ما هو لغز هواتف غارفيلد التي تظهر على شواطئ فرنسا منذ عقود؟
تاريخ النشر: 28th, October 2024 GMT
كان البعض يمشي على طول الشواطئ الفرنسية، ليصادف شيئاً غريباً يبرز من بين الرمال بلونه البرتقالي المميز، يشبه رأس قطة. وعند إزالته من الرمال وغسله في مياه البحر، يظهر وجه مبتسم لشخصية "غارفيلد".
وقد شكلت هذه الظاهرة لغزاً استمر لعقود وأثارت الكثير من التكهنات، حيث بدأت تظهر على شواطئ شمال غرب فرنسا، منذ ثمانينات القرن العشرين وحتى وقت قريب، مئات الهواتف على شكل القط الشهير "غارفيلد".
ظلت هذه الظاهرة غير مفسرة، ولم يعرف أحد مصدر هذه الهواتف أو سبب ظهورها المستمر.
لغز هواتف غارفيلدفي عام 1978، أصدرت شركة تايكو منتجاً جديداً للهاتف يظهر فيه القط الشهير المحب لللازانيا، غارفيلد، وقد أحب وأعجب بالهواتف الجديدة هواة الجمع الذين لديهم اهتمامات محددة، وجذبت قصة جيم ديفيس المصورة عن غارفيلد قاعدة جماهيرية كبيرة من هواة الجمع والمعجبين المغرمين بقصته وشخصيته.
هذا الهاتف الشهير الذي صُمّم على هيئة القط غارفيلد كان يُعدّ حيلة تجارية لجذب محبي الشخصية الكرتونية، حيث تم تصميمه بشكل مبتكر، فعندما يُرفع الهاتف السلكي من ظهره، تفتح عينا غارفيلد، وعندما يُعاد إلى مكانه، يعود القط إلى حالة "الغفوة". ولا يزال هذا الهاتف متاحاً اليوم للبيع على مواقع تجميع المقتنيات.
لكن في منتصف الثمانينيات، بدأت هذه الهواتف بالظهور بشكل غير مفهوم على شواطئ عديدة في فرنسا، ما أثار دهشة واستياء مجموعة من الناشطين البيئيين المحليين، تُعرف بـ Ar Viltansoù، الذين اختاروا وجه غارفيلد ليكون رمزاً لحملاتهم ضد التلوث البحري.
وبعد عقود من الحيرة والبحث عن مصدر هذه الهواتف، تقدم أخيراً مزارع محلي بمعلومة هامة، إذ كشف عن وجود كهف بحري منعزل قريب لا يمكن الوصول إليه إلا عند انخفاض المد، وهناك، اكتُشف السر الذي ظل غامضاً لسنوات طويلة.
في عام 2019، قام فريق صغير من أعضاء مجموعة Ar Viltansoù، برفقة صحافيين، بالتسلل عبر الصخور الزلقة إلى كهف معزول، وبين الشقوق، ظهرت قطعة بلاستيكية برتقالية زاهية تحت الصخور، كاشفةً عن لغز طالما حير الجميع، إذ تبين أن حاوية شحن سقطت من سفينة أثناء عاصفة عاتية في الثمانينيات، وكانت تحتوي على منتجات عديدة، وأهمها هواتف غارفيلد، والتي علقت داخل الكهف البحري. ومع حركة المد والجزر، كانت الهواتف تُسحب ببطء من الكهف لتطفو على الشواطئ.
ومع حل لغز الهواتف، لم تحل المشكلة الأساسية، إذ تظل الشحنة مدفونة إلى حد ما، مما يجعل من الصعب معرفة مقدار الهواتف المتبقية ومتى سيتوقف ظهورها على الشواطئ.
وفقاً لرئيسة Ar Viltansoù، كلير سيمونين لو ميور، فقد اختفت معظم الهواتف، إذ عمل البحر على تفريقها على مدار ثلاثة عقود، قائلةً: "وصلنا بعد فوات الأوان".
