محلية شرق الجزيرة.. منارة لتعليم النساء في السودان دمرتها الحرب
تاريخ النشر: 28th, October 2024 GMT
محلية "شرق الجزيرة" منطقة تقع في ولاية الجزيرة بالسودان، وتحدها شمالا ولاية الخرطوم، وجنوبا محلية مدني الكبرى، وشرقا ولايتا كسلا والقضارف. تبلغ مساحتها نحو 8449 كيلومترا مربعا، وتمثل 31% من مساحة الولاية، وتمتد ضمن سهل البطانة.
تشتهر مدينة رفاعة -العاصمة الإدارية للمحلية- بتاريخها في مجال التعليم، إذ تأسست فيها أول مدرسة لتعليم البنات في السودان عام 1903 على يد الأستاذ بابكر بدري.
تقع محلية شرق الجزيرة في ولاية الجزيرة بالسودان، وتقع شمال ولاية الخرطوم بحوالي 116 كيلومترا، وتحدها جنوبا محلية مدني الكبرى، وشرقا ولايتا كسلا والقضارف.
الجغرافياتقدر مساحة محلية شرق الجزيرة بحوالي 8449 كيلومترا مربعا، وتمثل ما نسبته 31% من مساحة ولاية الجزيرة، وتعد جزءا من سهل البطانة، الذي يتداخل في أربع ولايات سودانية، وهي مناطق رعوية.
وتتكون طبوغرافية المنطقة من صخور قاعدية تظهر في شكل جبال انفرادية، إضافة إلى احتوائها على تكوينات رسوبية مسامية لها القدرة على الاحتفاظ بالمياه. وأرضها سهل منبسط، يبلغ متوسط ارتفاعها عن سطح البحر 390 مترا. ويسود فيها مناخ السافانا.
السكان
وفقا للموقع الإلكتروني لمحلية شرق الجزيرة، فقد بلغ عدد السكان حتى عام 2008 نحو 569 ألفا و696 نسمة، موزعين على الوحدات الإدارية للمنطقة وهي: رفاعة، وأرياف رفاعة، والهلالية، وود راوه، وتمبول.
وتبلغ عدد المناطق 296 قرية وحيا، في حين يبلغ عدد الكنابي -تجمعات سكنية يقطنها سكان يعملون في المشاريع الزراعية- 11 كنبة.
وتسكن في المحلية مجموعة من القبائل المختلفة منها الشكرية والرفاعين والبطاحين والجعلين والكواهلة والسدارنة، ويعتنق الغالبية العظمى من السكان الدين الإسلامي.
العاصمة الإداريةتقع مدينة رفاعة شرقي ولاية الجزيرة، وهي العاصمة الإدارية لمحلية شرق الجزيرة، تقع على الضفة الشرقية للنيل الأزرق، وترتبط بجسر مع مدينة الحصاحيصا على الجانب الغربي من النهر، وتزيد مساحتها عن 16 كيلومترا مربعا.
وقد سكنها "العنج" طوال القامة قبل مملكة سنار الإسلامية، إذ وُجدت آثار لهم في المنطقة، ويرجع أصل تسميتها إلى قبائل رفاعة القواسمة، وتشمل العبدلاب والرفاعين والحلاوين.
وتعد المحلية وعاصمتها حاضرة التعليم في السودان، ففيها أسس الأستاذ بابكر بدري عام 1903 أول مدرسة لتعليم البنات في السودان.
التاريخ
أظهرت الآثار التاريخية وجودا بشريا في المنطقة منذ النصف الأول من الألفية الأولى ما بعد الميلاد إبان قيام مملكة علوة المسيحية، إذ وجدت آثار لسكان مملكة النوبة القدماء المعروفين باسم "العنج".
ومن تلك الآثار في المنطقة "قصر نعامية"، الذي أسسه الرومان بعد الميلاد، وقبور "العنج" التي تمتاز بأنها قبور طويلة تصل لحوالي مترين ونصف المتر، وفقا للباحث السوداني محمد يوسف القاسمي.
