هناك .. أيضاً مهمشون .. بلا وجيع
تاريخ النشر: 28th, October 2024 GMT
القطار الثاني / قصة قصيرة
بقلم / عمر الحويج
***
القطار الثاني :
خريف.. بلا مطر دائماً هكذا ، منذ أن أصبح نبت الصغار هذا ، يجري ، ويلعب .. لم تستجب السماء لأغنيتهم - يا مطيرا .. صُبِّي لينا - قال أحد عواجيز القرية ، وهو من القلائل الذين رأوا ذلك العالم المجهول ، خلف ثنية الجبل ، التي يظهر منها ، ويختفي فيها القطار ، قال ذلك العجوز .
***
لا غيوم تحجب أشعة الشمس، فانعكست متوهجة حمراء ، على الأرض الحجر ، من بعيد يلمع شريط السكةحديد ، لا أحد يستطيع الاقتراب منه ، حتماً ستملأ خياشيمه ، رائحة شواء منبعثة ، من أطرافه المحترقة ، إحتمى الصغار بشجرة حراز ، بعد الليالي العاصفة تجمع فتيات القرية وقودها المتكسر ، أطفال هذه القرية ، خطف الفقر والجوع ، براءة الطفولة من على وجوههم . على أجسادهم الهزيلة ، ربما أسمال بالية ، أو لا أسمال البتة ، أقدامهم عارية شققتها صخور الجبل الحادة .
هذا النهار ، يشعرون أن انتظارهم قد طال أمَّده .. رغم أن -جاد الرب- قال لهم أنه متأكد ، أن هذا موعده.
***
أهوووو.. جا ..جا : يصرخ بها جاد الرب “ مُش قلت ليكم ؟؟ ”، يتوقف الصغار عن الحركة ، يصيخون السمع .. هم لا يثقون في الصدى كثيراً .. ولكن تأكدوا ، إنه هو .. القطار ، حين انطلقت صافرته ، الثانية .. طويلة ، مدوية. قفز كل منهم قفزتين في الهواء .. صرخ بعضهم طرباً.. ورقص البعض الآخر ّ.. كلٌ على طريقته . جروا وجهتهم ، شريط السكة حديد . أصغرهم طفل عار ، يتعثر في حفرة ، يقع .. يصرخ باكياً ، يتوقف الآخرون .. يرفعونه ، يمازحونه .. يحاولون إضحاكه ، ينسى .. يضحك معهم .. يواصلون ركضهم ، طفل آخر.. تشوى قدميه الرمضاء الحارقة .. يصرخ مستغيثاً ، يتوقف أكبرهم ، يحمله على ظهره .. وإن بدا ساخطاًو، فهو أبداً لم يحوج الكبار ، لأن يحملوه يوماً ما . أولاد الزمن !! ، رددها هكذا ، متمثلاً بالكبار ، وهو يواصل الركض .. القطار يقترب .. قطار بلا دخان . أكبرهم عاصر عهدين : قاطرات الدخان ، ثم هذه الملونة!! .. وبلا دخان . هكذا يردد أمامهم ، وهو يدق صدره.. متفاخراً .
***
عجلات القطار ، تلتهم الشريط التهاماً في سرعة .. بل في قسوة عجولة . الأيدي .. الصغيرة ، تمتد.. تتعالى صيحاتهم ، يخنقها ضجيج عجلات القطار ، وهدير عرباته ، وأيدٍ خشنة .. وأخرى ناعمة ، تخرج من نوافذ القطار .. يتساقط الخبز وبعض بقايا أكل .. و .. والقطار يبتعد ، يتوارى خلف ثنيات الجبل .. والأيدي الصغيرة ما زالت تلتقط نصيبها من على الأرض القذرة ، بفعل بصاق الركاب .. ونفاياتهم .
