سودانايل:
2025-03-17@01:32:49 GMT

هناك .. أيضاً مهمشون .. بلا وجيع

تاريخ النشر: 28th, October 2024 GMT

القطار الثاني / قصة قصيرة
بقلم / عمر الحويج

***
القطار الثاني :
خريف.. بلا مطر دائماً هكذا ، منذ أن أصبح نبت الصغار هذا ، يجري ، ويلعب .. لم تستجب السماء لأغنيتهم - يا مطيرا .. صُبِّي لينا - قال أحد عواجيز القرية ، وهو من القلائل الذين رأوا ذلك العالم المجهول ، خلف ثنية الجبل ، التي يظهر منها ، ويختفي فيها القطار ، قال ذلك العجوز .

. إن الله غاضب ، لأن الناس هناك لا يطيعون أُولي الأمر منهم!! .
***
لا غيوم تحجب أشعة الشمس، فانعكست متوهجة حمراء ، على الأرض الحجر ، من بعيد يلمع شريط السكةحديد ، لا أحد يستطيع الاقتراب منه ، حتماً ستملأ خياشيمه ، رائحة شواء منبعثة ، من أطرافه المحترقة ، إحتمى الصغار بشجرة حراز ، بعد الليالي العاصفة تجمع فتيات القرية وقودها المتكسر ، أطفال هذه القرية ، خطف الفقر والجوع ، براءة الطفولة من على وجوههم . على أجسادهم الهزيلة ، ربما أسمال بالية ، أو لا أسمال البتة ، أقدامهم عارية شققتها صخور الجبل الحادة .
هذا النهار ، يشعرون أن انتظارهم قد طال أمَّده .. رغم أن -جاد الرب- قال لهم أنه متأكد ، أن هذا موعده.
***
أهوووو.. جا ..جا : يصرخ بها جاد الرب “ مُش قلت ليكم ؟؟ ”، يتوقف الصغار عن الحركة ، يصيخون السمع .. هم لا يثقون في الصدى كثيراً .. ولكن تأكدوا ، إنه هو .. القطار ، حين انطلقت صافرته ، الثانية .. طويلة ، مدوية. قفز كل منهم قفزتين في الهواء .. صرخ بعضهم طرباً.. ورقص البعض الآخر ّ.. كلٌ على طريقته . جروا وجهتهم ، شريط السكة حديد . أصغرهم طفل عار ، يتعثر في حفرة ، يقع .. يصرخ باكياً ، يتوقف الآخرون .. يرفعونه ، يمازحونه .. يحاولون إضحاكه ، ينسى .. يضحك معهم .. يواصلون ركضهم ، طفل آخر.. تشوى قدميه الرمضاء الحارقة .. يصرخ مستغيثاً ، يتوقف أكبرهم ، يحمله على ظهره .. وإن بدا ساخطاًو، فهو أبداً لم يحوج الكبار ، لأن يحملوه يوماً ما . أولاد الزمن !! ، رددها هكذا ، متمثلاً بالكبار ، وهو يواصل الركض .. القطار يقترب .. قطار بلا دخان . أكبرهم عاصر عهدين : قاطرات الدخان ، ثم هذه الملونة!! .. وبلا دخان . هكذا يردد أمامهم ، وهو يدق صدره.. متفاخراً .
***
عجلات القطار ، تلتهم الشريط التهاماً في سرعة .. بل في قسوة عجولة . الأيدي .. الصغيرة ، تمتد.. تتعالى صيحاتهم ، يخنقها ضجيج عجلات القطار ، وهدير عرباته ، وأيدٍ خشنة .. وأخرى ناعمة ، تخرج من نوافذ القطار .. يتساقط الخبز وبعض بقايا أكل .. و .. والقطار يبتعد ، يتوارى خلف ثنيات الجبل .. والأيدي الصغيرة ما زالت تلتقط نصيبها من على الأرض القذرة ، بفعل بصاق الركاب .. ونفاياتهم .
