ما بعد الطوفان: كيف يمكن استعادة الشعوب لمواجهة الأنظمة ونصرة فلسطين؟
تاريخ النشر: 28th, October 2024 GMT
بعد مرور أكثر من عقد على بداية الربيع العربي وعام على معركة طوفان الأقصى، لا تزال المنطقة العربية تعيش تداعيات تلك الثورات التي وعدت بتغيير الأنظمة السياسية والاجتماعية، لكنها في معظم الحالات تعثرت لأسباب عديدة ليس مقامها هنا الآن. وكان من تجليات التعثر حالة الصمت الواضح ضد ما يحدث لأهلنا في غزة، نعم هناك جهود مقدرة تبذل ولكنها كانت دون مستوى المعركة، وهو ما فتح شهية الاحتلال للعربدة في عدة دول عربية دون رادع أو خوف، فالعديد من الأنظمة الاستبدادية استعادت قوتها، والشعوب أُعيدت إلى حالة من الإحباط.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: ما هي الاستراتيجيات التي يمكن أن تساعد الشعوب على استعادة دورها الفعّال في مواجهة تلك الأنظمة؟ في هذا المقال نطرح بعض الأفكار في هذه المجال، وهي استكمال للسلسلة التي بدأناها بمقال "في الذكرى الأولى لطوفان الأقصى.. لماذا تقاعسنا وكيف ننصرهم؟"، ثم تتالت المقالات بعد ذلك وهذا رابعهم.
1- استغلال وسائل الإعلام الجديد والرقمنة
لا يكفي أن توجَه الدعوات للتظاهر السلمي أو لأي أنشطة عبر منصات التواصل، ولكن لا بد من وجود خطة واضحة وتوحيد وتركيز للجهود ووجود لخبراء متخصصين في هذا المجال الذي يتطور بسرعة هائلة مع دخول الذكاء الصناعي وقواعد البيانات الكبيرة في الموضوع، فضلا عن الهندسة المجتمعية والاجتماعية ونحو ذلك من العلوم. نعم توجد وسائل إعلامية لديها خبر متزايدة في هذا المجال وهو أمر جيد، لكنها تُنشر بهدف الوصول للجمهور وليس الهدف "الحشد والتعبئة".
عندما يكون الحشد والتعبئة هو الهدف المقصود تختلف السياسات جذريا في هذه الحالة؛ لأنه حينها سيكون الإطار الضابط لكل الجهود على منصات التواصل الاجتماعي، وللتدليل على أهمية منصات التواصل في تشكيل الوعي والحشد والتعبئة تكاد غالبية الشعوب العربية تعلم جيدا قصة "الذباب الإلكتروني"
عندما يكون الحشد والتعبئة هو الهدف المقصود تختلف السياسات جذريا في هذه الحالة؛ لأنه حينها سيكون الإطار الضابط لكل الجهود على منصات التواصل الاجتماعي، وللتدليل على أهمية منصات التواصل في تشكيل الوعي والحشد والتعبئة تكاد غالبية الشعوب العربية تعلم جيدا قصة "الذباب الإلكتروني"، والذي هو عبارة عن جيوش من الموظفين الحكوميين المتفرغين في دول الخليج كالسعودية والإمارات ومصر وربما دول أخرى؛ لتوجيه الرأي العام أو إثارة البلبلة أو تحويل اهتمام الناس بعيدا عن قضية مركزية إلى قضية هامشية تافهة.
لذلك يجب أن نعي أن كثير من دعوات التظاهر أو التضامن لم تنجح بسبب غياب الاستراتيجيات الفاعلة في هذا المجال، فضلا عن توحيد وتنسيق الجهود بين كافة الجهات الفاعلة.
