الحِكمانية وإشكالية التدفقات النفطية
تاريخ النشر: 28th, October 2024 GMT
دكتور الوليد آدم مادبو
تشير عملية إصلاح واستئناف العمل في أنابيب النفط بين السودان وجنوب السودان إلى أكثر من مجرد فرصة اقتصادية؛ فهي تجسد التفاعل المعقد للاعتماد الإقليمي، والنزاعات الداخلية، والمصالح الدولية. كما تشير عالمة السياسة إليزابيث أ. نوجنت، "في منطقة غنية بالموارد، تكون المخاطر مرتفعة، وسيتحدد مستقبل الدولتين من خلال تفاعل القوى المحلية والعالمية.
سيوفر دمج الأرقام الإحصائية المقارنة صورة أوضح للمنظر الاقتصادي والجيوسياسي المحيط بحالة أنابيب النفط بين السودان وجنوب السودان. في عام 2022، أنتجت دولة جنوب السودان حوالي 127,000 برميل يومياً، مما يعكس تعافياً من الانخفاضات السابقة بسبب النزاع المدني. وعلى الرغم من هذه الأرقام، يقدر صندوق النقد الدولي أن نمو الاقتصاد في جنوب السودان كان حوالي 3.5% في عام 2023، مما يشير إلى صراع مستمر من أجل الاستقرار.
يرتبط اقتصاد جنوب السودان بشكل عميق بصادراته النفطية، التي تشكل حوالي 90% من ناتجه المحلي الإجمالي. كما يشير عالم العلاقات الدولية ميخايل و. م. ماغليفيراس، "بالنسبة للدول غير الساحلية مثل جنوب السودان، فإن الوصول إلى طرق التصدير ليس مجرد مسألة لوجستية؛ بل هو مسألة بقاء اقتصادي." وهذا تبرز الطبيعة الحساسة لاعتماد جنوب السودان على عائدات النفط، خاصة في ظل النزاعات الداخلية المستمرة. فيما العواقب على أسواق النفط العالمية مهمة. يشير اقتصادي الطاقة بول ستيفنز، "نفط جنوب السودان، كونه خفيفاً وعذباً، مطلوب بشكل خاص في السوق العالمية. زيادة صادراته قد تؤثر على سلاسل الإمداد والأسعار العالمية." وهذا يعزز أهمية الاستقرار في جنوب السودان بالنسبة لديناميات الطاقة الدولية.
تعتمد إمكانية جذب الاستثمارات الدولية المتجددة على قضايا الحِكمانية متمثلة في الشفافية والمحاسبية. في عام 2022، كانت الاستثمارات الأجنبية المباشرة في جنوب السودان أقل من 100 مليون دولار، وهو تباين صارخ مع إثيوبيا المجاورة، التي جذبت أكثر من 4 مليارات دولار في نفس العام. يبرز هذا التباين التحديات التي تواجهها جنوب السودان في خلق مناخ استثماري ملائم. وقد صرح الأكاديمي جوك مادوت جوك، "سيتوقف الانخراط الدولي مع جنوب السودان ليس فقط على العوامل الاقتصادية ولكن أيضاً على قدرة البلاد على إظهار الالتزام بالحكم والاستقرار." وهذا يسلط الضوء على التحديات المتعددة الأوجه التي تواجهها الحكومة السودانية في جذب الاستثمار الأجنبي.
بالنسبة للسودان، تشكل الرسوم من معالجة ونقل النفط من جنوب السودان جزءاً كبيراً من ناتجها المحلي الإجمالي. في عام 2022، بلغت هذه الرسوم حوالي 1.5 مليار دولار، مما يمثل حوالي 15% من إجمالي إيرادات السودان. جعل فقدان عائدات النفط بعد عام 2011 (من حوالي 5 مليارات دولار سنوياً إلى حوالي مليار دولار في عام 2022) السودان يعتمد بشكل كبير على هذه الرسوم من أجل البقاء الاقتصادي. كانت الإنتاجية قريبة من التوقف خلال فترة النزاع (2013-2016)، أي الحرب الأهلية التي اندلعت في جنوب السودان. لم يُستأنف العمل في الأنبوب حتى عام 2017 واستمر حتى عام 2023. تعتبر الفترة (2017-2023) فترة تعافٍ واستقرار.
