في رحلة بين الفن الشعبي ومسلسل النوبة..'عشاق الدنيا' أمام شبابيك مغلقة (فيديو)
تاريخ النشر: 14th, August 2023 GMT
كان لجمهور مهرجان بنزرت الدولي ليلة الأحد 13 أوت 2023، موعدا مع عرض المسرحية الغنائية "عشاق الدنيا" لعبد الحميد بوشناق، والتي استوحاها من أحداث مسلسل النوبة في جزئيْه الأول والثاني.
العرض الذي انتظره الجمهور الذي قدّم من مختلف الولايات قبل بدايته بساعات عُرض أمام شبابيك مغلقة.
وفي تمام الساعة التاسعة ونصف، وبدخول الموسيقيين والدربوكة والمزود، انطلق العرض بتعشيقة وجدي أو عزيز الجبالي والصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
ودام العرض ساعتين ونصف بين الغناء والتمثيل، مراوحة اختلفت عن عرض قرطاج السنة الفارطة بإضافة أغاني أكثر مقابل تقليص المشاهد الدرامية كما تمّ في نفس الوقت عرض لقطات من المسلسل على شاشة عملاقة خلف الممثلين واستحضار الشخصيات التي لم تشارك في العرض لالتزامات أخرى.
جمهور استثنائي لـ"عشاق الدنيا " في مهرجان بنزرت
كان جمهور بنزرت استثنائيا بأتم معنى الكلمة، فلم يتوقف عن الرقص والتمايل والغناء والتصفيق طيلة العرض، متفاعلا مع كلّ لقطة أو أغنية أو فنان أو ممثل تطأ قدميه مسرح مهرجان بنزرت الدولي الذي زاده عرض "عشاق الدنيا" بألوانه وتجلياته رونقا وبهاء.
وكانت بداية الأغاني في عرض "عشاق الدنيا" مع الفنان محمود السعيدي مع أغنية "بجاه الله يا حب أسمعني" والذي أبدى طاقة غير محدودة لفنان عاشق لفنه وعاشق لفترة يحنّ إليها الكثير، وهي فترة التسعينات، كما غنى "خلوني خلوني'' ونادي على سيدي عبد القادر" و"ناري على الزينة ياما ".
وبين الغناء والتمثيل، حضرت بيننا خلال العرض شخصيات "بابا الهادي " للممثل بحري الرحالي و"برينقا" للشاذلي العرفاوي و"وسيلة"، لهالة عياد ليسافروا بجمهور بنزرت إلى أحداث المسلسل الذي لاقى نجاحا كبيرا خلال عرضه مضيئين أهم ملامح الشخصيات التي يؤدونها ومقدمين في كلّ مرة المسرح لأحد الفنانين .
فتقدّم صالح الفرزيط إلى المسرح وغنى "قالولي روح" و"ارضى علينا يا لميمة" قبل أن يختتم النصف الأوّل من العرض مع نهاية الجزء الأوّل من مسلسل النوبة.
لطفي بوشناق فنان يتلوّن بكل الألوان ويبدع في كلّ مرة
انطلق عرض الجزء الثاني من المسلسل بدخول الفنان لطفي بوشناق الذي وقف له الجمهور لتحيته فانطلق في غناء "كيف شبحت خيالك" بطاقة رهيبة و"نوار اللوز" و"عشاق الدنيا عقولهم مسلوبة" كما رقص وتمايل مع الفنان محمود السعيدي والممثل عزيز الجبالي على الركح.
كما تابعنا قصة حب ماهر وحبيبة على الشاشة ووسيلة وكريّم على الركح لينطلق بعدها الفنان حبيب الشنكاوي الذي يحضر لأوّل مرة على ركح مهرجان بنزرت الدولي في أداء أغنيته الشهيرة " الوردة الي نحكي عليها".
كما حضر على الركح الفنان عبد الوهاب الحناشي لتقديم أغنية " يا محبوبي " و"يا قلبي ما تلومو قلبي على الي نهواه" تلاه الفنان هشام سلام الذي غنّى معه الجمهور "يا نجوم الليل ".
