الأسطورة فرانشيسكو توتي يتجه للعودة إلى الميادين كلاعب
تاريخ النشر: 28th, October 2024 GMT
صنع أسطورة نادي روما، والمنتخب الإيطالي، فرانشيسكو توتي، الحدث مؤخرا، بتصريحات أبدى فيها رغبته في العودة من الاعتزال، واستئناف لعب كرة القدم.
ونقل موقع “أونز مونديال” الفرنسي، التصريحات الأخير لتوتي، أين قال: “تفكيري في العودة للملاعب ليست مزحة”.
كما أضاف النجم الأسبق لنادي روما: “أفكر في الأمر بجدية، ولدي عرض من ناديين، سأرى ما يقرره عقلي، وكيف سيتجاوب جسدي مع الأمر”.
وأردف: “الأمر صعب، لكن لا شيء مستحيل، هناك لاعبين، واصلو اللعب لعدة سنوات بعد نهاية مشوارهم”.
وصنعت هذه التصريحات التي أدلى بها فرانشيسكو توتي (48 عاما)، ردود أفعال كبيرة لدى رواد مواقع التواصل الإجتماعي، الذين رحبوا بعودة الأسطورة توتي.
المصدر: النهار أونلاين
إقرأ أيضاً:
في الوعي الجمعي... كيف يشكّل الموروث الأسطوري ثقافتنا المعاصرة؟
في عصرٍ تتسارع فيه وتيرة التقدم العلمي والتكنولوجي، تبرز الأساطير كشاهدٍ صامتٍ على عراقة الماضي وعمق الهوية الثقافية للشعوب. هذه القصص، التي نُسجت خيوطها عبر آلاف السنين، لا تزال تثير الجدل والتساؤل حول مكانتها في عالمنا المعاصر. فبين من يراها مجرد خرافات عفا عليها الزمن، ومن يعتبرها كنزًا ثقافيًّا لا يقدر بثمن، تقف الأساطير شامخة كجسرٍ يربط بين الماضي والحاضر، وكمرآةٍ تعكس تطلعات الإنسان وهواجسه عبر العصور.
في هذا الاستطلاع الصحفي، نغوص في أعماق هذا الموضوع الشائك، مستعينين بآراء نخبة من الأكاديميين والباحثين العمانيين المتخصصين في مجالات التاريخ والتراث والعلوم الاجتماعية. نستكشف معهم الفروق الدقيقة بين الأسطورة والخرافة، ونسبر أغوار أقدم الأساطير وأهميتها التاريخية. كما نتناول بالتحليل والنقاش إشكالية الحفاظ على هذا الإرث الثقافي في ظل طغيان القيم المادية وتراجع القيم الروحية في المجتمعات المعاصرة.
نطرح أسئلة جوهرية حول دور المؤسسات الأكاديمية والثقافية والإعلامية في الحفاظ على هذا التراث الأسطوري وإحيائه، ونستشرف مستقبل الأساطير في عصر الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي. كيف يمكننا التوفيق بين الأساطير والحقائق العلمية في مجتمعاتنا الحديثة؟ وهل يمكن للأساطير أن تكون أداةً للتنمية الثقافية والسياحية في عالمنا المعاصر؟
من خلال هذه الرؤى المتعمقة، نسعى لفهم أعمق لمكانة الأساطير في النسيج الثقافي والاجتماعي لمجتمعاتنا، ونحاول رسم خريطة طريق للحفاظ على هذا الإرث الثمين دون الانغلاق على الماضي أو التنكر لمتطلبات الحاضر والمستقبل. فالأساطير، في جوهرها، ليست مجرد قصص من الماضي، بل هي مرآة لهويتنا وجذورنا، وربما تكون البوصلة التي نحتاجها للإبحار في خضم تحديات العصر الحديث.
إلهام معاصر
بداية، تعرّف البروفيسورة أسمهان بنت سعيد الجرو، أخصائية دراسات تاريخية بمتحف عُمان عبر الزمان، «الأسطورة والخرافة» والعلاقة بينهما، حيث تقول: الأسطورة والخرافة جزء لا يتجزأ من التراث الإنساني. في المفهوم العامي يكثر الخلط بينهما، أما في المفهوم العلمي عند المؤرخين والباحثين فالاختلاف بينهما بيّن وجليّ.