***
شجرة الحراز .. وعيدان القمح اليابس ،ه التي تهتز تبعاً لاتجاه الريح .. الصغار : يحمل كل منهم نصيبه في يده .. الأفواه الجائعة تمضغ بلهفة . أصغرهم .. تبحلق عيناه في شيء .. أحمر ، لزج ، يسيل بين يديه ، ينظر إليه في خوف . وفي رغبة جارفة ، يتشممه!! .. ولكن لم يجد له رائحة يعرفها من قبل ، وإن تكن هنالك رائحة .. ببطء ، وبطرف متردد من لسانه يتذوقه .. تتملكه النشوة ، والدهشة معاً .. يتقافز فرحاً .. طعمه حلو ، طعمه لذيذ .. يخفيه بكلتا يديه .. يجري ، وجهته بيوت القرية المندسة في حياء ، وربما في وجل ، تحت سفح الجبل . من بعيد جاءتهم صيحاته الجذلى .. عاوز أوَرِّيها أمي!!، ضحكات الآخرين تلاحقه .. إنها تجربته الأولى، وإن .. لن تكون الأخيرة. قبل أن يتوارى عن أنظارهم . تتوقف ضحكاتهم .. ترتسم علامات الدهشة ، يتبادلون نظرات الشك والارتياب ، وقبل أن تنطق شفاههم .. ومن خلف ثنية الجبل البعيدة ، يظهر لهم القطار .. إنه القطار الثاني . لم ينتظروا ، ليفكروا كثيراً . حينما رأوا بأم أعينهم ، بياض العربات التي تركت الجبل خلفها .. بعضهم أخذ يلتهم بسرعة ما بقي معه ، وآخرون دسوا ما في أياديهم داخل فجوة ، في قلب شجرة الحراز المجاورة ، صنعوها خصيصاً لمثل هذه الطوارئ .. وأسرعوا وجهتهم شريط السكة حديد .
***
من خلف زجاج النافذة بحجرة الخدمات ، الملحقة بعربة الصالون الفاخرة ، توقف .. تبحلق عيناه في الصغار انتابته قشعريرة .. أحس بألم مر في الحلق.. توجع منه القلب ، دمعت منه العين.. كانوا أيضاً صغاراً .. شفتاه ترددان، وبدون إرادته .. وكأنه رجع الصدى ، لتلك الأيام البعيدة .. حينما كانوا هم أيضا صغار .. أعطونا نأكل، أعطونا نأكل ، ولكن لا أحد يسمعهم.. الجرس يرن .. الجرس يرن ثانية، يعيده إلى الحجرة الصغيرة ، الملحقة بعربة الصالون .. ورحلة الصيف .. وذلك الكبير . والجرس يرن ، يقف أمامهم ، ولا أحد يلتفت إليه. و.. ذلك الكبير يلوح بكلتا يديه للصغار .. تطول وقفته .. ولا أحد يلتفت إليه .. والكبير لا يزال يلوح بيديه ، للصغار ، والقطار يبتعد .. القطار الثاني ، يبتعد…حينها يلتفت إليه أحدهم “ أحضر كوب ليمون مثلج بسرعة”.. وبعدها لا أحد يلتفت إليه .. وقبل أن يتقهقر راجعاً إلى حجرة الخدمات ، الملحقة بعربة الصالون الفاخر ، سمع الكبير يسأل أحدهم .. ماذا ستكتب عنهم؟؟.. رد الآخر .. "حتى الصغار يخرجون لاستقبالنا !! " ، وبسمة على شفاه الآخرين منفرجة .. وعلى القلب أحسّ بثقل حجر ، من ذلك الجبل.. دخل حجرة الخدمات ، الملحقة بعربة الصالون الفاخر ومن خلف النافذة ، رأى أشباح الصغار تختفي رويداً ، رويداً .. والقطار الثاني ، يزيد من سرعته .. وصوت الصغار يأتيه من عميق ماضيه السحيق .. أعطونا نأكل .. أعطونا نأكل .. ولا أحد يسمعهم ، فقد ابتعدوا .. كثيراً .

omeralhiwaig441@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: القطار الثانی لا أحد

إقرأ أيضاً:

«أنغام»: دائما أطبق مقولة اتق شر من أحسنت إليه

تحدثت الفنانة أنغام عن العديد من الأمور حول حياتها الشخصية والفنية، أبرزها الكشف عن كيفية الحفاظ على حلاوة البدايات في الحب، قائلة: «الإحساس بالأمان لازم يكون موجود بين الطرفين».