أيضا للتدليل على أهمية هذا الجانب، نذكر بأنه خلال "الربيع العربي" كانت وسائل التواصل الاجتماعي عاملا محوريا في تحفيز الجماهير وتوحيد صفوفها واستدعائها إلى الواجهة والنزول والاعتصام في الشوارع، ومواقع مثل تويتر وفيسبوك ساعدت الناشطين على تنظيم الاحتجاجات وجذب انتباه العالم إلى قضاياهم، والثورة المصرية (25 يناير) كانت المثال الأبرز على ذلك، حيث انطلقت من دعوات على منصات التواصل.
رغم أن الأنظمة استجابت بزيادة الرقابة الإلكترونية وحجب المواقع، إلا أن هناك فرصا جديدة لاستغلال وسائل الإعلام الرقمي من خلال استخدام أدوات مثل الشبكات الافتراضية الخاصة (VPN) لتجنب الرقابة، إلى جانب بناء منصات إعلامية مستقلة، واستخدام الذكاء الاصطناعي كما أسلفنا والكثير من التقنيات والاستراتيجيات التي يعلمها أهل هذا المجال.
2- التحالفات الشعبية العابرة للحدود
"الربيع العربي" أظهر أن التحركات الجماهيرية في دولة واحدة يمكن أن تؤثر في دول أخرى؛ ولكن من المهم تحويل هذه الموجات المتتالية إلى تحالفات منظمة
لا يمكن لأي حركة شعبية مواجهة الأنظمة القمعية بمعزل عن محيطها الإقليمي أو الدولي. "الربيع العربي" أظهر أن التحركات الجماهيرية في دولة واحدة يمكن أن تؤثر في دول أخرى؛ ولكن من المهم تحويل هذه الموجات المتتالية إلى تحالفات منظمة وهو ما أسميته في مقال سابق بأقلمة الثورة أو تثوير الإقليم.
لذلك من المهم بناء تحالفات عابرة للحدود بين الناشطين لتبادل الأفكار والخبرات في آليات واستراتيجيات النضال السلمي الضاغط، خاصة في ظل توفر وسائل التواصل الاجتماعي التي تسهل عملية. ويمكن استلهام الكثير من الدروس من التاريخ الحديث، فحركة مناهضة الفاشية في أوروبا تشكلت في أعقاب الحرب العالمية الأولى وامتدت عبر عدة قارات لمواجهة صعود الأنظمة الفاشية وضمت الحركة: منظمات عمالية وأحزاب اشتراكية وشيوعية وفوضوية وقوى ليبرالية وديمقراطية ونسقت بشكل كبير فيما بينها لتحقيق أهدافها، كذلك تجربة مناهضة نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا والتحالفات العالمية الشعبية التي تشكلت لتحقيق ذلك.
هذه النماذج وغيرها قد تُستلهم في المنطقة العربية من خلال تشكيل تحالفات تنسيقية بين الحركات الشعبية والسياسية من أجل مواجهة الأنظمة الاستبدادية التي تعيق نصرة غزة، بل تساهم في الإبادة، وخلق صوت موحد من المحيط للخليج داعم للقضية وللتحرر الوطني.
3- استدامة الحركة من خلال الاقتصاد الذاتي
أحد العوامل الرئيسية في إضعاف الحركات الشعبية هو اعتمادها على التمويل الخارجي، مما يجعلها عرضة للضغوط السياسية، في هذا السياق، تظهر أهمية الاقتصاد الذاتي كوسيلة لتحقيق استقلالية الحركات. الحركات الشعبية التي تعتمد على مواردها الذاتية تكون أقل عرضة للتأثر بالعوامل الخارجية، سواء كانت تلك الموارد مالية أو بشرية، ولتخفيض تكاليف العمل، يبرز التنسيق وتوحيد الجهود وتوزيع الأدوار كاستراتيجية فاعلة وناجعة لتخفيف الضغوط والاستغلال الأمثل للموارد المالية والبشرية، ويبرز الوقف الإسلامي بثقافته وتاريخه كحل مثالي لمن يحسن فهمه.
