رحل أبو إبراهيم في نهاية مشهدية أسطورية اتسمت بالجلال الفائق. وصار أول رئيس فلسطيني استشهد في معركة خاضها وجهًا لوجه في الخطوط الأمامية، وليس في عملية اغتيال.
كان يحيى السنوار في أكثر الأماكن خطورة في العالم، بشارع ابن سينا في حي السلطان غرب مدينة رفح، وهي المنطقة التي تم إخلاؤها منذ خمسة أشهر. لم يكن مختبئًا في الأنفاق ولا متنكرًا بين النازحين، كما ادعت الأبواق الإسرائيلية، وإنما كان في قلب الميدان مشتبكًا وسط المقاتلين، ليس محاطًا بالرهائن، أو بدرع بشري أو حتى بكتيبة حراس من جنوده.
بعد اشتباك مع قوات الاحتلال وإصابته بشظية، لجأ يحيى السنوار إلى أحد المنازل المهجورة شبه المحطمة ليستند إلى مقعد، وهو ينزف من ذراعه الأيمن، وبيده اليسرى ألقى على جنود الاحتلال قنبلتين يدويتين منعتاهم من التقدم خلفه داخل المنزل. فأرسلوا مسيرة تتبعه داخل المكان، وإذا به ينهرها بعصا التقطها من الأرض.
رأيناه مرتديًا زيّه العسكري، ملثمًا بالكوفية، وبين يديه بارود، وفوق صدره جعبة حرب، لا يحمل في جيبه سوى مسبحة وكتيب صغير للأذكار والأدعية و800 شيكل، ومسدسه الشهير الذي أخذه من ضابط إسرائيلي حاول التجسّس على حماس عام 2018.
بعدما حددت المسيرة الإسرائيلية مكانه، تلقى قذيفة أصابته في رأسه وقتلته. حدث كل ذلك بالصدفة البحتة، وليس جراء الرصد أو الاختراق، حتى الذين اشتبكوا معه كانوا ضمن عناصر في كتيبة للمشاة، وليسوا من القوات الخاصة.
ولم يكتشف الإسرائيليون حقيقته إلا بعد عدة ساعات، حين حاولوا التعرف على جثث القتلى، وعندئذ حدثت المفاجأة الكبرى ووجدوا أنفسهم أمام جثة الرجل المهيب الذي هزمهم وزلزل أقدامهم في طوفان الأقصى.
وحين تسرَّب الخبر وأحدث دويه المشهود في أرجاء العالم، حتى صدق فيه القول إنه كان زلزالًا في حياته وزلزالًا في مماته، تمّ ذلك بسرعة قبل أن تهرول سلطات الاحتلال إلى الدخول على الخط، وتحاول الإيحاء بأنها حققت إنجازًا وانتصارًا عسكريًا.
منذ ذلك الحين وقصته على كل لسان. رغم أن نَجمه بدأ يصعد عاليًا منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، وبلغ ذلك الصعود ذروته في صورته الملحمية في لحظاته الأخيرة حين جلس بعد إصابته وراح يطارد المسيرة قبل أن يلقى حتفه.
وهي الصورة التي خلدت ثباته وأيقونيته، وأطلقت زلزالًا آخر يُحسب للرجل. لذلك لم يكن غريبًا أن تنتشر الصورة في أنحاء الدنيا وتجتاح منصات التواصل الاجتماعي، حيث أثارت ردود أفعال جماعية وإعجابًا عارمًا دمّر التأثير النفسي الذي عوّلت عليه القيادة الإسرائيلية جراء استثمار اغتياله.
هذا الطوفان الثاني لم تتحمّله إسرائيل، فأشاعت عبر ترسانتها الإعلامية، ممثلة في كبرى الصحف الأميركية، سرديات خلاصتها أن إستراتيجيتها القتالية الفائقة هي التي أجبرت السنوار على الخروج من تحت الأرض لتتمكن من قتله.
وكما جاء مشهد السنوار الأخير بنتائج عكسية، لم تنجح تلك التقارير في تشويه صورته البطولية أمام جموع الداعمين للمقاومة، بل رسّخت بطولته عندما كشفت عن رفضه القاطع عرضًا قُدم له في أوّل شهور الحرب بمغادرة غزة إلى مصر.
