مأمون الشناوي شاعر من زمن الحب.. هاني شاكر: أدين بالفضل له في بداية مشواري.. وأستاذ موسيقى عربية: "أنساك" أكثر من مجرد أغنية
تاريخ النشر: 28th, October 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
بكلماته الساحرة ، عبر مأمون الشناوي عن أعمق المشاعر الإنسانية بأسلوب غاية في البساطة فعندما يقول "على بالي كل ما فات" تشعر أن هذه البساطة تحمل في طياتها معاني عميقة تعكس حالة الحبيب المشغول بذكريات الماضي.
وتحتفل "البوابة نيوز" بالذكرى العاشرة بعد المائة لميلاده، للشاعر الكبير مأمون الشناوي شاعر الأغنية العربية، الذي سحرنا بكلماته وفي كل عام، وفي مثل هذا اليوم، 28 أكتوبر، نحتفل بذكرى ميلاد ه كأحد عمالقة الشعر الغنائي العربي، أنه الشاعر مأمون الشناوي.
مأمون الشناوي.. حياة حافلة بالإبداع
ولد مأمون الشناوي في ٢٨ أكتوبر عام ١٩١٤ بمدينة المنصورة، نشأ في أسرة تحب الشعر والأدب، فهو شقيق الشاعر والكاتب كامل الشناوى ؛ فتشرب حبه للأحرف منذ صغره. بدأ مشواره الفني في الصحافة، ثم انتقل إلى كتابة الشعر، وسرعان ما لفت أنظار كبار الملحنين والمطربين بأسلوبه السلس والمعبر.
شراكة فنية أسطورية
تعاون مأمون الشناوي مع كبار نجوم الغناء في عصره، فكتب لأم كلثوم أغاني خالدة مثل "أنساك" و"كل ليلة وكل يوم"، ولمحمد عبد الوهاب كتب أغاني لا تنسى مثل "من قد إيه كنا هنا" و"كل ده كان ليه؟". كما كتب لفريد الأطرش" جميل جمال مالوش مثال " ، وعزيزة جلال " بتخاصمنى حبة وتصالحنى حبة " .
متميز عن شعراء عصره
من جانبه قال أمير الغناء العربى هانى شاكر لـ "البوابة نيوز " : أدين للشاعر الراحل مأمون الشناوى بالكثير فهو من ساعدنى فى بداية مشوارى الغنائى وعُرف مأمون الشناوي بقدرته على التعبير عن أعمق المشاعر الإنسانية بكلمات بسيطة مؤثرة ، ففي أغنيته الشهيرة "أنساك" ، والتي غنتها أم كلثوم، يجسد الشاعر معاناة الحبيب المفجوع بقوله: "أنساك دا كلام/ أنساك يا سلام/ كان قلبك فين/ وحنانك فين". هذه الكلمات البسيطة تحمل في طياتها عمقًا عاطفيًا يجعلها تتردد في أذهاننا حتى اليوم ، عبر عن الشوق والحنين فى كلمات أغنية "على بالي": "على بالي على بالي/ على بالي كل ما فات" - هذا الاقتباس يعكس عمق الشوق والحنين إلى الماضي، و عبر عن حالة من الحيرة والشك في مشاعر الحبيب.بكلمات أغنية "انت وعزولى وزماني": "انت وعزولى وزماني/ ويا ترى مين فيهم نساني" .
ويكمل : كلماته تعبر عن الحب والألم، و أغنية "آه منك يا جارحني": "آه منك يا جارحني/ ويا من ظلمتني" - يعبّر عن ألم الخيانة والجرح العاطفي، ومن أغنية "قابلته": "قابلته ويا ترى/ قال ايه لما شافني" - يعكس حالة من التوتر والقلق عند مقابلة الحبيب بعد فترة من الفراق،وعبر عن الفرح والسعادة بأغنية "نعم يا حبيبي نعم": "نعم يا حبيبي نعم/ أنا بحبك يا حبيبي" - يعبر عن الحب الصادق والعاطفة القوية،من أغنية "جميل جمال": "جميل جمال/ ملوش مثال" - وصف جميل للحبيب يعبّر عن الإعجاب الشديد ،من أغنية "كل ده كان ليه": "كل ده كان ليه/ لما شفت عينيه" - يعبر عن تأثير نظرة الحبيب في قلب الحبيب الآخر، من أغنية "خسارة خسارة": "خسارة خسارة/ فراقك يا جارة" - يعبر عن ألم الفراق وحسرة على ما فات .