كما أن الاقتصاد الذاتي يعتمد كذلك على فكرة المقاطعة الإيجابية والتي لا تكتفي بمقاطعة البضائع الصهيونية، ولكنها توفر بديلا محليا وتشجعه وربما تروج له مقابل جزء من الأرباح يعود لصالح مشاريع دعم القضية.
ومن الأمثلة التاريخية الناجحة على ذلك، تجربة الحركات المناهضة للاستعمار في الهند بقيادة المهاتما غاندي. غاندي شجع على مبدأ "السوادشي" أو الاعتماد على المنتجات المحلية لمقاومة الهيمنة البريطانية الاقتصادية، وهذا ساعد في تمويل الحركات الشعبية والاستمرار في مواجهة الاستعمار.
4- التعليم السياسي ومعركة الوعي
التعليم السياسي المنهجي هو أحد العوامل الأساسية التي تحتاجها الشعوب لاستعادة قوتها في مواجهة الأنظمة، هناك جهود معتبرة في هذا المجال نظرا لتوفر عناصره وأدواته، ولكنه يظل عشوائيا بين العاملين فيه، لا توجد خطط مثلا بين أهم قنوات البرودكاست على يوتيوب للتركيز على قضايا بعينها من زوايا مختلفة وبقوالب بصرية مختلفة، لا توجد روابط تنسيقية للمؤثرين على منصات التواصل للعمل وفق أولويات محددة في معركة الوعي عموما وبناء الوعي السياسي خصوصا.
الوعي الصحيح ليس فقط مفتاحا لفهم الشعوب لحقوقها، بل هو أيضا وسيلة لتنظيم حركات أكثر فعالية. خلال "الربيع العربي"، كانت هناك فجوة كبيرة بين القاعدة الشعبية والقيادات السياسية المعارضة ولا تزال، حيث لم تكن غالبية الشعوب على دراية كافية بالآليات السياسية اللازمة لتحقيق مطالبهم ولا قيادات المعارضة قادرة على التواصل الفاعل البنّاء مع شعوبهم.
تُعد تجربة جنوب أفريقيا في مكافحة نظام الفصل العنصري (الأبارتايد) مثالا على أهمية التعليم السياسي. فنيلسون مانديلا كان من الذين عززوا الوعي الشعبي حول أهمية النضال السلمي والمقاطعة الاقتصادية لتحقيق التغيير. من خلال التعليم السياسي المكثف، استطاعوا توحيد المجتمع وتحقيق انتصار ضد النظام العنصري.
5- دور الجاليات العربية والإسلامية والضغوط الدولية
الجاليات العربية والإسلامية تشكل قوة كبيرة في الخارج، خاصة مع تزايد أعداد العرب المهاجرين والمغتربين بعد الثورات والحروب. هؤلاء المهاجرون والمغتربون يمكن أن يلعبوا دورا محوريا في دعم القضايا الوطنية لبلدانهم من خلال تشكيل جماعات ضغط (لوبي) في الدول التي يقيمون فيها.
التاريخ يظهر أن الحركات الاحتجاجية السلمية، رغم أنها قد تبدو أبطأ في تحقيق التغيير، تكون أكثر استدامة على المدى الطويل
دعني أخبرك بمعلومة صادمة نشرتها جامعة إنديانا الأمريكية عن حجم أموال الزكاة التي أخرجها المسلمون في الولايات المتحدة في عام 2021 وفقا للجامعة، فقد بلغت 1.8 مليار دولار في عام واحد!!
على الجانب الآخر ميزانية اللوبي الصهيوني الرسمية نحو 50 مليون دولار أمريكي ومصاريف الدورة الانتخابية لعام 2021-2022، أنفقت AIPAC ما يقارب 30 مليون دولار على الحملات الانتخابية عبر صندوق العمل السياسي التابع لها، والمصاريف من مصادر غير مباشرة لا تتجاوز في معظم السنوات حاجز المئة مليون دولار!!