يذكر غارفيلد بتحدي التلوث البحري، فبينما تبدو هواتفه الطافية طريفة، تظل هذه الحادثة جزءاً من مشكلة أوسع تتعلق بتلوث المحيطات وتراكم النفايات التي تجرفها الأمواج إلى الشواطئ حول العالم.
وفي عام 1992، فقدت سفينة حاويات شحنات من حوالي 28800 لعبة استحمام مطاطية على شكل بطة.
وفي عام 2018، انجرفت آلاف حاويات الأحذية إلى البحر، وبدأت أحذية Nike Trainers في الانجراف على الشواطئ من برمودا إلى أيرلندا، ويقدر مجلس الشحن العالمي أن حوالي 1000 حاوية شحن تنجرف إلى البحر كل عام، مما يؤدي إلى تلويث المحيطات والشواطئ بآلاف الأرطال من القمامة.
ويتفاقم هذا التلوث مع أخطاء بيئية أخرى من صنع الإنسان، لإلقاء ما بين 4.8 مليون و12.7 مليون طن من البلاستيك في المحيط كل عام، وتستمر هذه المواد البلاستيكية في تعطيل النظم البيئية القائمة على المحيطات بطرق لا حصر لها، حيث تتشابك القمامة مع الحياة البحرية، أو تأكلها الكائنات البحرية عن طريق الخطأ، أو تتحلل إلى جسيمات بلاستيكية دقيقة تشق طريقها إلى سلاسل الغذاء.
ةتمتد قضية التلوث بالمواد البلاستيكية الدقيقة إلى الإنسان نفسه، حيث تُظهر الدراسات أن هذه المواد تدخل الجسم عبر مياه الشرب وتناول المأكولات البحرية، وقد وصلت إلى مستويات غير مسبوقة مع اكتشافها في مشيمات الأجنة لأول مرة، ولا تزال المخاطر الصحية لهذه المواد قيد الدراسة من قِبل العلماء، في محاولة لفهم تأثيراتها على الأجيال القادمة.
ويمكن للأفراد المساهمة في الحد من هذه المشكلة باتباع خطوات بسيطة، مثل تقليل استخدام البلاستيك الذي يُستعمل لمرة واحدة، ودعم التشريعات الهادفة إلى تقليل إنتاج البلاستيك والنفايات، والمشاركة في جهود إعادة التدوير، والانضمام إلى أنشطة تنظيف الشواطئ والأنهار.
كما يُنصح بتجنب المنتجات التي تحتوي على حبيبات بلاستيكية دقيقة، ودعم المنظمات التي تكافح التلوث البلاستيكي، وقد تبدو هذه الجهود بسيطة، لكنها خطوات مهمة نحو عالم أنظف، لأجل "غارفيلد" وكل ما يجسّد المحبة والاعتناء بكوكبنا.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله السنوار الانتخابات الأمريكية غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية غرائب فرنسا فی عام
إقرأ أيضاً:
رصد مستويات مقلقة من الميكروبلاستيك في بحيرة البرلس المصرية
في مشهد يعكس التحديات البيئية التي تواجهها البحيرات الساحلية في منطقة البحر المتوسط، كشفت دراسة علمية حديثة أن بحيرة البرلس -ثاني أكبر البحيرات الطبيعية في مصر- باتت معرضة بشكل متزايد للتلوث بجزيئات البلاستيك الدقيقة، المعروفة بالميكروبلاستيك، نتيجة تدفق الملوثات من مصادر متعددة، على رأسها المصارف الزراعية، ومخلفات الصيد، والتصرفات البشرية غير المنضبطة.
الدراسة، التي نشرت يوم الرابع من أبريل/نيسان في مجلة "ساينتفك ريبورتس" استخدمت نظم المعلومات الجغرافية ونماذج التحليل المكاني لتقييم مدى تعرض البحيرة لهذا النوع من التلوث الخفيّ.
