حزب العمال الكردستاني وتركيا.. 4 عقود من الصراع المسلح على الأراضي العراقية
تاريخ النشر: 28th, October 2024 GMT
تسبب الصراع المسلح بين حزب العمال الكردستاني التركي (PKK)، والجيش التركي طيلة العقود الأربعة الماضية، في تهجير سكان 800 قرية، وسقوط مئات الضحايا من المدنيين في إقليم كردستان العراق، شمالي البلاد.
يتخذ حزب العمال الكردستاني، المصنف على لوائح الإرهاب الدولية، والجيش التركي من شمال العراق ساحة لصراع طويل بينهما.
تتمركز الجماعة، التي تُعارض سياسات أنقرة، في المناطق الجبلية الوعرة داخل إقليم كردستان، ولا سيما في مناطق قنديل وسنجار ومخمور. وتشكل هذه المناطق قاعدة شبه آمنة لعملياتها، لكنها تبقى عرضة لهجمات مستمرة من الجيش التركي.
تسبب وجود الجماعة الكردية في خلو مئات القرى المحيطة بجبال قنديل من سكانها، وكذلك الحال مع سكان قرى في حدود محافظتي أربيل ودهوك وإدارة زاخو.
اضطر هاشم عمر، وهو مواطن عراقي يسكن قرية كشان التابعة لقضاء باطوفا في إدارة زاخو في إقليم كردستان، إلى ترك القرية منذ أكثر من ثلاثة أعوام بسبب المعارك والقصف التركي.
يعيش عمر، الذي نزح مع سكان قريته، حاليا في مركز ناحية باطوفا، على أمل العودة بعد انتهاء الصراع.
يقول لموقع "الحرة": "تكبد سكان القرى الحدودية خسائر بشرية ومادية لا تُعد ولا تُحصى. قرانا تعرضت للقصف والتهجير، وأحرقت الجبال من قبل تركيا وإيران منذ عام 1991. قصفوا بيوتنا ومزارعنا وبساتيننا. حتى عيون الماء لم تسلم".
تنتشر عناصر الحزب الكردي على طول المثلث الحدودي العراقي التركي الإيراني، وصولا إلى الحدود العراقية السورية، وكذلك في جبل سنجار التابع لمحافظة نينوى.
يقول خبير العلاقات الدولية حسن أحمد مصطفى في مقابلة مع موقع "الحرة" إن "حزب العمال الكردستاني أنشأ قواعد عسكرية في منطقتي خوكورك وبهدينيان في إقليم كردستان عام 1984، وعزز وجوده بعد حرب الخليج عام 1991".
ويرى أن "وجود هذه الجماعة الكردية عطَّل العلاقات بين الأحزاب السياسية في كردستان العراق. سعى الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى الحد من عملياتها في المناطق الخاضعة لسيطرته، خشية من الانتقام العسكري التركي".
ويضيف مصطفى: "في المقابل، استخدم الاتحاد الوطني الكردستاني في بعض الأحيان، هذه الجماعة لمواجهة الحزب الديمقراطي. كل ذلك تسبب بتعقيد العلاقات بين الكرد، خاصة عندما سمح لحزب العمال بوجود محدود في السليمانية، مما أدى لاحقا إلى سيطرة مقاتلي العمال على جبال السليمانية".
ورغم مطالبة الحكومات المتعاقبة في الإقليم الكردي لحزب العمال الكردستاني، بعدم استخدام أراضيها لتنفيذ أي نشاطات سياسية أو عسكرية، لا يزال مستمرا في ذلك.
ويشير الخبير في العلاقات الدولية إلى أن "تركيا أسست في الفترة الممتدة من عام 1997 إلى العقد الأول من القرن الحالي قواعد عسكرية ومراكز مراقبة داخل كردستان العراق، خاصة في المناطق الحدودية مثل زاخو وأميدي. وكثفت أنقرة منذ عام 2019 عملياتها العسكرية التي تستهدف معاقل الحزب في قنديل وسنجار ومتينا، وأنشأت قاعدة عسكرية دائمة في الإقليم".
وبحسب إحصائيات شبه رسمية، أنشأت تركيا خلال السنوات الماضية أكثر من 87 قاعدة عسكرية داخل الأراضي العراقية على طول 200 كيلومتر من الحدود بين البلدين، منها 7 قواعد جديدة، أنشأتها خلال عملياتها العسكرية التي انطلقت في يونيو الماضي ضمن حدود منطقة برواري بالا في محافظة دهوك، بينما بلغ عمق توغلها 15 كيلومتراً، وهو أكثر بسبعة كيلومترات من العملية البرية السابقة التي كانت في عام 2021.
يتمتع إقليم كردستان بحكم شبه مستقل عن العراق وفق النظام الفدرالي الذي أقره الدستور العراقي النافذ لسنة 2005، لذلك تقع مسؤولية حماية الحدود على عاتق الحكومة الاتحادية في بغداد، التي أدرجت الجماعة الكردية على لائحة الأحزاب المحظورة.