رغم رحيلها عنا.. فاطمة بوساحة حاضرة في "عشاق الدنيا"
واعتلى الفنان مصطفى الدلاجي الركح ليتفاعل معه الجمهور مع أغنية "بري فوت" و"جيب الواد الواد" قبل أن يختتم وصلته بتكريم الفنانة الراحلة فاطمة بوساحة التي قدمت الكثير للفن الشعبي الفنانة بغنائه " الربّة" و"وين يبعوا فيه".
وكان مسك الختام مع الفنان كافون الذي أدى أغنية "جيت نعوم الموج قلبني" و"الصبابة ولو باندية" وسط تفاعل كبير من الجمهور الذي رقص وبكى في نفس الوقت.
وكان جمهور مهرجان بنزرت جمهورا استثنائيا وفعلا "عشاق الدنيا" كان عرضا رائعا ويقدم لجمهور يعشق فترة الزمن الجميل فترة التسعينات وما زاده رونقا سلاسة الانتقال بين المشاهد والأغاني التي أسرت قلوب الجمهور الذي وجد العرض متكاملا ويليق بالمهرجات الكبرى.
وعقب انتهاء العرض شكر عبد الحميد بوشناق جمهور مهرجان بنزرت وكافة فريق "عشاق الدنيا"، قائلا إنّ بنزرت فاقت كل انتظاراته.
كما أكّد أنّه بين العرض والعرض يتم تغيير البعض من التفاصيل حتى تتلائم مع المنطقة، مضيفا أنّه تمّ التركيز في عرض بنزرت على مشاهد الممثلات وسيلة ونجوى نظرا لتزامنه مع عيد المرأة الوطني.
وأكّد عبد الحميد بوشناق أنّ هناك إمكانية لجزء ثالث لمسلسل النوبة، قائلا "فما حاجة ماشية في ثنية باهية"، مشدّدا في الوقت ذاته على أنّ عروض "عشاق الدنيا "متواصلة طالما أنّ هناك جمهورا يطلبها ولما لا لا يتم برمجة عروض بالخارج.
هيبة خميري
المصدر: موزاييك أف.أم
إقرأ أيضاً:
برعاية السيد ذي يزن «البخّارة» تحصد جائزة مهرجان المسرح العربي.. وإشادة بالعروض التي «وظفت التكنولوجيات والرقمنة»
حصلت مسرحية " البخّارة" لـ"أوبرا تونس، قطب المسرح" على جائزة صاحب السمو الشيخ سلطان بن محمد القاسمي، وذلك في حفل ختام مهرجان المسرح العربي الخامس عشر، تحت رعاية صاحب السمو السيد ذي يزن بن طارق آل سعيد وزير الثقافة والرياضة والشباب، بتنظيم من الهيئة العربية للمسرح، ووزارة الثقافة والرياضة والشباب والجمعية العمانية للمسرح.
وكان العرض الفائز من تأليف: صادق الطرابلسي وإلياس الرابحي، وإخراج صادق الطرابلسي. وتقدم المسرحية حكاية اجتماعية عميقة تعكس واقع الانسان المعاصر، في مواجهة آثار التلوث البيئي والاجتماعي، مستحضرة تفاصيل الحياة اليومية في بيئة خانقة تتلاشى فيها الأحلام، وتتصاعد فيها الصراعات.
وأعلنت الهيئة العربية للمسرح أن "القاهرة" ستكون هي الوجهة القادمة للمهرجان الذي يجوب أقطار المنطقة العربية، وكانت مسقط هذا العام هي حاضنة المسرح العربي، بعروض بلغت 15 عرضا في المسار الأول، و 4 عروض في المسار الثاني، إضافة إلى ندوات وورش عمل متنوعة.
مسرح متجدد
وألقى الفنان اللبناني رفيق علي أحمد رئيس لجنة التحكيم بيانا أشاد فيه بالمناخ الحر والإيجابي الذي وفرته الهيئة لعمل اللجنة التي تحمل على عاتقها تحقيق أهداف المهرجان في مسرح جديد ومتجدد، مسرح محترف، مسرح يحقق حلمنا جميعاً في مسرح عضوي ومشتبك مع قضايا أمتنا والإنسانية جمعاء".