الأغنية والرمزية فى شعر مامون الشناوى :
وأضاف : ابرز ماكتب أغنية: "أنساك" هو عنوان قوي يحمل في طياته تناقضًا واضحًا. فالحبيب يردد هذه الكلمة كأنه يحاول إقناع نفسه، بينما يدرك في أعماقه استحالة النسيان؛ فالكلمات تتميز بعمقها وصدقها، فهي تعبر عن أوجاع القلب وجراح الحب. عبارات مثل "أنساك دا كلام"، و"كان قلبك فين"، و"وحنانك فين" تجسد يأس الحبيب وعجزه عن تجاوز الألم؛ والألحان لمحمد عبد الوهاب للأغنية أضاف بعدًا آخر من الجمال والأحساس، حيث تنسجم الألحان مع الكلمات وتعزز من تأثيرها العاطفي على المستمع والتحليل الدلالي فى رمزية النسيان الذى يمثل هنا محاولة يائسة للتخلص من الألم، ولكن الحبيب يدرك أن النسيان أمر مستحيل؛ وكذلك رمزية القلب هنا إلى مركز المشاعر والأحاسيس، وحنين الحبيب للقلب الذي كان يوماً مليئًا بالحب والحنان؛ ورمزية الحنان هنا يمثل الدفء والعطف الذي كان يقدمه الحبيب، والآن يشعر الحبيب بفقدانه.
أهمية إرث مأمون الشناوي
فى ذات السياق يقول دكتور عمرو ناجى استاذ الموشحات بالمعهد العالى للموسيقى العربية لـ “البوابة نيوز”: تأثير كلمات مامون الشناوى على المستمع قوى فما يكتبه يحمل اللحن فى معانيه ، فتستطيع الأغنية أن تلامس أوتار المشاعر لدى المستمع، وتجعله يعيش تجربة الحبيب المفجوع؛ والأهم هنا ديمومة الأغنية فعلى الرغم من مرور سنوات عديدة على إنتاج هذه الأغنية، إلا أنها لا تزال تحتفظ بجاذبيتها وقدرتها على التأثير في النفوس.
وأوضح : فأغنية "أنساك" هي أكثر من مجرد أغنية، فهي عمل فني متكامل يجمع بين الشعر الجميل والألحان العذبة والأداء الصوتي المميز. وقد أثبتت هذه الأغنية أن مأمون الشناوي كان شاعرًا متمكنًا، قادرًا على التعبير عن أعمق المشاعر الإنسانية بكلمات بسيطة مؤثرة.
الشناوى صاحب مدرسة في الشعر الغنائي
وأكد : تميز مأمون الشناوي بأسلوبه الخاص في كتابة الشعر الغنائي، فكان يجمع بين العمق والمعنى السهل، مما جعل أغانيه تصل إلى قلوب الناس بكل طبقاتهم، وكان صانع نجوم ، فقد ساهم في صناعة كثير من نجوم الغناء، سيد مكاوى وهانى شاكر ونجاة الصغيرة حيث قدم لهم الكثير من الأغاني التي ساهمت في شهرتهم ونجاحهم.