فالأسطورة قصة مصاغة في قالب شعري لها عدة أبعاد: البُعد الفلسفي يكمن في استيعابها لقلق الإنسان الوجودي وتوقه إلى كشف أسرار الكون وتفسير كل ما يعجز العقل عن استيعابه، البُعد التاريخي: الأسطورة عبارة عن منظارٍ مكبِّرٍ لحِقَبٍ سحيقة من التاريخ، فهي تميل لخلق شخصياتٍ أُسطورية تستند في الأساس إلى أصل تاريخي، البُعد الفكري: تُعد الأسطورة المساحة الفكرية والأيديولوجية التي جرت عليها أحداث الدراما الإلهية، أما البُعد الفني: فيتمثل في اللُغة والتضمين الأدبي للفكرة المبتكرة.
أما الخرافة فهي عبارة عن قصة تقليدية تتكون في الغالب من عناصر خيالية غير واقعية، ليس لها طابع ديني ولا أساس تاريخي.
وحول أقدم الأساطير ومضمونها، تقول الأستاذة الدكتورة أسمهان الجرو: ترك الأديب السومري في بلاد الرافدين تراثًا ضخمًا من الكتابات الأدبية منذ آلاف السنين، عبّر فيها عما يجيش في نفسه من أحاسيس ومشاعر فاقت قدراته الاستيعابية، فجسّد تلك المشاعر في عدد من الأساطير التي كانت بمثابة الوعاء الفكري الأول لأشكال المعرفة لديه. لقد استخدم سكان بلاد الرافدين الرمز الأسطوري الكبير في حكاية البحث عن المجهول والمعرفة بعد أن وجدوا في ظواهر الطبيعة تجسيدًا للقوانين الإلهية الخالدة، كما أنهم أعطوها بعدًا وظيفيًّا من خلال طبع هذه الظواهر بغايات ومقاصد كان الإنسان يطمح إليها وربطها بالمناسبات والممارسات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في المجتمع. لقد شكّلت فكرة نشأة الكون والخالق والخلق أول محور للتأملات الفكرية، كما جاء في أقدم أسطورة سومرية، أسطورة «خلق الآلهة والكون»، تقول أبيات من الأسطورة أن الكون لم يكن مخلوقًا منذ الأزل وأن هناك مادة أولى سبقت التكوين، أطلقوا عليها الإلهة الأم «نمو» وهي المياه الأولى التي انبثق منها كل شيء. أنجبت «نمو» إلهًا ذكرًا، هو الإله «آن» إله السماء، وإلهة أنثى هي «كي» إلهة الأرض وقد كانا ملتصقين، أطلق عليهما معًا الإله «إنكي».
تزوج «آن» و«كي»، وأنجبا الإله «إنليل» إله الهواء الذي حرر التصاق أبيه السماء عن أمه الأرض، عندما رفع أباه بقوة إلى الأعلى وعاش هو بينهما.
وحول أهمية الأسطورة ومدى إيمان الناس بها في العصر الحديث تقول «الجرو»: لم تكن الأسطورة قصة خيالية مسلّية؛ بل هي ميثاق عملي للعقيدة والحكمة الأخلاقية، ونافذة على المعتقدات والقيم والتراث الثقافي للحضارات القديمة. لقد حفظت لنا الأساطير علوما ومعارف مختلفة عن نشأة الكون وبداية الحياة وخلق الإنسان ومراحل التطور البشري، وكانت مصدرا رئيسا من المصادر التاريخية، فهي تمزج بين الحقيقة التاريخية والخيال.