وحول العروض قال رئيس لجنة التحكيم: "قدمت العروض جميعاً رؤى جديدة وجماليات تنحو نحو توظيف التكنولوجيات الجديدة والرقمنة، كما شهد المهرجان وجود ستة عروض من أصل خمسة عشر عرضاً في المهرجان بتوقيع ست مبدعات عربيات ومن أجيال مختلفة، وطرحت أعمالهن قضايا معاصرة تعيشها مجتمعاتنا وتلمست مكامن الأمل والألم، وتحيي اللجنة هذه الجهود الإبداعية الفارقة".
المسرحيات الختامية
وقدمت فرقة شادن للرقص المعاصر العرض قبل الأخير من عروض المهرجان ضمن العروض المتنافسة على جائزة الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي في مهرجان المسرح العربي الخامس عشر، وهو من إخراج شادن أبو العسل.
يطرح العرض قوة الجسد كأداة تعبير ومقاومة، مستعرضاً صراعاً إنسانياً أزلياً بين القمع والطموح نحو الحرية. وتميز العرض بشخصياته الرمزية الأربعة التي حملت أدوارها معاني عميقة ضمن سياق رمزي مليء بالتأويل.
الناقد جمال قرمي في قراءته للعرض المسرحية الفلسطيني "ريش"، تناول العديد من النقاط التي تبرز عمق العرض وحساسيته الفنية، مشيراً إلى أن رؤيته كممارس للعرض المسرحي جعلته يحب هذا العمل. واصفاً العرض بأنه يمثل"سلطة الصمت" في مواجهة الكلمة، حيث يرى في ذلك إيديولوجية الصمت الذي يعكس ما نعيشه في حياتنا اليومية. فالجسد في هذا العرض يتخذ مكانة رمزية، فيما الكلمات تأخذ دوراً ثانوياً في المجتمعات التي تعاني من القمع، ليصبح الجسد مساحة للمقاومة وأداة يستخدمها الفنان للتعبير عن قضايا وجودية وإنسانية.
"ريش" في نظر قرمي هو صرخة الروح المستلبة، حيث أن الجسد يتحول إلى سلاح للحرية في مواجهة التسلط وقيوده. ويعكس العرض مستويات عالية من الالتزام، ويعبر عن الواقع من خلال مزج الحركة المسرحية مع الرقص. كما أن العرض يعري مفهوم التحرر ويضيء قدرة الإنسان على المقاومة والتمرد.
وعن شخصية المرأة التي أدتها ماشا سمعان رأى قرمي أنهل تظهر في العرض كتجسيد للتمرد والتحرر، فتفتح آفاقاً جديدة وتتنقل عبر الألوان الأزرق والوردي، ليعتلي هيكلها الأنثوي في دور ذكوري، واختزال السلطة المطلقة التي تسيطر على المستلبين. بينما تظهر المرأة الدمية التي أدتها هيا خورية في حالة من الامتثال، حتى تصل إلى حالة التماهي الكامل مع القوى المسيطرة.
أما شخصية الرجل المستلب التي أداها عنان أبو جابر، فيعكس تفاعله مع الدمية تلك الحالة المشتركة بين المستلبين والمستبدين حسب قرمي. وهي تأتي كجزء من الصورة الرمزية التي يعكسها العرض، حيث تسلط الضوء على العلاقة بين الحرية والقبول بالواقع المفروض.
وعلى صعيد السينوغرافيا، يرى قرمي أن هذه العنصر يمثل نقطة محورية لدعم الحكاية وتعميق التأثير العاطفي، حيث يكون الفضاء المسرحي بين القيود والانفتاح، متقشفاً ومفتوحاً، وتسيطر عليه البساطة التي تمنح المشاهد الفرصة للتأمل. التصميم شبه الخالي من العناصر الداخلية يعكس السجن الداخلي الذي تعيشه الشخصيات.
أما فيما يخص الإضاءة، فهي تمثل لغة بصرية ذات طبقات متعددة، إذ يسيطر اللون الأزرق على مشاهد السلطة، بينما يشير اللون الأحمر إلى التحول والصراع والغضب. كما أن الإضاءة الخافتة والهادفة تُستخدم لعزل الشخصيات وتركيز الانتباه على التفاصيل الحركية.
