في مساء هادئ بمدينة تعجّ بالحياة، حيث تلتقي الطرقات الرئيسية بنقاط تجمع الناس في مقهى صغير وسط المدينة، جلسنا أنا وصديقي نرتشف قهوتنا، كما اعتدنا في نهاية كل أسبوع.
إنه صديقي منذ زمن بعيد، اقتصادي لامع، ورفيق عزيز. وبينما نختلف في معظم الآراء حول كيفية إدارة شؤون الحياة، تظل صداقتنا العميقة فوق كل خلاف.
بين رشفة قهوة وأخرى، قال لي مبتسماً: “المال لا ينمو من تلقاء نفسه، بل يحتاج إلى إدارة دقيقة، واستثمار واعٍ. خذ مثلاً هذا المقهى الذي نجلس فيه الآن، لو أن صاحبه ادخر أمواله في بنك من دون استثمارها في هذا المشروع، لما كنا هنا نتحدث. الاستثمار هو ما يجعل الوفرة حقيقية.
نظرت حولي، المقهى كان مليئًا بالزبائن، الجدران تزدان برسومات قديمة، والموسيقى الهادئة تعطي المكان هالة من الدفء. “صحيح، الاستثمار له دوره،” قلت وأنا أضع كوب القهوة على الطاولة، “لكن الرزق لا يأتي فقط من المال. الرزق هو في العافية، في راحة البال، في العلاقات الطيبة، وفي البركة التي تتدفق من حيث لا نحتسب.”ابتسم نصف ابتسامة وقال: “لنقل: إن كل شيء يحتاج إلى تخطيط، حتى العلاقات، وإن النجاح المالي ليس مجرد أرقام، بل هو نتيجة للتخطيط المدروس واستغلال الفرص في الوقت المناسب.”
وفي تلك اللحظة، دخل رجل مسنّ، يرتدي ملابس بسيطة، ولكنها نظيفة، وابتسم للنادل الذي قدم له كوباً من الشاي من دون مقابل. لاحظت هذا المشهد وسألت النادل عن الرجل، فأجاب قائلاً: “هذا العم صالح، يأتي إلى هنا كل يوم. هو رجل طيب، يساعد الجميع، ودائماً ما يتذكرنا بأطيب الدعوات. نحن نقدم له الشاي مجاناً كنوع من الشكر على لطفه.”نظرت إليه، وقلت له: “أترى؟ هذا هو الرزق الذي أتحدث عنه. العم صالح لا يملك الكثير من المال، ولكنه يمتلك كنزاً من الوفاء والبركة. دعواته هي رصيده الذي لا ينفد، وهذه الدعوات تتدفق عليه كالوفرة التي لا تنضب. فهو يمنح الآخرين شيئًا لا يُشترى، فيرتد عليه بالخير والكرم من كل مكان.”
ضحك قائلاً: “الوفرة التي تتحدث عنها ربما تكون معنوية، لكنها لا تنفع في سوق المال. الواقع يا صديقي يحتاج إلى اقتصاد واستثمار وإدارة رشيدة. الأزمات الاقتصادية لا تُحل بالدعاء وحده.”ابتسمت وقلت: “لا أنكر أن التخطيط المالي مهم، ولكن الوفرة التي أتحدث عنها ليست مجرد دعاء. هي في صنائع المعروف، في بر الوالدين، في صلة الرحم. هذه الأمور تفتح أبواباً للرزق لا يمكن قياسها بالأرقام”: “من أحب أن يُبسط له في رزقه ويُنسأ له في أثره فليصل رحمه”. البركة في الرزق تأتي من هذه الأفعال، ليست فقط من الحسابات البنكية.”
ردّ بجدِّية: “لكن علينا أن نكون عقلانيين. الاستثمار في مشاريع مربحة يحقق أماناً مالياً، وأنت تعرف أن الاعتماد على الحظ أو العطاء وحده ليس كافيًا. مثلاً، هل تعلم أن الادخار من دون استثمار يعني تضاؤل الثروة مع مرور الوقت بسبب التضخم؟ الاستثمار هو الطريق لجعل المال يعمل لصاحبه.”في تلك الأثناء، وقف رجل شاب على الطاولة المجاورة يتحدث بحماس مع مجموعة من أصدقائه عن مشروعه الجديد، مشروع تقني بدأ صغيراً، ولكنه الآن يحقق نجاحاً كبيراً بفضل استثماره الجيد للوقت والموارد.
