتى بيانات حول خسائرهما فـي المواجهات. وهو ما ينعكس سلبا على مواقفهما ومصداقيتهما فـي المعارك التي قد تدور بينهما لأي سبب فـي المستقبل. ولعل ما حدث بين إسرائيل وحزب الله منذ هدنة حرب 2006 بينهما والتزامهما بأسلوب التراشق من قبيل ضرْبة مقابل ضربة حتى اغتيال حسن نصر الله فـي 27 سبتمبر الماضي كان بالغ الوضوح والالتزام كذلك. وقد تغير هذا الأسلوب بعد اغتيال حسن نصر الله زعيم الحزب، وجدير بالذكر أن خسائر أسلوب التراشق وإن كانت لم تعلن على الجانبين بشكل أو بآخر هي أكثر سلبية وتأثيرا، ولعل استئناف حركة الطيران فـي المجال الجوي الإيراني مع التاسعة من صباح السبت الماضي بتوقيت طهران كانت له دلالته من حيث سرعة انتهاء التراشق وكأنه حدث بسيط، يضاف إلى ذلك أن طهران أعلنت عن قتيلين اثنين فقط فـي معارك فجر السبت وأن الخسائر محدودة فقط جرت فـي بعض المواقع وأن ما أعلنته إسرائيل حول عدد الطائرات التي شاركت فـي العمليات (نحو مائة طائرة) وعدد المواقع التي استهدفتها إسرائيل - 20 موقعا - كانت «كاذبة تماما»، وهو ما يضيف فـي الواقع شكوكا أخرى لسيناريو التراشق المحسوب بين إيران وإسرائيل منذ بدأت سيناريوهات التراشق بينهما قبل أكثر من عام، والتي يبدو أن العالم أو الكثيرين فـيه سيعتاد حدوثها وقد يقبل بها بحجة تقليل الخسائر فـي المستقبل. إن تكرار سيناريو الإبلاغ المتبادل بين إسرائيل وإيران عبر طرف ثالث وطلب عدم الرد على الهجوم بحجة عدم التصعيد خاصة من جانب إيران ودخول دول أخرى تطلب من إيران نفس طلب إسرائيل هو أمر مثير للدهشة والجرأة فـي الوقت ذاته، فالاتفاق على قبول العدوان والسكوت عليه مهما كانت الأسباب هو أمر يسيئ إلى الدولة مهما كانت مبرراته الذاتية أو المسببة. كما انه أمر غير معتاد وغير مألوف فـي التعامل بين الدول أو للتغطية على مواقف معينة أو فـي ظروف قد تقتضي ممارسة هذا الأسلوب غير الصحيح والمسيء إلى الدولة وسياستها ولشعبها لسنوات طويلة قادمة. وحسنا لم تقبل إيران هذا الخيار الذي يسيئ إليها مهما بدا براقا فـي جانب منه. ومن الطبيعي أن يتحدث الكثيرون عن حقيقة ما حدث وثمنه وقيمته وما ترتب عليه فـي النهاية، خاصة وأن طهران تحدثت عن حقها فـي الرد على الهجوم الإسرائيلي فور انتهائه. على صعيد آخر فإنه يبدو أن روسيا الاتحادية التي استضافت القمة الخامسة والعشرين لدول بريكس والتي يرأسها الرئيس بوتين قد وقعت فـي خطأ التضخيم والتصعيد المتبادل الذي اختلقته إسرائيل وإيران والإيحاء بأن حربا إقليمية كبيرة يمكن أن تندلع وان تجر معها المنطقة ككل فـي النهاية بكل ما يترتب على ذلك من نتائج. وبالنظر إلى تطور العلاقات بشكل إيجابي بين موسكو وطهران فـي الفترة الأخيرة وتعاونهما فـي مجال التسليح، حيث تردد أن إيران تمد روسيا الاتحادية بالمسيرات الإيرانية وهي مسيرات قوية تحتاجها روسيا فـي الحرب فـي أوكرانيا فـي مقابل تعاون موسكو مع طهران فـي تقنيات دفاعية متطورة ومن أجل أن تعطي موسكو مصداقية وقيمة لتعاونها مع إيران، فإنها أعلنت أنها ستتعاون مع طهران فـي مواجهة العدوان الإسرائيلي ضد إيران ولكن بشرط ألا يؤدي الموقف الروسي إلى إغضاب إسرائيل من موسكو. وتجدر ملاحظة أن إقدام موسكو على الدعم المباشر لإيران ضد إسرائيل جاء فـي إطار محاولة موسكو الحد من التصعيد بين إسرائيل وإيران من ناحية وهو بذلك عمل مشروع ومطلوب، ومن جانب آخر فإنه جاء مباشرة بعد إعلان الولايات المتحدة مساندة إسرائيل بأسلحة متطورة مثل صاروخ الدفاع الجوي «ثاد» وْْتشغيله بطاقمه الأمريكي، يضاف إلى ذلك أن واشنطن وافقت على إمداد إسرائيل بصواريخ اعتراضية قصيرة المدى يعاني الجيش الإسرائيلي من نقص فـيها. ومع اقتراب موعد الهجوم الإسرائيلي ضد إيران أكدت واشنطن على أن هجوم إيران ضد إسرائيل إذا حدث سيعني دفاع أمريكا عنها كالعادة وتحسبا للدفاع عنها كالعادة قامت أمريكا بنقل عدد من الطائرات من طراز أف 16 إلى قاعدة فـي الشرق الأوسط تحسبا لأي تطور، وفـي مقابل هذا الزخم الأمريكي كان ضروريا على موسكو أن تتحرك فـي اتجاه طهران للحد من الانحياز الأمريكي إلى جانب إسرائيل ولتعطي معنى عمليا للعلاقات الروسية الإيرانية ولكن مع الحرص على ألا يؤدي الموقف الروسي إلى غضب أو أزمة فـي العلاقات الروسية