شهدت الأسابيع الماضية كشف حالتين إضافيتين لإسرائيليين وافقوا على التجسس لصالح إيران، مما أشعل الأضواء الحمراء في الاستخبارات الاسرائيلية، من السهولة التي تواجهها غريمتها الإيرانية، وصعوبة الكشف عن هذه المحاولات التي لم تتوقف طوال السنوات الماضية.

ويثير تجنيد إيران لمزيد من الإسرائيليين للعمل في صفوفها أسئلة مؤلمة لدى مخابرات دولة الاحتلال عما يدور في ذهن الإسرائيلي، ويدفعه للاستجابة لنداءات المخابرات الإيرانية، ويخون دولته.



ليراز مرغليت، الباحثة السلوكية في العصر الرقمي بجامعة رايخمان في هرتسليا، كشفت أن "هناك خصائص معينة تدفع المخابرات الايرانية لتفضيل الإسرائيليين ذوي الشخصية المعينة، والملف النفسي المعين لتجنيدهم في صفوفها، ولعل مفتاح فهم دوافع من سيصبحون جواسيس محتملين يكمن في الفهم النفسي للدوافع البشرية، فكل إسرائيلي لديه العديد من الدوافع التي تدفعه للعمل كجاسوس لدولة معادية لدولته، وهو ما يدفع الخبراء الأمنيين الايرانيين للتعرف على فهم ما يحفز هؤلاء الجواسيس الإسرائيليين على العمل في صفوفها".

وأضافت في مقال نشرته صحيفة معاريف، وترجمته "عربي21" أنه "رغم أن معظم الإسرائيليين على يقين من أن المال هو الدافع الرئيسي لتصرفات الجواسيس الذين تعاونوا مع الإيرانيين، لكنني عقب عمل بحثي متواصل اكتشفت أن الأمر لا يتعلق بالمال فقط، فالمال جزء من القصة، لكن الشيء الرئيسي ليس فقط الربح المالي، بل أيضًا الحاجة لملء الفراغ العاطفي، والشعور بالإثارة، والعثور على نوع ما من المهنة".

وأوضحت أن "الدافع الغالب لأولئك الجواسيس الإسرائيليين الذين يوافقون على التعاون مع إيران هو الرغبة في الحصول عليها بسبب الروتين المملّ، أو التطلع للشعور بالأهمية، أو افتقارهم للإثارة في الحياة، أو كانت لديهم علاقة إشكالية مع الأهل، وشعروا بالرفض من المجتمع، وهذه فرصتهم لإثبات أنهم يستحقون شيئًا".

وأكدت أنه "في العديد من الحالات التي تم اكتشافها في السنوات الأخيرة من الجواسيس الإسرائيليين لصالح إيران، ورغم أن بعضهم طلب مبلغًا مرتفعًا قدره مليون دولار لتنفيذ المهام التي عرضها عليه الإيرانيون، إلا أن الدافع الرئيسي ربما كان الحاجة لأن يكون جزءًا من شيء أكبر، من خلال قناعته بفكرة فرصة المشاركة في مثل هذه المهام الخطيرة مما يغذي لديه دافع الإثارة مقابل المال".



وأوضحت أنه "في نماذج أخرى من هؤلاء الجواسيس الإسرائيليين تصبح القصة أكثر تعقيدًا، فأفعالهم مثلا التي كلفتهم بها المخابرات الايرانية، مثل كتابة الشعارات على الجدران، وإحراق السيارات، والموافقة على اغتيال شخصية إسرائيلية بارزة، تثور تساؤلات جدية، لأنه من الصعب في مثل هذه الحالة أن نصدق أن المال وحده يقف وراء هذه الأفعال، بل هناك أيضا بجانب المال الرغبة في الإثارة، والشعور بأنهم يشاركون في عملية سرية وخطيرة، خاصة وأن ملفات المخابرات العالمية تكشف العديد من النماذج التي تؤكد أن تجنيد الجواسيس غالبا ما يجمع بين جوانب النرجسية والرضا الذاتي، وليس فقط الدوافع المالية".

وأضافت أن "هؤلاء الجواسيس الإسرائيليين الذين عملوا لصالح المخابرات الايرانية يشعرون فجأة بأن الحياة في هذا المجال الخطير تأخذ معنى جديدًا، والإثارة الناتجة عن الانخراط في مهام خطيرة، والشعور بالقوة الذي يأتي مع تجربة الاتصال بمسؤولي المخابرات، كل هذا يوفر دفعة كبيرة على غرار الحالات السابقة، وهنا يمكن رؤية استخدام أساليب التلاعب من جانب المشغلين الإيرانيين، مثل مبدأ "الانسجام" والالتزام".

وأوضحت أن "المخابرات الايرانية لديها فريق من الخبراء النفسيين الذين يعتقدون أنه بمجرد تكليف الجاسوس الإسرائيلي بتنفيذ مهام صغيرة، يتم إنشاء عملية يشعر فيها هذا الجاسوس بأنه ملزم بمواصلة أداء مهام إضافية أكثر صعوبة وخطورة، من أجل الحفاظ على الإدراك الذاتي، والشعور بالالتزام، كعامل مؤثر في العمل الأمني".

