منتجون ومخرجون عرب: الأفلام في مناطق الصراع مكلفة
تاريخ النشر: 28th, October 2024 GMT
أكد منتجون ومخرجون من اليمن وسوريا والسودان وغزة أن صناعة الأفلام في دول تشهد صراعات مسلحة وحروباً، أمر مكلف للغاية وغير مضمون النتائج إلا أنهم يصرون في الوقت ذاته على عدم تخليهم عن قضايا بلادهم حتى وإن كان ذلك على حساب أحلامهم وطموحاتهم الشخصية.
وقالت المنتجة اليمنية آلاء عامر في جلسة نقاشية بمهرجان الجونة السينمائي بمصر عنوانها (السينما في وقت الصراعات) إن الوضع في اليمن غير مأمون لأن كل منطقة تخضع لسلطات مختلفة وعلى صناع الأفلام الحصول على موافقات عديدة بينما يمكن في النهاية إلغاء هذه الموافقات في دقيقة.
وأضافت أنه أثناء عملها على إنتاج الفيلم القصير (عبر الأزقة) تعرض مخرج الفيلم يوسف الصباحي وشقيقه للاعتقال وتوقف العمل لمدة 4 أشهر لحين الحصول على الموافقات اللازمة من السلطات في صنعاء.
لكنها عادت لتؤكد أن هذه المعوقات وغيرها الكثير لن توقف صناع السينما في البلاد المنكوبة عن الحديث عن قضايا أوطانهم لأنه "إذا لم نفعل نحن ذلك فلن يفعله أحد آخر، نحن نشق الطريق بصعوبة لجعل القادم أسهل لنا وربما لتستفيد من ثمار هذا الأجيال التالية". طموحات درامية وسينمائية
وقالت آلاء إنه قبل اندلاع الصراع في اليمن عام 2014 كانت لديها طموحات أخرى في عمل أفلام عن قصص النساء اليمنيات وعادات الزفاف والكثير من الموضوعات المعبرة عن تاريخ وعراقة البلد لكنها الآن تشعر أن مثل هذه القصص يمكن أن تنتظر.
من جانبها، قالت المنتجة والمصورة السودانية إسراء الكوقلي التي شاركت في فيلم "وداعاً جوليا"، الذي حصد العديد من الجوائز عالمياً، إن طاقم العمل كان يغير خطة التصوير يومياً لأنه كانت هناك مظاهرات متواصلة في شوارع الخرطوم ولضمان سلامة العاملين وأمنهم.
وأضافت أن هذا زاد تكلفة التصوير "أضعافا مضاعفة" وتسبب في اللجوء للتصوير بأماكن داخلية أكثر والتنازل عن الجماليات البصرية، هذا بخلاف تأثر نفسية الممثلين والفنيين الذين كانوا في قلق دائم.
أما بالنسبة للمخرجة والمصورة السورية راما عبدي فتقول إن أكبر مشكلاتها في صناعة الأفلام ببلادها هو افتقاد التجهيزات الفنية الجيدة، لأن الإمكانيات كلها تحت يد المؤسسة العامة للسينما المملوكة للدولة بينما لا يملك صناع الأفلام المستقلة المعدات اللازمة وبالتالي يلجأون للبحث عن ذلك خارجياً وهو أمر مكلف.
وبينما ينتظر أبناء اليمن والسودان وسوريا تحسن الأوضاع في بلادهم يدرك كاتب السيناريو والمخرج محمد المغني ابن حي الشجاعية بمدينة غزة الفلسطينية أن قضية بلاده وضعها مختلف.
وقال المغني في الجلسة النقاشية أنه إذا امتلك الآخرون طموحات وأحلاماً سينمائية قبل اندلاع الصراعات في بلادهم العربية، فهو شخصياً لم يملك الخيار لترتيب أولوياته لأنه ولد بأرض تفرض قضيتها على الجميع.
وأضاف أنه يعيش حالياً بالخارج وأراد قبل الحرب الحالية تصوير وتوثيق الكثير مما رآه وعاصره في غزة، لكن دخول القطاع كان صعباً للغاية والخروج منه أصعب.
