عادل عسوم: لاتنسب نجاحك لنفسك
تاريخ النشر: 28th, October 2024 GMT
ان وجدت في نفسك احساسا بأنك نجحت بسبب علمك او ذكاءك او جهدك او حولك وقوتك فاعلم يقينا بأن الشيطان تمكن منك وانك في طريقك للهلاك…
ذاك قارون قيل -فيما قيل- تعلم الكيمياء والفيزياء، ثم استطاع احالة معادن الأرض إلى ذهب، فوصل حجم ثروته حجما وصفه الله ب{.. وَآَتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ…}!
فما كان من الشيطان إلا أن اغواه، فقال قارون عن ماله الذي اكتسبه: {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي}، وبالطبع لم يكذب قارون، فالرجل بذل في سبيل جمع ثروته مابذل، مما جعل عوام بني اسرائيل يقولون {يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم}، وهذا حال الناس على عمومهم في كل مكان وزمان:
{زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} آل عمران 14.
وكذلك هناك من يجتهد في تحصيل العلم والمعرفة ويقتطع من ماله وعمره وقواه الكثير إلى أن ينال درجة الدكتوراة مثلا، والشيطان عادة يكون أحرص على غواية أهل العلم من الناس بأكثر من العوام، لكونهم أكثر قدرة على التأثير على مَنْ دونهم، وقصص القرآن والسنة تحتشد بالعديد من الشواهد في ذلك.
ومن الأمثلة كذلك ذاك الذي اجتهد فعرف إسم الله الأعظم ليصبح مجاب الدعاء وهو احد علماء بني إسرائيل -بلعام إبن باعوراء- الذي قص الله عنه لنبينا صلى الله عليه وسلم فقال جل في علاه:
{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ} الأعراف 175.
فهلك الرجل بعد إن اغتر بعلمه وقال عنه ربنا: {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ۚ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ۚ ذَّٰلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۚ فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}الأعراف 176.
حتى الحروب والقتال على الرغم من الحسابات التي تقوم عليها ومشاهد الانتصار المنظورة فإن الله تعالى قال في شأنها:
{فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ ۚ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ ۚ وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} الأنفال 17
في معركة بدر الكبرى أوحى الله لنبينا صلى الله عليه وآله وسلم -قبل بداية القتال- بأخذ قبضة من التراب ويحثو بها وجوه جنود جيش مشركي قريش وقال شاهت الوجوه، فلم يبق منهم أحد إلا وأصابته في عينه ومنخريه وفمه، فكان لذلك دور كبير في النصر المبين للمسلمين وهزيمة جيش المشركين.
هذه الآية (تجزم) للناس بأن حراكهم كله بيد الله، ولا يقتصر الأمر على التهيئة والتيسير فقط من الله؛ إنما يتعداهما إلى الفعل والكسب مهما بذل فيه المرء من جهد وعلم ومعرفة وتخطيط.
وهنا لنقف وقفة بين يدي هذه الآيات الكريمات:
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ ۚ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ} الانفال65
ثم هذه الآية:
{الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا ۚ فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} الانفال 66.
الايتان تدلان على أن الأمر يرتهن ب(قوة) وضعف يعتريان المسلمين نتاج (قضية) بعينها، هذه القضية هي طاعة الله،
فالإنس والجن لم يخلقهم الله إلا لعبادته جل في علاه، وكلما ازداد المسعي من العبد إلى العبادة والطاعة؛ ازداد عطاء الله له ورضاه عنه، ولقد سبق في علم الله من سيفعل ذلك ومن لن يفعل.
لقد سبق في علم الله مايكون عليه حال بني آدم من قبل خلقه إياهم، ويعلم صلاحهم من فسادهم وطغيانهم:
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم ، وهو الصادق المصدوق: (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يرسل إليه الملك فيؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أم سعيد).
