جريدة الرؤية العمانية:
2025-03-03@16:32:18 GMT

أوقفوا الفساد.. تتوقف السرقات

تاريخ النشر: 28th, October 2024 GMT

أوقفوا الفساد.. تتوقف السرقات

 

حيدر بن عبدالرضا اللواتي

haiderdawood@hotmail.com

 

ينشر جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة سنويًا، تقريره السنوي، حول نتائج المتابعة المالية والإدارية للوحدات والهيئات الحكومية، بجانب متابعته لوضع الاستثمارات الحكومية في الشركات المشمولة برقابته؛ الأمر الذي يُعزِّز من النزاهة ومحاربة الفساد في مؤسسات الدولة المختلفة؛ سواءً أكانت على شكل شركات أو جمعيات مهنية أو تلك التي تتبع للمجتمع المدني.

تقرير عام 2023، شمل العديد من المخالفات التي سجلها الجهاز خلال العام الماضي، والتي تتطلب متابعة دورية من الجهاز مع العديد من المؤسسات الحكومية والخاصة الأخرى للوقوف على أوجه الفساد والتقصير ومعرفة الحقائق قبل توجيه الاتهامات لأي مؤسسة أو شخصية أو فرد يعمل بها، سواءً أكانوا فعلًا قد دخلوا في مرحلة الفساد من عدمه؛ الأمر الذي يأخذ أحيانًا شهورًا عديدة للحصول على الردود من المؤسسات والشركات حول تساؤلات الجهاز. فمثلًا إذا كانت هناك اتهامات ضد مؤسسة ما بالتلاعب في الأموال العامة للدولة والمؤسسات الحكومية أو الشركات التابعة لها بالتعاون مع مؤسسات أخرى، فإنَّ الأمر يتطلب مراسلة ومخاطبة الجهات الحكومية الأخرى ومؤسسات تابعة للقطاع الخاص، والالتقاء مع بعض الشخصيات للوقوف على الحقائق ومعرفة الأخطاء وكل ما يتعلق بالأسئلة التي وجهت إليهم من قبل الجهاز.

كما يتطلب الأمر أحيانًا مخاطبة شركات المحاسبة والتدقيق المالي والتي قد تُجري تغييرًا في الحقائق والأرقام، وهناك قضايا مُسجلة في المحاكم بهذا الخصوص؛ إذ منيت بعض من هذه الشركات بخسائر دون التحقق مع تلك الشركات المحاسبية بصورة دقيقة خلال السنوات الماضية. وهذا ما يؤدي أحيانًا إلى بُطء الحصول على الأجوبة، وبالتالي يؤثر على إعداد التقرير والإفصاح عن تلك القضايا في وقتها، خصوصًا إذا كانت هناك شخصيات أجنبية مُتهمة، غادرت السلطنة دون معرفة الحقائق المرتبطة بالقضايا المثارة، الأمر الذي يؤدي إلى بطءٍ في إجراءات الكشف عن مثل هذه القضايا.

التقرير الأخير الذي حمل اسم "ملخص المجتمع"، تَحدّث عن استرداد بعض المبالغ المالية لصالح الخزينة العامة للدولة في حدود 177.7 مليون ريال عُماني عن السنتين الماضيتن 2023، و2022، بجانب التعامل مع 115 قضية أموال عامة، و951 شكوى وردت إلى الجهاز في هذا الشأن، حيث تعامل الجهاز مع تلك القضايا بكل معاني الشفافية والنزاهة والمساءلة والمحاسبة المطلوبة في الأنظمة الرقابية السارية في العالم.

والقضايا التي تعامل بها الجهاز خلال العام الماضي شملت الكثير من المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية بالدولة، ومتابعتها ومدى جاهزيتها في التعامل مع المسؤوليات المناطة بها في العمل اليومي، مع تزايد أعداد تلك المؤسسات التي شملت مجالات التعليم والصحة والسياحة والنفط والمعادن والكهرباء والمياه، وأعمال البلديات وأعمال المؤسسات التابعة للمجتمع المدني والعقود التشغيلية لها، ومدى مشروعية المصروفات التي صرفتها في أعمال الصيانة والسفر والمنتديات والزيارات والمؤتمرات والندوات والمعارض وغيرها من الأعمال المالية والإدارية والتشغيلية لها.