في العالم العربي كان صدى قتله قويًا ومدهشًا. فقد سارع الأزهر الشريف إلى رثائه في بيان وجّهه إلى الأمة الإسلامية حيّا فيه "شهداء المقاومة الفلسطينية الأبطال"، كما نعتْه نقابتا الصحفيين، والمحامين المصريين.
وتحول اسمه على الفور إلى هتاف من كلمتين، صاغه الكاتب عارف حجاوي في عبارته الشهيرة "يا حيّا السنوار"، بينما انتشرت رسومات وصور تجسد مشهده الأخير، كما عبر عنها عشرات الفنانين والمبدعين، فقدّموه في تجليات من الثبات والكبرياء.
وتحولت إحدى الرسومات التي صوّرته ممسكًا بعصاه بجوار حنظلة ناجي العلي إلى إعلان صامت لآلاف الحسابات العربية التي اختارتها للتعبير عن تأثرها به ودعمها له. وتحولت العصا ذاتها إلى أيقونة يُضرب بها المثل في التعبير عن المقاومة.
وتداولت المواقع بيانًا أصدرته عائلة أبو طه، مالكة بيت رفح المهجور الذي سكنه أبو إبراهيم، (وقيل إنه سيُهدم جراء ذلك)، عبروا فيه عن افتخارهم بتواجده في بيتهم وبأن آخر عصا قاوم بها المحتل كانت من الدار. ولم تمضِ أيام حتى أُضيف إلى الأمثال العربية مثل يقول: "رميت بعصا السنوار"، ليدل على أنك أديت ما عليك بكل ما أوتيت من شجاعة وقوة، رافضًا الاستسلام.
ذلك غيض من فيض مشاعر الحفاوة والإكبار التي ما زالت تتردد في وسائط التعبير المختلفة في العالم العربي، إلى حدٍّ أعجز عن حصرها.
لكن ملاحظتي الأساسية – التي أرجو أن أكون مخطئًا فيها – أن تلك الحفاوة العربية كانت معبّرة عن حماس المجتمعات أكثر من تعبيرها عن توجّهات السلطات التي كان لبعضها، وليس كلها، مواقف سلبية إزاء المقاومة.
وهو ما عبّرت عنه منابرها الإعلامية طول الوقت للأسف. أبرزها على الإطلاق حدث بعد مقتل السنوار، عندما تبنّت إحدى تلك القنوات ذات الموقف تقريرًا بثته على شاشتها، اتهمت فيه قادة المقاومة بالإرهاب.
ولأنه كان صادمًا وفجًّا، فقد أثار موجة عالية من الاستياء والغضب من جانب الرأي العام العربي، وصل صداها إلى الجهات التنفيذية المعنية في الدولة الشقيقة. فتدخلت بسرعة وقامت بحذف التقرير، وأعلنت أنها أحالت المسؤولين عن إعداده للتحقيق. تلك خطوة مقدّرة لا ريب.
الجدير بالذكر في هذا الصدد، أن أغلب المعلومات عن المقاومة الفلسطينية التي تروّج لها الصحافة الغربية، والأميركية بوجه أخص، تعتمد على تسريبات من مصادر إسرائيلية. وبين أيدينا نماذج لا حصر لها من ذلك القبيل، يلحظها أي باحث، وكلها تؤدي دورها في التشهير بالمقاومة وشيطنة قيادتها وأهدافها.
ومما يؤسف له أن الصحف العربية والبرامج التلفزيونية، وفّرت مادة غزيرة من ذلك القبيل، تصف السنوار بأنه "رجل غزة الدموي"، بل وتطالب حركة حماس بالاعتذار عن 7 أكتوبر/ تشرين الأول، معتبرة العملية مشروع خراب استهدف المدنيين الإسرائيليين والفلسطينيين.
لأنه كان رجلًا قليل الكلام، فإن السنوار آثر دائمًا أن يتحرك في الظل. وموقفه هذا فتح الأبواب واسعة لتصويره على غير حقيقته، ولأنه تولى مسؤولية أمن الحركة التي أوكلها إليه مؤسسها الشيخ أحمد ياسين، فقد أتاح ذلك لناقديه أن ينسجوا من حوله قصصًا صورته باعتباره دمويًا ومغامرًا متطرفًا ورّط حماس والفلسطينيين في مسارات ومغامرات أسهمت فيما آلت إليه الأمور في وقت لاحق.