وأشار إلى أنه يصور عمله الجديد حالياً في مناطق قريبة مثل مخيم شاتيلا في لبنان الذي تأزم به الوضع أيضاً لكنه يأمل يوماً ما "في صنع فيلم بالكامل من غزة".
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله السنوار الانتخابات الأمريكية غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية اليمن غزة سوريا السودان اليمن
إقرأ أيضاً:
الصراع على سوريا… مجدداً
إن أشهر الكتب التي وصفت الحالة السورية في مطلع ستينيات القرن المنصرم، وأحد أفضلها بالتأكيد، كتاب الصحافي البريطاني باتريك سيل (1930-2014) الذي ترعرع في سوريا وتخصّص في الكتابة عنها وعن سائر أمور الشرق الأوسط. صدر الكتاب في عام 1965 تحت عنوان «الصراع على سوريا»، وقد وصف الأحداث السورية والأحداث الإقليمية المرتبطة بها بين نهاية الحرب العالمية في عام 1945، وعام 1958 الذي شهد الوحدة مع مصر في إطار ما سمي آنذاك «الجمهورية العربية المتحدة». أما الصراع المذكور، فقد رآه الكاتب صراعاً بين المحور الغربي، مستنداً إلى المملكة العراقية الهاشمية (1921-1958) و«حلف بغداد» (1955) بقيادة بريطانيا ودعم الولايات المتحدة، وبين صعود الحركة القومية العربية، الذي جسّده «حزب البعث العربي الاشتراكي» وبعده مصر الناصرية، وقد صعد نجم هذه الأخيرة بقوة إثر تأميمها لقناة السويس في عام 1956 وصمودها في وجه العدوان الثلاثي البريطاني-الفرنسي-الإسرائيلي الذي تلا ذلك التأميم.
والحال أننا اليوم أمام أقصى حالة من الصراع الإقليمي والدولي على سوريا منذ أن استقرّت البلاد لمدة ثلاثين سنة تحت نظام آل الأسد الاستبدادي. حتى أن الصراع بات مفتوحاً اليوم أكثر مما في أي وقت مضى منذ أن اندلعت الحرب الأهلية في سوريا إثر قمع الانتفاضة الشعبية في عام 2011. ذلك أن التدخلين الإيراني والروسي المتتاليين أنقذا نظام آل الأسد إلى حد أن هيمنته على معظم الأراضي السورية بدت مؤكدة بعد عام 2015، بينما انحصرت المناطق الفالتة من سيطرته على أطراف البلاد. وقد عرفت ركيزتا حكم آل الأسد ضموراً حاداً في خريف العام الماضي مع تقلّص الدعم الروسي بسبب غرق موسكو في أوحال غزوها لأوكرانيا، وانهيار الدعم الإيراني، الذي تكبّد ضربة قاضية إثر الهزيمة التي مني بها «حزب الله» في لبنان من جرّاء الهجوم الصاعق الذي نفّذته الدولة الصهيونية عليه بعد سنة من تبادل القصف المحدود نسبياً.
فإن انهيار حكم آل الأسد إثر سقوط الركيزتين اللتين استند إليهما منذ عام 2015، وعجز «هيئة تحرير الشام» (هتش) عن التعويض عن الثلاثي المكوّن من قوات النظام البائد، التي كانت بذاتها أعظم بكثير مما لدى هتش سابقاً وحتى اليوم، ومن القوات التابعة لإيران وروسيا على الأراضي السورية، ذاك الانهيار وهذا العجز يعنيان أن سوريا باتت مجدداً ساحة صراع إقليمي مكشوف، بل وبشروط أكثر انفتاحاً على شتى الاحتمالات مما في أي وقت مضى في السنوات الثمانين الأخيرة، منذ نيل سوريا الحديثة استقلالها في عام 1946. والحال أن لدى «قوات سوريا الديمقراطية» وحدها، في الشمال الشرقي، من القوة العسكرية الذاتية ما يفوق ما لدى هتش (بلا مزيد من توغل الجيش التركي داخل الأراضي السورية).