إرث خالد لا يموت
وقال : أن أغاني مأمون الشناوي لا تزال حاضرة في وجداننا حتى اليوم، فهي تعبر عن أحاسيسنا ومشاعرنا، وترافقنا في مختلف مراحل حياتنا،وفي ذكرى ميلاده ، نتذكر الشاعر الكبير مأمون الشناوي، ونستعيد إبداعاته التي أثرت في حياتنا الفنية والثقافية. إنه رمز من رموز الشعر الغنائي العربي، وسوف يظل اسمه محفوراً في ذاكرة الأجيال مأمون الشناوي ليس مجرد شاعر، بل هو فنان حقيقي، استطاع أن يخلق لنا عالماً من الجمال والأحاسيس من خلال كلماته. إنه مثال يحتذى به للشعراء والأدباء، الذين يسعون إلى ترك بصمة خالدة في تاريخ الأدب ، دعونا نحتفل بذكرى ميلاد هذا الشاعر الكبير، ونستمر في الاحتفاء بإبداعاته التي ستظل خالدة للأبد.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: أغاني عربية إرث فني مأمون الشناوی على بالی من أغنیة عبر عن شاعر ا
إقرأ أيضاً:
ما يبقى من الشعر وما يبقى للشعراء
حاتم الصكر
رغم أن تفوهات الشعراء في الاستجوابات الصحافية والنقدية تُعد متوناً خارج نصوصهم، أجدني مهتماً بها ومتابعاً لتفاصيلها بفضول معرفي للمقارنة بينها وما يتحقق في النصوص. بهذا الإحساس قرأت التحقيق الذي أجراه وقدم له الصديق الناقد عبد اللطيف الوراري (القدس العربي-14 شباط/ فبراير2025) وهو ممن يحرصون على متابعة شؤون الشعر وشجونه، وتقلبات كتابته وتلقيه. لذا وضع عنواناً دالّاً بأقل العبارات. إنه يستفتي أربعة من (شعراء اللحظة الراهنة) كما يصفهم العنوان عبر سؤال جوهري (هل ما زال في جعبة الشعر ما يقوله ويصطنع الدفاع عنه؟).
في التقديم خلص الوراري إلى رسم مشهد شديد التفاؤل براهن الكتابة الشعرية. وجدتني أشاطره إياه، مستذكراً تجربتي حين كنت أجمع نصوص كتابي عن الميتاشعري في قصيدة النثر العراقية، ونصوصاً عربية لجزء تالٍ عن قصيدة النثر العربية. فقد أحسست أن النصوص تشي بكثير من المزايا الفنية والجمالية اللافتة، ذكّرني بها ما تحدث عنه الوراري في التقديم. فقد ارتقت الهوامش الشعرية إلى مقام المراكز التقليدية وبرزت حساسيات شعرية جديدة، ووعي منشقّ متسم بالرفض والغضب والجرأة المضمونية والشكلية.
لكن الوراري يضع يده من بعد على أزمة التلقي، فوجد أن (الجمهور) لا يرى في الشعر الجديد ما يرجوه بالمقايسة مع ما عهده في ذخيرته. إن الأزمة في جانب مهم منها في (التلقي)، كما أود تسميته توسيعاً لمصطلح (الجمهور)، وتخلصاً من إحالاته العامة التي يشير لها وضع الجمهور بإزاء الإلقاء والحالة الشفاهية لتوصيل الشعر. وهو عنصر مهم في صراع النصوص الجديدة مع تداوليتها الناقصة. فالجمهور يقيس بما يعيد لذاكرته (دور الشعر) في التحفيز ومعالجة الأدواء الاجتماعية والسياسية الراهنة، فيما يبدو واضحاً أن الكتابة الشعرية لم تعد قادرة على أن تكون صوتاً مناسباً لتسارع ما يجري، وما يتغير كل ساعة من حولنا. ويقابل ذلك إهمال التلقي المطلوب بكيفيات تحفظ شعرية الشعر وحداثته، وأدبية الكتابة أيضاً. وهو ما سنعالجه في فقرة تالية.
استطاع الوراري إذاً أن يضع طرفيْ المشكلة في صلب استفتاءٍ قصد به استجلاء ما يراه الشعراء في تلك التساؤلات، ما داموا ممن يكتبون الجديد، ويمثلون حساسيات عربية من خمسة بلدان.
وبالعودة إلى الإجابات سنرى أن الشاعرة نجاة علي (مصر) تؤكد ما تشهده القصيدة الجديدة، وهي قصيدة النثر عندها، فهي تتطور وتحرر الكتابة من كون الشعر مجرد شكلٍ لحمل مضامين تسلب روحه الحقيقية. وترى أن الشعر ينجو بالعودة إلى ذات الشاعر وأسئلته. ونفهم أن هذا هو دوره في رأيها.