وذلك موضوع يطول الحديث فيه وتتعدد الاجتهادات. ولي مصدران أرجع إليهما في ذلك، هما: روايته التي كتبها خلال سنوات سجنه التي استمرت 22 عامًا، وسجل فيها رحلته وتجربته الشخصية والنضالية، والوثيقة التي أصدرتها حماس في مطلع العام الحالي، تحت عنوان: "هذه روايتنا – لماذا طوفان الأقصى؟".
في روايته، انتحل اسم "أحمد"، وحدثنا عن طفولته في المخيم الذي وُلد فيه مع جموع اللاجئين. ولأنه وُلد في 1962، فقد شاهد بعينيه الآثار المباشرة لهزيمة عام 1967 التي اضطر خلالها للاحتماء داخل حفرة تحت الأرض من غارات الاحتلال.
وهناك رسم معاناة أبناء المخيمات مثله في غزة، الذين قدّر لهم أن يصارعوا الحياة على جبهتين؛ إحداهما لمقاومة الفقر والإصرار على الاستمرار في الحياة، والثانية لمقاومة الظلم والذل الذي أنزله بهم الاحتلال.
تذكرنا التفاصيل التي أوردها بالحياة الشاقة التي لازمته منذ طفولته، شأنه شأن عشرات الآلاف من الفلسطينيين، إلى أن توفرت له فرصة الالتحاق بالجامعة الإسلامية التي جذبته للانخراط في خلايا مقاومة الاحتلال. لاحظ من البداية حرص إسرائيل على غرس عملائها بين جموع الطلاب، فنبهه ذلك إلى أهمية البدء بتطهير صفوف المقاومين من العملاء. وذلك الهاجس الأمني لازمه وكبر معه طول الوقت حتى صار محورًا لدوره الذي ساهم في تحقيق عملية السابع من أكتوبر/ تشرين الأول.
حُكم على السنوار بالسجن مدى الحياة وهو في السابعة والعشرين من عمره (خرج منه على مشارف الخمسين)، فمثّل ذلك تجربة صقلته ونقلته إلى طور آخر من النضج هيّأه ليصبح مشروع قائد كبير، اقترن لديه الحماس بالوعي العميق والمعرفة الواسعة والتصميم الأكيد. فدرس اللغة العبرية وتَمكّن منها حتى تابع إعلام العدو جيدًا، وركز على الكتابات السياسية الإسرائيلية، وترجم ثلاثة منها إلى العربية.
وإذ وجّه عنايته إلى ما صدر عن قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، فإنه لم يتوقف عن محاورة سجّانيه حول أوضاع السجن واحتمالات المستقبل، ونقل عنه أحد معالجيه – الطبيب وضابط المخابرات الإسرائيلي بوفان بليتون – قوله في عام 2004 إنهم في حماس سيكونون مستعدين للتوقيع على هدنة مع الحكومة الإسرائيلية لمدة 20 عامًا.
وطوال سنوات سجنه ظل شاغله الأكبر هو كيفية الاحتشاد للخلاص من الاحتلال، مثلما نقل عنه رفاقه عندما سألهم بعد إطلاق سراحه في صفقة تبادل الأسرى عام 2011: "لماذا لم تستطيعوا تحرير فلسطين إلى الآن؟".
كشفت نتائج انتخابات حماس الداخلية في فبراير/ شباط 2017 تطورًا هامًا في حركة المقاومة، عندما اختارت السنوار مسؤولًا عن القيادة في غزة، فقدّم بذلك نموذجًا للجمع بين الخبرة السياسية والعسكرية. وحدث ذلك بعد مرور 10 سنوات من الحصار، تعرّض خلالها القطاع لثلاث حروب.
ولم يمرّ عام على انتخابه حتى بدأ في تحريك المسار، بحيث دفع بحركة "مسيرات العودة الكبرى" المدنية السلمية في 30 مارس/ آذار 2018، التي حاولت خلالها الجماهير الفلسطينية في القطاع الاحتجاج عند الحدود بين غزة وإسرائيل على استمرار الحصار، وإعادة إحياء الدعوة إلى حقّ العودة. وعندما لم تحقق هذه المسيرات التأثير المطلوب بعد عام، أعدّ عدته لعملية عسكرية لاختراق الحدود، ومخاطبة العدوّ باللغة الوحيدة التي يفهمها.
في الإجابة عن سؤال "لماذا الطوفان؟"، حددت حركة حماس أهدافها من عملية السابع من أكتوبر/ تشرين الأول في هدفين أساسيين: أسر جنود العدو ومقاتليه من أجل إطلاق سراح الآلاف من الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، ورفع الحصار المستمرّ منذ 17 عامًا.
