في انتظار السيد غوتيرش غداً
المعتاد أم هنالك جديد
لحماية المدنيين السودانيين؟
ياسر عرمان
غداً الأثنين من المقرر أن يخاطب الامين العام للأمم المتحدة السيد غوتيرش مجلس الأمن متناولاً قضايا الحرب في السودان بالتركيز على الوضع الإنساني وحماية المدنيين، ولخفض التوقعات ظهرت تسريبات منسوبة لمكتبه بان الوضع غير ملائم لارسال قوات دولية لحماية المدنيين، وهو أمر معلوم في ظل عدم توصل طرفي النزاع لاتفاق وقف إطلاق النار المصحوب ببعثة سلام للمراقبة، مع ذلك فانه من غير المقبول من المنظمات الاقليمية والدولية وعلى رأسها مجلس الامن السماح باستمرار جرائم الحرب التي يرتكبها الطرفين ضد المدنيين وتمتد من الفاشر إلى تمبول، من المتوقع أن تدور الحرب في (١٠) مدن ومناطق في الأسابيع القادمة مما يفاقم أكبر كارثة إنسانية يشهدها العالم في السودان وقد يؤدي لنزوح ما بين (١٠-١٥) مليون نازح جديد.
هل سيكون تقرير الامين العام هو نفس تقريره السابق مع تغيير بعض الجمل والعبارات والأرقام؟ وفي غياب البند السابع هل بإمكان الامين العام ان يطالب بتطبيق بنود أخرى ملزمة وتساهم في الضغط من أجل وقف الحرب والجرائم ضد المدنيين ومطالبة المجلس بخطوات جديدة من ضمنها:
١/ اجتماع مشترك بين مجلس الأمن الدولي ومجلس الأمن الافريقي في مقر الاتحاد الأفريقي باديس ابابا ودعوة الطرفين لحضور الاجتماع، وسبق لمجلس الامن الدولي عقد اجتماع في نيروبي وخاطبه كلُ من الراحل الدكتور جون قرنق وعلي عثمان للضغط للوصول لاتفاق سلام في نيفاشا، كما قام مجلس الأمن مرة أخرى بزيارة ضمت كامل عضويته للخرطوم للدفع بتنفيذ اتفاق سلام نيفاشا.
٢/ تطبيق عقوبات اقتصادية ودبلوماسية.
٣/ العقوبات الذكية الموجهة.
٤/ رفع سقف الوساطة والمفاوضات والربط الوثيق بين الاتحاد الأفريقي ودول الجوار ومنبر جدة.
٥/ تعزيز إجراءات حماية المدنيين في غياب بعثة عسكرية.
٦/ الدعوة لوقف عدائيات مؤقت لمدة شهر مثلاً، لادخال المساعدات وحرية التنقل أمام المدنيين.
٧/ المساعدات الانسانية المشروطة بحماية المدنيين.
كل ذلك وارد في بنود وصلاحيات مجلس الأمن وحتى لا يكون خطاب الأمين العام مناسبة للإدانة والشجب وليستخدم ما هو متوفر لمجلس الأمن من إجراءات خارج البند السابع .
من واجبنا كسودانيين وسودانيات في القوى السياسية والمدنية سيما المتواجدين في الخارج القيام بحملة عالية الصوت بالوفود والمذكرات والمطالب والإعلام لمطالبة المجتمعين الاقليمي والدولي باهتمام أكبر بالكارثة الإنسانية وحماية المدنيين السودانيين.
