51 عاما على رحيله.. تفاصيل معركة طه حسين في الشعر الجاهلي
تاريخ النشر: 28th, October 2024 GMT
اليوم تمر الذكرى الـ51 لوفاة عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، الناقد والمفكر الكبير، وأحد أبرز وزراء المعارف بمصر.
وُلد طه حسين عام 1889 في قرية عزبة الكيلو بمحافظة المنيا، وبدأ مسيرته التعليمية بحفظ القرآن في قريته، قبل أن يلتحق بالأزهر عام 1902.
واجه طه حسين عدة معارك فكرية، لكن أبرزها كانت حول كتابه في الشعر الجاهلي، إذ اصطدم مع شيوخ الأزهر بسبب رفضه لجمود التعليم الأزهري آنذاك، وكان يتناقش معهم بشدة حتى أُبعد عن بعض دروسه، وفي سنته الرابعة بالأزهر اتجه طه حسين إلى الأدب.
وحسب كتاب طه حسين عن مجمع اللغة العربية: وعندما أنشئت الجامعة المصرية (الأهلية) عام 1908م سجل طه اسمه بها، وإن ظل مقيدًا بالأزهر الذي بدأ ينفصل عنه نفسيًّا، وفي هذه الفترة تعرف على لطفي السيد، وعن طريقه تعرف طه حسين على الفلسفة اليونانية وانفتح أمامه مجال الصحافة والنشر.
في عام 1914، حصل طه حسين على أول درجة أكاديمية من الجامعة المصرية، ما ساعده على السفر في بعثة إلى فرنسا، حيث نال الدكتوراه وعاد لمصر عام 1919، وعمل أستاذًا للتاريخ اليوناني والروماني بالجامعة، وبقي في وظيفته هذه حتى عام 1925م حين اندمجت الجامعة الأهلية في الجامعة المصرية الحكومية.
وخلال هذه الفترة استأثرت الثقافة الكلاسيكية بنشاطه، وعلى الرغم من أن مجال عمله الأساسي كان التاريخ وفلسفة الاجتماع، إلا أن صلته بالأدب العربي وتراثه لم تنقطع.
كما اهتم ببث أفكاره التنويرية، وبتطبيق مناهج العلم والفلسفة الأوربية برؤى جديدة في دراسته للتراث العربي، وعبر عن ذلك في شكل رسائل جمعها في كتابه المهم من بعيد الذي كتبه بين عامي 1923 و1926م.
وفي الجامعة الجديدة انصرف عن تدريس التاريخ وبدأ تدريس الأدب العربي الذي أحبه، وعندما شرع يلقي محاضراته على طلابه في بداية عام 1926 في موضوع الشعر الجاهلي، بعد أن أخضعه لتأمل طويل وجعل يلقي نتائج دراسته على الطلاب أولًا بأول، بعد أن رأى ضرورة دراسة آداب وتاريخ العرب استنادًا إلى منهج علمي مستفيدًا من مذهب ديكارت الذي يتخذ من الشك طريقًا إلى اليقين، ووصل إلى نتيجة مؤداها أن ما أضيف إلى العرب قبل الإسلام من شعر، لم يكن لهم، وإنما نسب إليهم، فكان منتحلًا.
قصة معركة الشعر الجاهليولم يكد طه حسين ينشر خلاصة دراسته في كتاب عنوانه في الشعر الجاهلي في أبريل عام 1926، حتى قامت الدنيا ولم تقعد.
فأحدث نشر الكتاب عاصفة من النقد، فثارت ثائرة المحافظين وهاجمه شيوخ الأزهر واتهموه بأنه يُكذِّب القرآن الكريم وأنه يطعن على النبى- صلى الله عليه وسلم- ونسبه الشريف، وطالبوا بمصادرة الكتاب ومحاكمة المؤلف، وجمعت نسخ الكتاب وحفظت في مخازن الجامعة، كما أثيرت المشكلة في البرلمان وطالب بعض النواب برفع دعوى عمومية ضد طه حسين وفصله من الجامعة.
ومال المؤلف للعاصفة حتى مرت، عندما اتخذت المسألة بعدًا سياسيًّا بين قطبي الوزارة: الوفديين وعلى رأسهم سعد زغلول ومعه الأغلبية الوفدية، والدستوريين وعلى رأسهم عدلي يكن وعبد الخالق ثروت وهم الذين ساندوا طه حسين ووقفوا إلى جانبه.