أي أن حجم أموال الزكاة للمسلمون في أمريكا المنفقة سنويا تكفي لبناء لوبي قوته المالية تعادل قوة اللوبي الصهيوني عشرين ضعفا!! ولنا أن نتخيل حجم التقصير الحاصل من قبلنا في هذا الجانب وكم الدماء التي كان يمكن حقنها، ولو تم استغلال هذه الموارد بالشكل الأمثل في دعم قضايانا داخل المؤسسات الأمريكية وكله وفقا للقانون.
كما يجب الاستفادة من تجربة الشتات الفلسطيني والتي تعد نموذجا ناجحا لاستغلال القوة الناعمة في الخارج. الفلسطينيون المقيمون في أوروبا وأمريكا الشمالية ساهموا في تشكيل جماعات ضغط سياسية وثقافية لدعم القضية الفلسطينية على المستوى الدولي. لذلك، يمكن استخدام نفس الاستراتيجية من قبل شعوب المنطقة العربية الأخرى لبناء دعم دولي لقضاياهم الوطنية والضغط على الأنظمة الاستبدادية.
6- الثورات القائمة على اللاعنف
التاريخ يظهر أن الحركات الاحتجاجية السلمية، رغم أنها قد تبدو أبطأ في تحقيق التغيير، تكون أكثر استدامة على المدى الطويل؛ الثورة التونسية والمصرية ونموذج الهند بقيادة غاندي، ونموذج جنوب أفريقيا بقيادة مانديلا.. تثبت أن المقاومة السلمية يمكن أن تكون فعّالة جدا في مواجهة الأنظمة القمعية. اللاعنف يمنح الحركات الشعبية الشرعية الدولية، ويجذب الدعم من المجتمع الدولي، خصوصا مع الاختلال الكبير والهائل في موازين القوى بين الأنظمة والشعوب.
لا يمكن إغفال دور الديناميات الدولية في دعم أو إعاقة الحركات الشعبية. الأنظمة القمعية في العالم العربي تحصل على دعم من قوى دولية -مصر نموذجا- سواء من خلال المساعدات العسكرية أو الاقتصادية، لذلك يجب على الحركات الشعبية أن تكون واعية بأهمية كسب الدعم الدولي أو على الأقل تحييد تأثير القوى الداعمة للأنظمة
في مقال سابق من هذه السلسة تكلمت بالتفصيل عن حرب اللاعنف وأهميتها في المرحلة الحالية والقادمة، وأرجو ألا تدفعنا إحباطات مالات ثورات الربيع العربي الحالية إلى اليأس، فتاريخ الثورات ممتلئ عن آخره بموجات متعددة من الارتفاع والهبوط بفواصل زمنية سنوات وأحيانا عشرات السنوات، حتى تستقر الأوضاع ويتحقق التخلص الكامل من النظام القديم وتستقر الأمور للنظام الجديد المنشود، وأحسب أن طوفان الأقصى كان بمثابة المسرّع لهذه النقلة المنتظرة لشعوبنا، فالوقت أحسبه يقاس حاليا بالشهور وليس السنين الطوال.
7- الديناميات الدولية ودورها في التغيير
لا يمكن إغفال دور الديناميات الدولية في دعم أو إعاقة الحركات الشعبية. الأنظمة القمعية في العالم العربي تحصل على دعم من قوى دولية -مصر نموذجا- سواء من خلال المساعدات العسكرية أو الاقتصادية، لذلك يجب على الحركات الشعبية أن تكون واعية بأهمية كسب الدعم الدولي أو على الأقل تحييد تأثير القوى الداعمة للأنظمة.
نموذج الثورة الإيرانية في 1979 يظهر كيف يمكن أن تتغير موازين القوى العالمية عندما تضعف علاقات الأنظمة مع حلفائها الدوليين. عند فقدان الشاه دعم الغرب، أصبح النظام الإيراني عرضة للسقوط. تحتاج الشعوب العربية اليوم إلى فهم أعمق للعلاقات الدولية وكيف يمكن استغلالها لتحقيق مطالبهم.