ما حك جلدك مثل الجماهير
والثورة أبقى من الحرب
٢٧ أكتوبر ٢٠٢٤
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: مجلس الأمن
إقرأ أيضاً:
سلامة المدنيين بين الاستنفار والاستسلام
بسم الله الرحمن الرحيم
د. محمد المنير أحمد
الحرب مفسدة، ولا يجوز اللجوء الى الحرب الا لدرء مفسدة أعظم منها. ولقد رأينا أن المفاسد التي ترتبت على الحرب في السودان من ازهاق الأرواح البريئة واغتصاب النساء وسبيهن واستعبادهن والاتجار بهن لأغراض جنسية واتلاف مرافق الدولة الحيوية ونهب واتلاف الممتلكات الخاصة وتهجير وتجويع الملايين من المواطنين وانتشار المرض والعوز وتعطيل التعليم قد بلغ مبلغا يشيب له الوالدان وتتقطع له القلوب حسرة. لذا، فإن أي سبيل حكيم لوقف هذه الحرب وإنهاء مفاسدها المتفاقمة بما فيها تدمير السودان بأيد بنيه مطلب شرعي وعقلي حكيم. قد نختلف حول كيفية إنهاء هذه الحرب والخراب، ولكن لتبقى لنا قدوة حسنة في مواقف الرسول صلى عليه وسلم لدرء الحروب ومنع سفك الدماء عندما اجتمعت قبائل وأحزاب الشرك للانقضاض على المسلمين في المدينة على حين غفلة من أهلها وكذلك مقولته يوم الحديبية ورغم استعداد أصحابه لقتال قريش: " لا تدعوني اليوم قريش الى خطة ليسالوني فيها صلة الرحم إلّا أعطيتهم". فيجب على كل أطراف الحرب الذين ما فتئوا يكبرون الله وهم يسفكون دماء بعضهم البعض، أن يَرْقُبوا ويَرْعَوا في بعضهم البعض وفى أهل السودان صلة الرحم وعهود الدين والوطن.
في هذا المقال أود أن أعقّبَ على الجدل الذي يدور حول الاستنفار لحمل السلاح دفاعا عن النفس والقرى والعشائر التي يجتاحها أو يهدد ويتوعد الدعم السريع باجتياحها والفتك "البل" بأهلها، وبين من يقول إن الاستنفار وحمل السلاح دفاعا عن النفس سيؤدى الى المزيد من سفك الدماء ويبرر تنكيل الدعم السريع بالمدنيين، لذا فان هذه الفئة من الناس تدعوا المواطنين لطلب حماية الدعم السريع بدلا عن مقاومته. وقد ذهب البعض الى أبعد من ذلك وقال ان من يحمل السلاح دفاعا عن نفسه وعرضه وماله يدخل في دائرة من يصفه القانون الدولي بالمقاتلين (combatant) ويُحْرَم من حق الحماية التي يكفلها القانون الدولي للمدنيين في حالات الحرب.
إذا رجعنا الى الوراء قليلا الى الأشهر الأولى لبدايات هذه الحرب بين الدعم السريع والقوات المسلحة، نجد أن الدعم السريع بادر الى اقتحام منازل المدنيين العزل وعمل فيهم قتلا واغتصابا للنساء ونهبا للأموال وطردا مذلا من البيوت والأحياء بيد أنه لم يكن في ذلك الوقت مستنفرين ولا مدنيين مسلحين في مدن العاصمة المثلثة. وعندما اقتحم الدعم السريع مدينة ودمدني وتبعتها مدن وقرى أخرى في الجزيرة، لم يكن أؤلئك المدنيون العزل طرفا في النزاع بين الجيش والدعم السريع. الفيديوهات التي صورها وبثها جنود الدعم السريع أكبر دليل على أن استهدافهم للمدنيين لم يكن رد فعل للاستنفار وحمل السلاح، انما كان يبرر تارة بأنهم جلابة، وتارة بأنهم فلول، أو أنهم يمثلون "دولة 56". وإذا أمعنا النظر فيما قام به الدعم السريع في دارفور قديما وما يقوم به الآن، نرى ومن خلال فيديوهات وتصريحات جنود وقيادات الدعم السريع أنهم يستهدفون المدنيين بشكل ممنهج على أساس اثنى/عرقي وقبلي محض.
إذا نظرنا لتسلسل الأحداث من حيث السابق واللاحق، والفعل ورد الفعل، نرى بكل وضوح ومن خلال توثيقات جنود الدعم السريع ومحرِّضيهم، أن استهداف الدعم السريع للمدنيين بالقتل واغتصاب النساء وسرقة واتلاف المال الخاص والعام بشكل ممنهج هو السابق في كل الأحوال لفكرة الاستنفار والدعوة للدفاع عن النفس. بل إن الاستنفار والدعوة للدفاع عن النفس والعرض والمال جاءت كرد فعل على تصاعد وتيرة وحدة استهداف الدعم السريع للمدنيين العزل مع عدم قدرة القوات المسلحة عن حماية المدنيين بشكل فاعل ووفق واجبها الدستوري.
لذا أدعو من يقول بأن الاستنفار وحمل السلاح دفاعا عن النفس والعرض والمال هو الذي جعل الدعم السريع يستهدف المدنيين لمراجعة تسلسل الأحداث.