وهذه المطالب عرضتها الوثيقة على خلفية مواجهة مخططات تهويد المسجد الأقصى، والسيطرة على الضفة الغربية وتهجير شعبها، وهو ما أثار السؤال التالي: "بعد أكثر من 75 عامًا من الاحتلال والمعاناة، وإفشال أي أمل بالتحرير والعودة، والنتائج الكارثية لمسار التسوية السلمية، ماذا كان يتوقع العالم من شعبنا أن يفعل؟".
هذا النصّ المهم لم يستوقف كثيرين – وأنا منهم – في غمرة الانبهار بما جرى في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الذي تحدد في إطاره هذا وليس أكثر.
فالمؤيدون اعتبروه زلزالًا أيقظ أحلامهم في استعادة الوطن، وتفاؤلًا بالخلاص من الاحتلال وانتهاء عقود الذل والحصار. أما الإسرائيليون فقد جُنّ جنونهم، واعتبروه عارًا وتهديدًا وجوديًا لم يألفوه في تاريخهم (وهو كذلك)، حتى تصوروا أن الحل يكون بالانتقام وإبادة الفلسطينيين من الوجود حتى لا تتكرر الصدمة مرّة أخرى.
وخلال العام الذي جرى، أصبح العالم يتابع المشهد المتفجر على الهواء مباشرة غير مبالٍ بالدماء الغزيرة التي سالت أو جحيم الانتقام الإسرائيلي الذي شنته مع سبق الإصرار والترصد.
وكان مدهشًا أن الأمر التبس على كثيرين، بحيث طمست لديهم الخطوط والفواصل بين الجاني والضحية، وبين القاتل والقتيل.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات السابع من أکتوبر تشرین الأول زلزال ا
إقرأ أيضاً:
ما أبرز الإنجازات والمكتسبات التي حققها طوفان الأقصى للقضية الفلسطينية؟
رغم تسبب حرب الإبادة الإسرائيلية ضد قطاع غزة بأكثر من 158 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، وهي إحصائية مرشحة للزيادة بشكل يومي، إلا أن طوفان الأقصى الذي انطلق في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، حقق العديد الإنجازات التي ربما لم يتم تحقيقها عبر عقود سابقة من السياسات المختلفة.
وجذبت غزة خلال الشهور الـ15 الماضية حالة غير مسبوقة من التضامن الدولي مع فلسطين، وعملت على تسليط الضوء على مكاسب استراتيجية والفشل الأمني الإسرائيلي، وكشفت حقيقة محاولات تجميل وجه الاحتلال الذي استغل مختلف المجلات لـ"تبييض" جرائمه، إضافة إلى الإجازات التي تم تحقيقها من خلال الاعتراف بفلسطين دوليا وجهود المقاطعة الكبيرة.
محاولات "الغسيل"
يمارس الاحتلال الإسرائيلي منذ سنوات طويلة مختلف أنواع "الغسيل" من أجل تحسين صورته أمام العالم وتقديم "إسرائيل" سياسيا على أنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، واقتصاديا أنها "أمة الشركات الناشئة - Start-up Nation"، ورياضيا من خلال مشاريع مختلفة، وحتى أنها تحافظ على "حقوق الحيوان" وأنها تضمن أكبر عدد من "الجنود النباتيين" حول العالم.
ومصطلح "الغسيل" بشكل عام يتم استخدامه لوصف مجموعة متنوعة من الاستراتيجيات التسويقية والسياسية التي تهدف إلى ترويج المنتجات أو سياسات البلدان أو الأشخاص أو الكيانات من خلال إظهار مساندة بعض القيم والقضايا بهدف تسويق صورة تقدمية وحداثية متسامحة تعترف بحقوق الأقليات المضطهدة.
خلال الأولمبياد التي أقيمت في باريس في منتصف العام الماضي، ومن بين الرياضيين الإسرائيليين الثمانية والثمانين المشاركين، أيد ما لا يقل عن ثلاثين منهم علنا الحرب وجيش الاحتلال، وقد عمل بعضهم كدعاة ومتحدثين باسم الجيش، الأمر الذي أكد على مكانتهم كـ"رموز للقوة الصارمة التي تتمتع بها إسرائيل على الساحة العالمية".
