سامح فايز يكتب: هوامش على ثقافة جيل (4)
تاريخ النشر: 28th, October 2024 GMT
تقدم الطبيب أحمد خالد توفيق بمسودة إحدى رواياته إلى المؤسسة العربية الحديثة للنشر، كان ذلك عام 1992، والرواية مصنفة أدب رعب.
فى البداية رفضت اللجنة العمل، وتحطمت أحلام الشاب الذى حضر من طنطا إلى القاهرة بحثاً عن حلم النشر ومتعة الكتابة فقط لا غير.
لكن الحلم سيتحقق بدعم كاتب آخر لا يقل أهمية وهو الكاتب الكبير الراحل نبيل فاروق، صاحب سلسلة كتب الجيب الأشهر فى التسعينات «رجل المستحيل».
سيطلب نبيل فاروق من المؤسسة عرض الرواية على لجنة أخرى، وستوافق اللجنة الأخرى على العمل بالفعل، وسنعرف منذ تلك الفترة سلسلة «ما وراء الطبيعة» والتي تحولت إلى عمل درامي بعد وفاة توفيق من تمثيل الفنان أحمد أمين.
نبيل فاروق وأحمد خالد توفيق ومن قبلهما محمود سالم وكتابات «المغامرون الخمسة» إلى جانب «رجل المستحيل» و«ما وراء الطبيعة» تخصصوا فى الكتابة للطفل، بالتحديد كتب الألغاز والمغامرة.
ستصبح تلك السلاسل لاحقاً هي الأب الروحي لجيل كامل من مؤلفي أدب الرعب والخيال العلمي وأدب الجريمة والكتابة البوليسية.
ظهور نبيل فاروق وأحمد خالد توفيق سيصبح الحاضنة التى سيهرب إليها العديد من الشباب غير المنتمى للتيارات الصحوية الصاعدة، والذى لن يجد كتابات يقرأها تشبه أفكاره سوى سلاسل الجيب.
لكن ذلك الجيل كما أنه سيهرب من سيطرة الصحويين لن يجد من جانب آخر اليسار المصري الذى تصدر لعقود ممثلاً للثقافة المصرية.
هنا لن يصبح أمامهم سوى عالم كتب الجيب ينهلون منه ثقافتهم.
عقل ذلك الجيل بالكامل سوف يكبر مغرماً بعالم سلاسل الجيب، ومع انتشار الإنترنت سيقرر مجموعة من هؤلاء الشباب تدشين موقع إلكترونى يجمع كل من تربى على كتابات نبيل فاروق وأحمد خالد توفيق، فكرة قد يراها البعض حالمة أو غير ذات فائدة، فهل يوجد قراء غيرنا فى الوطن العربى لمثل تلك الكتب؟
الواقع أنه يوجد بالفعل، وأعداد بالآلاف هربت هى الأخرى من صراعات الدم وسطوة الجماعات وصعود ثقافة التطرف إلى التقوقع داخل عالم كتب الجيب.
ذلك التقوقع سوف يتحول إلى تقوقع أكبر داخل عالم الإنترنت، ثم سينطلق هؤلاء الشباب من منتديات محبى فاروق وتوفيق إلى عالم المدونات، بالتحديد عام 2005 الذى سيشهد أكبر عدد لتلك المدونات.
ثم تظهر السياسة للمرة الأولى داخل تلك المدونات الثقافية عام 2008 مع إضرابات عمال المحلة، فى ذلك الوقت تحدث البعض داخل تلك المنتديات عن الإضراب ودعوات المظاهرات وأن تلك الدعوات منتشرة على منصة جديدة للتواصل اسمها «فيس بوك».
ثم قامت «يناير 2011» ونزل أبناء المنتديات والمدونات ومنصات التواصل الاجتماعى إلى الشارع، فاكتشفوا أنهم ملايين وليسوا آلافاً، لكن لا أحد يعرفهم، ولا حتى المثقفون يتامى الماضى المجيد، وبدأ السؤال: من هؤلاء، وأين تشكل وعيهم، ومن أين حصلوا على ثقافتهم؟!
