هل سمعتم بمعلومة «علميَّة» حقَّقت انتشارًا هائلًا، واحتلَّ الكتاب الذي تناولها صدارة مبيعات الكتب في العالَم لعدَّة أشْهُر؟
حدَثَ هذا قَبل أن يتمَّ فتح الأبواب أمام نشْرِ كُلِّ شيء في عصر «الميديا» وقنوات متعدِّدة الواجهات والذَّكاء الاصطناعي، وحصل ذلك من خلال دار نشْرٍ مشهورة، وكما يعرف الجميع، فإنَّ دُورَ النشر، تلتزم بضوابط ومعايير شديدة وصارمة في طبعها ونشرها للكتب.
عنوان الكتاب «عوالم في تصادم» المؤلِّف إيمانويل فيليكوفسكي ودار النَّشر ماكميلان وشركاه وسنة النَّشر 1950، تلك الحقبة التي أعقبت الحرب العالميَّة الثانية، وشهدت نشاطًا واسعًا في عالَم النَّشر والطِّباعة، والمعلومة التي تحدَّث عَنْها الكتاب تقول: إنَّه وفي حوالي ألفٍ وخمسمئة سنة قَبل الميلاد، أنَّ كوكب المشتري قذَف مذنَّبًا صوب الأرض ممَّا تسبَّب في حدوث اضطرابات كبيرة في المجال المغناطيسي للأرض، ثم إعادة توجيه محور الأرض. ويسرد القصَّة بتفاصيلها المثيرة للاهتمام الباحث ديفيد سيبكوسكس في كتابه (التفكير الكارثي) الصادر ضِمْن سلسلة عالَم المعرفة التي تصدر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت وترجمة إيهاب عبد الرحيم علي.
هذه المعلومات التي لَمْ يتمكن الباحث إيمانويل فيليكوفسكي إثباتها. ليس هذا وحده، بل جوبهت بحملة مضادَّة من جمهرة واسعة من كبار العلماء ومن جامعات مرموقة جدًّا، إلَّا أنَّها وجدَت سُوقًا كبيرًا وبيئة خصبة لانتشارها على أوسع نطاق. ويُصنِّف سيبكوسكي مِثل هذه المعلومة والنطاق الواسع الذي انتشرت فيه تحت عنوان أو مُسمَّى «التفكير الكارثي» مستشهدًا بالمواقف التي أطلقها العلماء والخبراء لوقف المعلومات ذات الطابع الكارثي، والتي تتسبب بنتائج خطيرة على مستويات مختلفة في تفكير المُجتمعات، إلَّا أنَّ كُلَّ تلك التحركات والأنشطة العلميَّة لَمْ تتمكن من إيقاف السَّيل العامِّ الذي ورَدَ في كتاب (عوالم في تصادم)، رغم الجديَّة العالية التي اتَّسمت فيها المُجتمعات في تلك الحقبة وتأثير العلماء وصعوبة نشْرِ الخرافات التي ترتدي أقنعة العِلْم إنْ لَمْ يكُنْ مستحيلًا، إلَّا أنَّ «خرافة» المشتري الذي قذف المذنَّب صوب الأرض وأحدث ما أحدث فيها قَدْ قوبل بقَبول منقطع النظير على المستوى الشَّعبي، وتفاعلت معه فئات مختلفة من المُجتمعات. ورغم رصانة الذين تصدوا لذلك من العلماء والمفكرين، إلَّا أنَّ الموجة الصاخبة التي أطلقها فيليكوفسكي كانت أقوى من هؤلاء.
لو تمَّ إسقاط ما حصل في تلك الحقبة على حجم الزائف بجميع أشكاله وأنواعه والحقول المختلفة التي ينمو فيها وينتشر بسرعة البرق في وقتنا الحالي، ما نَوْع تداعيات والتحدِّيات التي سنواجهها؟ وما حجم الوهم والخداع الذي يستهلكه النَّاس في جميع دوَل العالَم وفي مختلف المُجتمعات؟
وليد الزبيدي
كاتب عراقي
wzbidy@yahoo.com
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية: العلم لا حدود له ويمكن التخصص في أكثر من مجال
أكد الشيخ خالد الجندي، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، أن العلم لا يعرف الحدود وأنه يمكن للإنسان أن يتخصص في أكثر من مجال بفضل الإيمان الحقيقي والعزيمة.
وأضاف الجندي خلال حلقة برنامج "لعلهم يفقهون" المذاع على قناة "dmc" اليوم الخميس، أن كتابًا لفت انتباهه أهدته له الدكتورة سارة حسين مختار، ابنة صديقه الأستاذ حسين مختار وأستاذة علم الأنسجة في جامعة الملك عبد العزيز، والذي تناول متشابهات القرآن الكريم. وأوضح أن ما شدّه في الكتاب ليس فقط محتواه العلمي، بل أن مؤلفته كانت متخصصة في الطب، ما يعكس كيف يمكن للعالم أن يتقن الطب والعلوم الدينية في آن واحد.
وأشار إلى أن الدكتورة سارة حفظت القرآن الكريم في سن الـ18، مما يدل على أن القرآن لم يُعطلها عن العلم بل كان دافعًا لها للنجاح في مجالها، وألّفت كتابًا فريدًا من نوعه في متشابهات القرآن، حيث نظمت الآيات المتشابهة في منظومة شعرية لتسهيل حفظها وفهمها.
وأشاد الجندي بتجربة الدكتورة سارة قائلاً: "هي نموذج يُحتذى به، وتجسد القيم الحقيقية للإيمان والعلوم التي يجب أن نسعى جميعًا لتحقيقها". وأكد أن هذا الكتاب يثبت أن العلم ليس له حدود وأنه يمكن لأي شخص، سواء في الطب أو الشريعة، أن يقدم للبشرية شيئًا عظيمًا.
كما تطرق الجندي إلى قضية مثيرة للجدل، حيث أشار إلى أن هناك من يعترض على إنشاء الكتاتيب، معتبرين أنها تساهم في التخلف العلمي. وقال: "لكن تجربة ابنة صديقي، سارة، ترد على هؤلاء، وتثبت أن العلم لا يعرف التخصصات الضيقة، بل هو تفاعل مستمر بين مختلف المجالات".