***
شجرة الحراز .. وعيدان القمح اليابس ،ه التي تهتز تبعاً لاتجاه الريح .. الصغار : يحمل كل منهم نصيبه في يده .. الأفواه الجائعة تمضغ بلهفة . أصغرهم .. تبحلق عيناه في شيء .. أحمر ، لزج ، يسيل بين يديه ، ينظر إليه في خوف . وفي رغبة جارفة ، يتشممه!! .. ولكن لم يجد له رائحة يعرفها من قبل ، وإن تكن هنالك رائحة .. ببطء ، وبطرف متردد من لسانه يتذوقه .. تتملكه النشوة ، والدهشة معاً .. يتقافز فرحاً .. طعمه حلو ، طعمه لذيذ .. يخفيه بكلتا يديه .. يجري ، وجهته بيوت القرية المندسة في حياء ، وربما في وجل ، تحت سفح الجبل . من بعيد جاءتهم صيحاته الجذلى .. عاوز أوَرِّيها أمي!!، ضحكات الآخرين تلاحقه .. إنها تجربته الأولى، وإن .. لن تكون الأخيرة. قبل أن يتوارى عن أنظارهم . تتوقف ضحكاتهم .. ترتسم علامات الدهشة ، يتبادلون نظرات الشك والارتياب ، وقبل أن تنطق شفاههم .. ومن خلف ثنية الجبل البعيدة ، يظهر لهم القطار .. إنه القطار الثاني . لم ينتظروا ، ليفكروا كثيراً . حينما رأوا بأم أعينهم ، بياض العربات التي تركت الجبل خلفها .. بعضهم أخذ يلتهم بسرعة ما بقي معه ، وآخرون دسوا ما في أياديهم داخل فجوة ، في قلب شجرة الحراز المجاورة ، صنعوها خصيصاً لمثل هذه الطوارئ .. وأسرعوا وجهتهم شريط السكة حديد .
***
من خلف زجاج النافذة بحجرة الخدمات ، الملحقة بعربة الصالون الفاخرة ، توقف .. تبحلق عيناه في الصغار انتابته قشعريرة .. أحس بألم مر في الحلق.. توجع منه القلب ، دمعت منه العين.. كانوا أيضاً صغاراً .. شفتاه ترددان، وبدون إرادته .. وكأنه رجع الصدى ، لتلك الأيام البعيدة .. حينما كانوا هم أيضا صغار .. أعطونا نأكل، أعطونا نأكل ، ولكن لا أحد يسمعهم.. الجرس يرن .. الجرس يرن ثانية، يعيده إلى الحجرة الصغيرة ، الملحقة بعربة الصالون .. ورحلة الصيف .. وذلك الكبير . والجرس يرن ، يقف أمامهم ، ولا أحد يلتفت إليه. و.. ذلك الكبير يلوح بكلتا يديه للصغار .. تطول وقفته .. ولا أحد يلتفت إليه .. والكبير لا يزال يلوح بيديه ، للصغار ، والقطار يبتعد .. القطار الثاني ، يبتعد…حينها يلتفت إليه أحدهم “ أحضر كوب ليمون مثلج بسرعة”.. وبعدها لا أحد يلتفت إليه .. وقبل أن يتقهقر راجعاً إلى حجرة الخدمات ، الملحقة بعربة الصالون الفاخر ، سمع الكبير يسأل أحدهم .. ماذا ستكتب عنهم؟؟.. رد الآخر .. "حتى الصغار يخرجون لاستقبالنا !! " ، وبسمة على شفاه الآخرين منفرجة .. وعلى القلب أحسّ بثقل حجر ، من ذلك الجبل.. دخل حجرة الخدمات ، الملحقة بعربة الصالون الفاخر ومن خلف النافذة ، رأى أشباح الصغار تختفي رويداً ، رويداً .. والقطار الثاني ، يزيد من سرعته .. وصوت الصغار يأتيه من عميق ماضيه السحيق .. أعطونا نأكل .. أعطونا نأكل .. ولا أحد يسمعهم ، فقد ابتعدوا .. كثيراً .
omeralhiwaig441@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: القطار الثانی لا أحد
إقرأ أيضاً:
كافد تعلن عن مشروع القطار الكهربائي
الرياض
وقّعت شركة إدارة وتطوير مركز الملك عبد الله المالي اتفاقية مع شركة CRRC (هونج كونج) المحدودة، وشركة CRRC Nanjing Puzhen المحدودة، إلى جانب مجموعة حسن علام للإنشاءات السعودية المحدودة، لإطلاق مشروع القطار الكهربائي “المونوريل”، وتُعد نقلة نوعية من شأنها تعزيز مفهوم التنقل الحضري وتوفير تجربة صديقة للمشاة في مركز “كافد”.
