خليل المعلمي
مع مرور الأيام ومنذ انطلاق عملية طوفان الأقصى، تتكشف لنا الكثير من الحقائق وتتسرب إلى العلن العديد من المعلومات عن المؤامرة الدولية الواسعة على القضية الفلسطينية منذ أكثر من قرن، انطلاقا من انتداب بريطانيا على فلسطين وإطلاق وعد بلفور والعمل على تحقيقه بداية بالسماح لليهود بالهجرة إلى فلسطين.

. ومن ثم تسليحهم وتوطينهم والسماح لهم بإنشاء عصابات وغض الطرف عند ارتكابهم الجرائم والمجازر بحق سكان فلسطين الأصليين، مرورا بالسيطرة على أراضيهم والتضييق عليهم وتنفيذ العقاب الجماعي عليهم في الحصار ومصادرة أراضيهم والاعتقال والكثير من الإجراءات التي يمارسها هذا الكيان حتى اليوم.
حتى الأنظمة العربية لم تنسلخ من هذه المؤامرات بل نجدها عاجزة خلال عام عن إيقاف المجازر التي يرتكبها الكيان الصهيوني بدعم عسكري وسياسي واقتصادي غربي مستمر، على الرغم من امتلاكها لعناصر القوة بنوعيها الناعمة والعسكرية، إلا أن هذه الأنظمة قد تماهت مع المصالح الغربية وغاب عنها المصالح الوطنية والعربية، وهي تقف الآن كالمتفرجة والمتواطئة تجاه القضية الفلسطينية وتجاه ما يعانيه الفلسطينيون سواء في غزة أو في الضفة الغربية.
لقد دأب الكيان الصهيوني ومنذ الانتداب البريطاني وبمساعدة بريطانيا والدول الغربية إلى جمع الدعم الغربي المؤسسي من خلال المؤسسات المختلفة ومنها مؤسسات التعليم عبر التشبيك مع نفس المؤسسات في هذه الدول لكي تحظى بالدعم والتأييد لما تقوم به.

تظاهرات طلابية
لقد ساهمت التظاهرات الطلابية التي شهدتها جامعات ومؤسسات تعليمية، في الولايات المتحدة وعدد من دول الغرب، احتجاجاً على العدوان المستمر على قطاع غزة في إلقاء الضوء على نكبة الفلسطينيين، وعرفت ملايين الغربيين العاديين بالمذبحة التي يتعرض لها سكان قطاع غزة منذ أكتوبر 2023م، لكنها كشفت أيضاً، وفي إطار سعي الطلاب لمد جهود مقاطعة إسرائيل إلى فضاء الثقافة والتعليم، عن تشبيك ممنهج ومقونن وعميق بين المؤسسات الأكاديمية الغربية ونظيراتها في الدولة العبرية يصل إلى حد الشراكة التامة أحياناً، ولا سيما في القطاعات المعرفية المتعلقة بتطبيقات التكنولوجيا الحديثة في مجالات الدفاع والأمن والتجسس.
وقد تبين أيضاً أن تلك الشراكات قد تكون محمية بغطاء قانوني يمنع الفكاك منها، ويتلقى كثير منها استثمارات ومنحاً ممولة من الموازنات العامة إلى جانب القطاع الخاص، وقد يبدو الأمر من بعيد ودونما تمحيص نتاج جهد أكاديمي متفوق تقوم به الجامعات العبرية، وحرصاً في المقابل من جامعات الغرب على دعم تقدم المعارف والعلوم في ذلك الكيان الغربي الهوى المزروع في قلب الشرق، لكن الحقيقة أن المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية منذ ما قبل تأسيس الكيان وإلى اليوم جزء لا يتجزأ من النظام الاستعماري الاستيطاني على الأرض الفلسطينية وهي تلعب أدواراً أساسية في القمع المستمر للشعب العربي الفلسطيني، وفق ما تقول الدكتورة مايا ويند، في كتابها “أبراج العاج وفولاذ: كيف تنكر الجامعات الإسرائيلية الحرية الفلسطينية 2024”، الصادر حديثاً عن دار فيرسو للكتب مؤخراً.

