تظهر تناقض خيار التفاوض والانحياز لإسرائيل.. «زيارة بلينكن» أجندة أهداف خفية بغطاء دبلوماسي
تاريخ النشر: 28th, October 2024 GMT
فرضت المغالطات والتناقضات نفسها خلال زيارة وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، للمنطقة، بما تضمنته من أجندة الخفي منها أكثر من المعلن في ملفات: غزة، إيران، وجنوب لبنان، محاولًا تسويق الممارسات الإسرائيلية كـ«نصر استراتيجي». وبدا «بلينكن» وهو يتحدث لوسائل الإعلام، وكأنه يحتفي بتفكيك القوة العسكرية للمقاومة الفلسطينية، بعد مقتل رئيس حركة حماس، يحيى السنوار، وتأكيداته بأن إسرائيل باتت أقرب إلى تأمين نفسها من تكرار «أحداث 7 أكتوبر» على حد وصفه.
تصريحات «بلينكن» على هامش زيارة للمنطقة توضح أن الولايات المتحدة تسير على حبل مشدود بين دعمها المطلق لإسرائيل وضمان مصالحها الإقليمية، وهو أمر يعكس ثنائية الخطاب الأمريكي في الشرق الأوسط. إذ يقدم «بلينكن» تصريحات مصوغة بدقة تخدم الرواية الإسرائيلية، وتحاول في الوقت نفسه التخفيف من حدة الانتقادات المتزايدة بشأن الأزمة الإنسانية في غزة، لكنه فشل في التسويق للموقف الأمريكي المتعاطف مع الجانب الفلسطيني.
مشروعية دموية:
خطاب «بلينكن» حاول إضفاء مشروعية على الهجمات الإسرائيلية الوحشية، متجنبًا الاعتراف بأن الخسائر الفلسطينية نتيجة لاستراتيجية التصعيد التي ينفذها جيش الاحتلال. ولم يكن «بلينكن» بعيدًا عن جوهر اللعبة السياسية، وهو يوظف الدبلوماسية المدروسة في التخفيف من حدة الغضب الإقليمي والدولي تجاه الأزمة الإنسانية المتفاقمة في القطاع، مشيرًا إلى أن «العمل الجاري لإعادة الرهائن وإنهاء الحرب» كأن الحرب المستمرة في غزة، بكل خسائرها، ليست عبثية، بل هي وسيلة لتأمين هذه الأهداف!
توقف «بلينكن» عند قضية الرهائن، معلنًا أنه التقى عائلات الأمريكيين منهم، مشددا على أهمية إعادتهم إلى الوطن. ووسط هذا الطرح، يلمح إلى أن مصرع يحيى السنوار قد يفتح بابًا لتسويات جديدة، إذ وصفه بأنه كان «العقبة الأساسية» أمام إطلاق سراحهم، والآن، يمكن تحقيق اختراق في الملف. حديث «بلينكن» عن إطلاق الرهائن باعتباره «فرصة» لتحقيق الأمن يعكس ابتزازًا سياسيًا واضحًا، حيث يروج الوزير لرواية إسرائيلية، ويبرر استمرار الحصار والعدوان على غزة. وهذا الخطاب يُظهر تجاهلًا متعمدًا لواقع الاحتلال، وتستخدم واشنطن ورقة الرهائن لتغليف دعمها العسكري والسياسي غير المشروط لإسرائيل.
استهانة دبلوماسية:
يتحدث «بلينكن» عن تفكيك القدرات العسكرية للمقاومة وتصفية قياداتها، كأنها «نجاحات» دون الاعتراف المباشر بالدمار الواسع الذي طال المدنيين في غزة، وهذا التبرير الدبلوماسي للحرب يكشف عن الاستهانة الأمريكية بالخسائر البشرية الفلسطينية، وكأن معاناة المدنيين مجرد «تكلفة باهظة» لتحقيق أهداف إسرائيل الأمنية.
يؤكد «بلينكن» أن هذه النجاحات لا بد أن تتحول إلى «نجاح استراتيجي دائم» وهي إشارة ضمنية إلى أن الولايات المتحدة تعتبر الحرب على غزة مجرد بداية لمشروع طويل الأجل يستهدف إعادة تشكيل المنطقة سياسيًا وأمنيًا وفق الرؤية الإسرائيلية. لكن هذه الرؤية تتجاهل عمدًا حقيقة أن سياسة العقاب الجماعي ضد الفلسطينيين تزيد من حدة الصراع بدلًا من إنهائه.