جاء ذلك خلال أعمال الدورة الثامنة لمبادرة مستقبل الاستثمار التي عقدت في مركز الملك عبد العزيز الدولي للمؤتمرات بالرياض.
ويهدف المشروع إلى توفير حلول نقل سهلة، مستدامة وفعالة، مما يعزز رؤية “كافد” في إنشاء مدينة ذكية تعتمد على خيارات نقل مبتكرة تقلل من الاعتماد على المركبات الخاصة. حيث يمتد مسار القطار الكهربائي على طول 3.6 كيلومترات ويعمل بتقنية التشغيل الآلي دون سائق، مما يضع معايير جديدة للكفاءة والسلامة في مجال النقل.
ويضم المشروع ستة قطارات تسير على مسار دائري يربط بين ست محطات موزعة بشكل إستراتيجي، لتسهيل الوصول إلى المناطق الرئيسية في كافد، بما في ذلك المكاتب والمحال التجارية والمرافق الترفيهية، كما يتميز بارتباطه بمترو الرياض، مما يعزز تجربة التنقل ويتيح الوصول إلى جميع أنحاء المدينة بسهولة ويدعم رؤية كافد لمدينة “الـ10 دقائق”، مما يسهل تنقل السكان والزوار بشكل فعال.
وتُشرف شركة إدارة وتطوير مركز الملك عبدالله المالي، المملوكة بالكامل لصندوق الاستثمارات العامة، على تطوير “كافد” الذي يُعد الوجهة الرئيسية للأعمال وأسلوب الحياة في المملكة والمحرك الرئيسي لطموحات الرياض الاقتصادية
وفي هذا السياق، قال الرئيس التنفيذي للعمليات في شركة إدارة وتطوير مركز الملك عبد الله المالي ستيفن توماس: “إن مشروع القطار الكهربائي، لا نهدف من خلاله فقط إلى تحسين جودة الحياة لسكان وزوار المركز، بل نسهم بشكل مباشر في تحقيق أهداف الاستدامة بعيدة المدى لمدينة الرياض، كما يعكس هذا المشروع الطموح الحضري الذي تعيشه المملكة، من خلال توفير ربط سهل وفعّال بين مختلف أنحاء المدينة، تماشيًا مع أهداف رؤية المملكة 2030.
ويُقدم قطار “كافد الكهربائي” وسيلة نقل متطورة تربط بسلاسة مع مترو الرياض، مما يسهل التنقل على مستوى المدينة ويُحسن الوصول إلى جميع أنحاء كافد. ويتوافق تصميم القطار مع رؤية “كافد” “مدينة الـ10 دقائق”، حيث تتوفر جميع الخدمات والمرافق الأساسية على بُعد مسافة قصيرة سيرًا على الأقدام، مما يعزز بيئة حضرية نابضة بالحياة وصديقة للمشاة.
ومن المتوقع أن يستوعب القطار الكهربائي ما يصل إلى 3,500 راكب في الساعة خلال أوقات الذروة، وهو ما يعكس التزام كافد بتوفير حلول نقل حضرية مبتكرة تحسّن جودة حياة السكان والزوار، مع الحفاظ على الاستدامة البيئية. ويُتوقع أن يصبح هذا المشروع، بعد تشغيله، نموذجًا عالميًا يُحتذى به في مجال النقل الحضري المستدام.
يُذكر أن “كافد” يُعد أول مركز في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يحصل على شهادة “وايرد سكور” للأحياء الحضرية، تقديرًا لتميز بنيته التحتية الرقمية، التي توفر تجربة سلسة للمعيشة والعمل والترفيه، كما يشكل “كافد” أكبر وجهة للأعمال وأسلوب الحياة العصرية تحصل على شهادة LEED البلاتينية في العالم، فيما يضم أكثر من 40 مبنى حاصلًا على شهادات LEED من الفئات الفضية والذهبية، بما في ذلك أول محطة إطفاء تحصل على شهادة LEED البلاتينية في العالم.