إننا اليوم أمام أقصى حالة من الصراع الإقليمي والدولي على سوريا منذ أن استقرّت البلاد لمدة ثلاثين سنة تحت نظام آل الأسد الاستبدادي.
أما الفارق بين صراع خمسينيات القرن المنصرم والصراع الراهن، فذو دلالة بالغة على الاختلاف الجذري بين الحالة الإقليمية آنذاك واليوم. فقد انتهى منذ وقت طويل زمن الصعود القومي العربي، وحلّ محلّه تعفّن القوى التي حملت رايته سابقاً، وعلى الأخص حزب البعث بحلّتيه التكريتية والأسدية. أما أفول الحركة القومية العربية وانحطاطها في السبعينيات، فقد فسحا المجال أمام صعود القوى الدينية بالارتباط بصعود نجم المملكة السعودية إثر تعاظم عائداتها النفطية بفعل الارتفاع الحاد الذي عرفته أسعار النفط في منتصف السبعينيات في سياق المقاطعة العربية، لمّا كانت الدول النفطية العربية تتضامن مع الجانب العربي في وجه الدولة الصهيونية خلافاً لموقفها الراهن الذي يكاد يكون غير مبالٍ لحرب الإبادة الجارية في غزة.
بيد أن العدوان الأمريكي على العراق إثر اجتياحه للكويت في صيف 1990 والقطيعة التي تلت بين المملكة وجماعة الإخوان المسلمين، ومن ثم احتضان دولة قطر للجماعة، وبعدها تركيا الأردوغانية على خلفية الانتفاضات العربية التي هبّت منذ عام 2011، هذه التحوّلات جعلت الصراع الإقليمي الرئيسي الراهن صراعاً بين محور تقوده المملكة السعودية بالتحالف مع الإمارات العربية المتحدة ومصر عبد الفتّاح السيسي، من ميزاته العداء للجماعة، وقد التحقت به المملكة الأردنية الهاشمية علناً بعد قرارها الأخير حلّ الجماعة على أراضيها، صراعاً بين هذه الدول من جهة، والمحور التركي من الجهة الأخرى، علاوة على الصراع السعودي-الإيراني الذي خيّم على المنطقة وبلغ ذروته مع الاحتلال الأمريكي للعراق (2003-2011) حتى الهزيمة التي مُنيت بها طهران مؤخراً في الساحة السورية.
وإزاء هذا الصراع الإقليمي، الذي يجد امتداداً دولياً له في تفضيل الدول الغربية للمحور السعودي ومحاولة موسكو تقديم خدماتها للمحور المضاد مقابل ضمان بقاء قاعدتيها البحرية والجوية على الساحل السوري، فإن أحمد الشرع وحكومة هتش الجديدة التي شكّلها يمارسان أقصى الانتهازية في محاولة لكسب الوقت والاستفادة من الخصومات الإقليمية ومن التنافس بين شتى المحاور والدول.
وقد بلغت هذه الانتهازية درجة جعلت أحمد الشرع يوحي للولايات المتحدة استعداده للانضمام إلى «اتفاقيات أبراهام»، أي إلى قافلة التطبيع مع الدولة الصهيونية، مع تأكيده لحسن نواياه إزاء إسرائيل، في وقت اغتنمت هذه الأخيرة فرصة سقوط حكم الأسد كي تحتل مساحات جديدة من الأراضي السورية علاوة على ما احتلته في عامي 1967 و1973، وكي تدمّر الطاقة العسكرية النظامية السورية تدميراً شاملاً بعد أن كانت مطمئنة لعدم استخدام تلك الطاقة ضدها ما دام حكم آل الأسد قائماً (خلافاً لأساطير «محور المقاومة») ناهيك من منح إسرائيل نفسها حق الضرب عسكرياً داخل الأراضي السورية متى وكيفما شاءت على غرار ما تمارسه على الأراضي اللبنانية. وإنه لموقف مشين للغاية من قِبَل الشرع، يدلّ على تعلّق أكبر بالسلطة وبالأيديولوجيا الدينية وبالطائفية المكوّنة لحركته ممّا بالمبادئ الوطنية، وإن كان الموقف من باب التكتكة الرخيصة.
صحيفة القدس العربي