في ما يتعلق بـ«إدارة غزة» بعد انتهاء الصراع، حرص «بلينكن» على إظهار موقف الإدارة الأمريكية الرافض لإعادة احتلال القطاع. لكنه، شدد على أهمية وجود خطة محكمة لإعادة الإعمار وضمان عدم بقاء إسرائيل في غزة، مشيرًا إلى محادثات جارية مع دول عربية وأوروبية حول مستقبل القطاع، إلا أن التصريحات بدت أشبه بمحاولة لتأجيل الصدام مع سياسة الحكومة الإسرائيلية، التي ما زال بعض أصواتها يدعو إلى إعادة الاستيطان والاحتلال المباشر للقطاع.
هروب سياسي:
لم يغفل «بلينكن» عن الحديث عن الأزمة الإنسانية التي تستفحل في غزة، محاولًا التخفيف من وطأتها عبر تكرار الإشارة إلى «التقدم» الذي تحقق في إدخال المساعدات. لكن ما يكمن خلف هذه العبارات البسيطة هو صورة مختلفة تمامًا. المساعدات التي يتحدث عنها الوزير الأمريكي ما زالت تواجه عقبات هائلة، أبرزها عمليات التفتيش الإسرائيلية المشددة التي تحول دون تدفقها بحرية.
يقر «بلينكن» بالتحديات الإنسانية في غزة، لكنه يعيد إلقاء اللوم على «الفوضى» الداخلية و«النهب» في القطاع، متجاهلًا المسؤولية المباشرة لإسرائيل في منع دخول الإمدادات الإنسانية. وهذا التوجه يعكس رغبة الإدارة الأمريكية في تخفيف الانتقادات الدولية من دون ممارسة ضغوط حقيقية على إسرائيل.
يأتي هذا فيما يرتبط فتح معابر كـ«إيريز» و«الممر» الأردني، بالرغبة الإسرائيلية الصريحة في التحكم بجميع تفاصيل توزيع المساعدات. ويتضح من حديث «بلينكن» أن الأولوية ليست في إنهاء الحصار بقدر ما هي في ضمان عدم تحميل إسرائيل مسؤولية الأزمة الإنسانية بشكل علني.
المحور الإيراني:
فيما يتعلق بإيران وحزب الله، يستمر «بلينكن» في استخدام خطاب التخويف التقليدي. يتحدث عن «وكلاء إيران» كذريعة لدعم إسرائيل، في حين يتجاهل الانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة في لبنان والضفة الغربية. كما أن حديثه عن تنفيذ القرار الأممي 1701 يبدو كغطاء لاستمرار الهيمنة الإسرائيلية على الحدود، في وقت لا تبذل فيه واشنطن جهدًا حقيقيًا لدفع إسرائيل نحو الالتزام بالقوانين الدولية.
في حديثه عن لبنان، أشار «بلينكن» إلى جهود تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1701، وهو قرار قديم لم يُطبق بشكل فعّال منذ صدوره، عمد إلى إغفال حقيقة أن الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة على الحدود كانت من بين الأسباب الرئيسية التي قوضت تنفيذ القرار، وبدلاً من تقديم رؤية متوازنة، جاء حديثه محملاً برسائل ضمنية مفادها أن على حزب الله وحده تحمل مسؤولية التوترات الحدودية، مع تجاهل الدور الإسرائيلي في إثارة هذه التوترات بشكل مستمر.
انحياز فج:
جدد «بلينكن» التذكير بالتزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل، مشيرًا إلى التنسيق مع وزير الدفاع الإسرائيلي، يواف غالانت، للحد من «عدوان إيران ووكلائها»، وبدا واضحًا أن إدارة بايدن تسعى إلى تجنب تصعيد أكبر في المنطقة، خصوصًا مع حزب الله في لبنان، لكنه حذر من أن الولايات المتحدة لن تتردد في اتباع القانون في حال تجاوزت إسرائيل الخطوط الحمراء، ملمحًا إلى ضغوط داخلية من الكونغرس حول استمرار الدعم العسكري لإسرائيل.
جاءت تصريحات «بلينكن» في خضم لقاءات مكثفة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزراء حكومته، رغم حديث بلينكن عن ضرورة «رفض إعادة احتلال غزة»، بينما الخطط الإسرائيلية المعلنة توضح نواياهم لإعادة الاستيطان في القطاع. وفي مواجهة هذه الضغوط، اكتفى الوزير بالإشارة إلى أن نتنياهو طمأنه بأن هذه الأفكار ليست جزءًا من السياسة الرسمية، ليغلف القلق الأمريكي برد دبلوماسي معتاد.
