صحيفة البلاد:
2025-04-07@19:15:40 GMT

كبسولة النمو المالي

تاريخ النشر: 28th, October 2024 GMT

كبسولة النمو المالي

في مساء هادئ بمدينة تعجّ بالحياة، حيث تلتقي الطرقات الرئيسية بنقاط تجمع الناس في مقهى صغير وسط المدينة، جلسنا أنا وصديقي نرتشف قهوتنا، كما اعتدنا في نهاية كل أسبوع.

إنه صديقي منذ زمن بعيد، اقتصادي لامع، ورفيق عزيز. وبينما نختلف في معظم الآراء حول كيفية إدارة شؤون الحياة، تظل صداقتنا العميقة فوق كل خلاف.

إلا أن حديث اليوم عن الرزق كان مختلفاً، وأعمق من مجرد نقاش حول المال.

بين رشفة قهوة وأخرى، قال لي مبتسماً: “المال لا ينمو من تلقاء نفسه، بل يحتاج إلى إدارة دقيقة، واستثمار واعٍ. خذ مثلاً هذا المقهى الذي نجلس فيه الآن، لو أن صاحبه ادخر أمواله في بنك من دون استثمارها في هذا المشروع، لما كنا هنا نتحدث. الاستثمار هو ما يجعل الوفرة حقيقية.

نظرت حولي، المقهى كان مليئًا بالزبائن، الجدران تزدان برسومات قديمة، والموسيقى الهادئة تعطي المكان هالة من الدفء. “صحيح، الاستثمار له دوره،” قلت وأنا أضع كوب القهوة على الطاولة، “لكن الرزق لا يأتي فقط من المال. الرزق هو في العافية، في راحة البال، في العلاقات الطيبة، وفي البركة التي تتدفق من حيث لا نحتسب.”ابتسم نصف ابتسامة وقال: “لنقل: إن كل شيء يحتاج إلى تخطيط، حتى العلاقات، وإن النجاح المالي ليس مجرد أرقام، بل هو نتيجة للتخطيط المدروس واستغلال الفرص في الوقت المناسب.”

وفي تلك اللحظة، دخل رجل مسنّ، يرتدي ملابس بسيطة، ولكنها نظيفة، وابتسم للنادل الذي قدم له كوباً من الشاي من دون مقابل. لاحظت هذا المشهد وسألت النادل عن الرجل، فأجاب قائلاً: “هذا العم صالح، يأتي إلى هنا كل يوم. هو رجل طيب، يساعد الجميع، ودائماً ما يتذكرنا بأطيب الدعوات. نحن نقدم له الشاي مجاناً كنوع من الشكر على لطفه.”نظرت إليه، وقلت له: “أترى؟ هذا هو الرزق الذي أتحدث عنه. العم صالح لا يملك الكثير من المال، ولكنه يمتلك كنزاً من الوفاء والبركة. دعواته هي رصيده الذي لا ينفد، وهذه الدعوات تتدفق عليه كالوفرة التي لا تنضب. فهو يمنح الآخرين شيئًا لا يُشترى، فيرتد عليه بالخير والكرم من كل مكان.”

ضحك قائلاً: “الوفرة التي تتحدث عنها ربما تكون معنوية، لكنها لا تنفع في سوق المال. الواقع يا صديقي يحتاج إلى اقتصاد واستثمار وإدارة رشيدة. الأزمات الاقتصادية لا تُحل بالدعاء وحده.”ابتسمت وقلت: “لا أنكر أن التخطيط المالي مهم، ولكن الوفرة التي أتحدث عنها ليست مجرد دعاء. هي في صنائع المعروف، في بر الوالدين، في صلة الرحم. هذه الأمور تفتح أبواباً للرزق لا يمكن قياسها بالأرقام”: “من أحب أن يُبسط له في رزقه ويُنسأ له في أثره فليصل رحمه”. البركة في الرزق تأتي من هذه الأفعال، ليست فقط من الحسابات البنكية.”

ردّ بجدِّية: “لكن علينا أن نكون عقلانيين. الاستثمار في مشاريع مربحة يحقق أماناً مالياً، وأنت تعرف أن الاعتماد على الحظ أو العطاء وحده ليس كافيًا. مثلاً، هل تعلم أن الادخار من دون استثمار يعني تضاؤل الثروة مع مرور الوقت بسبب التضخم؟ الاستثمار هو الطريق لجعل المال يعمل لصاحبه.”في تلك الأثناء، وقف رجل شاب على الطاولة المجاورة يتحدث بحماس مع مجموعة من أصدقائه عن مشروعه الجديد، مشروع تقني بدأ صغيراً، ولكنه الآن يحقق نجاحاً كبيراً بفضل استثماره الجيد للوقت والموارد.