أدى النزاع المستمر بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع الذي اندلع في 15 أبريل 2023 إلى تعطيل الإنتاج وتعقيد أمان الأنابيب. زادت المخاوف بشأن الاستقرار مع سيطرة قوات الدعم السريع على البنية التحتية الحيوية. شهد السودان في الأشهر الأخيرة زيادة بنسبة 5% في النزوح المرتبط بالنزاع، مما يعرض سلامة سلسلة الإمداد النفطي للخطر. تعتمد القدرة على استعادة احتياطي النفط على حل النزاع الحالي وإعادة بناء البنية التحتية الحيوية، حيث أن أسواق النفط العالمية حساسة وتتأثر بعدم الاستقرار الجيوسياسي. ولا ننسى أن تعطيل الإنتاج والصادرات سيزيد من تكاليف التأمين والتشغيل، مما يضغط أكثر على هوامش الربح لكل من السودان وجنوب السودان.
تتشكل البيئة الجيوسياسية في القرن الأفريقي من خلال هذه التطورات. كما يشدد المحلل الشرقي الأفريقي ديفيد شين، "يمكن أن يؤدي استئناف صادرات النفط من جنوب السودان إلى تغيير المشهد التنافسي لإنتاج النفط في المنطقة، مما يؤثر بشكل خاص على الدول المجاورة التي تسعى لتطوير مواردها الخاصة." قد يؤثر استئناف صادرات النفط من جنوب السودان على القدرة التنافسية لأسواق النفط الإقليمية. على سبيل المثال، لدى أوغندا، التي تقدر احتياطياتها بـ 6.5 مليار برميل، خطط لتطوير قطاع النفط لديها. بالمقارنة، تملك جنوب السودان احتياطيات تقدر بـ 3.5 مليار برميل لكنها تواجه تحديات في القدرة الإنتاجية بسبب عدم الاستقرار المستمر.
اعتباراً من منتصف عام 2023، بلغ متوسط أسعار النفط العالمية حوالي 80 دولاراً للبرميل. قد يغير النفط الخام الخفيف والعذب من جنوب السودان، الذي عادة ما يُباع بسعر مرتفع، ديناميكيات الأسعار. على سبيل المثال، إذا زادت جنوب السودان صادراتها بمقدار 50,000 برميل يومياً، فقد تنتج إيرادات إضافية تصل إلى 1.5 مليار دولار سنوياً بناءً على الأسعار الحالية في السوق. وهذا يدل على أن إعادة دخول جنوب السودان إلى سوق النفط يمكن أن تغير ديناميات الاستثمار في المنطقة. يقول الأكاديمي وخبير النزاعات حمزة أليتش، "التحكم في الموارد الاقتصادية مثل أنابيب النفط غالباً ما يكون في قلب صراعات السلطة في السودان. إن سيطرة قوات الدعم السريع على أجزاء من الأنبوب تثير تساؤلات حول استمرارية العمليات." مثل هذه النزاعات الداخلية لا تؤثر فقط على تدفق النفط ولكن أيضاً على الاستقرار الإقليمي.
في الختام، تمثل عملية إصلاح واستئناف العمليات في أنابيب النفط بين السودان وجنوب السودان نقطة تحول حاسمة في اقتصادات كلا البلدين. مع اعتماد جنوب السودان على النفط لـ 90% من ناتجه المحلي الإجمالي واعتماد السودان على رسوم المعالجة لحوالي 15% من إيراداته، فإن مصيرهما مترابط بشكل عميق. تؤكد إمكانية زيادة صادرات النفط والفوائد الاقتصادية المرتبطة بها على الحاجة الملحة للاستقرار والحكم الفعال في كلا البلدين. كما يشير الاقتصادي مايكل سبنسر، "في المناطق الغنية بالموارد، غالباً ما يحدد التفاعل بين الحكم المحلي والفرص الاقتصادية المسار الأوسع للتنمية." تتطلب هذه الحالة المستمرة تنسيقاً دقيقاً لضمان الاستقرار والازدهار.
auwaab@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: السودان وجنوب السودان فی جنوب السودان من جنوب السودان أنابیب النفط السودان على فی عام 2022
إقرأ أيضاً:
برنامج الأمم المتحدة العالمي للأغذية يحذر من تفاقم الجوع في جنوب السودان
حذر برنامج الأمم المتحدة العالمي للأغذية من أن 57 % من السكان في جنوب السودان وأغلبهم من الأطفال،سيعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد خلال موسم الجفاف لعام 2025، خاصة مع فرار العائدين من الحرب في السودان.
