شتّان بين الضغائن والخصومات
تاريخ النشر: 28th, October 2024 GMT
الخصومات بين الناس، ليست غريبة، حتَّى لو وصلت للمحاكم، لكن المستهجن والغريب، حين تتجرَّد الخصومات من الأخلاق، وتنحدر للظلم، والضغائن، وتنزل بصاحبها للبهتان، والاتهامات الباطلة -والعياذ بالله-، وقد قرأت اليوم عبارتين جميلتين في منصَّة إكس تقول (متصنِّع الأخلاق تفضحه الخصومة ، أما متصنِّع الود فتفضحه الشدائد ) ما أصدق هاتين العبارتين إذ تحمل في طياتها حقائق بعض الناس الذين أخطأنا في تقديرنا لهم، ودعونا نتوقف عند عبارة متصنِّع الأخلاق تفضحه الخصومة بتحليل بسيط: وهي تشبه كثيراً عبارة ( المواقف تظهر الحقائق )
فكم من أناس نتعامل معهم، ونثق بهم، ونحبهم، ثم تحدث بيننا وبينهم خصومة، ما نلبث أن نكتشف حقيقة صادمة بتدنِّي أخلاقهم، وكذب محبتهم، بل وقد يصلوا إلى التبلي، والاتهامات الباطلة -والعياذ بالله- كل ذلك لأنهم في حالة خصومة! بينما الخصومات لا تعني الكراهية، ولا تعني التجرُّد من العلاقات، فقد تكون خصومات على أمور دنيوية مادية، يتم التعاطي معها بأخلاقيات رفيعة، وبحسن ظن الطرفين في بعضهما، خاصة إذا كان بينهما علاقة معرفة، وود سابقة، فالمرء يستطيع الوصول لحقه، دون الإساءة وسوء الظن، وصل الحال ببعض الخصومات، أنها فرَّقت بين الأهل، ودمَّرت أواصر قربى، ووصم المتخاصمون بعضهم البعض بأسوأ الألفاظ والاتهامات، حدثتني إحدى الأخوات بكل ألم وبينها وبين صديقة لها خصومة، اتسمت بالقطيعة.
الحقيقة أننا بحاجة لتدريب أنفسنا، وأبناءنا، على الخصومة بشرف، وأمانة، لأن الفجور في الخصومات، يدمِّر الأخلاق، ويهدم القيَّم، فإذا ما حصلت خصومة، فليتذكر المرء أنه مسلم تحكمه تعاليم أخلاقية، وأن بينه وبين خصمه، روابط تشفع لهما، وما هذه، إلا خصومة، وليست حرب، سيأتي يوم، وتنتهي، لكن آثارها السيئة، قد لا تزول.
لذا، فلتكن كل الخصومات بشرف، وأمانة أخلاقية، ودمتم.( اللهم زد بلادي عزاً ومجداً وزدني بها عشقاً وفخراً).
@almethag
المصدر: صحيفة البلاد
إقرأ أيضاً:
منصات التواصل.. بين الفوضى والمنفعة
د. ذياب بن سالم العبري
في زاوية صغيرة من منصة "إكس" (تويتر سابقًا)، وبين عناوين مثيرة ومقاطع لا تنتهي، ظهرت تغريدة هادئة لكنها قوية، تقول: "منصة كان يُفترض أن تكون للفائدة، أصبحت ساحة للابتذال والتكلف وخالف تُعرف والإساءة والتضليل… ولن يبقى إلا ما ينفع الناس".
وقفتُ عند هذه الكلمات كما يقف العاقل على أطلال حلمٍ جميل، كان يُفترض أن ينمو ويُثمر، فإذا به يُترك بين أيدٍ تعبث به، وتُفرغه من هدفه، وتحوله إلى سوقٍ للهوى والرغبة، ومرآةٍ للذات المتضخمة.
لقد جاءت منصات التواصل الاجتماعي كطفرة كبرى في عالم الاتصال، فتحت المجال للجميع كي يعبروا عن آرائهم، ويشاركوا أفكارهم، ويبنوا جسورًا بين الثقافات والمجتمعات، إلّا أن هذه النعمة سرعان ما اختلطت بنقمة الاستخدام السيئ، فتغيرت الصورة من فضاء للحوار إلى حلبة للصراخ.
صرنا نعيش في عالم "الترند" اللحظي، حيث لا يُكافأ من يُفيد؛ بل من يُثير، ولا يُحتفى بمن يُقدّم معرفة، بل بمن يُثير الجدل. وصار بعض الناس يقيسون القيمة بعدد الإعجابات وإعادة التغريد، لا بمدى النفع، أو عمق الكلمة، أو احترام العقل.
والأخطر من ذلك، أنَّ المحتوى السطحي والموجّه والمضلل بدأ يتسلل لعقول الناس، خاصةً فئة الشباب، الذين ما يزالون في طور التكوين، ويبحثون عن هوية، وقد يجدونها- للأسف- في نموذج هشّ، أو قدوة وهمية، لا تستند إلى علم ولا إلى خُلق.
ولأننا لا نكتب لنشكو، بل لنقترح، فإننا نرى أنَّ الحل ليس في الانسحاب من هذه المنصات، ولا في محاربتها، بل في ترشيد استخدامها، وصناعة محتوى نافع ينافس على المساحات، ويقدّم بدائل حقيقية وجذابة.
وهذا يتطلب:
وعيًا فرديًا: أن يدرك كل شخص مسؤوليته عمّا يكتب، ويشارك، ويتابع. جهدًا مؤسسيًا: من وزارات الإعلام والتربية والتعليم والثقافة، لتوجيه الخطاب الرقمي، ودعم المحتوى الراقي. مبادرات أهلية: تُبرز النماذج الهادفة، وتُسلّط الضوء على الحسابات التي تُثري لا التي تُشتّت. تعزيز ثقافة "التفكير النقدي" لدى الشباب، حتى لا يكونوا ضحيةً لما يرونه، بل يملكون القدرة على التمييز بين الغثّ والسمين.إننا بحاجة إلى أن نُربّي أبناءنا على أنَّ الكلمة مسؤولية، وأن ما يُنشر لا يزول، وأن أثر الكلمة قد يفوق أثر السيف، وأنّ كل ما نكتبه في هذه المساحات قد يكون شاهدًا لنا أو علينا.
ورغم ضجيج التفاهة، ما زال هناك من يُغرّد بالحكمة، ويبني بالعقل، ويزرع الخير. هؤلاء يجب أن ندعمهم، ونتيح لهم الفرصة للظهور، ونقتدي بهم، ونُكثر من أمثالهم.
وفي النهاية، نعود إلى سؤال لا بد أن يطرحه كل منَّا على نفسه، قبل أن يضغط زر نشر"، هل ما أكتبه اليوم سأكون فخورًا به غدًا؟