وتضيف: هناك جملة من الأساطير التي تدور أحداثها في عُمان، من أبرزها أسطورة «الملك سليمان» الذي عاش في الواقع في مطلع الألف الأول قبل الميلاد، أي قبل ثلاثة آلاف سنة. تدور أحداث الأسطورة حول قلعة سلوت بولاية بهلا وحول بنائه للأفلاج. آثار مدينة سلوت وآثار الأفلاج تظهر الأسطورة هنا باعتبارها رواية مركّبة للتاريخ؛ فينبغي أخذها بعين الاعتبار عندما نُحاولُ التمييز بين النسيج الأسطوري والحقيقة التاريخية. فلكل أسطورة قيمة ودلالة وجوهر وأسرار ومعانٍ بحاجة إلى تأملات عميقة لفهمها واستيعابها... لقد شكّلت الأسطورة ولا تزال تشكّل في عصرنا الحديث مصدر إلهام وذخيرة ثرية لإبداعات تراثية وفنية وشعرية وروائية ومسرحية وسينمائية... فالاهتمام بها اهتمام بجذورنا وبتراثنا العميق وإبداعات أسلافنا الخلاقة التي تعزز الشعور بالفخر والانتماء.
في الختام، ترى البروفيسورة أسمهان بنت سعيد الجرو، أخصائية الدراسات التاريخية بمتحف عُمان عبر الزمان، حول تأثير الأسطورة على ثقافتنا المعاصرة في عصر التكنولوجيا، أنه يبدو جليّا أن الإنسان يستطيع بالخيال أن يتغلب على الكثير من التحديات التي تواجهه في حياته. فالتحول التكنولوجي والرقمي في الوقت الراهن، ما هو إلا نتيجة وصل إليها الإنسان بمشقة وهو يبحث عن المعرفة لتحقيق السعادة وتوفير الوقت والمال، حتى أصبح العالم قرية واحدة. هذا الإنسان هو سليل ذلك السلف صانع الأساطير منذ آلاف السنين... لا تزال الأسطورة تؤثر في حياة الناس وفي ثقافتهم وأقدارهم وأعمالهم، فهي تساعدهم على الإبداع وتمدّهم بالدافع للبحث عن مزيد من المعرفة التي لا تنتهي إلا بانتهاء هذا الكون.
تكامل حضاري
الأستاذ الدكتور حمود الدغيشي، الأستاذ المحاضر في جامعة التقنية والعلوم التطبيقية بالرستاق، يرى أن مفردة «الأسطورة» قد أُسيء استخدامها؛ نتيجة تراكمات ثقافية مغلوطة في فهم التفسير القرآني لمفردة «الأساطير» التي فُهمت على أنها تعني الأباطيل والأكاذيب. هذا الفهم الخاطئ جعل الأسطورة تُصنَّف جنبا إلى جنب مع الخرافة، رغم اختلافهما، إذ تتقاطع الخرافة مع الأسطورة في السرد الدرامي، ولكن لكل منهما مشهده الدرامي المختلف.
ويضيف «الدغيشي»: «مع ذلك، تبقى النظريات الخاصة بالأسطورة موضع جدل وخلاف كبير، حيث تقدم كل مدرسة تفسيرا مختلفا، وتتناقض بعض هذه التفاسير بشكل واضح». وكما يرى «كاسيرر»، فإن أصحاب النظرية الثقافية الأنثروبولوجية يعتبرون الأسطورة نتاجا للعقل البدائي، وأن هذا العقل لا يختلف عن عقلية الإنسان المتحضر اليوم؛ فكلاهما يستند إلى مادة عصره. وما نراه اليوم من أساطير وطقوس وعادات ليست سوى رواسب ثقافية للإنسان البدائي، تعكس لنا كيف كان يفكر ويُفسر ظواهر الكون من حوله. من جهة أخرى، يعتبر «فرويد» الأسطورة ظاهرة انفعالية مرضية، بينما يراها «يونغ» نموذجا بدئيّا يبقى مرتبطا بالإنسان، يظهر في فنونه وحكمته وشعره، وكل أشكال الإبداع التي يُطلق عليها «الصورة النموذجية البدئية». وهكذا الحال مع بقية المدارس التي تناولت الأساطير بنظرات نقدية مختلفة.
ويؤكد «الدغيشي» أن الأسطورة تستمد قوتها واستمراريتها من الطقوس، وهي تتغير بتغير الظروف المحيطة بها، لكنها لا تفنى ولا تموت، بل قد تتشظى وتتغير رموزها لتنسجم مع الواقع الجديد. ومن هنا، فالأسطورة والعِلم لا يتعارضان؛ فكلاهما يسير في خطين متوازيين، ويخضع أحدهما للآخر في سياقات معينة، ولكل منهما قوته وهيمنته في مجاله الخاص.