ابتسمت وقلت له: “أنت محق في جانب من حديثك، هذا الشاب لم يحقق نجاحه من دون جهد أو تخطيط. الاستثمار هو جزء من السعي، لكنه ليس كل شيء. أنت ترى الجانب المادي من الرزق، وأنا أرى أن الرزق أوسع وأشمل من مجرد زيادة في المال.”
أومأ برأسه وأضاف: “ربما، لكن هل تعتقد حقاً أن الاستغفار والدعاء وصلة الرحم، يمكن أن تحل محل التخطيط المالي الدقيق؟”
قلت: “لا أقول: إنها تحل محله، بل تكمله. نحن في هذا الكون جزء من نظام أوسع من قدراتنا الفردية. الوفرة ليست فقط فيما نسعى لتحقيقه بأنفسنا، بل أيضاً في تلك النعم التي تُرسل إلينا من حيث لا نحتسب. كما أن النجاح في المال يتطلب تخطيطًا، النجاح في الحياة يتطلب مزيجاً من الأخذ والعطاء، من السعي والتوكل. الكون مليء بالوفرة، ونحن فقط بحاجة لفتح عيوننا لرؤية تلك النعم المتدفقة.”
جلسنا بصمت لبرهة، كل منا غارق في أفكاره. ربما في النهاية كنا على حق كلاهما. الرزق والوفرة الحقيقية، يأتيان من توازن بين العمل الجاد والإيمان بأن هناك دوماً بركة تتدفق من حيث لا ندري، من استثمار ذكي ومن صدقة سر، ومن استغفار وصلة رحم، ومن دراسة دقيقة للمشاريع.
jebadr@
المصدر: صحيفة البلاد
كلمات دلالية: من دون
إقرأ أيضاً:
تقرير: الإسرائيليون مستعدون للخيانة من أجل المال
وكالات:
أفادت تقديرات أمنية إسرائيلية، أن إيران تجند جواسيس لدى الاحتلال الإسرائيلي، مشيرة إلى أن هناك بعض الإسرائيليين على استعداد لخيانة “دولتهم” من أجل الحصول على المال.
وقال موقع والا العبري، اليوم الإثنين، نقلا عن تقديرات الأجهزة الأمنية الإسرائيلية قولهم إن “الشاباك أحبط منذ بداية الحرب 11 محاولة تجسس واغتيال خططت لها إيران”.
ووفقا للتقديرات الأمنية الإسرائيلية، فإن إيران تعمل لتعزيز المقاومة في الضفة الغربية وغزة واليمن والعراق والأردن.
ويعمل الإيرانيون بأساليب متنوعة لتجنيد الجواسيس الإسرائيليين، أبرزها عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وعرض الأموال مقابل أداء المهام وتقديم المعلومات، فيما خلصت التقديرات الأمنية الإسرائيلية إلى أن “الإيرانيين أعداء متطورون ولن يستسلموا بسرعة وسيبحثون عن قنوات جديدة”.
وشدد المسؤولون الأمنيون الذين عرضوا المعطيات على المستوى السياسي الإسرائيلي، على الاتجاه المقلق لتجنيد إيران جواسيس إسرائيليين، واستعداد الإسرائيليين للخيانة من أجل المال.
وتنضم عمليات تجنيد الجواسيس داخل الاحتلال إلى عمليات التمويل والتوجيه التي يقوم بها الحرس الثوري الإيراني لتعزيز المقاومة بالضفة الغربية وقطاع غزة واليمن والعراق وأماكن أخرى مثل الأردن، والتي يتم من خلالها بذل جهد مكثف للغاية لنقل أسلحة إلى الأراضي الفلسطينية، بحسب المزاعم الإسرائيلية.
وقالت مصادر إسرائيلية، إن “الإيرانيين عدو متطور للغاية، ويتعلم ويستخلص الدروس، ولن يستسلموا بسرعة وسيحاولون البحث عن قنوات جديدة بعد تقويض محور المقاومة”.