وبحسب النتائج، فإن المناطق الجنوبية والغربية والشمالية الغربية من البحيرة تُظهر أعلى درجات القابلية البيئية للتلوث، ما يجعلها نقاطًا حرجة تستدعي التدخل العاجل.
وتقع بحيرة البرلس على الساحل الشمالي الشرقي لمصر، وهي مصنفة كمحمية طبيعية منذ عام 1998 بموجب القانون المصري، كما أنها مدرجة ضمن اتفاقية "رامسار" الدولية لحماية الأراضي الرطبة.
ورغم ذلك، تؤكد الدراسة أن الحماية القانونية لم تمنع تغلغل الأنشطة البشرية، ولا سيما تصريف مياه الصرف الزراعي والصحي، في نسيجها البيئي الهش.
تمثل الدراسة نقلة نوعية في طريقة التعامل مع التلوث البلاستيكي، إذ لا تكتفي بتوثيق الوضع القائم، بل تقدم نموذجًا تنبُّئيًا يستشرف المناطق الأكثر عرضة للخطر، استنادًا إلى 7 مؤشرات رئيسية، منها: كثافة الأنشطة البشرية، واتجاهات التيارات المائية، وقرب المناطق من مداخل البحر، ومستوى الحماية القانونية.
إعلانوفي تصريح لـ"الجزيرة نت"، قالت الباحثة المشاركة في الدراسة "سهى شبكة"، الأستاذة المساعدة في قسم الأحياء المائية بالمعهد القومي لعلوم البحار والمصايد: "أنشأنا نموذجا باستخدام نظم المعلومات الجغرافية لتقييم تعرض المياه السطحية للتلوث من المصادر غير المباشرة. وأظهرت النتائج أن الممرات المائية تلعب دورًا محوريًا في نقل الجزيئات البلاستيكية إلى داخل البحيرة، لا سيما في الجزء الجنوبي منها".
وأضافت "شبكة": "تتلقى بحيرة البرلس سنويا حوالي 3.9 مليارات متر مكعب من مياه الصرف الزراعي والمنزلي، إلى جانب التصريفات القادمة من مزارع الأسماك. هذه الكميات الضخمة تُعد وسيلة مثالية لنقل الميكروبلاستيك إلى النظام البيئي البحيري".
رصد الفريق البحثي وجود 8 أنواع من البوليمرات الحرارية في عينات المياه، من بينها البولي بروبيلين، والبولي إيثيلين منخفض الكثافة، والنايلون، والتيفلون.
وتشير هذه المواد إلى مصادر تلوث متنوعة، تشمل الحبال وشباك الصيد، والمواد العازلة في الكابلات الكهربائية، وطلاء القوارب، والأكياس البلاستيكية، وحاويات التغليف.
وتوضح الباحثة أن متوسط تركيز الجزيئات البلاستيكية في المياه المفتوحة للبحيرة بلغ 165 قطعة لكل متر مكعب، بينما وصل إلى 835.6 قطعة/م³ في المياه القريبة من المصارف، وهو ما يشير إلى علاقة وثيقة بين مخرجات الأنشطة البشرية ونسبة التلوث المسجلة.
وتبرُز مناطق مثل بلطيم والبرج والأجزاء الجنوبية الشرقية من البحيرة باعتبارها الأكثر تأثرا، حيث تتركز الأنشطة الحضرية وتتشابك الشبكات المائية التي تسهم في تجميع ونقل الملوثات.
الميكروبلاستيك، رغم حجمه الدقيق الذي لا يتجاوز 5 ميليمترات، يعتبر من أخطر أنواع الملوثات الحديثة، نظرا لقدرته على اختراق سلاسل الغذاء البحرية. فعندما تبتلع الكائنات البحرية مثل الأسماك والقشريات هذه الجزيئات، تتراكم المواد السامة المرتبطة بها في أنسجتها، وقد تنتقل لاحقا إلى الإنسان عند استهلاك هذه الكائنات.
