حرب الظلال بين إيران وإسرائيل: التصعيد المحسوب واستراتيجية تجنب الصراع المفتوح
تاريخ النشر: 28th, October 2024 GMT
بقلم : الشرقاوي الروداني
الهجوم الإسرائيلي الأخير الذي استهدف 20 موقعاً عسكرياً في إيران، وفقاً للمصادر الإسرائيلية، يسلط الضوء على تعقيدات المشهد الاستراتيجي الذي تتحكم به توازنات دقيقة. من الناحية الإسرائيلية، يبدو أن نتنياهو يواجه قيوداً جيوسياسية جعلت من الضروري اتباع نهج محسوب ومضبوط، بحيث يبقى نطاق الهجوم محدوداً ضمن قواعد اللعبة التي صاغتها واشنطن، والتي تتسم بالحذر لتجنب انجرار المنطقة إلى تصعيد شامل.
في المقابل، وفي قراءة للضربة الإسرائيلية على ايران، يبدو أن نتنياهو يعمد إلى تركيز جهوده على جبهات قريبة، لا سيما في لبنان وغزة، حيث يواجه تهديدات مباشرة من قبل وكلاء إيران، وذلك لضمان الحفاظ على القدرة الإسرائيلية في المناورة دون التورط في مواجهة غير متكافئة مع إيران نفسها.
الهجوم الإسرائيلي يمكن اعتباره محاولة لإعادة ضبط ميزان القوى في المنطقة دون خرق الاتفاقات غير المعلنة، بحيث يبقى هذا “التصعيد المدروس” بعيداً عن نقطة اللاعودة. ومما لا شك فيه، أن الولايات المتحدة تلعب دوراً حيوياً في ضبط وتيرة هذا النزاع، حيث تعمل على توجيه ردود الطرفين ضمن حدود وسقوف محسوبة لتجنب أي تصعيد قد يهدد المصالح الأمريكية في المنطقة.
من الواضح أن الطرفين يدركان أن أي خلل في هذا التوازن قد يؤدي إلى تصعيد غير قابل للاحتواء، مما يدفعهما إلى توظيف تكتيكات محسوبة ومتناوبة. هذه المقاربة الاستراتيجية المتبادلة تجعل من الصراع بين إسرائيل وإيران أكثر تعقيداً وأقل وضوحاً، حيث إن كلاً منهما يسعى للظهور بمظهر القوة دون تجاوز الحدود المرسومة من قبل القوى الكبرى، مما يجعل المشهد خاضعاً لاستراتيجية “التصعيد المضبوط” التي تضمن لكل طرف الحفاظ على موقعه الاستراتيجي دون خسائر فادحة.
ولكن حتى وإن تم احتواء هذا التصعيد الأخير بين إسرائيل وإيران، فإننا بلا شك قد دخلنا في مرحلة جديدة وغير مسبوقة في العلاقات بين البلدين، وهي مرحلة سيكون لها تأثير عميق ودائم على مستقبل هذه العلاقات وعلى استقرار المنطقة بأكملها. لقد كُسر “حاجز الخوف” الذي كان يمنع إسرائيل من شن هجمات داخل العمق الإيراني، وهذا التغير يفتح بابًا أمام تحولات استراتيجية معقدة. إن رد إيران القادم هو ما سيحدد ما إذا كانت طهران ستكسر بدورها حاجز الخوف من الانخراط في حرب شاملة مع إسرائيل، أم أنها ستلجأ إلى رد مدروس يحافظ على التزامها بالرد دون تفجير صراع أوسع قد تكون له عواقب وخيمة على المنطقة. وفي هذا السياق، ستسعى إدارة بايدن، ومن خلال جهود دبلوماسية مكثفة، إلى ممارسة ضغوط قوية على إيران للامتناع عن الرد، مستندةً إلى وصف الهجوم الإسرائيلي بأنه ذو “طبيعة دفاعية”. ومع ذلك، فإن تحقيق هذا الهدف لن يكون أمرًا يسيرًا نظرًا لتعقيدات الوضع وحساسية التوازنات الإقليمية. إن التطورات القادمة ستكون حاسمة ومثيرة، وستحدد بشكل كبير مسار الأحداث في منطقة تشهد توترات متصاعدة منذ عقود.
المصدر: زنقة 20
إقرأ أيضاً:
تجنب الحرب مؤقت لهذه الأسباب
#تجنب_الحرب مؤقت لهذه #الأسباب _ #ماهر_أبوطير
قدمت إسرائيل وإيران روايتين متناقضتين عن الهجوم الإسرائيلي على إيران، وهذا أمر طبيعي جدا لانه يؤشر ضمنيا على قاسم مشترك في الروايتين من حيث ما سنراه بعد الهجوم.
إسرائيل حاولت الظهور بصورة الدولة التي انتقمت من إيران وقصفت عشرات المواقع العسكرية دون أي تصد جوي إيراني في محاولة لحفظ ماء وجه تل ابيب بعد ضربة الصواريخ الإيرانية، ومن أجل ارضاء الشارع الإسرائيلي، وخفض اعتراضات المعارضة الإسرائيلية على الحكومة الحالية، وهذا يفسر تضخيم الكلام عن الرد، وكأنه سحق إيران خلال 4 ساعات.