وأجرت النيابة تحقيقًا مع المؤلف في مارس 1927، وأصدر النائب العام قراره بأن المؤلف لم يهدف إلى الطعن في الدين، وأن العبارات الماسة بالدين التي وردت في بعض المواضع من الكتاب، وردت في سبيل البحث العلمي، وأن القصد الجنائي غير متوفر في القضية؛ ومن ثم حفظت أوراق القضية إداريًّا، وكان حكمًا تاريخيًّا انتصر لحرية البحث العلمي، مما يشهد بأمانة وثقافة النظام القضائي في مصر.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: طه حسين اللغة العربية عميد الأدب العربي الشعر الجاهلي الشعر الجاهلی طه حسین
إقرأ أيضاً:
تقديم كتاب الذكرى الخمسون للحكم بردة محمود محمد طه
تقديم كتاب
الذكرى الخمسون للحكم بردة محمود محمد طه: الوقائع والمؤامرات والمواقف، للدكتور عبد الله الفكي البشير
بقلم أ. د آمال قرامي
أستاذة الفكر الإسلامي والدراسات الجندرية بالجامعة التونسية
''لا أحد يراقب، ولا أحد يهتمّ، ولا أحد يحفظ سجلاً لأيّ شيء، إلى درجة أنَّ الذّاكرة والتاريخ ميّتان كلاهما''.
حميد دباشي، بشرة سمراء، أقنعة بيضاء
لاشكّ أنّ الذي كُتب حول إدانة المفكّر السوداني محمود محمد طه وتكفيره ثمّ محاكمته وقتله غزير، ومتنوّع وهو يشمل آراء المناصرين ومواقف المهاجمين المنشورة في الصحف أو في مختلف وسائل الإعلام فضلا عن البيانات، والردود، والمحاضر وغيرها من الوثائق الهامّة، ومن هنا اقتضى مشروع حفظ هذا العدد الكبير من الوثائق بأشكالها الكتابيَّة والصوريَّة، توفّر فريق من الباحثين والباحثات يتكفّلون كما جرت العادة، بالجمع والتصنيف والتبويب ثمّ التأليف. ولكن د. عبد الله الفكي البشير كسر القاعدة وخرج عن السنن المألوفة لينهض بمفرده بكلّ أعباء الأرشفة والتحليل علّه بذلك يفي بوعد قطعه على نفسه بأن يظلّ إسم أستاذه حاضرا في فعل تشكيل الوعي الجمعي، وأن تبقى سيرته الذاتية مرئية وخالدة على مرّ الزمن.
تكتسي الوثائق المضمّنة في هذا المؤلف، قيمة خاصّة لدى جامعها ومالكها إذ بفضلها جدّد "الفكي" صلته بشخصيات كثيرة من أفراد عائلة المفكّر محمود محمد طه ومريديه وأصدقائه من الحزب الجمهوري، واسترجع ذكريات تشمل البدايات والـتأسيس وأيّام المحنة وصولا إلى لحظة تنفيذ الحكم بإعدام محمود محمد طه: "شهيد الحريّة''. ومن هذا المنطلق احتلت الوثائق قيمة نفسية لدى مالكها فهي تذكّره بالأهواء: الغضب، والفرح والفخر والوجع والآلام ...وكيف يستغل القانون للتخلص من الخصوم وكيف تصادر الحقوق (الحق في التفكير والحق في التعبير...).ولا تعدّ هذه الوثائق التي جمعها "الفكي" مجرد أشياء بل إنّها تمتلك تاريخا اجتماعيا وثقافيا وسياسيا، وما التعلّق بالأشياء إلاّ تعلّق بما يضفي دلالة على حيواتنا.
وعلاوة على القيمة الذاتية والنفسية تتميّز هذه الوثائق بقيمة تاريخية هامّة ذلك أنّها رُتّبت بطريقة توضّح تطور الأحداث والوقائع والمواقف، وتكشف المستور والمضمر وغير المصرّح به أمام الملأ. فتبرز خيوط المؤارات والدسائس وتتجلّى أشكال التواطؤ. ونحسب أنّ فرز الوثائق ثم تحديد تلك التي تستحقّ الحفظ الدائم بسبب قيمتها الفعليَّة لم يكن أمرا سهلا على المؤلّف. كما أنّنا نرجّح أنّ كشف 'الفكّي' عن المؤسسات الدينية الموّرطة والشخصيات السياسية والفكرية التي لاذت بالصمت جبنا او حفاظا على امتيازاتها أو خوفا لم يكن قرارا يسيرا. فهل بإمكان هذه الشخصيات اليوم، أن تطلّع على ما نشر فتقدم على تجسيد ثقافة الاعتذار؟
ولئن سعى النظام الدكتاتوري إلى ممارسة الشطب والمحو والطمس حتى يقضي على مشروع محمود محمد طه الفكري''الفهم الجديد للإسلام'' ويهمّش دوره في التاريخ أو يزّيفه فإنّ تمسّك الأتباع بكتب 'طه' وحفظ الوثائق الخاصّة بمحاكمته وكلّ المقالات التي كتبت حوله يعدّ، في نظرنا، فعل مقاومة: مقاومة الشطب والتصرّف في التاريخ والذاكرة الجمعية. ونقدّر أنّ الذين حفظوا الوثائق من التلف لم يكونوا واعين بأهميتها أو قادرين على تحديد دورها في المستقبل. فما كان ينظر إليه على أساس أنّه مجرد متابعة للأحداث صار اليوم بالغ الأهمية ومثمّنا لأنّه يعكس تاريخ الأفكار وتطوّر التجارب السياسية والخبرات والمواقف وتراكم المعارف. بل إنّنا نرى أنّ هذا المؤلف يساهم بقدر كبير، في تدريب السودانيين/ات وغيرهم على ترسيخ ثقافة الاعتراف: الاعتراف بفضل الذين تجرأوا/ن على التعبير عن آرائهم بكلّ صراحة ولم ينافقوا أو يكتموا المعارف. (بتول مختار محمد طه وموقف تجمع الكتاب والفنانيين التقدميين، ...)