وقد أثبتت وثائق تاريخية أن مدينة الهلالية الواقعة شرق الجزيرة، كانت عاصمة لمملكة العبدلاب -التي تحالفت مع مملكة الفونج وأسست مملكة سنار الإسلامية- في عهد الأمين ود مسمار عام 1689، وقد أخذت المدينة اسمها من ساكنيها الأوائل وهم بنو هلال ابن حمد ابن رفاع، وهم فرع من فروع قبيلة رفاعة.
وقد انطلقت من المنطقة أول ثورة ضد المستعمرين الإنجليز عام 1946 بسبب ختان الإناث، وقاد الثورة ابن مدينة رفاعة المفكر محمود محمد طه، الذي سجن لمدة عامين بعد إحراق المحتجين مركز شرطة وعبورهم النهر ومطارتهم البريطانيين حتى مدينة الحصاحيصا.
تداعيات الصراع المسلح 2023اندلع الصراع المسلح في السودان يوم 15 أبريل/نيسان 2023 بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، مما أدى إلى مقتل وإصابة الآلاف ونزوح الملايين.
وقد سيطرت قوات الدعم السريع على مدينة تمبول بشرق الجزيرة يوم 22 أكتوبر/تشرين الأول 2024، في أعقاب معارك مع الجيش السوداني على خلفية إعلان انشقاق قائدها بالولاية.
ووفقا لمنسقة الأمم المتحدة في السودان كلمنتاين نكويتا سلامي، فقد أفادت التقارير الأولية بأن "قوات الدعم السريع شنت هجوما كبيرا على أنحاء شرق الجزيرة يومي 20 و25 أكتوبر/تشرين الأول 2024".
وقالت سلامي إن "مقاتلي الدعم السريع أطلقوا النار على المدنيين بشكل عشوائي، وارتكبوا أعمال عنف جنسي ضد النساء والفتيات، ونهبوا الأسواق والمنازل على نطاق واسع، وأحرقوا المزارع".
من جانبه، قال مسؤول السياسة الخارجية والأمن للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل إنه وردت معلومات تفيد بارتكاب قوات الدعم السريع عمليات قتل جماعي واغتصاب، وطالب بوقف "المجازر ضد المدنيين" في ولاية الجزيرة ومحاسبة الجناة.
الأعلام عثمان وقيع اللهفنان تشكيلي عالمي، ولد عام 1925 في مدينة رفاعة، ودرس بها مراحله الأولية، وأسس أول مرسم حر لفنان سوداني عام 1951.
يعد وقيع الله الرائد الأول لمدرسة الخرطوم في الفن التشكيلي، التي استلهمت صيغ الخط العربي وجمالياته، وتتلمذ على يده إبراهيم الصلحي والبروفيسور أحمد شبرين وغيرهما.
عاش وقيع الله في بريطانيا ما بين عامي 1967 و2005، وعمل بهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، وحاضر في عدة جامعات، ونظم العديد من المعارض، وله أعمال في متحف الفنون الأفريقية بالعاصمة الأميركية واشنطن، والمتحف البريطاني الذي يعد من أرقى المتاحف في العالم، وقد توفي مطلع عام 2007.
محمود محمد طهمفكر وسياسي ولد عام 1909 بمدينة رفاعة لأسرة متصوفة تنتمي إلى قبيلة الركابية، ودرس هندسة المساحة عام 1932 في كلية غردون التذكارية بجامعة الخرطوم.
دعا أيام الاستعمار الإنجليزي إلى قيام جمهورية في السودان، وأسس مع آخرين عام 1945 "الحزب الجمهوري"، مطالبين بإقامة "جمهورية سودانية" ورافضين الدعوة لدولة ملكية تابعة للتاج البريطاني أو للملكية المصرية.
أثارت آراؤه خاصة حديثه عن "الإنسان الكامل" وعلاقته بالله تعالى، وادعاؤه تلقي أفكاره من الله سبحانه مباشرة غضب كثيرين، وقد حكمت هيئات إسلامية "بكفره".
أما أتباعه فقد أطلقوا عليه لقبي "الأستاذ" و"المصلح"، قائلين إنه كرس حياته لنصرة المستضعفين وتجديد الدين ونفي التناقض بينه وبين العلم.
وقد نُفذ عليه حكم الإعدام يوم 18 يناير/كانون الثاني 1985، غير أن المحكمة العليا أبطلت ذلك الحكم في العام التالي.