إعادة إحياء الحركات الشعبية في العالم العربي لنصرة فلسطين والتخلص من الأنظمة الاستبدادية يتطلب استراتيجيات جديدة ومتكاملة وفق خطة واضحة ونخبة ممتازة قادرة على قيادة التغيير والشعوب، وأنوّه في النهاية أن فهم الإطار العام الجامع للفكرة لا يمكن أن يكون مكتملا أو ناضجا إلا بقراءة السلسلة كاملة وما تلاها من مقالات كما أوضحنا في بداية المقال، وهي محاولة متواضعة لتفكيك التساؤل الأهم لدى الجميع، ما العمل لنصرة غزة وفلسطين؟ فهل نكون على مستوى المسئولية؟
* للنقاش حول المقال:
x.com/Mamdouh_Almonir
t.me/Mamdouh_Almoner
facebook.com/@Mamdouh.Almonir
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة الثورة المقاومة غزة الثورة المقاومة طوفان الاقصي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة تفاعلي سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الأنظمة الاستبدادیة التواصل الاجتماعی على منصات التواصل التعلیم السیاسی الربیع العربی فی هذا المجال على أهمیة فی مواجهة لا یمکن یمکن أن من خلال فی دول فی دعم
إقرأ أيضاً:
دور الشعوب في كسر الحصار عن غزة.. صوت الضمير في مواجهة آلة الإبادة
منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، يشنّ الكيان الصهيوني حربا شاملة على قطاع غزة، تجاوزت كل الخطوط الحمراء. حرب لم تترك بشرا ولا حجرا، استُخدمت فيها كل أدوات الإبادة الجماعية: القصف العشوائي، والحصار الشامل، ومنع الغذاء والماء والدواء، واستهداف المدنيين والمستشفيات والمدارس ومراكز الإيواء.
أرقام تعكس هول الجريمة:
- أكثر من 60000 شهيد غالبيتهم من الأطفال والنساء.
- ما يزيد عن 120000 جريح، بينهم عشرات الآلاف بإصابات بالغة وتشوهات دائمة.
- أكثر من 1.9 مليون نازح من أصل 2.3 مليون نسمة، أي أكثر من 85 في المئة من سكان القطاع.
- تدمير أكثر من 70 في المئة من البنية التحتية في غزة، بما في ذلك المدارس والمستشفيات والمساجد.
- استهداف أكثر من 500 منشأة طبية، وانهيار تام للمنظومة الصحية.
- منع دخول الوقود والمياه والمواد الغذائية الأساسية منذ أكثر من 150 يوما.
- مئات الأطفال ماتوا جوعا أو بسبب نقص الرعاية الطبية، وفق تقارير الأمم المتحدة.
واجب الأمة الإسلامية اليوم ليس خيارا، بل فرض عين، فعلى الدول الإسلامية قطع العلاقات فورا مع الكيان الصهيوني، ووقف كل أشكال التطبيع السياسي والاقتصادي والإعلامي، ودعم المقاومة بكل السبل، والتحرك في المحافل الدولية لمحاكمة قادة الاحتلال كمجرمي حرب. وعلى الشعوب والأفراد نصرة القضية بالكلمة، والصوت، والمقاطعة، ودعم أهل غزة بالمال والدواء والضغط السياسي، وفضح الجرائم
إن هذه الإحصاءات ليست مجرد أرقام، بل هي أرواح تُزهق، وأُسر تُباد، ومجتمع يُمحى من الوجود أمام أعين العالم.