إنّ ما أقدم عليه 'الفكّي' من جمع وترتيب وتصنيف وتحليل يندرج، في اعتقادنا، ضمن مسلكين: مسلك مقاومة النسيان، من جهة، ومسلك بناء المعرفة، من جهة أخرى. فالمطلع على هذا المؤلف الضخم يدرك أنّ الشغف بجمع الأرشيف متنزّل ضمن مشروع تأسيس رواية مضادة للرواية الرسمية السياسية/الدينية التي شرعنت لتصفية خصم سياسيّ وفكري معتمدة في ذلك على فاعلين متنوعين: صحفيين وقضاة وجامعيين وشيوخ دين ومحامين وغيرهم. فعن طريق التمحيص في البيانات والمقالات والكتب وغيرها من الوثائق يدرك القارئ/ة تهافت الرواية الرسمية التي أرادت إخراج أفكار 'طه' في لبوس دينيّ وعملت على تعبئة الرأي العامّ ضدّه وشوّهت مشروعه وشخصه فصوّرته على أساس أنّه محارب للدين وتعاليمه، والحال أنّه خصم فكريّ/سياسي قاوم الطغيان والقهر ومأسسة الجهل بالقلم. يقول "طه" متحدثا عن مشروعه :"إنّ ما جئت به هو من الجدّة بحيث أصبحت به بين أهلي كالغريب. وبحسبك أن تعلم أنّ ما أدعو إليه هو نقطة التقاء الأديان جميعها حيث تنتهي العقيدة، ويبدأ العلم وتلك نقطة يدخل منها الإنسان عهد إنسانيته ولأوّل مرّة في تاريخه الطويل.''(1970)
ونذهب إلى أنّ ثراء هذا الأرشيف قد جعله يتحوّل إلى مصدر مهمّ للمعرفة وحوّل المؤلف إلى مصدر أساسي في الدراسات التاريخية والثقافية المعاصرة إذ ثمّة معلومات ضافية عن علاقات الأحزاب بالنظام، وعلاقات ممثلي المؤسسات الدينية والهيئات العلمية بالمفكّرين والسلطة، وإشارات جليّة إلى طبيعة العلاقات السائدة بين المفكّرين والجامعيين وغيرهم. ونعثر على معلومات دقيقة حول التحالفات بين وزارة الشؤون الدينية والأوقاف وهيئة علماء السودان من جهة، وتنظيم الإخوان المسلمين ومشايخ الأزهر ورابطة العالم الإسلامي ومقرّها المملكة العربية السعودية، من جهة أخرى، وهو أمر يثبت مرّة أخرى، كيف تعقد الإيلافات بين 'المحافظين' و'المتشدّدين' في بلدان العالم الإسلامي وكيف يتم الإجماع على تصفية أصحاب الفكر المستنير وحفاظا على المواقع والامتيازات. ولا يمكن التغاضي عن قيمة الملاحق التي مثّلت قسما كبيرا من الكتاب فهي نصوص قلّما يعرفها المهتمون بالفكر الإسلامي أو المتابعون للحياة السياسية في السودان دون ان ننكر قيمتها في الاستدلال والبرهنة وتفنيد المزاعم والتهم الباطلة.
وبناء على التمحيص في الروايات المتقاطعة والوثائق المتنوّعة وإجراء المقابلات المتعدّدة أمكن لل''الفكي'' أن ينبش في التاريخ السياسي والاجتماعي والفكري الاقتصادي، وأن يمارس قراءة نقدية لفترة مهمّة من تاريخ السودانيين، وأن يعيد تركيب الأحداث ويكشف التلاعب بالنصوص والوقائع (كالموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة) ويستخلص الدروس والعبر، ويتوقّف عند أهمّ النتائج. فليست حادثة اغتيال 'طه' في نظره، إلاّ 'دليل على فشل التجربة الديمقراطية في السودان وستظل وصمة عار في سجل القضاء السوداني ''. أمّا استرجاع هذه الوقائع والأحداث فإنّه يمثّل في نظره "بحثا في سجل وتاريخ عنف الدولة السودانية''.
يصدر المؤلف في فترة حرجة من تاريخ السودان استشرى فيها العنف وتفتت فيه النسيج الاجتماعي، وكثرت فيها الخيبات والمآسي وبرزت فيها علامات التراجع عن أهداف الثورة السودانية. فهل يكون هذا المؤلف ملاذ الحائرين/ات والباحثين عن فهم أسباب ما يجري؟
أ.د آمال قرامي
أستاذة الفكر الإسلامي والدراسات الجندرية بالجامعة التونسية، تونس
abdallaelbashir@gmail.com