ويذكر أن كل إسرائيلي يخدم في جيش الاحتلال الإسرائيلي، والرياضيون المتميزون، رغم أنهم في بعض الأحيان قادرون على تأجيل الخدمة، إلا أنهم ليسوا معفيين منها، وفقا لتقرير نشرته مجلة "ذي نيشين" الأمريكية.
وأكد المقال أن وجود "إسرائيل" هو مثال رئيسي على "غسيل الرياضة"، وهو عندما تستخدم الكيانات السياسية الرياضة والمسابقات الرياضية الدولية مثل الألعاب الأولمبية للتغطية على الجرائم، وهذا يساعد في إضفاء الشرعية على انتهاكات حقوق الإنسان، بل وحتى تمجيدها.
وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، عمل الاحتلال على الإضرار بمحاولاته لـ"الغسيل الرياضي" بنفسه بعدما اعتدى مشجعون لفريق "مكابي تل أبيب" الإسرائيلي لكرة القدم، على رمزية العلم الفلسطيني في قلب شوارع العاصمة الهولندية أمستردام، وترديد هتافات مُعادية للعرب والمسلمين، وهو أثار موجة من الغضب والاستياء، ووثّّقته جُملة من المقاطع التي جابت مُختلف مواقع التواصل الاجتماعي.
فضيحة إعلاميه كبيره لقناة Skynews
.
" قامت بنشر فيديو يصف بدقه ما حدث في امستردام
ويصف العنف الذي قام به مشجعوا فريق مكابي وعنصريتهم البشعه
.
" لكن ما حدث هو أن القناه قامت بعد فتره قصيره من نشر الفيديو بحذفه فورا
.
" ويبدوا أن الحقائق التي اظهرها هذا الفيديو غير ملائمه
للروايه… pic.twitter.com/TGdutpGwld — Dr.mehmet canbekli (@Mehmetcanbekli1) November 10, 2024
وعقب مباراة جرت في 7 تشرين الثاني/ نوفمبر، جمعت بين فريقي "مكابي تل أبيب" الإسرائيلي، و"أياكس أمستردام" الهولندي، انتهت بنتيجة 5-0 لصالح الأخير، حصلت توتّرات فجّرتها هتافات عنصرية ونابية صدرت عن مشجعي الفريق الإسرائيلي ضد فلسطين والعرب، بالإضافة إلى الاعتداء على العلم الفلسطيني وتمزيقه.
ولم تكن أحداث أمستردام سوى جزء صغير من فشل الغسيل الرياضي بعدما تسببت الحرب ضد قطاع غزة، باستشهاد أكثر من 715 شهيدا من الرياضيين، بينهم 95 طفلا، بالإضافة إلى تدمير 273 منشأة رياضية في القطاع، وهي أعداد ليست نهائية في ظل كثرة المفقودين، وقلّة مصادر المعلومات.
وعن فكرة "أمة الشركات الناشئة"، صدرت حركة المقاطعة ضمن متابعتها تحوّل أمّة "الشركات الناشئة"، كما شاع وصف "إسرائيل"، إلى أمّة "الشركات المُغلقة"، سلسلة جديدة من #ShutDownNation، وهذه المرّة تحت عنوان: إسرائيل على وشك الدخول في "دوامة الانهيار".
ضمن متابعتها لتحوّل أمّة "الشركات الناشئة"، كما شاع وصف إسرائيل، إلى أمّة "الشركات المُغلقة"، تصدر حركة المقاطعة (BDS) سلسلة جديدة من #ShutDownNation، وهذه المرّة تحت عنوان: إسرائيل على وشك الدخول في "دوامة الانهيار". pic.twitter.com/L72tcy7Pfr — حركة مقاطعة إسرائيل (BDS) (@BDS_Arabic) December 4, 2024
وقالت الحركة إنه "إلى جانب التصاعد الحاد في هروب رأس المال وجفاف الاستثمارات الأجنبية في التكنولوجيا المتقدّمة الإسرائيلية، أرسل 130 من أبرز الاقتصاديين الإسرائيليين في أيار/ مايو 2024 إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي "تحذيرًا واضحًا وحاسمًا من الاحتمال الكبير لسقوط الاقتصاد والمجتمع الإسرائيلي في دوامة الانهيار".