إيران قللت من أهمية الرد وكذبت إسرائيل، ونفت أغلب الرواية الإسرائيلية دون أن تنكر حدوث هجوم، خصوصا، أن المواقع النووية الإيرانية وتلك النفطية بقيت خارج الضربة، كما أن طهران أعادت مطاراتها المدنية للعمل بعد الضربة بما يثبت استقرار الأمور، وعادت الحياة إلى طبيعتها في إيران، وجاء التقليل من أهمية الضربة الإسرائيلية لأن إيران لا تريد التصعيد أكثر، ولا التورط في رد على الضربة الإسرائيلية، فهي تدرك أن هناك محاولات استدراج لإيران لحرب مفتوحة لا تريدها طهران، إضافة إلى أن أي رد إيراني هذه المرة سيأتي من جبهات ثانية.
مقالات ذات صلة مصطلحات اسلامية: الفتن 2024/10/28علينا التنبه هنا إلى عدة أمور، أولها أن الضغط الشديد من حزب الله على إسرائيل اشتد خلال يومي الخميس والجمعة وتجاوزت عمليات القصف اللبنانية ضد مواقع إسرائيلية الأربعين موقعا، بما يعني أن إسرائيل أيضا غارقة في لبنان، برغم تفوقها الجوي، ولا تحتمل فتح جبهة مع إيران في هذا الوضع المشتعل مع لبنان، وهذا يعني أن احتمال حدوث رد فعل إسرائيلي أقوى مؤجل، خصوصا، مع تزامن كل هذا مع الانتخابات الأميركية، وتحذيرات أصدقاء وحلفاء إسرائيل في المنطقة، من هجمة إسرائيلية كبرى تشعل الإقليم، وتجر كل المنطقة إلى حرب أكبر.
مساحة #إيران كبيرة جدا، وكل مخازن السلاح والصواريخ والمنشآت النفطية والنووية ومقرات الحرس الثوري موزعة بطريقة لا تتمكن معها أي دولة من تدميرها في هجمة واحدة، وهذا يفسر أن الضربة الإسرائيلية بقيت محدودة، بسبب الجغرافيا العسكرية الموزعة، إضافة إلى أن تل ابيب لا تريد الانجرار أيضا إلى الحرب الآن، في ظل ضغوطات أميركية وإقليمية عليها، لكنها باعت الرواية المضخمة للإسرائيليين من أجل تجاوز عقدة الرد، وحجمه، وشكله، وتأثيره.
من جهة ثانية سنرى ردا إيرانيا تحت عناوين مختلفة، من لبنان، أو اليمن، أو العراق، لكن كل التحليلات باتت تستبعد حدوث رد إيراني واسع ومباشر، إضافة إلى أن إيران أعلنت مرارا انها لا تريد حربا، ومن المؤكد أن الدبلوماسية السرية خلال الأسابيع الماضية من خلال وسطاء عرب وأجانب، وعبر جولات المسؤولين الإيرانيين أثمرت عن تسوية غير معلنة لخفض الرد الإسرائيلي، ومحاولة منع أي رد إيراني مباشر، في وقت لاحق، ونحن هنا نتحدث عن توقيت محدد، لا يمنع من تدهور الأوضاع في تواقيت لاحقة، خصوصا، إذا نجحت إسرائيل في لبنان وغزة، وقررت العودة إلى طهران بعد أن باتت وحيدة، وفقا للتصورات الإسرائيلية.
تخضع المنطقة الآن لحرب السرديات، وكما أخفت إسرائيل اضرارها من الضربة الإيرانية الأخيرة، تخفي بالمقابل إيران اضرارها من الضربة الإسرائيلية، لأن السياق السياسي هو الذي يتحكم بالمشهد، وليس حجم الضرر الذي يقع في أي ضربة من أي طرف.
تبقى الاسئلة معلقة حول الذي سيجري خلال الفترة المقبلة، مع دخول فصل الشتاء بما يعنيه من تأثيرات على العمليات العسكرية في لبنان، أو كل المنطقة، وما يرتبط بالانتخابات الأميركية واحتمالات فوز ترامب، وما له علاقة بمجمل الوضع في لبنان، وفلسطين، ومدى استعداد إيران لعقد تسوية إقليمية سلمية ترتبط بالنفوذ الإيراني ومصالح طهران، بما يعني أننا أمام حرب كبرى مؤجلة قد تؤدي إلى تسوية ما بعد الدم أيضا، وفقا لعوامل التحليل المتغيرة.
إيران و #إسرائيل لا تريدان الحرب وجها لوجه، حتى هذا التوقيت، وتؤخران موعدها حتى وقت لاحق، وتستبدلان الحرب المباشرة، بحروب الوكالة في هذه المنطقة.
الغد