وفي أغسطس الماضي، أعلن وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، أن "وزيري الدفاع العراقي والتركي وقعا مذكرة تفاهم بشأن التعاون العسكري والأمني ومكافحة الإرهاب"، دون الإشارة إلى تفاصيل المذكرة التي قيل وفقا لتقارير، إنها تتضمن إجراءات متعلقة بحزب العمال الكردستاني.
ويعتقد الخبير الأمني والاستراتيجي، علاء النشوع، أن اختيار أراضي كردستان العراق ساحة للصراع، هدف مشترك بين العمال الكردستاني وتركيا، على حد قوله.
ويقول في مقابلة مع موقع "الحرة": "الجيش التركي يستخدم استراتيجية الهجوم المباشر على العمال الكردستاني ضمن أهداف الأمن القومي التركي، الذي يحرص على مقاتلته خارج جغرافيته، تجنباً للدخول في الفوضى التي تأخذ أشكالًا كثيرة من المواجهة والصراع، وقد تمتد إلى داخل العمق التركي".
ويضيف: "كان الخيار الأمني التركي، هو إبعاد كل قيادات الجماعة خارج الحدود، وهذا ما يُعرف بالمناورة على الخطوط الخارجية التي تتيح للقطعات التركية المرونة والحركة في اتجاه آمن من العمق، واستخدام كل المعدات في أرض المعركة".
وبحسب النشوع، يعتمد حزب العمال على تعبئة قتالية بمجموعات صغيرة، فإذا حاربت داخل الأراضي التركية فإنها ستكون لقمة سائغة للجهد الاستخباري التركي. لذلك، اختار مقاتلو هذه الجماعة الخروج من دائرة التطويق المباشر، إلى الانفتاح على خطوط بعيدة، وقرروا المواجهة في أراض غير مرصودة، تتيح لهم حرية الحركة والتنقل وسط تضاريس وعرة تسهل الغش والاختفاء، على حد قوله.
ويتزعم الحركة عبد الله أوجلان، الذي يُحبس انفرادياً في سجن آمرلي بتركيا منذ عام ١٩٩٩. وقبل أيام طرح رئيس حزب الحركة القومية التركي، دولت باهتشلي، مبادرة بشأن إطلاق سراحه، مقابل حل حزبه، لكن الجماعة الكردية لم تُبد أي موقف من المبادرة حتى اللحظة.
وجاءت المبادرة بعد هجوم شنه مسلحون على شركة (توساش) للصناعة الجوية والفضائية التركية، أدت إلى مقتل 5 أشخاص وإصابة 22 آخرين.
وتقول تركيا إن منفذي تلك العملية ينتمون لحزب العمال الكردستاني، ما دفع أنقرة لتنفيذ سلسلة هجمات على مواقع تابعة لحزب العمال الكردستاني في سوريا والعراق.
ويعتبر المحلل السياسي المختص بالشأن الكردي، هيرش بالاني، أن الصراع العسكري بين العمال الكردستاني والدولة التركية على أراضي إقليم كردستان العراق، هو صراع ناجم عن تاريخ من الطموح والمصالح السياسية والأمنية، وفقاً لتعبيره.
ويقول في مقابلة مع موقع "الحرة" إن "تركيا تسعى، بناءً على تاريخ الإمبراطورية العثمانية، إلى حماية مصالحها ونفوذها في العراق. كما أنها تعتبر القضية الكردية تهديداً لأمنها القومي. أما بالنسبة للعمال الكردستاني، الذي تحدث لفترة عن استقلال كردستان الكبرى كهدف له، فقد منح نفسه الحق في اتخاذ القرارات في جميع أجزاء كردستان، خاصة إقليم كردستان العراق".
ويتابع: "في المقابل، استمرت أنقرة في معارضة هذه المصالح، حتى وصلت إلى حرب دموية في التسعينيات ضد الإقليم، في محاولة القضاء عليه".
وحزب العمال الكردستاني (PKK) هو تنظيم سياسي وعسكري كردي، تأسس في عام 1978 بهدف "تحقيق حقوق الأكراد في تركيا". يُعتبر الحزب من أبرز الحركات الكردية في المنطقة.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: حزب العمال الکردستانی کردستان العراق إقلیم کردستان لحزب العمال التی ت
إقرأ أيضاً:
ضغوط أميركية على العراق لاستئناف صادرات نفط كردستان وبغداد تنفي
أكد فرهاد علاء الدين مستشار الشؤون الخارجية لرئيس الوزراء العراقي لرويترز -اليوم السبت- أن بغداد تنفي تقارير تحدثت عن احتمال مواجهة البلاد عقوبات أميركية إذا لم تُستأنف صادرات النفط من إقليم كردستان.
وقال علاء الدين إنه "لا صحة للتقارير الإعلامية التي تزعم وجود تهديدات بفرض عقوبات على العراق في حال عدم استئناف صادرات النفط من إقليم كردستان".
وأضاف "في جميع الاتصالات التي جرت مع الإدارة الأميركية مؤخرا، لم يكن هناك أي تهديد بفرض عقوبات أو أي شكل من أشكال الضغط على العراق".