وتستخدم أيضا "إسرائيل" الغسيل النباتي أو الخضري لتحسين صورة جنودها وجيشها أمام العالم، باعتبار أنه الأكثر إنسانية، وفي عام 2018، ذكرت صحيفة "جيروزاليم بوست" أن جيش الاحتلال هو "أكثر جيش خضري في العالم"، وقامت بتسليط الضوء على خضرية جنود الاحتلال وحرصهم على احترام النبات والحيوان، لم تقم بالإشارة إلى الانتهاكات الإسرائيلية ضد الفلسطيني وأرضه.
“The IDF is also issuing leather-free combat boots and wool-free berets to soldiers who register as vegan, so they can march into battle knowing that no living creature has been harmed in their provisioning.”https://t.co/ZmW6hYctQq pic.twitter.com/vcfTsfdEyV — Jehad Abusalim جهاد أبو سليم (@JehadAbusalim) December 11, 2024
وخلال شهور الحرب انشرت العديد من الانتقادات الدولية لجرائم الاحتلال الموثقة من قبل كبرى منظمات حقوق الإنسان، ومن أبرزها منظمة العفو الدولية، التي أكدت أن "إسرائيل" ترتكب جرمية إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة.
حالة المقاطعة
ولعل من أبرز نتائج طوفان الأقصى هو خلق فكرة الوعي بالمقاطعة وتأثيرها في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي والجهات الداعمة له اقتصاديا، من خلال مقاطعة المنتجات والشركات وبعض الخدمات التي تدعم "إسرائيل" والإبادة الجماعية بشكل أو بآخر.
ونجحت المقاطعة الشعبية للمنتجات والشركات الداعمة لـ"إسرائيل" على نطاق واسع في الإضرار بهذه العلامات التجارية، ويظهر ذلك في التراجع الكبير لتلك العلامات التجارية خلال شهور الحرب، وهو ما أظهرته النتائج المالية المختلفة لها خلال السنة الماضية.
وانطلقت حملات شعبية واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي وانتقلت إلى أرض الواقع لمقاطعة المنتجات والشركات التي يُعتقد أنها تدعم "إسرائيل" في حربها ضد قطاع غزة.
ونجحت جهود المقاطعة مثلا في إغلاق العديد من المتاجر والمقاهي الأمريكية، مثلما حدث مع عشرات فروع شركة ستاربكس حول العالم وخاصة في ماليزيا، وإزالة اسم "كارفور" بشكل نهائي وتوقف عملها في الأردن بعد حملة مقاطعة واسعة.
ومنذ إعلان وقف إطلاق النار في قطاع غزة، أطلقت العديد من الدعوات عبر وسائل التواصل الاجتماعي من قبل النشطاء حملات واسعة تدعو لاستمرارية مقاطعة المنتجات الداعمة للاحتلال، بعدما أصبحت المقاطعة وسيلة فعالة لدى العديد من للتعبير عن تضامنهم مع الفلسطينيين، وتحولت إلى جزء أساسي من أساليب محاربة الاحتلال الإسرائيلي وداعميه.
????????????????
4️⃣6️⃣8️⃣????
المقاطعة شعار دائم لن يتوقف بتوقف الحرب ..
إستمرار المقاطعة ..
واجب وأمر مفروغ منه …
إياكم العودة عن قرار المقاطعة …
حتى لا يلتقطوا أنفاسهم وتعويض خسائرهم … ومن ثم دعم العدو …
الآن العدو بحاجة لكل دولار فلا تبخلوا عليه بالمقاطعة ..
فاستمروا يحفظكم الله pic.twitter.com/qhYIzc5Shj — د.أيسر Ayser (@aysardm) January 16, 2025
وبهذا تجاوزت فكرة المقاطعة كونها مجرد رد فعل وموقف عاطفي مما يحدث يحدث في قطاع غزة، لتصبح لدى الكثير من المواطنين العرب فكرة مستمرة ترفض العودة لدعم الاحتلال بعد توقف الحرب على غزة.
الاعتراف بفلسطين
دفعت حرب الإبادة غير المسبوقة ضد قطاع غزة دول أيرلندا وإسبانيا والنرويج رسميا الاعتراف بدولة فلسطين، في حين أبدت دول أخرى مثل سلوفينيا ومالطا اعتزامهما اتخاذ خطوة مماثلة، وهو ما اعتبر ثغرة في جدار الصد الأوروبي للحقوق الفلسطينية ولو بحدها الأدنى.