بل إن الله يسبق في علمه حتي الأمكنة التي تستحق الاهلاك والعذاب قبل أن توجد على الخريطة:
{وإِن مِّن قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ ٱلْقِيَٰمَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا ۚ كَانَ ذَٰلِكَ فِى ٱلْكِتَٰبِ مَسْطُورًا} الإسراء58
ولفهم ذلك يمكننا قراءة آيات سورة الكهف التي تحكي عن قصص نبي الله موسى عليه السلام الثلاث مع الخضر عليه السلام؛ من خرق للسفينة وقتل للغلام وبناء الحائط.
وبالتالي فإن كل حراك حياتنا بيد الله، وإن نجح المرء منا فنجاحه بقدر الله وتوفيقه، فهو جل في علاه الميسر والمعين إلى السعي إلى النجاح، وكذلك الضامن والمحقق لثمرته، فمن تملكه أيما احساس بأن نجاحه كان بجهده وذكائه وتخطيطه؛ فقد أخطأ، ودوننا حديث نبينا صلى الله عليه وسلم الصحيح: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (قال النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله عنها:
(ما يمنعك أن تسمعي ما أوصيك به، أو تقولي إذا أصبحت وإذا أمسيت: يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين)
والشاهد في ختام الحديث.
وكذلك في دعاء القنوت يأمرنا نبينا صلى الله عليه وآله وسلم أن نقول (اللهم أهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، إنه لا يذل من واليت، تباركت ربنا وتعالى).
قيل إن اللَّه جل في علاه إذا تولّى العبد؛ فلا يذلّ ولا يلحقه هوان في الدنيا ولا في الآخرة،
لكن العبد إن سمح للشيطان بأن يزين له نجاحاته، وايهامه بأنها ليست إلا نتاج علمه وجهده وقوته وذكائه وتخطيطه الشخصي؛ فذلك يودي بالمرء إلى عوالم الاستدراج والهلاك وما أسوأ مآلات ذلك…
اللهم لارمي إلا رميك، ولا مشيئة إلا رهن مشيئتك، بيدك الأمر من قبل ومن بعد، فاجعلنا لك من المُخْبِتين، واكتب لنا رضاك وحبك ما أحييتنا أوكتبت لنا الموت، إنك الله والرب لا إله إلا أنت، ونشهد أن محمدا نبيك ورسولك، آمنا بقضائك وقدرك، بيدك وحدك علم الغيب فاقسم لنا منه ما يرضينا في دنيانا والآخرة، إنك ولي ذلك والقادر عليه يارحمن يارحيم.
آمنت بالله.
عادل عسوم
adilassoom@gmail.com
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: صلى الله علیه وسلم ی غ ل ب وا الله عنه
إقرأ أيضاً:
بيان الأولوية بين شعيرة الأضحية والعقيقة
الأضحية والعقيقة.. قالت دار الإفتاء المصرية إن الأضحية والعقيقة سُنتان مؤكدتان مطلوبتان بحسب يسار المكلف؛ فإن عجز عن القيام بهما معًا على وجه الإفراد لعدم ملاءته المالية قَدَّم الأضحية؛ لضيق وقتها واتساع وقت العقيقة، كما أن له أن يجمع بين نية الأضحية والعقيقة في ذبيحة تقليدًا لمن أجاز من الفقهاء.
الأضحية والعقيقةوالأضحية هي ما يذبح من الإبل والبقر والغنم، يوم النحر وأيام التشريق، تقربًا إلى الله تعالى، وهي سُنَّة مؤكدة، وقد شرعها الله سبحانه وتعالى إحياءً لسُنَّة نبيِّه إبراهيم عليه السلام؛ كما في حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين سُئِل: يا رسول الله، ما هذه الأضاحي؟ قال: «سُنَّةُ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ» أخرجه ابن ماجه والبيهقي في "السنن"، والحاكم في "المستدرك" وصححه، ولما فيها من التوسعة على الناس أيام العيد والتشريق؛ كما في قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّمَا هِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ لِلهِ» أخرجه الأئمة: مالك في "الموطأ" واللفظ له، وأحمد في "المسند"، والحاكم في "المستدرك" وصححه.