ولفتت الكاتبة إلى نقطة أخرى مثيرة للاهتمام في حالات الجواسيس الإسرائيليين، وتتمثل في اختيار الأهداف على أساس الملامح الديموغرافية، ففي بعض الحالات كان الإسرائيليون يعيشون أساسا خارج حدود دولة الاحتلال، وبالتالي يكون اختياره سريعا بسبب سهولة وصوله لإيران، وفتح المزيد من علاقاته التجارية الواسعة، وهناك حالات أخرى من الجواسيس الإسرائيليين لصالح المخابرات الايرانية ممن يبحثون عن الخبرات التي توفر إحساسًا بقيمة الذات والإثارة.

وأضافت أننا "إذا تذكرنا قضية تجنيد النساء الإسرائيليات في شبكة تجسس إيرانية قبل عامين، فقد تم إغراؤهن بالشخصية الغامضة التي تدعى رامبود نامدار التابعة للعميل الإيراني الذي اتصل بهن، بينما الجواسيس في الحالات الأخيرة تلقوا تعليمات مباشرة من مسؤولي المخابرات الإيرانية الذين قدموا أنفسهم كشخصيات ذات سلطة وتمكين، حيث يستجيب العديد من الأشخاص للسلطة بطريقة قوية، كما أن الشعور بالقوة والسيطرة الذي يحصلون عليه من الاتصال بمثل هذه الشخصيات يدفعهم لاتخاذ قرارات صعبة، بل إنهم قد يشعرون بالفخر لأنه عُرض عليهن تنفيذ عمليات بهذه الأهمية والخطورة.

وختمت بالقول إن "الحالات التجسسية الإسرائيلية الأخيرة لصالح إيران تؤكد أن التكنولوجيا والتطورات المبتكرة في مجال التجسس لا يمكن أن تخفي حقيقة أن الحلقة الضعيفة ستكون دائما الإنسان، فالرغبات البشرية سواء كانت للإثارة، أو للإحساس بالمعنى، أو لتحقيق مكاسب مالية، هي التي تقود الجواسيس المحتملين في النهاية إلى التعاون، وتثبت هذه الحالات مرة أخرى مدى خطورة التقليل من قيمة علم النفس البشري عندما يتعلق الأمر بالأمن القومي".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية التجسس إيران الاحتلال إيران الاحتلال تجسس عملاء صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المخابرات الایرانیة لصالح إیران العدید من

إقرأ أيضاً:

الذين يشبهون الدعاء لا يُنسَون

 