وأمام هذا الكم الهائل من المؤسسات، فإن ذلك يعني أن ثمة فساد قائم في تلك المؤسسات بالرغم من القوانين والتشريعات التي صدرت فيما يتعلق بالفساد ومحاربته؛ الأمر الذي يتطلب تعزيز الرقابة المالية والإدارية عليها خلال الفترة المقبلة لاسترداد الأموال العامة، ومحاسبة الفاسدين ونشر أسمائهم في وسائل الإعلام المختلفة، ليكونوا عبرة لغيرهم من الموظفين والعاملين في تلك المؤسسات. التقرير يوضِّح أن عدة أحكام صدرت في هذا الشان وأُدين المتورطون بتُهم الرشوة، والتزوير في المحررات الرسمية والعرفية، والاختلاس، وإساءة استعمال الوظيفة، والتزوير المعلوماتي في البيانات الحكومية، وكذلك استغلال المنصب لتحقيق منافع شخصية، وتضارب المصالح، والتعدي على المال العام، والإخلال بأداء الواجبات الوظيفية، في الوقت الذي يتولى الجهاز دراسة المزيد من مشروعات القوانين واللوائح والنظم بتلك المؤسسات.

إنَّ جهاز الرقابة اليوم يعمل على تعزيز شراكته المجتمعية لمعرفة الحقائق عما يحدث في مؤسسات الدولة، الأمر الذي يتطلب التعامل بحذر مع الشكاوى والبلاغات التي ترد إليه من مختلف فئات المجتمع بمختلف الطرق. وكلما كانت هذه المعلومات تحمل حقائق دامغة عن الفساد والتلاعب من القائمين على تلك المؤسسات، فإنَّ متابعة الفاسدين ستكون أسهل، وسيُعزز ذلك من جهود المؤسسات الأخرى في توفير فرص العمل وجذب الاستثمارات وتقويم المؤسسات، وتمكين أجهزة الإعلام من التعاطي مع تلك القضايا بكل شفافية وحياد، مع تعزيز قيم النزاهة وترسيخ الثقافة المجتمعية لحماية المال العام وصون مكتسبات الوطن.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