وفي مقالي السابق على موقع "عربي21"، بيّنت كيف أن صمت الأنظمة وتواطؤ القوى الكبرى جعل الاحتلال يشعر بالإفلات من العقاب، بل وبالشرعية الكاملة لجرائمه. واليوم، أجدني أوجه حديثي بشكل مباشر إلى الشعوب: أنتم الأمل الباقي، والرهان الحقيقي.
إن واجب الأمة الإسلامية اليوم ليس خيارا، بل فرض عين، فعلى الدول الإسلامية قطع العلاقات فورا مع الكيان الصهيوني، ووقف كل أشكال التطبيع السياسي والاقتصادي والإعلامي، ودعم المقاومة بكل السبل، والتحرك في المحافل الدولية لمحاكمة قادة الاحتلال كمجرمي حرب. وعلى الشعوب والأفراد نصرة القضية بالكلمة، والصوت، والمقاطعة، ودعم أهل غزة بالمال والدواء والضغط السياسي، وفضح الجرائم في كل منصة، وفي كل منبر..
وأقولها لأحرار العالم: إن لم تتحركوا الآن، فمتى؟ فإن سقطت غزة اليوم، فغدا يسقط الحق في عواصمكم.
ما الذي يمكن -ويجب- أن تفعله الشعوب؟
1- الحراك الشعبي المستمر:
لا بد من استمرار المسيرات، والاعتصامات، والفعاليات التضامنية في كل الساحات، وفي العواصم العالمية بشكل متزامن ومنظم.
2- الضغط على الحكومات:
مطالبة الحكومات بشكل علني بقطع العلاقات مع الكيان الصهيوني، ووقف أي شكل من أشكال التطبيع أو التعاون الأمني والعسكري أو الاقتصادي.
3- المقاطعة الشاملة:
دعم حملات مقاطعة البضائع والشركات الداعمة للعدوان، وخاصة الشركات الأمريكية والصهيونية المتورطة مباشرة في تسليح الاحتلال، (مثل HP، Caterpillar، Starbucks، McDonald’s، وغيرها). المقاطعة سلاح الشعوب الفعّال، وقد بدأت بالفعل تؤتي ثمارها.
4 - فضح الإعلام المتواطئ:
رفع الصوت ضد الرواية الكاذبة التي تروجها وسائل الإعلام الغربية التي تصور المجازر على أنها "دفاع عن النفس"، وتعمل على تجريم المقاومة.
5 - تفعيل منصات التواصل:
تحويل حسابات الأفراد إلى منصات مقاومة، بنشر الأخبار الموثقة، والصور الحقيقية، والأصوات الغائبة من غزة، وكسر الحظر الرقمي المفروض على المحتوى الفلسطيني.
6- التبرع والدعم المادي والإغاثي:
دعم المؤسسات الموثوقة التي تقدم الإغاثة لأهالي غزة، لا سيما في ظل انهيار النظام الصحي، ونقص الغذاء والماء، وغياب أي خدمات أساسية.
7 - التواصل مع البرلمانات وممثلي الشعوب:
الشعوب الحرة تستطيع الضغط من خلال ممثليها في البرلمانات، ودفعهم لاتخاذ مواقف واضحة من الحرب، والوقوف مع القضية الفلسطينية.
ختاما؛ ليس المطلوب من الشعوب أن تكون جيوشا، بل أن تكون ضميرا حيا لا يسكت.. ليس المطلوب أن نعبر المعابر، بل أن نكسر جدار الصمت، ونحاصر المحتل إعلاميا واقتصاديا، ونفضح شركاءه.. غزة لا تطلب المستحيل، بل تطلب أن يستيقظ الضمير الإنساني فلا تخذلوها.
نقولها من أمام كل سفارات وقنصليات القتل والاحتلال: لن نخاف، لن نصمت، لن نخون.. سنظل مع فلسطين حتى النصر، مع الأقصى حتى التحرير، مع غزة حتى تندحر آلة الإبادة.. وما النصر إلا من عند الله.
والسلام على الشهداء.. المجد للمقاومة.. والحرية لفلسطين.