ورغم استخدام الولايات المتحدة الفيتو في مجلس الأمن الدولي في نيسان، أبريل 2024 لمنع صدور قرار يفتح الباب أمام منح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة فإن الجمعية اعتمدت في 10 أيار/ مايو قرارا بأحقية فلسطين لهذه العضوية في الأمم المتحدة صوتت لصالحه 143 دولة وامتنعت 25 عن التصويت.
وجاءت خطوة إعادة وضع موضوع الدولة على الطاولة بعد أن رفعت عملية طوفان الأقصى شأن القضية التي كادت أن تذوب في ظل مسار التطبيع والتعاون الأمني بين الاحتلال والدول العربية ومع استمرار الاستيطان وقضم الأراضي الفلسطينية وتهويد القدس.
ويعد اعتراف 3 دول أوروبية بالدولة الفلسطينية مؤشرا على بداية تفكك الموقف الأوروبي الداعم لـ"إسرائيل"، وهو الذي تمثل أيضا بمطالبة عدد من هذه الدول بوقف الحرب على غزة، على عكس الموقف الذي تشكل إثر 7 تشرين الأول/ أكتوبر وأن عدد الدول التي ستعترف بفلسطين مرشح للارتفاع.
#تغطية | في بيان له صدر منذ قليل قال وزير خارجية الاحتـلال قال أنه وجه خطابا شديد اللهجة لسفراء دول #إسبانيا، و #أيرلندا، و #النرويج في إسرائيل بعد القرار الذي اتخذته حكوماتهم بمنح ميدالية ذهبية لإرهابيي حمــ ـاس الذين اختطفوا بناتنا وأحرقوا الأطفال الرضع.
قال كاتس" سيشاهد… pic.twitter.com/B5KW9fsTH5 — عربي21 (@Arabi21News) May 22, 2024
وكانت السويد الدولة الأوروبية الوحيدة في الاتحاد الأوروبي التي اعترفت بفلسطين عام 2014، فضلا عن اعتراف 8 دول أخرى قبل انضمامها إلى الاتحاد، وهي بلغاريا وقبرص وجمهورية التشيك والمجر وبولندا ورومانيا وسلوفاكيا ومالطا، في حين اعترفت آيسلندا والفاتيكان أيضا، وهما من خارج إطار الاتحاد.
وهذا يعني أنه خلال فترة قصيرة ستكون 13 دولة أوروبية قد اعترفت بالدولة الفلسطينية من أصل 27 دولة يضمها الاتحاد الأوروبي، وهذا بحد ذاته يعد مكسبا مهما لفلسطين وللقضية الفلسطينية، حيث يبلغ الآن العدد الإجمالي للدول التي تعترف بفلسطين 146 دولة من أصل 193 دولة عضوة في الأمم المتحدة.
التضامن الدولي وتصدير القضية
بدءا بحراك الجامعات الواسع في مختلف أنحاء العالم وخاصة في الولايات المتحدة الذي انطلق في نيسان/ أبريل 2024، حصلت حالة من التضخم الهائل في الضغوط العالمية تركت الحكومة الإسرائيلية ورئيس وزرائها بنيامين نتنياهو في عزلة شديدة، وحالة دعم غير مسبوقة لحقوق الفلسطينيين.
وخلال شهور الحرب الأولى من عام 2024، واجهت "إسرائيل" قطيعة نادرة مع واشنطن، وعممت إدارة بايدن حينها، مشروع قرار في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يحذر جيش الاحتلال من شن هجوم بري في رفح، بالقرب من مصر، حيث نزح أكثر من مليون فلسطيني".
ورغم أن هذا المشروع لم ينجح وربما لم يكن ضغطا حقيقيا، إلا أنه مشكلة كبيرة للحكومة الإسرائيلية لأنها كانت قادرة في السابق على الاختباء خلف حماية الولايات المتحدة، لكن نتنياهو بعدها لم يعد قادرا على اعتبار هذه الحماية أمرا مفروغا منه، بحسب ما جاء في مقال لمدير مكتب صحيفة "نيويورك تايمز " في لندن مارك لاندلر.
وقال إنديك في ذلك المقال حينها: "هناك سياق أوسع من الإدانة من قبل الرأي العام الدولي، وهو أمر غير مسبوق من حيث الاتساع والعمق، الذي امتد إلى الولايات المتحدة. لقد أصبحت الدوائر الانتخابية التقدمية والشبابية والعرب الأمريكيين في الحزب الديمقراطي، غاضبة وتنتقد بشدة بايدن لدعمه لإسرائيل".