شاطئ السلام

بقلم: د.إبراهيم عمر(صاروخ)
كاتب وباحث في قضايا السلام والتنمية.
١ رمضان ١٤٤٦ه الموافق السبت: ١ مارس ٢٠٢٥م.
----------------
*تبني قيم الحكم الراشد جسر الدول النامية نحو الحداثة وسبيلها للخروج من دوامة التقليدية*
--------------
لقد تنامى الاهتمام بمفهوم الحكم الراشد في أواخر القرن العشرين من القرن الماضي، خاصةً مع ظهور المشكلات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في الدول النامية نتيجة لفشل الأنظمة السياسية في الاستجابة لاحتياجات وتطلعات مواطنيها. غالباً ما تفتقر هذه الأنظمة إلى الشفافية والمساءلة والمشاركة الديمقراطية في العمليات الحكومية، حيث تُتخذ القرارات المصيرية من خلف الأبواب المغلقة، مما يؤدي إلى غياب المعلومات لدى المواطنين.
لذا يعد الحكم الراشد أحد أبرز العوامل التي تؤثر بشكل كبير وفعّال في استقرار الدول ونجاحها السياسي، الاقتصادي والاجتماعي؛ إذ يعتمد على المبادئ الإنسانية السامية والقيم الأخلاقية الفاضلة في تسيير الشؤون العامة، مما يجعله أسمى طرق الحكم وأرقاها، والتي يجب أن تتبناها كل الدول لإدارة شؤونها الداخلية والخارجية بهدف تحسين نوعية وجودة الحياة وتحقيق الرفاهية والعدالةالاجتماعية، وبالتالي ضمان سيادة حكم القانون وتعزيز الشفافية والمساءلة وتمكين المجتمعات.
في اللغة العربية يتكون المصطلح من شقين رئيسيين، هما: (الحكم) و(الرشد)، حيث يشير الشق الأول إلى العلم والتفقه في شؤون الحكم، بينما يعبر الشق الثاني عن الاستقامة والمسؤولية. يُستخدم الحكم الراشد كإطار عمل لتحسين الأداء الحكومي وتعزيز الثقة بين الحكام والمواطنين.
اصطلاحاً: هو مجموعة من المبادئ والممارسات الجيدة التي تهدف إلى تعزيز الشفافية والمساءلة والمشاركة الديمقراطية وسيادة القانون.
فيما يعرفه البنك الدولي وهو أول من استخدم مصطلح الحكم الراشد في عام ١٩٨٩م بأنه ذلك النظام الذي يعتمد على الديمقراطية في الحكم وعلى الإدارة الرشيدة للموارد.
أما برنامج الأمم المتحدة الانمائي قد عرفه بأنه ممارسة السلطة الإدارية والسياسية والاقتصادية لإدارة كافة شؤون الدولة.
وتتجلى أهمية تبني قيم الحكم الراشد من خلال القيم والأخلاق التي تتبناها الدول مثل: العدالة في توزيع الموارد، والشفافية في اتخاذ القرارات، والمساءلة التي تحتم على الحكومة تقديم خدمات عادلة وفعالة تلبي حاجات المواطنين، مما يمنح الأفراد الأمان والعدالة من خلال تطبيق القانون على الجميع بالطرق التي تتسم بالنزاهة، الاستقلال، الكفاءة واحترام حقوق الإنسان. وطبقاً لأقوال الدكتور/ صالح علي ناصر الخدري الأستاذ بكلية الدارسات الاسلامية بجامعة أديامان التركية في كتابه الطريق إلى الحكم الراشد رؤية شرعية وصفه بأنه الغاية الأسمى والمرتجى التي تسعى إليها النفوس الطيبة والأحرار من البشرية والأمم التي فهمت معنى للحياة والإنسانية بمفهومها الصحيح والكامل وجوهرها الصافي والشامل، مشددة بأن في ظله لا مكان فيه لأولئك الذين يتسمون بالنفوس المريضة والعقول الفاسدة والأهواء الزائفة فهو موافق لكمال الرشد الذي هو كمال العقل ونزاهة الفكر وصفاء النفوس وصلاح الأعمال وسمو الأخلاق ومواءمة الأقوال مع الأفعال، وهو ما يعزز القيم الإنسانية العليا التي ترفض الزيغ والزيف والمحسوبية والطائفية والقبلية والمصالح الخاصة.