والأضحية مشروعة بالكتاب والسُّنَّة والإجماع؛ والأصل في مشروعيتها: قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ [الكوثر: 1-2]، وما جاء عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: «ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكبَّرَ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا» متفقٌ عليه.
ونقل الإجماع على مشروعية الأضحية غير واحد من العلماء؛ كالإمام ابن قدامة في "المغني" (9/ 435، ط. مكتبة القاهرة)، والحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (10/ 3، ط. دار المعرفة) وغيرهما.
المقصود بالعقيقة وبيان حكمها ووقتها
والعقيقة شرعًا هي الذبيحة التي تذبح عن المولود، ذكرًا كان أو أنثى، وهي سنة مؤكدة؛ فعلها النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأَمَر بها ورَغَّب فيها؛ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «مَعَ الْغُلَامِ عَقِيقَةٌ؛ فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا، وَأَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى» أخرجه البخاري.
وعن بريدة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «عَقَّ عَنِ الْحَسَنِ، وَالْحُسَيْنِ» أخرجه الأئمة: أحمد في "المسند" وأبو داود والنسائي والبيهقي في "السنن".
والقول بسُنية العقيقة هو قول أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين، وبه قال الأئمة: مالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وجماعةٌ من أهل العلم يَكثُر عددهم، وعلى ذلك جرى العمل في عامة بلدان المسلمين متبعين في ذلك ما سَنَّهُ لهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم؛ كما في "الإشراف" للإمام ابن المنذر (3/ 417-418، ط. مكتبة مكة الثقافية)، وينظر أيضا: "الكافي" للإمام ابن عبد البر المالكي (1/ 425، ط. مكتبة الرياض الحديثة)، و"المجموع" للإمام النووي الشافعي (8/ 426، ط. دار الفكر)، و"المغني" للإمام ابن قدامة الحنبلي (9/ 459).
وذهب الحنفية إلى أنها مباحة مستحبة وليست بسُنةٍ، فإن فعلها صاحبها شكرًا لله تعالى تصير قربة؛ لأن النيةَ تُصَيِّرُ العاداتِ عباداتٍ، والمباحاتِ طاعاتٍ؛ كما في "رد المحتار" للعلامة ابن عابدين الحنفي (6/ 326، ط. دار الفكر)، و"التجريد" للإمام القدوري الحنفي (12/ 6356، ط. دار السلام).
والأصل في العقيقة أن تُعمل يوم السابع من ولادة المولود؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا كَانَ يَوْمُ سَابِعِهِ؛ فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا، وَأَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى، وَسَمُّوهُ»، فإن فات يوم السابع ففي اليوم الرابع عشر، فإن فات ففي الحادي والعشرين، فإن فات ففي أي وقت.
أيهما أولى تقديم شعيرة الأضحية أم العقيقة؟
الأضحية والعقيقة سُنتان مؤكدتان مطلوبتان بحسب يسار المكلف وملاءته؛ فإن عجز عن القيام بهما ولم يتمكن من إفرادهما بالذبح: قُدِّمتِ الأضحية؛ لكونها أوجب من العقيقة، وآكد منها في السُّنِّية.
وقال الإمام الماوردي الشافعي في "الحاوي الكبير" (15/ 128، ط. دار الكتب العلمية) في بيان صفة العقيقة: [الأضحية أوكد منها؛ لتعلقها بسببٍ راتبٍ واحدٍ عامٍّ] اهـ.
ومقصود الأضحية حصول ضيافة عامة من الله تعالى لعباده بخلاف العقيقة فإنها ضيافة خاصة؛ كما في "مغني المحتاج" للخطيب الشربيني (6/ 140، ط. دار الكتب العلمية)، ولا شك أن الضيافة العامة مقدمة على الخاصة في البدء بها.
يضاف لذلك أن وقت العقيقة ممتد لما بعد البلوغ على المختار للفتوى؛ لكونها لا آخر لوقتها، فإما أن يعق عن ولده، أو يعق هو عن نفسه، وهو الأفضل.