فلم نشاهدهم فى قصور الثقافة، ولا منتديات الأحزاب الثقافية، ولا تجمعات مقهى ريش وزهرة البستان، أو ربما شاهدناهم عرَضاً ولم نهتم بهم.
المهم أن تلك المجموعات ستصبح لاحقاً هى كل شىء، ستنشأ لهم دور نشر ستطلق عليها الصحافة الثقافية دور نشر الشباب، والتى بدأت بالظهور مع عالم المنتديات، لكنها بعد عام 2011 ستصبح هى العالم الجديد الذى علينا أن نتعامل معه ونتقبله، فقد مضى زمن أننا كل شىء!
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: الدراما منصات التواصل الاجتماعى خالد توفیق نبیل فاروق
إقرأ أيضاً:
د. عصام محمد عبد القادر يكتب: عيد الشرطة
عندما يُضّحي الإنسانُ بحياته من أجل الوطن، وبقائه ومن أجل ترابه، ومن أجل عزّته، وطُهره، وصون مقدّراته، والحفاظ على شرفه، وعرضه؛ فتلك غاياتٌ، لا تضاهيها أخرى، وتلك ممارسة نبيلة، لا تناظرها أخرى؛ فمؤسسةُ الشرطة قد قدمت ذلك، وأكثر، وشاهد ذلك موقعة الإسماعلية 1952م التي شهدتْ مُواجهةً جَسُورةً، وشجاعة مع عدوٍ معتدٍ، أثيمٍ حينئذٍ، وهو المحتل البريطاني الذي أراد أن يفرض كلمته، وسلطته، ويمارس وصايته على شعب أجل عظيم قد تربّى على العزة، والكرامة؛ فما كان من هؤلاء الرجال البواسل إلا أن قدّموا أرواحهم، وبذلوا دمائهم؛ لتبقى كرامة الوطن مُقدّمةً على كل شيء، ويصبح الحدث الجلل المخلد في ذاكرة الأمة المصرية ما بقيتْ الحياةُ.
وفي مصر العظمي يتربّى رجال الشرطة في مؤسسة عريقة، من شأنها تشكيل الوعي، والوجدان، وتكسب المهارات، وتصقل الذات؛ ليتخرج منها بواسل الميادين؛ ليؤدوا واجبهم تحت قسم الولاء، والانتماء لتراب هذا الوطن، والحفاظ على مقدّراته المادية، والبشرية، ولو تكلف ذلك الأرواح، والدماء؛ إنها تربيةٌ لها خصوصية منذ أن يلتحق الطالب بكلية الشرطة، أو كما نسميها أكاديمية الشرطة؛ فندركُ أن المهمة قد باتت عظيمة، وأن الراحة تفارق الجفون، والأبدان، وأن السهر على أمن، وأمان البلاد غاية نبيلة، وجهاد، لا يوازيه أمر أخر، وأن تعزيز العدالة، والمساواة، وتطبيق القانون على الجميع مبدأٌ راسخٌ، لا يمكن التنازل عنه.
وما تقدمه المؤسسة الشرطية من تدريب، وصقل للخبرات المعرفية، والوجدانية يُعد فريدًا من نوعه إذا ما قورن بأخرى، وهذا ليس من قبيل المُجاملة؛ فقد أشارت التصنيفات العالمية إلى منزلة، ومكانة، وترتيب أكاديمية الشرطة المصرية وفق ما تنفذه من برامج تدريبية، وتعليمية للإعداد، والتأهيل، وما توفره من نظم تقنية متقدمة، تتيح لمنتسبيها الوصول إلى مستويات قياسية، واحترافية في المجال الأمني؛ ومن ثم يلتحق بتلك المؤسسة المتميزة العديد من الطلاب العرب، والأفارقة؛ لكونها دون مبالغة من أفضل الأكاديميات الشرطية على مستوى العالم؛ نظرًا لما تمتلكه من خبرات، وبرامج، وتقنيات بما يحقق فلسفة التكامل في الإعداد المهني، والأكاديمي على حدٍّ سواءٍ.