..لقد أثبتت الدراسات والعديد من التقارير في هذا الصدد، مثل: تقارير منظمة الشفافية الدولية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي التي أجريت في هذا الشان بأن الدول التي تبنت هذه المبادئ وطبقتها بفعالية والتجرد على أرض الواقع قد نجحت في تحقيق التقدم التنموي المستدام والشامل، على سبيل المثال: تُعد *دولة رواندا* أنموذجاُ بارزاً يُحتذى به في أفريقيا، حيث تمكنت الحكومة الرواندية، تحت قيادة وإشراف الرئيس بول كاغامي، أن تحقق نمواً اقتصادياً مستداماً وملحوظاً عبر الإصلاحات الكبيرة التي أجرتها القيادة في مجالات الحكم: السياسة، الاقتصاد، الاجتماع والإدارة بعد حرب الإبادة الجماعية في عام 1994م، إذ تمكنت الحكومة من تطبيق سياسات كفيلة بمحاربة الفساد والمفسدين والعمل على توفيرِ بيئةٍ قانونيةٍ مستقرةٍ، تحت شعار: (زيرو فساد)، مما أدى إلى نمو اقتصادي سنوي يُقدر بحوالي 7% خلال العقد الماضي، فضلاً عن انخفاض معدل الفقر من 60% إلى 40% في الفترة ما بين عامي 1994 إلى 2020م، كنتيجة لتوجيه الجهود ومقدرات البلاد نحو تطوير قطاعات حيوية مثل الزراعة والصناعات المتوسطة والصغيرة بالإضافة إلى توجيه المدخرات الوطنية وطاقاتها نحو الإستثمار في البنية التحتية، التعليم والتدريب والتكنولوجيا.
كما تشكل *دولة سنغافورة* هي الأخرى مثالًا آخر للنجاح بفضل تبنيها لحكم الراشد، حيث طبقت الحكومة سياسة صارمة ضد الفساد بقيادة الرئيس لي كوان يو، تحت الشعار(زيرو فساد) الذي بموجبه قام بإصلاح النظام السياسي والقانوني والاقتصادي والإداري بشكل جذري، وبموجب ذلك تحول اقتصاد سنغافورة إلى أقوى اقتصادات العالم نمواً وتقدماً وازدهاراً، بمعدل النمو السنوي بلغ 5% في المتوسط، وكما تتمتع البلاد بدرجة عالية من الشفافية في إدارة الموارد العامة، وفيما انخفض مؤشر الفساد إلى أدنى درجة بمعدل 5% في المتوسط خلال العقود الأخيرة. ومع ذلك توجد هناك دولاً قد فشلت في تحقيق أي تقدم ملموس على الصعيد التنموي عند تطبيقها لقيم ومبادئ الحكم الراشد.
وعلى الرغم من نجاح بعض الدول في تطبيق قيم الحكم الراشد، تواجه دولاً أخرى العديد من التحديات التي تحول دون تطبيقها من أبرز هذه التحديات بناءً على التقارير الصادرة في هذا الصدد: *الفساد المستشري* : وهو يمثل أحد أكبر المعوقات التي تواجه الحكم الراشد ويتخذ هذا الفساد أشكالاً متعددة، بدءاً من استغلال السلطة لتحقيق مكاسب شخصية، التوظيف والمحسوبية، عدم الشفافية في القرارات الاقتصادية وصولاً إلى التلاعب بالموارد العامة، مما يؤدي إلى إهدار المال العام وتدهور الخدمات، الفساد يخلق تفاوتاً كبيراً في توزيع الدخل والثروة، مما يؤدى الى تنامي الإحساس بالظلم وكما انه يغذي الصراعات والاحتجاجات السياسية والاجتماعية مما يعزز من حالة عدم الاستقرار السياسي - ضعف المؤسسات : حيث تفتقر العديد من الدول النامية إلى مؤسسات حكومية قوية ومستقلة لا تستطيع تنفيذ السياسات والبرامج بكفاءة وفعالية - غياب الثقافة الديمقراطية : الافتقار إلى الوعي السياسي والمعرفي حول أهمية الحكم الراشد في بناء الدول وتنميتها- المقاومة من النخبة الحاكمة: غالباً ما تقاوم النخبة الحاكمة التغيير خوفاً من فقدان سلطاتها وامتيازاتها، هي ما تقف حجر عثرة أمام الإصلاحات المطلوبة.