ويضيف: «ما زالت الأسطورة حية في المجتمعات الإنسانية، وتختلف قوتها تبعا لثقافة المجتمع. وليس هناك أمة إلا ولها أساطير، فهي جزء أساسي من مكونات أي مجتمع يمتلك تاريخا عريقا ويتطلع إلى حضور ثقافي في العالم».
ومع ذلك، يشير «الدغيشي» إلى أن المؤسسات الأكاديمية والثقافية والإعلامية في عُمان لم تقم بدورها الفاعل في تحريك الوعي بأهمية التراث الثقافي غير المادي، وخاصة التراث الأسطوري، مما أدى إلى نشوء جيل غير مدرك لتراثه الثقافي. في المقابل، برز «الآخر»، الذي لا ينتمي إلى هويتنا وثقافتنا، وتمكن من الحفاظ على تراثه وثقافته باستخدام وسائل تقنية حديثة، مما جعله نموذجا يُحتذى به.
ويختتم الأستاذ الدكتور حمود الدغيشي، الأستاذ المحاضر في جامعة التقنية والعلوم التطبيقية بالرستاق، حديثه قائلا: «إن الأمة التي تسعى للنهوض الحضاري يجب عليها أولا أن تعزز هويتها في مؤسساتها العلمية والثقافية والإعلامية، حتى لا يتحول الإنسان إلى مجرد آلة (روبوت) خالية من الفكر والهوية... فالمحافظة على التراث الثقافي وتعليمه للأجيال لا يتعارض مع العلوم الحديثة وأدوات التقدم؛ فكلاهما يكمل الآخر، مثل جناحي الطائر، لا يستطيع الطيران إلا بهما معا».
توظيف إيجابي
من جانبها قالت الدكتورة ريا بنت حمد المعمرية، أستاذ مساعد بقسم علم الاجتماع والعمل الجماعي بكلية الآداب والعلوم الاجتماعية بجامعة السلطان قابوس حول موضوع الأساطير في العصر الحديث: «قبل الحديث عن مدى إيمان الناس في عصرنا الحاضر بالأساطير من المهم إعطاء لمحة عن المفهوم العام للأساطير التي تُجمع الأدبيات والمصادر ذات الصلة على أنها الحكايات التقليدية التي تروى وتتناقل بين الأجيال لمحاولة إعطاء تفسيرات حول الوجود والكون والظواهر والأحداث المختلفة بطريقة لا تخلو من المبالغة وتوظيف الخيال. لهذا قد يحصل لبس لدى البعض بين الخرافة والأساطير؛ إذ قد يبدو للبعض عدم وجود فروق جوهرية بينهما لكن في الواقع فإن الأساطير مبنية على بعض الحقائق التي تغلف بالمبالغة والتضخيم لإضفاء الإثارة والتشويق والجذب، أما الخرافات فهي اعتقادات قائمة بالدرجة الأولى على أوهام وتخيلات وهي الأقرب إلى مصطلح «الشعوذة». وبالعودة إلى أصل السؤال ومدى إيمان الناس في عصرنا الحديث بالأساطير، فلا شك أن الأساطير غير مرتبطة بزمانٍ ومكانٍ معين، والأكثر من ذلك فهي مستمرة ما دامت الخليقة. وهناك عوامل عدة تسهم في تشكل هذه الأساطير وانتشارها حيث إنه رغم التقدم العلمي والنهضة الحياتية التي يشهدها عالمنا المعاصر؛ تنظر الشعوب لهذه الأساطير بأنها جزء من التراث الشعبي والمخزون الفني والأدبي الذي يشكل الهوية الوطنية. بالإضافة إلى أن الأساطير تتلاقى أحيانا مع المعتقدات الدينية لدى بعض الأديان والطوائف، وتلجأ الناس في أحيانٍ كثيرة إلى الأساطير لمحاولة تفسير الغموض والأجزاء المبهمة في الحياة والأحداث المرتبطة بها. وبالرغم مما سبق؛ لا يمكن تغافل طغيان القيم المادية وتراجع القيم الروحية الرصينة في المجتمعات القادرة على مجابهة سطوة هذه الأساطير والخرافات التي استطاعت أن تخترق المجتمعات، وتجد أرضا للنمو والتغلغل في عالما المعاصر».
