هذا الصَّيف، مِثل العديد من النَّاس، لعلَّك نسيت ما يعنيه أن يكُونَ جسمك جافًّا. فلقَدْ نمَتِ الحرارة بشدَّة في بعض الأحيان، ولولا وجود أجهزة التكييف لاستمرَّ الفرد في التعرُّق في كُلِّ مكان يذهب إليه! وبتلكم الطريقة التي تسير بها الأمور، قَدْ تكُونُ الرطوبة غير النهائيَّة شيئًا سيتعيَّن على الكثير مِنَّا الاعتياد عليه.
لكنَّ احتقارنا للعَرَق غير مستحقٍّ على الإطلاق، بالرغم من أنَّه قَدْ يضايق الفرد ومرَّات عديدة يستفزُّ بالرائحة المرتبطة به، إلَّا أنَّه أمْرٌ حيوي للحياة. فهو ـ سبحان الله ـ يبرد أجسامنا ويرطِّب بَشَرتنا، ويصدر إشارات كيميائيَّة. وحقيقةً، العَرَق هو أيضًا جزء أساسي ممَّا يجعل النَّاس بدونه، لَنْ نتمكَّنَ من الركض لمسافات طويلة في حرارة عالية!
بطبيعة الحال، نفورنا من العَرَق ليس له معنى تطوُّري كبير. على عكس الإفرازات الأخرى التي تُثير اشمئزازًا شِبْه شامل، فإنَّ العَرَق لا ينقل المرض بشكلٍ روتيني أو يتسبَّب في أضرار أخرى. لكنَّها تظهر العمل البدني والضغط العاطفي، وبالتَّالي لا يحرص المُجتمع عادةً على رؤيته. وبالنسبة للبعض ـ إن استطعت القول ـ قَدْ يُشير إلى فقدانك السيطرة على جسمك بطريقة معيَّنة! إلَّا أنَّه ـ أعزَّكم الله ـ على عكس البول، أو الدموع، فإنَّ العَرَق هو نتاج وظيفة الجسم التي لا يُمكِننا تدريب أنفُسِنا على قمعها أو تأخيرها.
من ناحية أخرى، نحن كأفراد أيضًا نكرَهُ العَرَق؛ لأنَّنا نعتقد أنَّه كَرِيه الرائحة. لكنَّه ليس كذلك في الواقع. بل إنَّ جميع الغدد العَرقيَّة الموجودة على أجسام الإنسان هي من النَّوع المعروف باسم الإكرين، وتنتج مياهًا مالحة بِدُونِ رائحة تقريبًا. صحيح قَدْ يكُونُ هنالك عددٌ قليل من البُقع في أماكن مِثل الإبطَيْنِ، تملؤها الغدد المفرِزة التي تنتج مادَّة دهنيَّة شمعيَّة، ولكن حتى ذلك ليس له رائحة متأصِّلة. والصحيح أنَّ البكتيريا الموجودة على جلدنا تأكله، وتنتج فضلاتها رائحة كريهة، ممَّا يجعل العَرَق كبش فداء!
ناهيك وأنَّه مع ارتفاع درجات الحرارة العالميَّة، سيكُونُ العَرَق بالنسبة لكثير من النَّاس ـ لا سِيَّما في أجزاء من العالَم التي تفتقر إلى إمكان الوصول إلى أجهزة تكييف الهواء ـ أمرًا لا مفرَّ مِنه. وهنا بيَّن الخبراء أدلَّة على أنَّ الرجال يتعرَّقون أكثر من النساء، وأنَّ احتماليَّة التعرُّق تنخفض مع تقدُّم العمر.
ختامًا، لا يُمكِننا ببساطة أن نتعرَّقَ في طريقنا للخروج من مأزقنا المناخي. هناك سقف لدرجات الحرارة التي يُمكِننا تحمُّلها. فهل يُمكِننا التنبُّؤ وقول: إنَّ الأجيال القادمة ستتطوَّر لِتتعرَّقَ أكثر ممَّا نفعل الآن. بل لَمْ نَعُدْ نعيش في ظلِّ الظروف الشديدة التي دفعت أسلافنا إلى إنبات المزيد من الغدد العَرقيَّة! وربَّما في الوقت الحالي، قَدْ يجد الأشخاص، الذين هم بالفعل في الجانب الأكثر تعرُّقًا، أنفُسَهم أكثر استعدادًا للتعامل مع عالَم دافئ وحارٍّ.
د. يوسف بن علي الملَّا
طبيب ـ مبتكر وكاتب طبي
dryusufalmulla@gmail.com
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
الحالات التي يباح فيها للمصلي قطع الصلاة .. الإفتاء توضح
ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول (يتكلم الفقهاء عن بعض الأحوال التي يجوز فيها للمصلي أن يقطع صلاته من أجلها؛ فنرجو منكم الإفادة بذكر أهم هذه الحالات.
وقالت دار الإفتاء في إجابتها على السؤال إنه قد تنوعت عبارات الفقهاء فيما يباح للمصلي قطع الصلاة من أجله، ما بين مضيق وموسع، وبينوا أنه كما يجوز قطعها للضرورة فيجوز قطعها كذلك للحاجة.
