في الآونة الأخيرة، ظهرت عليّنا بعض الدعوات لإطلاق سراح بعض السجناء الذين كانوا يشغلون مناصب أمنية رفيعة في عهد نظام القذافي، والمتهمين بالتورط في جرائم كبرى مثل مجزرة أبوسليم، التي راح ضحيتها أكثر من 1200 سجين سياسي، واللافت في هذه الدعوات هو أنها تصدر عن أشخاص تُحسب على الثورة، مما يطرح عدة تساؤلات حول مدى تأثير المصالح السياسية والانتماءات الجغرافية على مسار العدالة الانتقالية.
نحن في دولة تسعى لتحقيق العدالة والمصالحة، لا ينبغي أن يُنظر إلى مسألة إطلاق سراح السجناء من منظور سياسي، بل يجب أن تخضع لقرارات قضائية بحتة دون تدخل من جهة في ليبيا.
المنطق الصحيح أن العدالة لا تعرف الانتماءات ولا تتحيز لطرف على حساب آخر، ولذلك، من الضروري التأكيد على أن تسيس القضايا الجنائية أو استخدامها كورقة ضغط لتحقيق مكاسب سياسية، يُهدد أسس المصالحة الوطنية ويقوض مبدأ العدالة.
فالخطوة الأولى لتحقيق العدالة هي أن تكون كل السجون تحت إدارة وزارة العدل وبإشراف قضائي مستقل.
هذا الإجراء ضروري لضمان عدم تدخل أي جهة خارج إطار القانون، ولحماية حقوق جميع الأطراف المعنية، سواء كانوا ضحايا أو متهمين، فبدون هذه الشفافية، ستظل الشكوك قائمة حول نزاهة المحاكمات.
أيضا القوانين المتعلقة بالعفو العام والعدالة الانتقالية ليست مجرد أدوات قانونية، بل هي آليات ضرورية لتحقيق العدالة والمصالحة الوطنية، فلا يمكن التسرع في إصدار قرارات عفو دون دراسة شاملة لحالة كل سجين على حدة، وتحديد ما إذا كان ينطبق عليه قانون العفو أم لا، فالهدف هنا ليس الانتقام، بل تحقيق توازن عادل بين محاسبة المسؤولين عن الجرائم وتخفيف حدة النزاعات المجتمعية.
أي خطوات تتعلق بإطلاق سراح السجناء أو محاسبتهم يجب أن تكون جزءاً من إطار أوسع يشمل جميع الليبيين، ويستند إلى مبدأ الشفافية والمشاركة المجتمعية، ومن هنا، تبرز أهمية عقد مؤتمر حوار وطني شامل يضم كافة الأطراف المعنية، حيث تتم مناقشة هذه القضايا بكل حيادية، وتحديد آليات التعويض وجبر الضرر للضحايا أو عائلاتهم.
لا يمكن تحميل المدن الليبية أو نخبها السياسية والمجتمعية أو أي مكون اجتماعي مسؤولية جرائم أفراد بعينهم، فالجريمة تُرتكب بقرارات فردية، ولا يجوز استخدام اسم المدينة أو الانتماء الاجتماعي كذريعة لحماية مرتكبي هذه الجرائم، ولذلك، يجب أن يكون الحكم على الأفراد بناءً على ما اقترفوه من أفعال، وليس بناءً على انتماءاتهم.
باختصار يمكن القول إن العدالة هي المفتاح والأساس لتحقيق المصالحة الوطنية الحقيقية في ليبيا، وأي محاولة لتجاوز هذا المبدأ أو تسيسه لن تؤدي إلا إلى تعميق الانقسامات وخلق شعور بعدم الإنصاف بين الليبيين، ما تحتاجه ليبيا في هذه المرحلة لتحقيق ذلك هو وجود قيادة شجاعة وحكيمة قادرة على وضع إطار قانوني واضح، يعتمد على مبدأ الشفافية والعدالة كأساس لبناء مستقبل مستقر وآمن لجميع الليبيين.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
المصدر: عين ليبيا
إقرأ أيضاً:
وزير الخارجية: العلاقات المصرية - الأمريكية قائمة على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل
وصف وزير الخارجية والهجرة، الدكتور بدر عبد العاطي، العلاقات بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية بأنها «وثيقة واستراتيجية وراسخة وتمتد إلى أربعة عقود وتقوم على مبادئ محددة وهى المصالح المشتركة والاحترام المتبادل»، لافتا إلى أن مصر دولة إقليمية كبرى والولايات المتحدة دولة عالمية كبرى وهناك مصالح مشتركة تربط بين البلدين ليس فقط على المستوى الثنائي ولكن أيضا الرؤية الإقليمية بل والعالمية.
وأشار الدكتور بدر عبد العاطي خلال ندوته بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، إلى أن جولة الحوار الاستراتيجي بين البلدين عقدت في سبتمبر الماضي بحضور وزيري الخارجية.
وعن الاتصال الهاتفي الذي تلقاه اليوم الرئيس عبد الفتاح السيسي من نظيره الأمريكي، دونالد ترامب، أكد وزير الخارجية أن هذا الاتصال يعكس العلاقات الوثيقة والطابع الاستراتيجي لها.
وأوضح «عبد العاطي» أن هذه العلاقات متشابكة ومركبة وتتضمن الشق الاقتصادي والسياسي والاستثماري والإقليمي والدولي، وهى علاقات تتجاوز الأفراد وتؤكد على دور المؤسسات، وتتجاوز الإطار الإقليمي وتتخطاه إلى الإطار الدولي.
وأعرب الدكتور بدر عبد العاطي، عن ثقته الكاملة في أن هذه العلاقات قوية ومتينة ذات بعد استراتيجي، مشيرا إلى أن المبدأ الأساسي الذي أرساه الرئيس السيسي خلال حفل إفطار العائلة المصرية هو مبدأ «الاتزان الاستراتيجي».
وقال الوزير «إن لدينا علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة ولدينا شراكات استراتيجية مع الهند والبرازيل وروسيا والصين».
اقرأ أيضاًاتصال هاتفي بين وزير الخارجية ونظيره الكويتي
وزير الخارجية يؤكد الدعم الكامل للمبادرات الإنسانية والطبية للدكتور مجدي يعقوب
وزير الخارجية يؤكد أهمية مواصلة أواصر العلاقات التاريخية بين الأزهر والإفتاء المصرية مع دار الفتوى اللبنانية