وزيارةُ الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الأكاديمية في أوقات الاختبارات، وكلماته المعبرة، والصادقة عن رسالة الشرطة السامية، لها دلالاتها الواضحة، وتتضمن رسائل عميقة؛ حيث أشار سيادته إلى أن وزارة الداخلية، وقوات الشرطة تقوم بمهمة مُقدّسَةٍ وهي حفظ الأمن، والاستقرار في الدولة المصريّة؛ فما أجلَّ!، وأرقى هذه المهمة، وما أصعبَ مسئولية الحفاظ على الوطن!، ومقدراته، وما أشْرفها من غاية! يتحقق من خلالها أن تبيت في سربك آمنا، وقارَّ العين، ومُطَمئنَّ النفس على روحك، وكل من تحب، وما لديك، وما أعلاها من مهمةٍ! تُهيء للتنمية، والنهضة المناخ المواتي؛ ليستطيع الجميعُ أن ينتجوا، كلٌ في مجاله، وتخصصه.
وإيمانًا بالعلم، ودوره في الحياة العملية، والعلمية، والمعيشية تؤدي الأكاديميةُ الدور المنوط بها في هذا الخضمِّ؛ حيث تفتح المجال أمام طلابها، وللوافدين من الدول العربية، والأفريقية مساراتِ استكمالِ الدراساتِ العليا بمرحلتيها المعروفة الماجستير، والدكتوراه في العلوم الشرطيّة، والأمنيّة، وهذا الأمر يضيف للرصيد المعرفي عبر بوابة البحث العلمي، ويجدد من طرائق التدريب الحديثة، ويستكشف استراتيجيات أمنيّةٍ، تتماشي مع التقدم التقني المتسارع، بل ويصقل الخبرات المعنية برفع الروح المعنويّة، وتحقيق أقصى درجات الانضباط الانفعالي لمنتسبي المؤسسة الشرطية بمراحلها المختلفة.
وندرك أن نتاج الدراسات العليا يعود بالنفع على العملية التعليمية بالأكاديمية؛ حيث يفرز الجديد من المعارف، التي ثبت جدواها؛ فيصبح المحتوى التعليمي متجددًا وفق ما يتناغم، ويتسق مع النظريات القديمة منها، والمستحدثة، وهذا يؤكد أن برامج الإعداد المهني، والأكاديمي التي تتبناه أكاديمية الشرطة يتماشى مع المعايير العالمية، بل وينفذ بكل دقة، وتحت رعايةٍ، وإشرافٍ متكاملين، كما يعود النفع على المجتمع المصريّ؛ إذْ تخرج الأكاديمية أفضل العناصر الشُرْطيّة المستوفيّة الإعداد، والتي تتعامل بصورةٍ لائقةٍ مع المواطن، وتقدم له سبل الدعم، والمساندة، وفي المقابل تعمل على ضبط الأمن، والاستقرار من خلال المواجهة الحاسمة للخارجين عن سياج القانون، الذي يطبق على الجميع دون اسْتثناءٍ.
وما كان لنا أن ننسى شُهدائَنا من أبرارِ الشُرْطة الذين ضَحّوا من أجل مصر، وتحقيق أمنها، وأمانها والحفاظ عليها، وصوْنها؛ فنبعث لهم دعواتِ الرحمةِ، ونتضرّعُ إلى الله – تعالى – أن يسكنهم جنّاتِ الفرْدوسِ مع النبيين، والصديقين، والشهداء، وحسن أولئك رفيقًا، ونؤكد أن ذِكْراهم مازالتْ في القلوب، والأفئدة باقيةً، وأن مِيْراثَ الشجاعة، والبطولات بيد جيلٍ تلو أخر، قد نشأوا، وترعرعوا، وتخرّجوا من تلك المؤسسة العظيمة، التي لا ينضبُ عطاؤها، ولا يجِفُّ معينُها أبد الدهر.
ويطيبُ لنا أن نُهْدِيَ برْقيةً عطِرةً تحمل التهنئة، والأمنيات بالدعوات الصادقة بدوام التقدم، والازدهار والرقيّ لتلك المؤسّسةِ صاحبةِ الرسالةِ الساميّةِ، كما تحمل في طيّاتها دعواتٍ بأن يُعين أبطالها في مهامهم، ويُسِدّدُ بالحق رميتهم، ويوفقهم لما يحب ربي - جل في علاه - ويرضى، وأن يحفظَ بهم البلادَ، والعبادَ.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.