عائشة بنت سالم المزينية
هناك أشخاص حين تلتقي بهم، تشعر أنك لم تلتقِ بشخص، بل بدعاء سكن قلبك يوما، ولبّاه الله لك دون أن تدري. أولئك الذين يشبهون الدعاء لا يمرّون مرور الكرام في حياتنا، بل يزرعون شيئا ناعمًا في الروح، شيئًا لا يُرى بالعين، ولا يُقاس بالكلمات، لكنه يبقى. يبقى كأثر المطر على الأرض، وكطمأنينة السجود بعد ضيق.
ولأنهم يشبهون الدعاء، فإن حضورهم لا يكون صاخبا، بل هادئا يشبه نسيم الفجر، يدخل القلب دون استئذان، ويُضيء العتمة دون أن يُشعل ضوءًا. هم أولئك الذين يكفون عن الكلام حين يحين وقت الإصغاء، ويُحسنون الظن بك حين تعجز عن تبرير صمتك. وجودهم لا يعتمد على قرب المسافة، بل على نقاء النية، وصدق الشعور، وسخاء القلب.
وفي كل مرحلة من مراحل العمر، لا بد أن تصادف شخصًا واحدا على الأقل، يُعيد ترتيبك من الداخل. لا يطلب شيئا، لا ينتظر رد الجميل، لا يسعى لفرض حضوره، فقط يكون هناك حين تحتاج، كأن قلبه يرنّ مع ألمك، وكأن نفسه لا تهدأ حتى يطمئن عليك. هؤلاء لا يُنسَون، لأنهم ببساطة يشبهون تلك اللحظات التي بُثّت فيها أمنياتنا إلى السماء.
ولذلك، حين تتقاطع دروبنا مع أشخاص بهذه الروعة، فإننا نكسب شيئا أكبر من مجرد علاقة، نحن نكسب امتدادا روحيا لا يشيخ، لا يتغير بتقلبات المزاج، ولا يتبدد مع الزمن. وفي الحقيقة، ليست الصداقات التي تدوم هي الأطول عمرا، بل هي الأصدق أثرا. هؤلاء، هم أولئك الذين تجد آثارهم في كل لحظة فرح أو حزن، في كل إنجاز أو سقطة، كأنهم يرافقونك سرا حتى حين لا يكونون بجانبك.
ومن اللافت أن هؤلاء الأشخاص لا يبحثون عن أن يكونوا مميزين، هم فقط يعيشون ببساطة، ولكنهم يحملون قلوبا أكبر من العالم. تراهم في كلماتهم، في طريقة إنصاتهم، في تلك التفاصيل الصغيرة التي لا ينتبه لها أحد سواهم. هم يصغون أكثر مما يتحدثون، ويمنحون أكثر مما يأخذون، ويبتسمون رغم ما يخبئونه من أثقال.
ومع مرور الزمن، تكتشف أن أجمل العلاقات هي التي لا تحتاج إلى إثبات دائم. الذين يشبهون الدعاء لا يجعلونك تشك في محبتهم، لا يُربكونك بتقلّباتهم، لا يجعلونك تُرهق نفسك بتأويل كلماتهم. هم ببساطة نعمة، ومن رحمة الله بالقلوب أن يرزقها بأمثالهم في الوقت الذي يكون فيه الإنسان بأمسّ الحاجة ليد خفيفة على كتفه، أو لصوت صادق يقول له: "أنا هنا".
وعلى الرغم من أن الحياة تمضي، والوجوه تتغير، والأيام تأخذنا في دوّاماتها، إلا أن أولئك الذين يتركون فيك هذا الأثر الطيب، يبقون في القلب كأنهم تعويذة راحة، كأنهم غيمة طيبة تظلل عليك كلما اشتد الحر، كأنهم سكينة أُهديت لك في لحظة حيرة.
ومن المهم أن نعي، أنه كما نُرزق بهؤلاء الأشخاص، فإن علينا أيضا أن نسعى لنكون نحن من يشبهون الدعاء للآخرين. أن نُخفّف، لا أن نُثقل. أن نستمع، لا أن نحكم. أن نترك أثرا طيبا، حتى لو لم نعد موجودين. فالحياة لا تُقاس بعدد الأصدقاء، بل بجودة القلوب التي مرّت بنا.
وهنا، لا بُد أن نتأمل: من الأشخاص الذين يأتون إلى ذاكرتنا حين نكون في قاع الحزن؟ من أولئك الذين نشعر بوجودهم حتى وهم بعيدون؟ من الذين نُرسل لهم في سرّنا دعاءً خالصا لأننا لا نملك إلا أن نحبهم دون مصلحة؟ هم بلا شك الذين يشبهون الدعاء، أولئك الذين نحتفظ بهم في دعائنا لأنهم نادرا ما طالبوا بشيء، لكنهم أعطونا كل شيء.
ولعلّ أجمل ما في هذا النوع من البشر، أنهم لا يتبدلون حين تتبدل الظروف، ولا يخذلون حين يشتد التعب. هم الثابتون حين يتغيّر كل شيء. تراهم في رسائل بسيطة، في مكالمة مفاجئة، في دعاء صامت، في نصيحة غير متكلّفة، في وقفة لا يُرجى منها مقابل.
وما أجمل أن نكون مثلهم، أن نمرّ في حياة الآخرين كنسمة طيبة، لا تُؤذي، لا تُثقل، لا تُحاكم، بل تُساند، وتبتسم، وتدعُو في ظهر الغيب. إن الذين يشبهون الدعاء لا يحتاجون إلى مقدمات طويلة، ولا إلى تبريرات عند الغياب، لأن حضورهم يكفي ليملأ القلب رضا، وذكراهم تكفي لتسند الروح حين تتعب.
وهنا، تأكد أن الحياة لا تحتفظ بكل من مرّ بك، لكنها لا تنسى أبدا من شابه الدعاء في حضوره، وأثره، ونقائه. فلا تكن من أولئك الذين يعبرون الحياة بأصواتهم المرتفعة، بل كن من الذين يعبرونها بأثرٍ لا يُمحى، ومن أولئك الذين إذا ذُكروا، سبقتهم دعوة صادقة من قلب أحبهم بصدق.
فالذين يشبهون الدعاء لا يُنسَون، لأن الله وحده هو من وضعهم في دروبنا، في اللحظة التي كنّا فيها بأمسّ الحاجة لهم.
 

مقالات مشابهة

  • لهذه الأسباب... الرئيس عون مصرٌّ على نزع سلاح حزب الله
  • ديفيد هيرست: حماس لن تأخذ الأموال وتهرب من غزة لهذه الأسباب
  • لا تذهب للعراق.. وسم جزائري يحذر تبون من زيارة بغداد لهذه الأسباب
  • محافظ المنوفية يقرر صرف مساعدات مالية عاجلة ومواد غذائية لعدد من الحالات الإنسانية
  • محافظ المنوفية: صرف مساعدات مالية ومواد غذائية ولحوم لعدد من الحالات الإنسانية
  • متظاهرون إسرائيليون يطالبون بإقالة نيتنياهو
  • محلل إسرائيلي: لهذه الأسباب لن تكون المنطقة العازلة آمنة لجيش الاحتلال
  • محللون إسرائيليون: نتنياهو اعترف بالفشل وأكد استعداده للتضحية بالأسرى
  • الذين يشبهون الدعاء لا يُنسَون
  • عاجل | رئيس الشاباك للمحكمة العليا: لا أعرف ما هي الأسباب التي دفعت إلى إقالتي من منصبي على يد الحكومة