ابتسمت وقلت له: “أنت محق في جانب من حديثك، هذا الشاب لم يحقق نجاحه من دون جهد أو تخطيط. الاستثمار هو جزء من السعي، لكنه ليس كل شيء. أنت ترى الجانب المادي من الرزق، وأنا أرى أن الرزق أوسع وأشمل من مجرد زيادة في المال.”
أومأ برأسه وأضاف: “ربما، لكن هل تعتقد حقاً أن الاستغفار والدعاء وصلة الرحم، يمكن أن تحل محل التخطيط المالي الدقيق؟”
قلت: “لا أقول: إنها تحل محله، بل تكمله. نحن في هذا الكون جزء من نظام أوسع من قدراتنا الفردية. الوفرة ليست فقط فيما نسعى لتحقيقه بأنفسنا، بل أيضاً في تلك النعم التي تُرسل إلينا من حيث لا نحتسب. كما أن النجاح في المال يتطلب تخطيطًا، النجاح في الحياة يتطلب مزيجاً من الأخذ والعطاء، من السعي والتوكل. الكون مليء بالوفرة، ونحن فقط بحاجة لفتح عيوننا لرؤية تلك النعم المتدفقة.”

جلسنا بصمت لبرهة، كل منا غارق في أفكاره. ربما في النهاية كنا على حق كلاهما. الرزق والوفرة الحقيقية، يأتيان من توازن بين العمل الجاد والإيمان بأن هناك دوماً بركة تتدفق من حيث لا ندري، من استثمار ذكي ومن صدقة سر، ومن استغفار وصلة رحم، ومن دراسة دقيقة للمشاريع.

jebadr@

المصدر: صحيفة البلاد

كلمات دلالية: من دون

إقرأ أيضاً:

مطالب التربويين.. بين العجز المالي والتصعيد - عاجل

بغداد اليوم - بغداد

في عراقٍ مثقلٍ بالأزمات الاقتصادية والمالية، تجد شريحةٌ واسعةٌ من التربويين نفسها في مواجهة واقعٍ قاسٍ يفرض عليهم التضحية تلو الأخرى، مطالبهم التي بدأت كصرخاتٍ إنسانية للحصول على حقوقهم المشروعة، باتت تتعرض للإهمال والتجاهل.

ومع الإضراب الذي يهدد استقرار العملية التعليمية، تجد الحكومة نفسها بين المطرقة والسندان، فهي لا تستطيع الوفاء بتلك المطالب التي طالما حلم بها هؤلاء المعلمون.

الواقع اليوم، يبدو أكثر قسوة مما يتخيل الكثيرون فبينما يعاني المواطن من غلاء الأسعار وانهيارٍ اقتصادي تصطدم أحلام التربويين بواقعٍ صعب، حيث أصبحت زيادة الرواتب والمخصصات المالية شبه مستحيلة. 

الظروف الراهنة التي يعاني منها البلد، من تدهور أسعار النفط إلى اتساع العجز المالي في الموازنة، جعلت الحكومة في موقفٍ حرج، غير قادرة على تلبية أبسط المطالب وفي ظل هذا الوضع، يبدو أن تحقيق تلك المطالب سيظل بعيد المنال، لتبقى صرخات التربويين تتردد في أرجاء العراق، دون أن تجد من يجيبها.

وهنا يؤكد المختص في الشؤون المالية والاقتصادية ناصر التميمي ،اليوم الإثنين (7 نيسان 2025)، استحالة تنفيذ مطالب التربويين المضربين عن الدوام، مشيرًا إلى أسباب ذلك. 

وقال التميمي لـ"بغداد اليوم" إن "مطالب التربويين المتعلقة بزيادة الرواتب والمخصصات المالية شبه مستحيلة في ظل الظروف الحالية الصعبة مع انهيار أسعار النفط وزيادة العجز المالي في الموازنة، وهذا الأمر لا يمكن للحكومة تنفيذه".

وأضاف: "إذا نفذت الحكومة هذا الأمر فسوف يزيد الإنفاق الحكومي على رواتب الموظفين ويفتح الباب لأضراب جديد من شريحة أخرى من الموظفين، لذلك الحكومة لا تستطيع تنفيذ هذا المطلب ولا يمكن تعديل سلم الرواتب بسبب الوضع المالي الصعب".

من الجدير بالذكر أن العراق يعتمد بشكل رئيسي على إيرادات النفط لتمويل موازنته، ومع انخفاض الأسعار العالمية للنفط، أصبح من الصعب تغطية النفقات الحكومية المتزايدة. ويزداد العجز المالي بشكل مستمر، مما يجعل الحكومة أمام تحديات مالية جسيمة.


مقالات مشابهة

  • أسواق المال في الصين تغلق تداولاتها اليومية بانخفاض حاد
  • هذا ما أقرته لجنة المال والموازنة
  • مطالب التربويين.. بين العجز المالي والتصعيد
  • مطالب التربويين.. بين العجز المالي والتصعيد - عاجل
  • دعاء الصباح لسعة الرزق.. ردده فى بداية يومك
  • من قرارات ترامب إلى أوبك وجلسة السوداني.. شبح الانهيار المالي يخيّم على العراق
  • اللهم نصرك الذي وعدت ورحمتك التي بها اتصفت
  • بن شرادة: بيان المصرف المركزي بمثابة دخول الوضع المالي إلى غرفة العناية المركزة
  • عمومية المصرف المتحد تعتمد المركز المالي 2024 وتناقش خطط النمو والتوسع المستقبلية
  • دعاء للرزق الواسع .. ردده وأنت ذاهب لعملك يفتحها عليك فتحا عجيبا