وبناءً على التقارير الصادرة من منظمة الشفافية الدولية لعام ٢٠٢٤م، تعتبر دولة جنوب السودان النموذج الأبرز للدولة الفاشلة في تطبيق نموذج الحكم الراشد، حيث أحرزت المرتبة الأولى في ترتيب الدول الإفريقية الأعلى في مؤشر الفساد؛ تؤكد التقارير أن استمرار الفساد الممنهج، وعدم الشفافية والمساءلة، قد أدى إلى تقويض جهود الاستثمار والتنمية في البلاد.
يعزي عدد من الخبراء والمختصون في مجالات الحكم والإدارة والاقتصاد أن الأسباب وراء ذلك إلى ضعف البنية المؤسسية للدولة، مما يمنعها من تحقيق الأمن والاستقرار. كما تشير التقارير إلى أن خزينة الدولة تفقد سنويًا ما يقارب مليارات الدولارات نتيجة الفساد الممنهج؛ أما دولة غانا: على الرغم من إجراء بعض الإصلاحات في السياسة والحكم والإدارة إلاّ أنها تمثل واحدة من الدول الأكثر فقراً في العالم بسبب الفساد المتجذر في بنية مؤسسات الدولة، الناتج عن سوء الإدارة الذي لا يزال يشكل التحدي الأكبر أمام السلطات، فالبلاد لا زالت تعاني من مشكلات جمة مثل: البطالة، الفقر، عدم المساواة؛ بينما تمثل جمهورية نيجيريا: حالة أخرى تواجه خلالها تحديات كبيرة ومعقدة على الرغم من التقدم الملحوظ في مجالات الحكم والإدارة، فقد شهدت البلاد اجراء انتخابات حرة وتحسينات في مستوى الشفافية في بعض القطاعات، ومع ذلك لا يزال الفساد بشكله الواسع والمستشري يمثل عائقاً كبيراً يؤثر على كفاءة الأداء في كلا القطاعين (العام والخاص) على حدٍ سواء بسبب الضعف في قيادة الدولة. فيما يمثل الفساد في السودان: عقبة رئيسية أمام التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية في البلاد، بحسب تقرير الفساد الصادر عن المنظمة إنه احتل المرتبة السادسة حيث حصل على درجة ١٥ من أصل ١٠٠ درجة في ترتيب الدول الأفريقية الأعلى في مؤشر الفساد للعام نفسه، إذ تشير الدرجات المنخفضة إلى حتمية وجود فساد في مستوى مرتفع للغاية واسع النطاق في مؤسسات الدولة، كما أوضح التقرير أن عملية تصريح الخدمات العامة مثل: تكلفة الخدمة للحصول على تصريح أو تراخيص يتطلب ذلك دفع رشاوي تتجاوز قيمتها ٣٠% من اجمالي التكاليف الكلية. يظهر التقرير أن نسبة ٦٠% من المستثمرين الأجانب يعتقدون أن الفساد يمثل العقبة الرئيسية أمام دخول الأسواق السودانية، كما يؤكد التقرير أن حوالي ٧٠% من المواطنين يشعرون بأن الفساد منتشر في القطاع العام، مما يعكس عدم الثقة في المؤسسات الحكومية.
إن الانتقال من النظام التقليدي، الذي يعتمد على السلطة الدينية والقبلية والجهوية والطائفية أو الشخصيات الكارزمية، إلى النظام الحديث الذي يتبنى قيم ومبادئ الحكم الراشد، يتطلب تغييرات جوهرية من عدة مستويات.
.. في النظام التقليدي، تفتقر آليات المحاسبة الفعالة والرادعة، وغالباً ما تكون السلطة مركزة في يد قلة من الأفراد أو فئات محددة، مما يؤدي إلى تفشي الفساد وتعطيل سيادة القانون والمساواة. بالمقابل، في النظام الحديث، يتم تطبيق مبادئ الحكم الراشد عبر تعزيز الشفافية، المساءلة، واحترام حقوق الإنسان، مع وضع سياسات وآليات قانونية تضمن توزيع السلطة بشكل عادل على مختلف المستويات.
إذ يتطلب مثل هذا النوع من الحكم(الحديث) إلى قيادات تتمتع بقدر عالٍ من القيم والحكمة والأخلاق السامية، حيث تلعب هذه القيم دورًا محوريًا في توجيه السياسات واتخاذ القرارات. فالقيم هي تلك المبادئ الأساسية التي توجه سلوك الأفراد والجماعات وتأثيرها في اتخاذ القرارات.