أما سعيف علي – تونس، فيرى أن التلقي بخير، ويحتكم إلى ما تمثله القراءة عبر المنافذ المستحدثة خلافاً لطريقة التلقي التقليدية أي النشر الورقي حيث الأعداد متواضعة. وهو يذهب إلى الكتابة الشعرية ذاتها وينزع عنها أي دور، فهي تقوم بوظيفتها عبر ما تحققه من إنجاز وتلغي المنبرية وتتجه نحو علاقات تلقٍ يراها مناسِبة. ويأخذنا العراقي أحمد ضياء إلى ما هو قريب من قناعات زملائه في فك ارتباط الشعر بالسياسة كعمل مباشر، وهجْر المنبرية والخطابية، ويلفت النظر إلى ما تفعله الثورة الرقمية من تشتيت التلقي. ويكمل عبد الجواد العوفير من المغرب ما يراه زملاؤه، فالشعر ليس له دور حقيقي في التغيير المطلوب اليوم، لكنه يغير عبر مهمة شعرية أكبر يقوم بها الشاعر للتحرر من المسلمات. ويختم اليمني محيي الدين جرمة بالقول إن التغيير بالمعنى السياسي المباشر والنمطي لا يقوم به الشعر، ويوكل له مهمة جمالية تقترب مما يعوّل عليه زملاؤه عبر عزلات مشروعة ورؤى جديدة لكونه اختياراً جمالياً فرديا.
لاحظت من الإجابات أن ثمة قناعة لدى المستفتين بأن الشعر غادر دوره المرتبط بالمنبرية، وتبعية الجماعة. وأنه ينجز دوره مع تعديل الوظيفة والمصطلح عبر الاقتراب من ذات الشاعر والابتعاد عن الدور السياسي المباشر، لا لتعالٍ أو تجنب لما هو مشروع في الحياة، وحق يتعلق بالحرية والعدالة، ولكن دون خضوع لصوت أعلى من صوت الشعر الذي يصر الشعراء على أنه غادر المنبر والخطابية، واكتفى بجمالياته القادرة على استيعاب ما يجري عبر وعي (مضاد) وعميق ينطلق من ذات الشاعر لا من قناعات جمعية جاهزة، لا تدع له مكاناً خاصاً لتوصيل رؤيته.
حسناَ. للشعراء أن يقولوا ما يرون. فهم أمراء الكلام يصرفونه أنّى شاءوا، كما ينقل حازم القرطاجني في «منهاج البلغاء» عن الخليل بن أحمد. ويستطرد حازم على كلام الخليل بصدد حرية أمراء الكلام، فيقول إنهم لا يقولون شيئاً لا وجهَ له. وذلك يتطلب تأوُّل ما يقولون بوجه من الصحة وتخريج كلامهم عليه.
وهم بحسب هولدرلين في مقولته «ما يبقى يؤسسه الشعراء» موكلين بإنجاز حضاري كبير، لكونهم كما في إحدى قصائده:
الشعراء أوعيةً مقدسة
تُحفَظ فيها خمر الحياة
وروح الأبطال
لكن الفرضية التي يحتج بها العرب لتعظيم دور الشاعر، وحقه في التصريف الحر مشروطة أيضاً. لأن الشعراء موكلون (باستخراج ما كلَّت الألسن عن وصفه ونعته، والأذهان عن فهمه وإيضاحه. فيقربون، البعيد ويبعدون القريب، ويُحتج بهم ولا يُحتج عليهم). وهذا يحيلنا إلى ما ورد من تصريح في نماذج الإجابات لشعراء الجيل الراهن. فإعلاء شأن الشاعر يجب أن يكتمل بتقديم ما لا تستطيعه الألسن الأخرى غير الشعرية. ويعني التنبه إلى كثرة التكرار والتماثل في الأصوات والأساليب حتى في نماذج من شعر الحداثة.
وإذا كنا بصدد الكتابة الجديدة وقصيدة النثر تحديداً، فليكن لنا الحق في افتراض أن لكل شاعر قصيدة نثره. بمعنى تلك التي تعبر عن ذاته ورؤيته. وإلا فقد نجد أنفسنا أمام تقليدية جديدة وهو ما حذّر منه بعض من ساهم في الإجابة على تساؤلات الوراري.