وأضافت الدكتورة المعمرية: «لا شك أن هناك دورا للإعلام لا سيما ما يسمى بالإعلام البديل في الترويج للأساطير ونشرها خاصة عبر وسائل الإعلام الحديثة وبرامج التواصل الاجتماعي التي ساهمت في تقديم الأساطير القديمة بحلة حديثة عبر توظيف المؤثرات البصرية والسمعية واستخدام طرق عرض جاذبة قادرة على استمالة المتلقي والتأثير في وعيه وقناعاته. بل إن الأمر حول الخرافات أو ما يسمى بالشعوذة تحديدا قد وصل إلى إنشاء قنوات ومنصات إعلامية مخصصة لهذا الغرض، مما ساهم في تقديمه للمجتمعات وكأنه علم حقيقي مسَلَّم به قادر على سبر الخفايا واستشراف المستقبل. ولا غرابة أن يلجأ البعض لهذه المنصات والاعتماد عليها في اتخاذ قرارات مصيرية في حياتهم. بالرغم من أنها قد تستعرض خرافات جوفاء لا يقبلها العقل أو المنطق في مشهد يعكس حجم الهشاشة النفسية لدى البعض وإيمانهم المطلق بالكثير من أشكال الخرافات».
وفيما يتعلق بأهمية المحافظة على الأساطير كجزء من التراث الثقافي، أوضحت الدكتورة: «تمثل الأساطير كما أسلفنا مجموعة من الحكايات التي تعكس تجارب الشعوب وتصوراتها، وتمثل إرثا إنسانيّا يتناقل بين الأجيال المتعاقبة، وتحفظ في ذاكرتهم الجماعية. لهذا فهي جزء من التراث الثقافي لدى مجموعة من الشعوب، وتحرص بعض الدول للمحافظة عليها كقيمة وطنية مهمة. ومن هذا المنطلق هناك فرصة جيدة لتوظيف الأساطير بشكل إيجابي لإثراء المجتمعات في نواح عديدة منها التعريف بالماضي، وربطه بالحاضر، وتوعية الأجيال بالعادات والتقاليد والموروث الحضاري والقيم الروحية العميقة التي تعظم معاني الخير والفضيلة والأخلاق لدى البشر. كما يمكن الاستفادة من الأساطير كقوى ناعمة في إطار الترويج السياحي والثقافي وإبراز العمق الحضاري للشعوب. إذن يمكن القول إن هناك جانبا ايجابيّا للأساطير يمكن الاستفادة منه عندما يحسن توظيفها».
وعن كيفية التوفيق بين الأساطير والحقائق العلمية في المجتمع الحديث قالت «المعمرية»: «من المهم التمييز بين الأساطير كجزء من الميل البشري لسبر أغوار الماضي وتفسير الظواهر والأحداث وتبيان أوجه الغموض في الوجود عبر معتقدات متوارثة، وبين الحقائق العلمية المبنية على الأدلة والبراهين القائمة على تحكيم العقل والعلم والمنطق.
لذا فإن التوفيق بين الأمرين يتطلب فهما موضوعيّا للتفسيرات التي يحاول كل منهما تقديمها، والمرتكزات التي يتم الاستناد إليها في ذلك، ثم تحديد الاستفادة المثلى منها دون الوقوع في فخ الخلط بين ما هو مبني على قناعات واعتقادات خيالية متوارثة وبين الحقائق العلمية المتشكلة عبر حصيلة تراكمية من التجارب والأدلة والبراهين العلمية».