وأمس الجمعة، قالت 8 مصادر مطلعة لرويترز إن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تضغط على الحكومة العراقية للسماح باستئناف صادرات النفط من إقليم كردستان العراق إلى الأسواق العالمية عبر تركيا، أو مواجهة عقوبات إلى جانب إيران.
ويأتي ذلك في إطار سياسة "الضغوط القصوى" التي تمارسها واشنطن على طهران، والتي تهدف إلى تصفير صادرات النفط الإيرانية وعزلها عن الاقتصاد العالمي، بحسب رويترز.
وكان وزير النفط العراقي قد أعلن -الاثنين الماضي- بشكل مفاجئ أن الصادرات من كردستان ستُستأنف الأسبوع المقبل، بعد توقف دام قرابة عامين أدى إلى انقطاع إمدادات 300 ألف برميل يوميا كانت تصل إلى الأسواق العالمية عبر تركيا.
إعلانوأفادت 8 مصادر من بغداد وواشنطن وأربيل بأن الضغوط المتزايدة من إدارة ترامب كانت السبب الرئيسي وراء هذا الإعلان، لكن لم يتم الكشف بعد عن تفاصيل المعالجة الفنية للعراقيل التي تعترض عملية الاستئناف.
التوتر متزايدتعتبر طهران العراق حليفًا رئيسيًّا في دعم اقتصادها المتضرر من العقوبات، لكن بغداد، التي تُعد شريكًا مهمًّا للولايات المتحدة، تخشى أن تتعرض لضغوط أميركية بسبب علاقتها مع إيران، وفق رويترز.
وذكرت المصادر أن واشنطن طلبت من رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني قطع العلاقات الاقتصادية والعسكرية مع إيران. كما أكدت رويترز أن البنك المركزي العراقي منع 5 بنوك خاصة من الحصول على الدولار بعد طلب من وزارة الخزانة الأميركية.
وقال مسؤول عراقي مطلع على عمليات شحن الخام إلى إيران إن واشنطن تضغط على بغداد لضمان تصدير النفط الكردي إلى الأسواق العالمية عبر تركيا بدلا من بيعه بأسعار منخفضة لإيران.
عقبات فنيةوأوقفت تركيا خط الأنابيب في مارس/آذار 2023 بعد قرار غرفة التجارة الدولية بإلزام أنقرة بدفع 1.5 مليار دولار تعويضًا لبغداد عن صادرات غير مصرح بها بين 2014 و2018.
وذكرت رويترز أن عدة قضايا لا تزال عالقة، منها آلية الدفع، وتسعير النفط، وصيانة الخط، حيث لم يتم التوصل إلى اتفاق في الاجتماعات الأخيرة بين بغداد وأربيل.
وأشار مصدر مطلع إلى أن الحكومة العراقية تريد استئناف الصادرات دون تقديم التزامات مالية إلى حكومة إقليم كردستان، مما يثير مخاوف لدى الشركات النفطية العاملة هناك.
وقال تنفيذيون في شركة "دي إن أو" النرويجية إنهم لن يوافقوا على استئناف الصادرات قبل التأكد من آلية المدفوعات واستعادة 300 مليون دولار مقابل عمليات تسليم سابقة قبل إغلاق خط الأنابيب.
إعلانوقد يؤدي استئناف تصدير النفط من كردستان إلى إثارة مشكلات داخل تحالف أوبك بلس، حيث تتعرض بغداد لضغوط للالتزام بحصتها الإنتاجية في إطار اتفاق خفض الإنتاج.
ووفقًا لجيوفاني ستونوفو، محلل السلع في بنك "يو بي إس"، فإن التأثير الإجمالي لاستئناف تشغيل الخط قد يكون محدودًا، لأن العراق ملتزم بحصته الإنتاجية داخل أوبك بلس، مما يعني أنه لن يضخ كميات إضافية للسوق، بل سيعيد توزيع صادراته فقط.
وفي هذا السياق، قال أولي هانسن، رئيس قطاع إستراتيجية السلع في ساكسو بنك، إن استئناف صادرات كردستان قد يساعد في تعويض النقص في الإمدادات الناتج عن تعطل الإنتاج في كازاخستان، بعد الهجوم الأوكراني الأخير على محطة ضخ في جنوب روسيا.
ضغوط أميركية متزايدةمنذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني 2025، استأنفت واشنطن حملة "أقصى الضغوط" على إيران، حيث أمر ترامب وزير الخزانة الأميركي بضمان عدم قدرة إيران على استخدام النظام المالي العراقي.
ووفقًا لمسؤولين أميركيين، فإن استئناف صادرات النفط من كردستان سيساعد في تخفيف الضغوط على الأسواق العالمية، خاصة مع احتمال انخفاض حاد في صادرات النفط الإيرانية، وهو ما قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط عالميا.
وقال مسؤول في البيت الأبيض: "ليس من المهم للأمن الإقليمي فقط أن يُسمح لشركائنا الأكراد بتصدير نفطهم، بل وأيضًا للحفاظ على استقرار أسعار الوقود عالميا".