فيما أفادت تقارير رسمية إسرائيلية في وقت سابق، أن إيران أرسلت جواسيس لتصوير موقع قاعدة “نيفاتيم” الجوية في جنوب فلسطين المحتلة في أكتوبر، خلال الأشهر الأخيرة التي سبقت ضرب الصواريخ الباليستية الإيرانية للقاعدة العسكرية.
وفي تقرير حديث، قالت شبكة “سي إن إن” الأمريكية، إن العملاء المزعومين لم يكونوا مدربين تدريبا عاليا ولا مثيرين للريبة بشكل خاص للأشخاص الذين عرفوهم في حياتهم اليومية، وبدا أن العديد منهم يعانون ماليا”.
ومع ذلك، يؤكد الاحتلال أن الصور التي التقطوها للقاعدة “زودت إيران بمعلومات استخباراتية قيمة عن الاستهداف”، حيث تعرضت قاعدة نيفاتيم الجوية لأضرار بالغة جراء صواريخ الإيرانية في هجوم 1 أكتوبر، 2024.
واعتقلت قوات الاحتلال المشتبه بهم في أكتوبر، وهم مجموعة من سبعة إسرائيليين يعيشون في حيفا المحتلة، وهم من بين أكثر من 30 إسرائيليا اعتقلتهم قوات الاحتلال على مدار العام الماضي بتهمة “تنفيذ مهام لصالح إيران” حيث تراوحت الاتهامات من تصوير القواعد العسكرية إلى التخطيط لقتل كبار المسؤولين الإسرائيليين.
وهذا العدد الذي يجري الحديث عنه، هو عدد غير مسبوق، وفقا لقائد شرطة الاحتلال “ماور غورين”، الذي يشرف على تحقيقات “مكافحة التجسس”.
وقال غورين: “إذا نظرنا إلى السنوات الأخيرة، العقود الأخيرة، يمكننا أن نحصي على أصابع اليدين عدد الأشخاص الذين تم اعتقالهم بسبب هذا”.
ووفق التقرير، فإن ذلك علامة على أن إيران كثفت جهودها لجمع المعلومات الاستخبارية لدى الاحتلال في السنوات الأخيرة.
وأوضح، أن قوات الاحتلال لا تزال تكشف عن المزيد من جهود جمع المعلومات الاستخباراتية الإيرانية المزعومة، وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، اعتقلت قوات الاحتلال إسرائيليا يبلغ من العمر 33 عاما من الشمال يزعم أنه نفذ مهام نيابة عن إيران مقابل آلاف الدولارات”.
وقد أحدثت الاعتقالات ضجة لدى الاحتلال في الأشهر الأخيرة، وبعيدا عن الأعداد الهائلة، فإن غالبية المعتقلين كانوا من اليهود الإسرائيليين، وهي صدمة لدى الاحتلال.
وتقول قوات الاحتلال، أن بعض المعتقلين بدأوا بتنفيذ مهام لصالح إيران قبل أكثر من عامين من اعتقالهم حيث عملوا على تصوير مواقع وقواعد ذات طبيعة عسكرية.
وفي أغسطس، اعتقلت قوات الاحتلال “موتي مامان” بزعم التخطيط لاغتيال رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الحرب في حينه يوآف غالانت، ورئيس الشاباك رونين بار.
والتقى “مامان” في إيران مع عملاء المخابرات الإيرانية الذين طلبوا منه تنفيذ هجمات ضد “إسرائيل”، وفقا للائحة الاتهام، وتزعم قوات الاحتلال أنه تلقى مبالغ مالية لتنفيذ مهام نيابة عن إيران، وتفصل لائحة الاتهام تاريخ سفر مامان كرجل أعمال عاش لفترات طويلة في تركيا، حيث يزعم أنه طور علاقات مع مواطنين إيرانيين.
وفي قضية أخرى، قال غورين، قائد شرطة الاحتلال، إن قوات الاحتلال “ألقت القبض على رجل يشتبه في قيامه بالتخطيط لتنفيذ عملية اغتيال لصالح إيران بمسدس و15 رصاصة”.
المصدر:”شبكة قدس”