تتكشف التناقضات بوضوح عندما يقر «بلينكن» بأن هذه هي «سياسة الحكومة الإسرائيلية الرسمية»، في الوقت الذي تشجع فيه إسرائيل تعزيز وجودها الاستيطاني وتوسيع الاحتلال. وهو ما يعكس نفاقًا سياسيًا معتادًا في الخطاب الأمريكي: تقديم وعود فارغة بالسلام بينما تُمنح إسرائيل الضوء الأخضر لفرض وقائع جديدة على الأرض.
طريق الألغام:
تصريحات «بلينكن» تكشف عن سياسة أمريكية تحكمها ازدواجية واضحة، حيث يتم تصوير العدوان الإسرائيلي على غزة كعملية دفاعية ضرورية، بينما يتم تجاهل المطالب الفلسطينية بالحقوق الأساسية والكرامة. يُستخدم خطاب «السلام» قناعا لتبرير الهيمنة، فيما تُدعم سياسات الاحتلال والتوسع تحت غطاء مكافحة الإرهاب وردع إيران.
النتيجة الواضحة لهذا النهج ليست تحقيق السلام، بل ترسيخ الانقسام وتعميق المعاناة. وبينما تتحدث الإدارة الأمريكية عن "فرص استراتيجية"، يبقى الواقع أن هذا الخطاب لا يعدو كونه امتدادًا لسياستها المعتادة في الشرق الأوسط: دعم الاحتلال الإسرائيلي على حساب الحقوق الفلسطينية، مع محاولة كسب الوقت في إدارة الأزمات دون السعي الحقيقي لحلها.
تصريحات «بلينكن» تسلط الضوء على لعبة معقدة من التحالفات والتناقضات التي تحكم السياسة الأمريكية في المنطقة. وبينما يسعى الوزير إلى تهدئة المخاوف بشأن تصعيد أوسع، تظل التحديات قائمة، سواء فيما يتعلق بمصير الرهائن، أو الأزمة الإنسانية المتفاقمة، أو مستقبل غزة بعد الحرب.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: إسرائيل بلينكن امريكا الولایات المتحدة الأزمة الإنسانیة إلى أن فی غزة
إقرأ أيضاً:
الشيخ نعيم قاسم: لوهُدمت بيوتنا فلن نتخلى عن خيار المقاومة
وفي كلمة له في مراسم التشييع الرسمية للشهيدين التي بدأت عصر اليوم أضاف: "هذا الرجل العظيم ذاب في الإسلام، ذاب في محمد وآل محمد، ذاب في الولاية. هو رجل صادق، وفي، حنون، كريم، متواضع، صلب، شجاع، حكيم، استراتيجي، محبوب المقاومين. يثق بالناس ويؤمن بهم. أحب الناس وأحبوه".
وتابع:"هو قائد العقول والقلوب، موجه دائما لفلسطين والقدس، وله إسهامات عظيمة في إحياء هذه القضية. أصر على البقاء في غرفة عمليات المقاومة لمتابعة المجاهدين، واستشهد وهو في موقع متقدم".
واستطرد: "افتقدناك يا سيدي، ويفتقدك كل المحبين، ولكنك باقي معنا، بنهجك، بتعاليماك، بمقاومتك، بمسيرتك، بجهادك. أنت حي فينا، ولا تقل لمن قتل في سبيل الله ميت، بل حي لا يشعر. سنحافظ على الأمانة، وسنسير على هذا الخط. سنحافظ على إرادتك، وإرادة السيد عباس، وإرادة السيد هاشم".
وأضاف الشيخ نعيم قاسم: "لقد قلتم في 18 فبراير، بعد يومين من شهادة السيد عباس رضي الله عنه: هذا الطريق سنكمله إذا قتلنا جميعاً، وإذا هدمت بيوتنا على رؤوسنا، فلن نتخلى عن خيار المقاومة".
وتابع: "سيدي، من أحببته وذبت في طاعة الإمام الخامنئي قال لنا: لقد فقد حزب الله في لبنان قائداً لا مثيل له، لكن بركات إدارته وجهاده على مدى عقود لن تنتهي أبداً"، كما قال.
وأضاف: "هنا في هذا المنتدى أريد أن أبايع على هذا الخط، وجمهورك وشعبك يريدون أن يبايعوا على هذا الخط، فقلت: هل نقول يميناً؟ أم يكفي إعلان العهد والبيعة؟ "إنها تظهر لنا أنه إذا أعلنا العهد واستمرينا في ذلك فإننا نستطيع أن نصل إلى هدفنا".