فعند الحنفية: قال العلامة الحصكفي الحنفي في "الدر المختار شرح تنوير الأبصار" (1/ 89، ط. دار الكتب العلمية): [ويباح قطعها لنحو قتل حية، ونَدِّ دابَّةٍ، وفَوْرِ قِدْرٍ، وضياعِ ما قيمتُه درهمٌ، له أو لغيره. ويستحب لمدافعة الأخبثين، وللخروج من الخلاف إن لم يَخَفْ فوت وقتٍ أو جماعة.
ويجب لإغاثة ملهوف وغريق وحريق، لا لنداء أحد أبويه بلا استغاثة إلا في النفل، فإن علم أنه يصلي لا بأس أن لا يجيبه، وإن لم يعلم أجابه] اهـ.
وعند المالكية: قال العلامة ابن رشد الجَدُّ في "البيان والتحصيل" (2/ 110-111، ط. دار الغرب الإسلامي): [مسألة قال: وسئل عن الرجل يصلي فيخطف رداؤه عنه، هل له أن يخرج ويقطع الصلاة ويطلب خاطفه، أم لا يقطع ويصلي ويدع رداءه يذهب؟ وعن الرجل يخاف على الشيء من متاع البيت السرق والحرق والفساد، مثل قلة الزيت، أو الماء، أو الخل، تقلب فيهراق ما فيها، هل يسعه أن يسويها ويرجع في صلاته؟ ومثل ذلك زقاق الزيت، أو الخل، ونحوه، يخاف عليها أن تنشق أو تنفسخ، أو يفسدها شيء- وهو يصلي، هل يصلح الزقاق ويربطها ويرجع في صلاته؛ أو يقطع صلاته ويستأنف؟ فقال ابن القاسم: إذا خطف ثوبه في الصلاة، فلا بأس أن يقطع ويذهب في طلب الذي أخذه، ويستأنف إذا رجع.
وأما مالك فكان يكره نحوه، وذلك أني سألته عن الذي يكون في الصلاة فيرى الشاة تأكل الثوب، أو العجين؛ فقال: إن كان في فريضة، فلا يقطع؛ وأما الرجل يصلي وفي البيت قلة أو شيء يخاف عليه أن يهراق، فإني سألت مالكًا عن الرجل يقرأ فيتعايا في قراءته، فيأخذ المصحف ينظر فيه -وهو بين يديه- فكرهه، فهذا مثله] اهـ.
وعند الشافعية: قال العلامة أحمد حجازي الفشني الشافعي في "تحفة الحبيب بشرح نظم غاية التقريب" (ص: 93، ط. الحلبي): [كالخوفِ في القتالِ: الخوفُ على معصوم من نفس، أو عضو، أو منفعة، أو مال، ولو لغيره، من نحو سَبُعٍ؛ كحية، وحرَق، وغرَق] اهـ.
وقال العلامة شيخ الإسلام البيجوري الشافعي في "حاشيته على شرح ابن قاسم على أبي شجاع" (1/ 309، ط. بولاق 1285هـ) محشِّيًا على قول الإمام أبي شجاع: "والثالث: أن يكون في شدة الخوف والتحام الحرب": [ويجوز هذا الضرب في كل قتال وضرب مباحين؛ كقتال عادل لباغٍ، وصاحب مال لمن قصد أخذه ظلمًا، ومن ذلك: ما لو خُطِفَ نعلُه، فله أن يسعى خلفه وهو يصلي، حتى إذا ألقاه الخاطف أتم صلاته في محله، أو هربت دابته وخاف ضياعها، وكهَرَبٍ من حريقٍ أو سيلٍ أو سَبُعٍ لا يعدل عنه، أو من غريم عند إعساره، أو خروج من أرض مغصوبة تائبًا، ومتى زال خوفه أتم صلاته كما في الأمن، ولا قضاء عليه، وليس له فعله لخوف فوت عرفة، بل يترك الصلاة ولو أيامًا ليدرك عرفة؛ لأن قضاء الحج صعب، بخلاف قضاء الصلاة، وخرج بالحجِّ العمرةُ؛ فلا يترك الصلاة؛ لأنها لا تفوت، ما لم ينذرها في وقت معين، وإلا كانت كالحج، فيترك الصلاة لها عند خوف فوتها كما أفتى به والد الرملي، وإن خالفه ابن حجر] اهـ.
وعند الحنابلة: قال الإمام ابن قدامة في "المغني" (2/ 183، ط. مكتبة القاهرة): [قال أحمد: إذا رأى صبيين يقتتلان، يتخوف أن يلقي أحدهما صاحبه في البئر، فإنه يذهب إليهما فيخلصهما، ويعود في صلاته. وقال: إذا لزم رجل رجلًا، فدخل المسجد، وقد أقيمت الصلاة، فلما سجد الإمام خرج الملزوم، فإن الذي كان يلزمه يخرج في طلبه. يعني: ويبتدئ الصلاة. وهكذا لو رأى حريقًا يريد إطفاءه، أو غريقًا يريد إنقاذه، خرج إليه، وابتدأ الصلاة. ولو انتهى الحريق إليه، أو السيل، وهو في الصلاة، ففر منه، بنى على صلاته، وأتمها صلاة خائف؛ لما ذكرنا من قبل، والله أعلم] اهـ.