محمد عثمان عبد الرحيمشاعر سوداني من مدينة رفاعة بشرق الجزيرة، ولد عام 1914 ودرس بالمنطقة، قبل أن يتخرج من كلية غردون التذكارية.
كان عضوا في لجنة الزعفران التي هدفت لطرد المستعمر البريطاني من السودان، وعُرف عنه أنه شاعر مناضل ساهم بشعره في تفجير الحركة الوطنية السودانية.
ومن أبرز أعماله قصيدته الوطنية التي تغنى بها الفنان السوداني الراحل حسن خليفة العطبراوي، وجاء في مطلعها "كل أجزائه لنا وطن إذ نباهي به ونفتتن".
توفي الشاعر محمد عثمان عبد الرحيم في أكتوبر/تشرين الأول 2014 في مدينة رفاعة عن عمر ناهز مئة عام.
التعليمتشتهر منطقة شرق الجزيرة -وخاصة مدينة رفاعة- بكونها حاضرة التعليم في السودان، ففيها أسس الأستاذ بابكر بدري أول مدرسة لتعليم البنات في السودان عام 1903، وفيها عشرات خلاوي تعليم القرآن الكريم.
وحتى عام 2017، ضمت المحلية 299 مدرسة أساس و73 مدرسة ثانوية، إضافة إلى رياض الأطفال.
كما تضم المدينة جامعة البطانة التي تشمل كليات التربية والاقتصاد والطب والبيطرة، إضافة لجامعة القرآن الكريم في كليات الشريعة والقانون والحاسوب وتنمية المجتمع ومعهد القرآن الكريم، وكليات تتبع لجامعة الجزيرة.
الاقتصاديعتمد سكان محلية شرق الجزيرة في نشاطهم الاقتصادي على الزراعة والرعي والتجارة، ومن أهم معالمها الاقتصادية مشروع سكر الجنيد بمساحة 44 ألف فدان، والقسم الشرقي من مشروع الجزيرة بمساحة تبلغ 51 ألفا و474 فدانا.
وتضم المنطقة مجموعة من الأسواق الرئيسية منها: سوق رفاعة، وسوق تمبول، وسوق الهلالية، وسوق ود راوة، وسوق الجنيد، وسوق الشرفة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات ولایة الجزیرة الدعم السریع مدینة رفاعة فی السودان
إقرأ أيضاً:
السلاح والغذاء في حرب السودان
تدخل الحرب الأهلية السودانية اليوم (15 مارس/ آذار 2024) شهرها الرابع والعشرين. عامان من الاقتتال، بلا أفق واضح لحلّ سلمي. بحسب منظمّة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، يحتاج 30 مليون سوداني إلى مساعدات، بينما نزح 14 مليون شخص في داخل السودان وإلى خارجه. لكن المستقبل لا يبدو مبشّراً بحلول سلمية قريبة، وما زالت مرحلة انهيار الدولة وتفكّكها تتواصل رغم محاولة السلطة العسكرية التظاهر بأن الحياة تسير طبيعية، مع طلبها أخيراً من الجامعات السودانية استئناف الدراسة والامتحانات في مناطق سيطرة الجيش.
أمّا حكومة "الدعم السريع" (الموازية) فما تزال تبحث عن أرض تضع فيها رحالها، متوعّدةً بإقامة سلطة كاملة، فاتفاق نيروبي السياسي لم ينتج حكومةً بعد رغم ضجيجه كلّه، والمتحالفون مع نائب قائد "الدعم السريع"، عبد الرحيم دقلو، ما زالوا يَعدون بإعلان حكومة من داخل السودان، ويبشّرون بأسلحة جديدة تأتي، كما يحتفي أنصار الجيش بأسلحة جديدة أتت. هكذا يعيش 14 مليون نازح ينتظرون بشارات الأسلحة الجديدة. وبينما يعيش 1.3 مليون طفل سوداني في أماكن تعاني من المجاعة، يصرّح قادة الطرفَين أن الحرب ستستمرّ ألف عام حتى يأتي النصر(!).