وأضاف أنه بينما تتعرض "إسرائيل" لضغوط شديدة منذ الأيام الأولى لهجومها على غزة، فإن جوقة الأصوات من العواصم الأجنبية أصبحت مدوية في الأيام الأخيرة، وذلك في دول أوروبية عديدة على سبيل المثال.
ولعل العرض الأكثر إثارة للانتباه لعزلة "إسرائيل"، هو ما حدث بعد ذلك في الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية في لاهاي، متمثلا بقرار مجلس الأمن الدولي بإنهاء الحرب على غزة فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية وتحسين الوضع الإنساني الكارثي بغزة.
وبعد ذلك في 20 أيار/ مايو 2024 طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، إصدار مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت لمسؤوليتهما عن "جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية" ارتكبها جيش الاحتلال بغزة.
وتحقق ذلك في تشرين الثاني/ نوفمبر من نفس العام بإصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال دوليتين بحق نتنياهو وغالانت، بتهم تتعلق بـ"ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية"، وهو ما فتح الباب حاليا إلى ملاحقة الجنود الإسرائيليين من محتلف دول العالم.
مكاسب استراتيجية
أظهرت عملية طوفان عزما وتصميما وتخطيطا وتنفيذا فاق كل التوقعات من جانب المقاومة الفلسطينية، وأنها كانت في حالة إعداد منذ مدة طويلة، وقد استطاعت الأخيرة تحقيق منجزات أثرت على الحكومة الإسرائيلية الحالية، وستؤثر كما يبدو على أي حكومة مقبلة مضطرة للتعامل مع تبعاتها ونتائج التحقيق في الفشل الأمني الواسع.
ورأى الكاتب والباحث الفلسطيني سعيد الحاج أن عملية طوفان الأقصى عملت على "كسر هيبة دولة الاحتلال ومؤسساتها العسكرية والأمنية بشكل غير مسبوق وكسر أسطورة الجيش الذي لا يقهر والجندي المدجج بالسلاح المتفوق على الآخرين.. ومباغتة كتائب القسام وتفوقها الملحوظ وإنجازاتها البادية ولا سيما العدد الكبير من القتلى والأسرى الإسرائيليين ومشاهد المواجهات المباشرة بين المقاومين والجنود قد أنتجت صورة من الصعب ترميمها بالنسبة لدولة الاحتلال في السنوات القليلة القادمة".
وأضاف الحاج في مقال له أن هذه الصورة المتضعضعة لقوات الاحتلال سيكون لها أثرها الكبير على معنويات كل من المقاومة الفلسطينية وجمهورها من جهة وجيش الاحتلال وجبهته الداخلية من جهة ثانية بشكلين متعاكسين بطبيعة الحال. فضلا عن أن كسر صورة "إسرائيل" كقوة عسكرية وأمنية كبيرة في المنطقة قد يكون له أثره السلبي على مسار تطبيع علاقاتها مع عدد من الدول العربية والإسلامية.
وفيما يتعلق بملف الأسرى، أكد الحاج أن المقاومة الفلسطينية عرضت مرارا عقد صفقة تبادل أسرى مع الاحتلال عبر وسطاء دون أن تجد تجاوبا، والآن وفي يد المقاومة الفلسطينية عشرات الأسرى لم يعد ممكناُ لأي حكومة إسرائيلية تجنب عقد الصفقة وبما يرضي المقاومة الفلسطينية وتنازلات صعبة على الاحتلال، إذ إنه لن يكون بمقدورها تجنب الضغوط الداخلية عليها لاسترداد هذا العدد الكبير من الأسرى.
ويحدث هذا حاليا مع دخول صفقة التبادل ووقف إطلاق النار حيز التنفيذ من المرحلة الأولى والإفراج عن ثلاث أسيرات إسرائيليات حتى الأن مقال 90 من الأسرى الفلسطينيين، وهو أول عملية تبادل من عمليات عديدة مرتقبة خلال مراحل الاتفاق المرتقبة.
وسلمت المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة الأسيرات الإسرائيليات المفرج عنهن ضمن صفقة التبادل شهادات تتضمن قرارات بالإفراج، وهو ما يعكس الموقف الذي أكدته كتائب القسام طوال شهور الإبادة بأن أسرى الاحتلال لن يفرج عنهم تحت النار وأن ذلك لن يتم سوى بقرار منها.