الإسرائيلية خاصة وأن موسكو تحدثت عن تعاون استخباراتي مع إيران أو أشكال أخرى من شأنها عدم الإضرار بالعلاقات مع إسرائيل، وفـي الواقع فإن وقوف أمريكا إلى جانب إسرائيل ووقوف روسيا إلى جانب إيران أثار -برغم التفاوت بينهما- مخاوف حقيقية من إشعال فتيل حرب إقليمية أوسع نطاقا فـي ظل الحرائق المتعددة المشتعلة بالفعل فـي المنطقة وحولها فهل تسرع بوتين أم أخطأ عندما مد إيران بمعلومات استخبارية قبل بدء الحرب بساعتين وأعطى بذلك إنذارا مبكرا لإيران كذلك، مما منحها فرصة ثمينة للاستعداد ولكن السؤال هو إلى أي مدى سيؤثر ما جرى وما قد يجري على الأوضاع فـي المنطقة والعلاقات بين دولها من جانب آخر هل سترد إيران على الهجوم الإسرائيلي خاصة وأن إسرائيل تحدثت عن تحقيقه لأهدافه من ناحية وتحذيرها من الرد فـي مثل هذه الحالة ؟ |
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: إسرائیل وإیران فـی المنطقة بین إسرائیل على الهجوم من جانب یمکن أن أکثر من وهو ما
إقرأ أيضاً:
جيروزاليم بوست: على إسرائيل أن تستعد للمواجهة مع إيران بعد تنصيب ترامب
قالت صحيفة جيروزاليم بوست إن القضية الأولى والأكثر أهمية وحساسية، بعد عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، يجب أن تكون النضال المشترك والحازم بين الولايات المتحدة وإسرائيل ضد برنامج إيران النووي، وسلوك طهران الإقليمي، ودعمها لمن وصفتها بالمنظمات الإرهابية في جميع أنحاء المنطقة.
وذكرت الصحيفة الإسرائيلية في مقال بقلم البرفسور جاكوب ناجل أنه "إلى أن يتم تفكيك جميع المنشآت والقدرات النووية طوعا من قبل إيران أو كرها من قبل قوى خارجية، يجب على إدارة ترامب أن تعود إلى سياسة الضغط الأقصى، والتهديدات بعمل عسكري حقيقي من قبل الولايات المتحدة وحلفائها".
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2نيويورك تايمز: لهذا يعتبر ترامب الرئيس الراحل ويليام ماكينلي ملهِما لهlist 2 of 2غارديان: بنغلاديش تغلق أبوابها في وجه مسلمي الروهينغاend of listوأشار الكاتب إلى أن المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي تناول احتمال مهاجمة المنشآت النووية، وقال إن إيران يجب أن تتوصل إلى تفاهمات مع إدارة ترامب بشأن أنشطتها النووية لتجنب مواجهة عسكرية أخرى في الشرق الأوسط.
وأشارت الصحيفة إلى أن الرئيس الأميركي السابق جو بايدن عندما انتُخب -قبل حوالي 4 سنوات- أعلن نيته إعادة الدخول في مفاوضات مع إيران حول العودة السريعة إلى الاتفاق النووي المعيب -حسب وصف الصحيفة- في إشارة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015 التي انسحب منها ترامب عام 2018.
إعلانودعت جيروزاليم بوست إسرائيل إلى أن توضح للعالم لماذا التفكير في بدء المفاوضات مع إيران أمر خطير للغاية، من أجل إقناع الشركاء في الشرق الأوسط والموقعين على اتفاقيات أبراهام، والسعودية، الذين يشتركون معها في مخاوف مماثلة بشأن إيران ونواياها النووية.
لا لتكرار الماضي
وقد زادت أنشطة إيران بشكل كبير بعد انتخاب بايدن، وخصبت مئات الكيلوغرامات من اليورانيوم إلى مستويات عالية (60%) وطورت وأنتجت وركبت أجهزة طرد مركزي متقدمة في منشآت تحت الأرض، وبنت منشآت جديدة، واتخذت خطوات خطيرة أخرى، حتى في أنشطة برنامج التسلح، تحت ذريعة الاستخدام المزدوج، كما تقول الصحيفة.
ورأت جيروزاليم بوست أن الوضع الحالي للبرنامج النووي الإيراني لا يسمح باتفاقية جديدة يمكن أن تكون مستدامة، لأن الجميع يرغب في اتفاق جيد لا يسمح لإيران بمواصلة أنشطتها النووية على الإطلاق، ولا يشبه الصفقة السابقة ولا يقبل "ببرنامج نووي مدني" في منشآت تحت الأرض.
وبعد أن استعرضت الصحيفة كل الشروط التي يجب أن يتضمنها أي اتفاق جديد، خلصت إلى أن إيران لن تقبل بها، وقالت إن على إدارة ترامب أن توضح للإيرانيين أن هذه هي مطالبها إذا كانت تريد تجنب نوع آخر من الحل، وأنها ليست منفتحة على التفاوض.
ونظرا لأن طهران، على الرغم من حالتها المزرية بسبب الهجمات الإسرائيلية وانهيار معظم وكلائها في "حلقة النار" لن تتعاون طواعية مع التدمير المتفق عليه لقدراتها النووية، فإنه على إسرائيل أن تستعد لمواجهة مع إيران ومنشآتها النووية، ويفضل أن يكون ذلك بالتعاون مع الولايات المتحدة.