في هذا السياق تعتبر القيم مثل: العدالة والمساواة في إطار الحكم الراشد، هي من المرتكزات الضرورية التي تعزز الشفافية والمساءلة، أما الحكمة فإنها تُساعد القادة على تحليل المشكلات والقضايا المعقدة وتحديد الأسباب الجذرية، مما يمكنهم من اتخاذ قرارات مدروسة وتوقع النتائج المحتملة للقرارات والعمل على التوازن بين المصالح المختلفة سواءً كانت سياسية، اقتصادية واجتماعية؛ بينما الأخلاق تعني الالتزام بالمبادئ السليمة والقيام بالتصرفات التي تعكس قيماً نبيلة فهي تمثل خط الدفاع الأول ضد الفساد؛ كما أن القادة الأخلاقيون الملتزمون دوما بمبادئ الحكم الراشد مثل: الشفافية والمساءلة، يُعززون من الثقة بين الحكومة والمواطنين فيُقلل ذلك من الفساد، هذه الثقة تمثل أساساً للاستقرار والتنمية في الدولة.
فالأخلاق تدفع بالقادة إلى اتخاذ قرارات عادلة تُراعي حقوق الإنسان وتحافظ على كرامته، لذا فإن القادة الذين يتمتعون بالأخلاق يساهمون في بناء مجتمعات أكثر عدلاً وتوازناً، لأن القيم تمثل الإطار الذي يحدد ما هو صحيح وما هو خطأ بينما الأخلاق هي التطبيق العملي والفعلي لهذه القيم؛ لذا يجب على القادة والسياسيون والإداريون أن يركزوا على تعزيز هذه القيم من خلال التعليم والتدريب المستمر والممارسات الجيدة لضمان تحقيق الحكم الراشد الذي ينشده المجتمع، لذا فإن إمكانية التطبيق وفرص نجاحه يحتاج إلى وجود نظام سياسي يستمد شرعيته من إرادة الشعوب لأنه يقوم على مبدأ العدالة واحترام حقوق الإنسان.
إن دور القيم والحكمة والأخلاق في مبادئ الحكم الراشد لا يمكن تجاهله، لأنهم يمثل الأساس في بناء الثقة بين الحكومة والمواطنين، مما يساعد على تعزيز الاستقرار والتنمية...
من خلال ما تقدم ذكره يتبين لنا أن الانتقال نحو نظام حكم حديث مبني على قيم ومبادئ للحكم الراشد يتطلب وجود نظام سياسي ذو مؤسسات قوية تمتاز بالقدرة الفعالة على تنفيذ السياسات والبرامج ملتزما بتطبيق القوانين بشكل شفاف على الجميع لضمان ثقة المواطنين ومستقلاً عن التدخلات السياسية والمصالح الخاصة قادراً على إدارة الموارد بكفاءة وفعالية وتوزيع المنافع بشكل عادل ومرضي. ولضمان تحقيق إدارة فعالة للموارد وتوزيع عادل للمنافع يتطلب الأمر إلى تبني الحوكمة الجيدة التي تعرف بأنها مجموعة من العمليات والآليات التي تهدف إلى إدارة الموارد بكفاءة وفعالية والتوزيع العادل للمنافع؛ كما أن الإستمرار في هذه الجهود سوف يساهم في بناء مجتمعات مستقرة، متطورة ومزدهرة.

ibrahimsarokh@gmail.com

/////////////////////

   

مقالات مشابهة

  • العطيشان يروي قصة قضية الفساد الكبرى التي اكتشفها والده في ميناء رأس تنورة.. فيديو
  • ليفاندوفسكي.. ماكينة أهداف لا تتوقف!
  • مؤتمر علمي يناقش الجوانب القانونية لاستخدام الروبوت الذكي في المؤسسات الحكومية
  • البرازيل: مجموعة البريكس لن تتوقف عن جهودها لإلغاء الدولرة رغم تهديدات ترامب
  • شاطئ السلام
  • إبراهيم الميرغني ولوي عنق الحقائق
  • «الجوانب القانونية لاستخدام الروبوت الذكي في المؤسسات الحكومية».. مؤتمر طلابي بـ«حقوق حلوان»
  • مؤتمر علمي بجامعة حلوان يناقش الجوانب القانونية لاستخدام الروبوت الذكي في المؤسسات الحكومية
  • «الجوانب القانونية لاستخدام الروبوت الذكي داخل المؤسسات الحكومية» في مؤتمر علمي بجامعة حلوان
  • بالتفاصيل.. الحلقة الأولى من مسلسل سيد الناس تكشف العديد من الحقائق