وتوجه الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم بالتحية إلى الأمين العام لحزب الله الشهيد هاشم صفي الدين قائلاً: "اشتقنا إليك يا سيد".
وقال الشيخ قاسم: "الذي استشهد مع سماحة السيد نصر الله، العميد في الحرس الثوري الإيراني، الحاج أبو الفضل، الحاج علي أيوب، الحاج عبد الأمير السبليني والحاج محمد خير الدين".
وأضاف: "كل التعازي والمواساة لعائلتي السيدين الكبيرين شهيدي المقاومة، وللموالين والمحبين".
وقال: "نحيي الأسرى ونقول لهم إننا لن نترككم مع العدو وسنمارس كل الضغوط اللازمة لإطلاق سراحكم".
وأضاف الشيخ قاسم: "إن حشد اليوم هو تعبير عن الوفاء لم يشهد له تاريخ لبنان مثيلاً".
وتابع: سأقول لك عبارة نكررها ثلاث مرات بقبضات مرفوعة: نحن على العهد يا نصرالله.
وأوضح الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم أن الإسرائيليين خططوا لشن الحرب على لبنان في 11 اكتوبر، وحتى لو لم يشنوا هذه الحرب لاحقاً، فإنهم كانوا ينوون خوض حرب ضد لبنان يوماً ما، لأنهم لم يستطيعوا تحمل هذه المقاومة العظيمة.
وقال: "واجهنا الكيان الإسرائيلي، ومن خلفه أكبر طاغية أميركا، التي حشدت كل قدراتها لمواجهة غزة وفلسطين ولبنان واليمن والعراق وإيران، أي محور المقاومة الذي التف حول غزة وفلسطين. وكان حجم الجريمة غير مسبوق، لكن أيضاً حجم التضحيات غير مسبوق، تماشياً مع هذا الضغط".
وأضاف "من جهة أخرى، كان حجم الصمود والاستمرار غير مسبوق، وهذا إنجاز كبير"، مؤكداً "نظمنا صفوفنا، ومقاومتنا البطولية وقفت على الحدود"، مشيراً إلى أن خمسة وسبعين ألف جندي إسرائيلي لم يتمكنوا من التقدم في وجه المقاومة، وكنا نسمع عويلهم عندما يتم الإعلان عن حادثة أمنية في المنطقة الشمالية.
وقال "هذا كان نتيجة صمود المقاومين وعطائهم"، موضحا أن "رجالنا وشبابنا وشعبنا ضحوا، نساءنا وأطفالنا وكل من ضحى".
وقال "يا أهل المقاومة نحن تراب الأرض الصلبة، ومطر السماء الذي يعطي الحياة، وإصرار الحسين على إبقاء الراية خفيفة، ومقام زينب الذي يهز أركان الطغاة والظلام"، أنتم شعب لا يقهر، سنكون معا، سنقاوم معا، سنبايع معا، نحن على العهد يا نصرالله".
وتابع الشيخ قاسم إن "جمهور المقاومة والشعب اللبناني تكاتفوا جميعا وكانوا نموذجا". "الحمد لله، هذا التحرك هو تعبير عن الوحدة الوطنية والقومية والإسلامية والإنسانية حول فلسطين وحول الحق".
وأضاف: "وافقنا على طلب العدو بوقف إطلاق النار، لأن المقاومة ولبنان ليس لديهما مصلحة في استمرار القتال، حيث لا يتم تحقيق سوى الضرر من دون تقدم سياسي أو ميداني". بمعنى آخر، أصبح كل أمل بالحسم العسكري مجرد قتل وقتال من دون نتائج حقيقية".
وقال الأمين العام لحزب الله: "قوة موافقتنا على وقف إطلاق النار في هذه اللحظة المناسبة، والتي لو تأخرت شهراً أو شهرين لما كانت لها نتائج مختلفة". نحن الآن في مرحلة جديدة".
واستطرد: "هذه المرحلة الجديدة لها أدوات وأساليب مختلفة وكيفية التعامل معها. والخطوة الأهم التي قمنا بها هي أن تتحمل الدولة مسؤوليتها بعد أن منعت المقاومة العدو من الغزو أو تحقيق أهدافه. لقد أنجزنا الجزء الأول، والجزء الثاني هو مسؤولية الدولة".
وتابع: "نحن التزمنا، بينما لم تلتزم إسرائيل. لقد صبرنا على إعطاء إسرائيل الفرصة للانسحاب بالاتفاق والدبلوماسية، ولم نقترب من عدم المساواة معهم".