ليكن للشعراء الحق في الابتعاد عن منهجيات الخطاب المباشر ونثره الذي لا يناسب مقاصد القصيدة الجديدة. ولكن علينا أن نتعرف ما تعنيه دعوة الشعراء للعودة إلى الذات. وهو ما يتطلب إزالة غموض والتباس كبيرين يحايثان ذلك. فالذات ليست تلك المقصودة في الشعر الرومانسي مثلاً، أو التي تقف مناوئة للأنا الجمعية التي يندرج الشاعر تلقائياً واختيارياً فيها، حين يكون عليه الاصطفاف مع الآخر في حقوقه وفي عصر يتسم بالقسوة وافتقاد العدالة والانحدار السريع نحو الدكتاتوريات وتجلياتها الاجتماعية.
أما ما يشير له الشعراء في إجاباتهم، وكذلك تقديم الناقد الوراري، حول أزمة التلقي فهو إعلان صادق عن إحساس عام لدى الشعراء بأن القراءة أصبحت بعيدة عن مطمحهم. فهم لا يجدون الصدى والرجع المطلوب لما يكتبون، لا بكونهم أفراداً بانتظار تقويم تجاربهم بقدر الحاجة لمعرفة أصداء كتاباتهم الجديدة وموقعها في الخط الشعري المتنامي، والمعبر عن راهن شعري متميز بمعايشة التحولات الكبرى في الحياة وذلك ما لا تحققه لهم ردّات فعل القراءة الراهنة. فالشعر يأخذ شيئاً فشيئا مكانة قصية من اهتمامات الأجيال والدارسين. ويمكننا أن نعزو ذك لعدة أسباب منها عودة الشفاهية الجديدة بسبب الثورة الرقمية والاستغناء عن القراءة والمتابعة. إنها وباء حضارة الفرجة: نقلة أو ردّة شفاهية لا أريد حصرها شعرياً في تراجع الحداثة وتصدر المنبر والوزن، لكنها سياق عام أهم من ذلك، وأخطر بالضرورة تتمثل في الفرجة والشفاهية.
وفي حوار مع ماريو فارغاس يوسا ترجمة الشاعر اسكندر حبش (ضفة ثالثة. 18/12/24) يجيب على سؤال عما يخص الاتجاه الذي يسلكه العالم اليوم؟ وهل نحن على الدرب السليم؟ فيقول يوسا: إننا في حضارة الفرجة صرنا نعيش تراجعاً أو انحطاطاً (فالحرية الاقتصادية وحرية السوق لم ترافقهما حياة ثقافية مكثفة ولا حياة روحانية، لقد أصبحت الثقافة لعبة، ترفيهًا، وتسلية. لقد هُمّشت بطريقة كبيرة إزاء الزينة والسهولة والسوق). وأحسب أن البصر يتفرج الآن، ويرى لاهياً من دون أن يبصر ما يجري، حتى في حالتنا العربية التي يعوزها التبصر بمآلات حاضرنا ووجودنا.
وها نحن نعيش سطحيات العصر الإلكتروني كما يرى أولتر أونج. عصر «يعادل مرحلة ثانوية من الشفاهية، لا يعتمد فيها الفهم والتصور على مجردات الكتابة، بقدر اعتماده على الحكايات المروية والصور التوضيحية ومغامرات الأبطال، حيث تأخذ المؤثرات السمعية والبصرية بلبّ المتلقي وتسلبه قوة التركيز الذهني».
ولدينا عربياً ما يدعو للإحباط وإضعاف التلقي، متمثلاً بدعوات النقد الثقافي الممنهجة بنسخته العربية إلى نبذ جماليات الشعر، والتهشيم المتعمد لرموزه ومشروعه الحضاري، وتراثه وحداثته، بدعوى نسقيته، والحكم عليه بنفاد صلاحيته.
وأحسب أن مناقشة تلك التفاصيل ستفضي إلى التعرف على ما يمكن للشعر أن يفعله في عالم لا شعري بجدارة.
ولكن يبقى الشعر علامة على إنسانية الإنسان وتجدد خطاب مواجهة الفناء والانحسار الروحي الخطير.
المصدر: القدس العربي