عند سؤالها عن الصفة التي قد تلفت انتباهها في الصديق، قالت أنغام: «أنا بعرف صاحبي على عيبه، المهم يكون بيننا حوار، وأحب أن يكون محبًا للمزيكا».

أما عن المقولة التي تطبقها في حياتها، قالت أنغام: «اتقِ شر من أحسنت إليه»، وأما عن هدية تعتز بها قالت «حصلت على هدية من الست القمر التي لا تنسى، شادية، وكانت بمناسبة عيد ميلادي السادس».

آخر أعمال أنغام

جدير بالذكر، أن آخر أعمال أنغام طرحها لألبوم تيجي نسيب، الذي حققت من خلاله نجاحا كبيرا.

ألبوم تيجي نسيب لـ أنغام

يتضمن ألبوم أنغام الجديد، «تيجي نسيب»، 12 أغنية، «وبقالك قلب»، من كلمات أمير طعيمة، وألحان رياض الهمشري، وتوزيع طارق مدكور، وأغنية «هو أنت مين»، من كلمات هالة الزيات، وألحان محمود الخيامي، وتوزيع طارق مدكور، بينما أغنية «موافقة»، من كلمات حدوتة، وألحان إيهاب عبد الواحد، وتوزيع أمير محروس، وتأتي أغنية «ايه الأخبار»، من كلمات نادر عبد الله، وألحان أحمد الناصر، وتوزيع أمير محروس.

وأغنية «خليك معاها»، من كلمات أكرم حسني، وألحان إيهاب عبد الواحد، وتوزيع أمير محروس، وأغنية «اسكت»، من كلمات نورعبد الله، وألحان مصطفي العسال، وتوزيع أمير محروس، وتأتي أغنية «اقولك اية»، من كلمات أمير طعيمة، ألحان إيهاب عبد الواحد، توزيع أمير محروس، بينما أغنية «كان برئ»، من كلمات نادر عبد الله، وألحان تامر عاشور، وتوزيع نادر حمدي، وأغنية «القلوب أسرار»، من كلمات آمار مصطفى، ألحان محمد الشرنوبي، وتوزيع أمير محروس، وأغنية «تيجي نسيب»، من كلمات أكرم حسني، وألحان إيهاب عبد الواحد، وتوزيع نادر حمدي.

اقرأ أيضاًمسلسل وتقابل حبيب الحلقة 16.. خالد سليم يواجه نيكول سابا بخيانتها

«مش بيحب يجيب سيرة حد».. محمد رجب يشيد بالفنان أحمد عز

مقالات مشابهة

  • «أنغام»: دائما أطبق مقولة اتق شر من أحسنت إليه
  • "طفل كبير" يفسد أخلاق الصغار.. !!
  • انتشال أشلاء شهيد في ميس الجبل
  • بعد ضربة ياطر.. غارة إسرائيلية تستهدف سيارة في ميس الجبل
  • القطيف تتزين بـ”الناصفة“.. و”قرقيعان الرامس“ يُلهب حماس الصغار والكبار
  • ليفاندوفسكي مازحا: اللعب بجوار الصغار يشعرني بشبابي
  • “الفيزا الإلكترونية” للعراق تسهل الدخول إليه
  • أذكار الصباح اليوم السبت 15 مارس 2025.. أستغفر الله وأتوب إليه
  • ترامب: أوكرانيا قبلت وقف إطلاق النار ويمكننا إقناع روسيا أيضا
  • نظام جديد لتقييم جودة خدمات الأطفال الصغار خارج المدارس في أبوظبي