ثم لنقل إن بعضا من الشباب قد حملوا السلاح داخل مدنهم وقراهم بغرض الحماية، فهل هذا يبرر للدعم السريع أن يقوم باختطاف واغتصاب النساء بعد أن اسر وقتل المستنفرين؟ ولماذا يقتل ويضرب ويؤسر ويهان الرجال المسنين، ما هي ذنب هؤلاء؟
إن الحرب ومنذ أشهر عديدة قد تجاوزت العداء بين الدعم السريع والقوات المسلحة ومن يسمون فلول وكيزان قد هيمنوا على الجيش. إنها حرب ضد المدنيين بكل أطيافهم ودياناتهم ما داموا لا يروقون لمزاج جنود الدعم السريع ومحرّضيهم من دعاة الفتنة. كل من يشاهد الفيديوهات التي يبثها جنود الدعم السريع ومحرّضيهم ويستمع للألفاظهم البذيئة يدرك طبيعة واجندة هذه الحرب ونفسيات منفذوها.
أما بالنسبة للذين يقولون بأن المدنيين الذين يحملون السلاح للدفاع عن أنفسهم وأعراضهم وأموالهم يصنفون كمقاتلين ويفقدون حقهم في الحماية التي يكفلها القانون الدولي للمدنيين، فدعوني اثير ثلاثة نقاط جوهرية:
أولا: أود أن اُحيل أصحاب هذه الحجة الى الأصل في القانون الدولي، ألا وهو أن استهداف المدنيين في حالة الحرب مخالف للقانون الدولي ويعد جريمة في حد ذاته. لذا فإن الأولى بمن ينظرون للأمر من منظور القانون الدولي أن يتوجهوا بالنصح للدعم السريع ومحرِّضيهم بعدم استهداف المدنيين بأي شكل من الأشكال إذ أن استهداف المدنيين هو أصل وأُس الأزمة التي يواجهها أهل السودان أينما حل الدعم السريع.
ثانيا: وفقا للقانون الدولي، يتمتع المدنيون بحق الدفاع عن النفس في الحالات التي تتعرض فيها مدنهم ومنازلهم للعدوان من قبل مجموعات مسلحة. يرتكز هذا الحق على القانون الدولي العرفي، ويفسر أيضا كجزء من الحق الأوسع في الحياة والبقاء بموجب قانون حقوق الإنسان. نعم، هناك تعقيدات قانونية في هذا الشأن، ولكن إذا نظرنا لنسق الجرائم التي يرتكبها جنود الدعم السريع كلما دخلوا مدينة أو قرية أو منزلا، يغلب على ظن كل مواطن بأنه هدف مباشر للدعم السريع مما يجعل الاستعداد للدفاع عن النفس والمال والعرض أمر بديهي ومسوق قانونا وعرفا.
ثالثا: أين هو القانون الدولي ومؤسساته من حماية المدنيين في السودان؟ لقد قال الأمين العام للأمم المتحدة في جلسة مجلس الأمن المنعقدة يوم 28 أكتوبر2024عن الحرب في السوان وبالحرف: "في الوقت الحالي لا تتوفر الظروف اللازمة للنشر الناجح لقوة تابعة للأمم المتحدة لحماية المدنيين في السودان"، عليه فإن دعوة المدنيين للكف عن حماية أنفسهم ضد استهداف الدعم السريع لهم وفى ظل عدم قدرة الجيش ولا الأمم المتحدة لحمايتهم لا يسنده منطق.
أعود وأقول مجددا أنه يجب أن لا نتوقف عن الدعوة للسلام العادل، يجب ألّا نيأس ولا نتوقف عن السعي لإيجاد صيغة، بعيدا عن البندقية، لحقن الدماء وإنهاء فتنة دمار السودان وطنا ومواطنا آملين في أن يتحقق فينا جميعا قول الله تعالى: " عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً ۚ وَاللَّهُ قَدِيرٌ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ " (الممتحنة، 7)، ولكن الى حين أن يكف استهداف الدعم السريع للمدنيين قتلا وانتهاكا للأعراض ونهبا للأموال وتشريدا من الديار، فعلينا أن نستشعر قول الله تعالى: "فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ" (البقرة، 191) وقوله تعالى: "وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا" (النساء، 75).
واسأل الله اللطف بالسودان وأهله الصالحين.
30 أكتوبر 2024
msafieldin@gmail.com