لكنّه تأخّر عامين. قبل اندلاع الحرب كان الانطباع العام أنها حرب الساعات الستّ. لكن ما يبدو واضحاً بعد 24 شهراً أنها حرب أتت لتبقى. أوجدت الحرب خلال عاميها ثقافة من التوحّش، وهو أمرٌ لا يقتصر على المقاتلين، فالصحافيون الذين يغطون الحروب الأهلية يتأثّرون بثقافة الوحشية التي تحيط بهم. وثّق الذين غطّوا الحرب اللبنانية، وحرب البوسنة، التغيّرات التي مرّوا بها، وكيف أصبحوا أكثر توحّشاً وتقبّلاً للعنف. مع هذا التوحّش، تزداد الانتهاكات، ما يغذّي دائرة الانتقام، فتصبح عواقب العنف أقلّ من عواقب الحلول السلمية، فيزداد الانتقام، ويتحوّل عنفاً وقائياً.
لذلك، تقبّلت المجتمعات السودانية فكرة التسليح الأهلي، وتكوين مليشيات جديدة للدفاع عن مناطقهم، أو لضمان تمثيلهم السياسي، وهي دلالةٌ واضحةٌ على خلل التعاطي السياسي في السودان، إذ أصبحت البندقية الضامن للمشاركة السياسية. رغم أن البندقية لم تثمر في حروب السودان السابقة كلّها، لكننا ما زلنا نصرّ على أن المليشيات هي الحل، ويواصل الجيش الاحتفاظ بالسلطة السياسية مع ترحيبه بتكوين المليشيات للقتال بجانبه.
تبدو الحرب السودانية في طريقها إلى الحالة الليبية، هذا إذا نجحت مجموعة نيروبي في أن تجد مكاناً تُعلن منه حكومتها التي أصبحت محلّ تساؤلٍ، بعد تحذيراتٍ دوليةٍ عديدة من هذه الخطوة. لكن الأخطر تأثير الحرب في الإقليم ودول الجوار، فرغم أنها لم تخرج عن السيطرة، إلا أنها ما زالت تهدد المنطقة الهشّة بالانفجار، فنيران الحرب السودانية تمتدّ وتؤثّر في الدول الجارة، وتهدّد بجرّها إلى الفوضى ذاتها.
عامان من الحرب، ومن المناشدات الدولية بوقفها، لكن الجيش ظلّ يتهم العالم كلّه تقريباً بالتآمر عليه ودعم خصمه، ويرفض أيّ دعوة إلى الوصول إلى أيّ تسوية تؤدّي إلى وقف إطلاق النار، بينما ظلّت قوات الدعم السريع تقبل الدعوات كلّها، وتواصل إطلاق النار على العزّل وتدفنهم أحياء.
في إحاطةٍ، قدمها أمام مجلس الأمن، ذكر أمين عام منظّمة أطباء بلا حدود، كريستوفر لوكيير، كيف يستهدف طرفا الصراع المستشفيات، وكيف تعيق البيروقراطية وصول المساعدات إلى المحتاجين. لا تفرز هذه الدوامة من العنف إلا مزيداً من التوحّش، وتعقيد مسار الحلّ. ويتضاعف عدد المليشيات في البلاد، وتزداد سلطتها. والعجيب أن ذلك يحدث وسط تأييد شعبي غير قليل، كأنما فقد الناس قناعتهم بالدولة الحديثة وسلطتها، لكنّهم، في الوقت ذاته، يقولون إنهم يتوسّلون الوصول إلى هذه الدولة عبر طريق التسليح الشعبي، وكسر احتكار الدولة للعنف.
هكذا يجد السلاح طريقه إلى السودان ليعزّز الحرب الأهلية، لكن المساعدات تعوقها البيروقراطية، ويَجمع المجتمع الدولي التمويل لإنقاذ حياة مئات آلاف الأطفال الذين يُتوقّع معاناتهم من سوء التغذية الحادّ، بينما تَجمع المليشيات الأسلحة وتعتقل ناشطي العمل الطوعي.
فشلت المساعي لجعل الحالة الإنسانية السودانية مهمّة المجتمع الدولي، لكن لا يعاني أحد فشل توفير السلاح للمتقاتلين.
نقلا عن االعربي الجديد