وختمت الدكتورة ريا بنت حمد المعمرية، أستاذ مساعد بقسم علم الاجتماع والعمل الجماعي بكلية الآداب والعلوم الاجتماعية بجامعة السلطان قابوس حديثها عن مستقبل الأساطير قائلة: «من المرجح أن تستمر الأساطير كمكون ثقافي وتاريخي في المجتمعات، ولكن يبقى طبيعة هذا الدور مرهون بعوامل عدة -فعلى سبيل المثال لا الحصر- قد لا ينسجم التقدم العلمي والتكنولوجي في ظاهر الأمر مع الأساطير، لكن يمكنهما أن يتناغما معا، ويمكن للتقدم العلمي والذكاء الاصطناعي إحداث تغيرات غير مألوفة في تقديم الأساطير وخلق أساطير متطورة وخارقة ترتبط بتطلعات وطموحات البشر تجاه الابتكارات العلمية والتقدم التكنولوجي، ومحاولات تفسير الظواهر المبهمة. ونتيجة لذلك؛ يمكن القول بأن الأساطير ستبقى حاضرة في المستقبل كإحدى الوسائل التي قد يلجأ إليها الناس لمحاولة ملء الفراغات التي لا يزال العلم غير قادر على تفسيرها».
هوية متجددة
من جانبه يقول حارث الخروصي، الباحث والكاتب في التاريخ والتراث العماني إن الأساطير هي معتقدات في النهاية وتشكل جزءا مهمّا من الهوية الثقافية لكل شعب وكل أمة، بل قد تتعدى ذلك لتكون رابطا بين مكونات شعبية مختلفة. لذلك تبقى الأسطورة كيانا مهمّا في كل ثقافة شعبية. وكما يقول دو بلان بأن الشعوب بلا أساطير تموت من البرد، فنلاحظ ازدهار الأساطير والأدب والفكر في الأوقات التي تزدهر فيها الأمة.
ويضيف «الخروصي»: إننا نلاحظ ذلك جليّا في فترات من الدولة الأموية والدولة العباسية، حيث كتبت الأساطير القديمة ودونت في مدونات كثيرة لتشكل هوية ثقافية لتلك الأمة في تلك المرحلة المهمة من تاريخها. ويقدم مثالا آخر وهو كتاب «شاهنامة» الذي يروي الأساطير الفارسية، وقد عهد به ملوك الفرس للمؤلف الشهير الفردوسي ليكون رابطا ثقافيّا في الهوية الفارسية. ولم يكن كتاب الشاهنامة بكل أساطيره الموغلة في القِدم وذكر لملوك قدماء وأساطير خيالية إلا رابطا قوميّا ودلالة على ازدهار الحضارة الفارسية في تلك الفترة.
ويشير «الباحث العماني» إلى أن الأسطورة اليوم تشكل عنصرا مهمّا لكل حضارة وثقافة رغم تغيّر بعض الأساليب، فربما يكون محتوى الأسطورة مدرجا في رسم إلكتروني أو كرتوني وربما أن يكون في فيلم مشوق.
ورغم أن الحضارة العربية تحوي غنى عظيما في الأساطير الشعبية التي لا تزال موجودة في الذاكرة الشعبية وفي التاريخ المروي، فإن «الخروصي» يلفت الانتباه إلى وجود نقص في إيصال تلك الأساطير إلى المتلقين والأجيال الصاعدة، مما يجعل تلك الأجيال تلتفت إلى أساطير الأمم الأخرى وثقافتها، متناسية كنزا عظيما من الغنى الثقافي والفكري المتمثل في الأساطير الشعبية والدواوين الشعرية والحكم والأمثال.
وهنا يشير الباحث إلى واجب مهم للمؤسسات الثقافية والشخصيات الثقافية أيضا بأن تلتفت وتبذل المزيد من الجهود في تأطير تلك الأساطير بما يناسب العصر ونقلها إلى المتلقين، وخاصة الأجيال الصاعدة الذين سيكونون شباب المستقبل ومحركي الحضارة والاقتصاد.
ويختتم حارث الخروصي، الباحث والكاتب في التاريخ والتراث العماني حديثه بالقول إن الأساطير في النهاية هي هوية، تلك الهوية التي نقلت في أسطورة شعبية أو قصة شعبية تحمل في طياتها الكثير من الحكم والمواعظ بغض النظر عن كون تلك الأسطورة حقيقية أو غير حقيقية. ويروي أنه في يوم من الأيام أخبره أحد الأصدقاء أن مجنون ليلى ليس شخصية حقيقية، فكان جوابه له بأن مجنون ليلى، سواء وجد في الواقع أم لم يوجد، فإنه شخصية حقيقية في الذاكرة الشعبية وفي الأدب العربي.