الأمم المتحدة: 7.7 مليون شخص معرضون لسوء تغذية في جنوب السودان الجزائر تدعو المجتمع الدولي إلى احترام سيادة السودانوبحسب مركز إعلام الأمم المتحدة،قال برنامج الأغذية العالمي أن أحدث تصنيف متكامل لمراحل الأمن الغذائي،أظهر أن أكثر من 85 % من العائدين الفارين من السودان سيعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد خلال موسم الجفاف القادم بدءا من أبريل المقبل.
ووفقا للتصنيف الجديد،سيشكل هؤلاء ما يقرب من نصف أولئك الذين يواجهون جوعا كارثيا،حيث يكافحون لإعادة بناء حياتهم وسط أزمة اقتصادية غير مسبوقة وفيضانات شديدة وإعطاء الأولوية للموارد حيث تتجاوز الاحتياجات التمويل.
وقال الممثل القُطري لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة في جنوب السودان "ميشاك مالو" إن ظهور الأزمة الاقتصادية وارتفاع أسعار المواد الغذائية المرتبطة بها كمحرك رئيسي لانعدام الأمن الغذائي يرسل رسالة قوية مفادها أن "الوقت قد حان لزيادة استثماراتنا بشكل جماعي في دعم مواطني جنوب السودان لإنتاج طعامهم بأنفسهم".
وأضاف أن هذا لن يقلل من ميزانية الغذاء المنزلية فحسب،بل سيخلق أيضا مزيدا من فرص العمل في قطاع الزراعة ويزيد من دخول الأسر حتى تتمكن من البحث عن أنظمة غذائية أكثر صحة.
وأعلن برنامج الأغذية العالمي إنه في حين أن المتوقع أن يعاني العائدون الفارون من الحرب في السودان من أعلى مستويات انعدام الأمن الغذائي، فإن العديد من المجتمعات في جميع أنحاء جنوب السودان ستستمر في المعاناة مع استمرار الأزمة الاقتصادية والفيضانات الشديدة ونوبات الجفاف المطولة والصراع في تعطيل المكاسب التي تحققت.
من جهتها، شددت المديرة القطرية وممثلة برنامج الأغذية العالمي في جنوب السودان "ماري إلين ماكغروارتي" أهمية معالجة الأسباب الجذرية للجوع، وقالت إن المجتمعات تحتاج إلى السلام والاستقرار، وتحتاج إلى فرص لبناء أو إعادة بناء سبل العيش ومساعدتها على تحمل الصدمات المستقبلية".
وأظهر أحدث تصنيف متكامل لمراحل الأمن الغذائي كذلك أن ما يقرب من 2.1 مليون طفل معرضون لخطر سوء التغذية، حيث يعود الأطفال إلى مراكز التغذية عدة مرات على مدار العام مع استمرار المعاناة من ضعف الوصول إلى مياه الشرب الآمنة والصرف الصحي، وأوضح أن المرض يعد عاملا رئيسيا يساهم في سوء التغذية لدى الأطفال.
وقالت ممثلة اليونيسف في جنوب السودان "حميدة لاسيكو"، إن المنظمة تشعر بقلق عميق من أن عدد الأطفال والأمهات المعرضين لخطر سوء التغذية سيستمر في الارتفاع ما لم يتم تكثيف الجهود لمنع سوء التغذية من خلال معالجة أسبابه الجذرية، إلى جانب توفير الدعم الغذائي الفوري لعلاج سوء التغذية بين الأطفال الأكثر عرضة للوفاة.