إعلانوفي هذا السياق، تقول شبكة "الميكروبلاستيك لا يؤثر فقط على الحياة البحرية من حيث الاختناق أو انسداد الجهاز الهضمي، بل يتسبب أيضا في اضطرابات هرمونية وتكاثرية قد تقود إلى انهيار تدريجي في التوازن البيئي. أما بالنسبة للإنسان، فهناك مخاطر حقيقية ناتجة عن تناول أسماك ملوثة أو استخدام مياه ملوثة".
رغم أن بحيرة البرلس تخضع للحماية القانونية، فإن الدراسة تسلط الضوء على "فجوة تطبيقية" في إنفاذ هذه القوانين. وتشير النتائج إلى أن ضعف الرقابة البيئية، وتعدد مصادر التلوث، والتوسع الحضري غير المخطط، كلها عوامل تساهم في تدهور الحالة البيئية للبحيرة.
يعلق "عبد الحميد أحمد" -أستاذ الجغرافيا الطبيعية المساعد بجامعة المنصورة، والباحث غير المشارك في الدراسة- قائلا في تصريحات لـ"الجزيرة نت" إن الدراسة لم تكتف برصد الواقع البيئي القائم في بحيرة البرلس، بل خلصت إلى مجموعة من الإجراءات الوقائية العاجلة التي يمكن أن تسهم في الحد من تفاقم التلوث بالميكروبلاستيك.
من أبرز هذه التوصيات تفعيل نظم مراقبة بيئية دورية، تهدف إلى رصد تركيزات الجزيئات البلاستيكية الدقيقة في المياه والرسوبيات بشكل مستمر، مما يتيح تتبع التغيرات ورسم خريطة زمنية دقيقة للمخاطر. كما دعت إلى الحد من استخدام المواد البلاستيكية أحادية الاستعمال، خاصة في الأنشطة المرتبطة بالصيد والسياحة، باعتبارها من المصادر الرئيسية للتلوث.
ولم تغفل الدراسة أهمية رفع الوعي المجتمعي، حيث أوصت بتنظيم حملات توعية تستهدف الصيادين والمجتمعات المحلية، لشرح أبعاد المشكلة وآثارها الصحية والبيئية. كذلك شددت على ضرورة إنشاء بنية تحتية متكاملة لمعالجة النفايات، لاسيما في المناطق المحيطة بالمصارف التي تعد البوابة الرئيسية لتسرب الملوثات إلى البحيرة.
إعلانوأخيرا، طالبت الدراسة بتطبيق أكثر صرامة للتشريعات البيئية، وتعزيز أدوات الرقابة على مصادر التلوث غير المباشر، لضمان حماية فعالة ومستدامة لهذا النظام البيئي الهش.
وفي هذا الإطار، تؤكد شبكة، على أهمية اعتماد نهج متعدد الأبعاد، يجمع بين الحلول التقنية والتدخلات المؤسسية والتوعية المجتمعية، مشددة على أن "المعركة ضد الميكروبلاستيك لا يمكن كسبها من خلال الباحثين وحدهم، بل تتطلب تعاونًا بين صانعي السياسات، والمجتمع المدني، والقطاع الخاص".
بحيرة البرلس، بحسب الخبراء، تعد نموذجا مصغرا للتحديات التي تواجهها العديد من البحيرات الساحلية في المنطقة، مثل بحيرة البردويل في سيناء، وبحيرة مريوط في الإسكندرية، وغيرها من الأنظمة البيئية الرطبة المهددة بالتلوث.
ويرى أحمد أن نتائج هذه الدراسة يمكن تعميمها على بيئات مشابهة، قائلا "الخريطة المكانية التي أنتجتها الدراسة توفر أداة مهمة لترتيب أولويات التدخل، وتعد أساسا علميا لتوجيه الاستثمارات البيئية نحو المناطق الأكثر احتياجا".