جريدة الوطن:
2024-10-02@03:45:21 GMT

الإنسان .. وعرقه!

تاريخ النشر: 14th, August 2023 GMT

الإنسان .. وعرقه!

هذا الصَّيف، مِثل العديد من النَّاس، لعلَّك نسيت ما يعنيه أن يكُونَ جسمك جافًّا. فلقَدْ نمَتِ الحرارة بشدَّة في بعض الأحيان، ولولا وجود أجهزة التكييف لاستمرَّ الفرد في التعرُّق في كُلِّ مكان يذهب إليه! وبتلكم الطريقة التي تسير بها الأمور، قَدْ تكُونُ الرطوبة غير النهائيَّة شيئًا سيتعيَّن على الكثير مِنَّا الاعتياد عليه.

وبالواقع ومع استمرار تغيُّر المناخ الذي يقوده الإنسان في إعادة تشكيل الكرة الأرضيَّة، تضرب موجات الحرارة بشكلٍ أقوى وأطول وأكثر تواترًا تقريبًا في كُلِّ مكان. فهل صدقًا ستؤدِّي عواقب هذه الأزمة، على نطاق واسع، إلى قلب مكان وكيفيَّة بقاء البَشَر؟ ما أعنيه هنا أيضًا وبالمعنى اليومي، سيجعل حياتنا شديدة العَرَق! وهنا نتذكَّر كيف أنَّ التاريخ مليء بأمثلة لأشخاص يحاولون إخفاء العَرَق في العطور، أو غسله عن طريق الاستحمام، أو امتصاصه بحشوات من القطن أو المطَّاط في قمصانهم وفساتينهم. بَيْنَما الأشخاص الذين ليس لدَيْهم سببٌ طبِّي للقيام بذلك قَدِ اختاروا شلَّ أعصابهم المُسبِّبة للعَرَق.
لكنَّ احتقارنا للعَرَق غير مستحقٍّ على الإطلاق، بالرغم من أنَّه قَدْ يضايق الفرد ومرَّات عديدة يستفزُّ بالرائحة المرتبطة به، إلَّا أنَّه أمْرٌ حيوي للحياة. فهو ـ سبحان الله ـ يبرد أجسامنا ويرطِّب بَشَرتنا، ويصدر إشارات كيميائيَّة. وحقيقةً، العَرَق هو أيضًا جزء أساسي ممَّا يجعل النَّاس بدونه، لَنْ نتمكَّنَ من الركض لمسافات طويلة في حرارة عالية!
بطبيعة الحال، نفورنا من العَرَق ليس له معنى تطوُّري كبير. على عكس الإفرازات الأخرى التي تُثير اشمئزازًا شِبْه شامل، فإنَّ العَرَق لا ينقل المرض بشكلٍ روتيني أو يتسبَّب في أضرار أخرى. لكنَّها تظهر العمل البدني والضغط العاطفي، وبالتَّالي لا يحرص المُجتمع عادةً على رؤيته. وبالنسبة للبعض ـ إن استطعت القول ـ قَدْ يُشير إلى فقدانك السيطرة على جسمك بطريقة معيَّنة! إلَّا أنَّه ـ أعزَّكم الله ـ على عكس البول، أو الدموع، فإنَّ العَرَق هو نتاج وظيفة الجسم التي لا يُمكِننا تدريب أنفُسِنا على قمعها أو تأخيرها.
من ناحية أخرى، نحن كأفراد أيضًا نكرَهُ العَرَق؛ لأنَّنا نعتقد أنَّه كَرِيه الرائحة. لكنَّه ليس كذلك في الواقع. بل إنَّ جميع الغدد العَرقيَّة الموجودة على أجسام الإنسان هي من النَّوع المعروف باسم الإكرين، وتنتج مياهًا مالحة بِدُونِ رائحة تقريبًا. صحيح قَدْ يكُونُ هنالك عددٌ قليل من البُقع في أماكن مِثل الإبطَيْنِ، تملؤها الغدد المفرِزة التي تنتج مادَّة دهنيَّة شمعيَّة، ولكن حتى ذلك ليس له رائحة متأصِّلة. والصحيح أنَّ البكتيريا الموجودة على جلدنا تأكله، وتنتج فضلاتها رائحة كريهة، ممَّا يجعل العَرَق كبش فداء!
ناهيك وأنَّه مع ارتفاع درجات الحرارة العالميَّة، سيكُونُ العَرَق بالنسبة لكثير من النَّاس ـ لا سِيَّما في أجزاء من العالَم التي تفتقر إلى إمكان الوصول إلى أجهزة تكييف الهواء ـ أمرًا لا مفرَّ مِنه. وهنا بيَّن الخبراء أدلَّة على أنَّ الرجال يتعرَّقون أكثر من النساء، وأنَّ احتماليَّة التعرُّق تنخفض مع تقدُّم العمر.
ختامًا، لا يُمكِننا ببساطة أن نتعرَّقَ في طريقنا للخروج من مأزقنا المناخي. هناك سقف لدرجات الحرارة التي يُمكِننا تحمُّلها. فهل يُمكِننا التنبُّؤ وقول: إنَّ الأجيال القادمة ستتطوَّر لِتتعرَّقَ أكثر ممَّا نفعل الآن. بل لَمْ نَعُدْ نعيش في ظلِّ الظروف الشديدة التي دفعت أسلافنا إلى إنبات المزيد من الغدد العَرقيَّة! وربَّما في الوقت الحالي، قَدْ يجد الأشخاص، الذين هم بالفعل في الجانب الأكثر تعرُّقًا، أنفُسَهم أكثر استعدادًا للتعامل مع عالَم دافئ وحارٍّ.
د. يوسف بن علي الملَّا
طبيب ـ مبتكر وكاتب طبي
dryusufalmulla@gmail.com

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: الع ر ق من الن

إقرأ أيضاً:

بيان جديد بشأن مراكز الايواء التي يمكن أن تستقبل النازحين

 اصدرت اللجنة الوطنية لتنسيق عمليات مواجهة الكوارث والازمات بيانا بشأن مراكز الايواء التي يمكن أن تستقبل النازحين.      

مقالات مشابهة

  • نور على نور
  • بيان جديد بشأن مراكز الايواء التي يمكن أن تستقبل النازحين
  • غارات إسرائيليّة على الجنوب.. إليكم المناطق التي استُهدِفَت
  • الأرصاد: تباين في درجات الحرارة في محافظات اليمن
  • “العقوري” يطلع على مسودة تقرير حقوق الإنسان التي أعدها الفريق المُشكل من ديوان مجلس النواب
  • إصلاح البيئة يصلح الإنسان
  • منطقة الأمان الخادع
  • طرق مجربة للتخلص من رائحة الفم الكريهة.. احصل على نفس منعش فورا
  • اعتدال بدرجات الحرارة على أغلب المناطق  
  • طقس العراق.. أمطار وغبار وتذبذب في درجات الحرارة