أما الديكور، فيتمحور حول الكرسي الذي يصبح رمزاً للقيد والاستلاب كما يشير قرمي، فيما يضفي المرسى المرتفع هيمنة على العرض. بينما يمثل عنصر الريش رمزية للهشاشة، مما يضيف عمقاً آخر لفهم الشخصية والصراع الداخلي.
ولعبت الأزياء دوراً هاماً في تحديد هويات الشخصيات وديناميكيات علاقاتهم، لتكتمل بذلك رمزية العرض الذي يبحث عن كينونة الإنسان الحر. ويختتم قرمي بالإشارة إلى أن العرض يمثل نوعاً من الرقص المعاصر الذي يفتح الأفق لأسئلة التحرر والوجود.
إجمالاً، يعتبر جمال قرمي أن "ريش" هو عرض مسرحي يبحث في جوهر الإنسان وحريته، ويعكس بعمق الصراع الداخلي الذي يعيشه الأفراد في مجتمعاتهم القمعية، وتظهر فيه رمزية قوية ومؤثرة في جميع جوانب العرض.
وكان موعد ختام العروض المسرحية للمهرجان بعرض دولة الكويت الذي حمل عنوان "غصة عبور"، تأليف تغريد الداود، وإخراج محمد الأنصاري، وتدور أحداثها حول مجموعة من الأشخاص المغتربين العالقين على جسر مشاة هش رابط بين منفذين، لكل شخصية منهم تاريخ عميق يربطه بهذا الجسر، فتوقفوا عليه كالغصة التي تقف في سقف الحلق.
رسائل كثيرة بعثها العرض المسرحي، حوارات مشبعة بالوجع، وأخرى مليئة بالكوميديا السوداء، وشخوص تقمصوا الأدوار بتمكن ومثالية، وأفكار متداخلة تغذي العرض وتبهر الجمهور، وجال السؤال الذي تردد كثيرا على خشبة المسرح، وربما في أذهان الجمهور، ما هو الوطن؟ وكيف يعيش الإنسان في دوامة البحث عن الوطن، أن يجرد شاعر من كلماته ويسلب حبر قلمه النابض بحب الوطن، فيتبدل من شخص إلى آخر، طاويا غياهب ذاته في دوامة الغربة، تلك التي فرقت بين رجل وأسرته، فكان لزاما عليه أن يبقى مغتربا لما يصل إلى 30 عاما ليؤمن حياة كريمة لأبنائه القاطنين في الوطن، وهو المحروم من العيش فيه، تماما كحرمان أم أنجبت طفلها في الغربة بعد أن هجرها الرجل الذي حاربت أهلها لتكون برفقته، وبقيت عالقة تتجرع مرارة الألم والحرمان، فلا هي لوطنها تعود، ولا هي تملك لطفلها وطن.
الغربة بمفهومها الواضح والصريح، والمبطن الخفي هي أبرز ما كانت المسرحية تتناوله بعمق فكري، وكتابة مسرحية متمكنة، ولم يكن الوطن إلا شعورا عميقا بالمكان أو الأشخاص أو العاطفة، فهو بكل أشكاله ومعانيه المختلفة بين شخص وآخر ما هو إلا شعور صادق بالأمان والاطمئنان والاستقرار، الشعور أنك في حماه تجد كل التفاصيل التي تؤهل لعيش الحياة المطمئنة السعيدة.
وتميز عرض "غصة عبور" باختيار للأزياء، وألوانها ذو الدلالات المرتبطة بكل شخصية، كما كان عمل الديكور بكل تفاصيله ومعانيه، وإمكانية تحريك "الجسر" بين الحين والآخر بما يتواءم وحوارات الأداء، وبطبيعة الحال كانت الإضاءة متماشية مع كل مشهد.
أدّى بطولة المسرحية كلا من: الفنانة سماح، والفنان عبدالله التركماني، والفنان عبدالعزيز بهبهاني، والفنان عامر خليل أبو كبير، والفنان أحمد صايد الرشيدي، وآخرين.