تاريخ مشين
في ستة فصول تروي الدكتورة “ويند” بنفس علمي رصين تاريخ المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية منذ بدايات القرن الماضي وإلى اليوم، وهي حكاية تسبق بعقود قيام إعلان الدولة العبرية – بعد حرب 1948م- إذ كانت مؤسسات نشأت في ظل الانتداب البريطاني على فلسطين (مثل معهد إسرائيل للتكنولوجيا تخنيون حيفا- 1912م، والجامعة العبرية بالقدس 1925م، و«معهد وايزمان في رحوفوت بالقرب من تل أبيب- 1934م، بؤراً أمامية متقدمة للمشروع الصهيوني في الزمان والمكان على حد سواء، وأسهمت بشكل فاعل في تعزيز صيغة «التهويد» في الأراضي الفلسطينية -على حد تعبير المؤلفة- وتسوية الطريق أمام الدولة الجديدة، ومدها بالكوادر وطرائق العمل والأيديولوجيا أيضاً.
لقد أصبحت هذه المؤسسات، إلى جانب غيرها مما أطلق بعد حرب 1948م، نقاط الارتكاز الأساسية التي يستند إليها مجمع صناعي عسكري جديد يكمل ويتكامل مع المجمع الصناعي العسكري للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي فكأنها مستوطنة مختبرات أبحاث تابعة للشركات العسكرية الأميركية الكبرى تتولى لصالحها تطوير روبوتات القتل الآلي وأدوات المراقبة ومعدات السيطرة على الحشود وأدوات التعذيب، ومن ثم تسهيل تسويقها كمنتجات تم اختبارها بالفعل في المعركة ضد الفلسطينيين العزل، ولهذا لم يكن مستغرباً مثلاً أن وصف الرئيس التنفيذي لشركة «إلبيت» لصناعة الأسلحة معهد “تخنيون حيفا” بأنه “الحمض النووي لإلبيت”.
لا يتوقف دور الجامعات في الدولة الأمنية العلمية على حد تعبير “ويند”، عند تطوير الطراز الأحدث من درونات المراقبة والقتل، بل وتقوم أيضاً بدور مراكز تأهيل وتدريب متقدّم لكوادر الاستخبارات والأمن والجيش، ناهيك عن أن أراضيها المسروقة من مالكيها الفلسطينيين تستضيف مكونات من البنية التحتية الحيوية للاتصالات العسكرية، ومواقع ومراكز يديرها الجيش الإسرائيلي مباشرة، في دمج كلي مروع للجامعات في منظومة الدفاع والأمن، وتقول “ويند” إنها استوحت اسم كتابها “أبراج من عاج وفولاذ” من برج جامعة حيفا الشاهق الذي كان آخر طوابقه الـ31، حتى وقت قريب مقرأ للجيش، وتحته تماماً الطابق الذي يضم إدارة الجامعة.
وبغير هذه الأدوار ذات الطبيعة الدفاعية الأمنية، فإن الجامعات والمؤسسات الأكاديمية في دولة الكيان الإسرائيلي تقوم بدور موازٍ في مساحات التعليم والثقافة والأدلجة، فتبيض مشروع الاحتلال الصهيوني، وتبرر جرائمه بحق الفلسطينيين والعرب، وتكرس أسطورة الديمقراطية الليبرالية الوحيدة في الشرق الأوسط المخصصة لاستهلاك المواطنين الغربيين العاديين، وهذا الدور الموازي يتطلب بالضرورة تشويه معطيات الأبحاث في مختلف مجالات المعرفة كي تتطابق مع السردية الصهيونية، وقمع أصوات المفكرين والعلماء التي قد تخرج عن الخطوط المصرح فيها، والتضييق على الطلبة الفلسطينيين فيها ممن فرضت عليهم الهويات الإسرائيلية في الأراضي التي احتلت في عام 1948م، والقدس.

استهداف الجامعات الفلسطينية
وهذا الجانب الأخير يأخذ بعداً آخر تماماً عند دراسة استهداف سلطات الاحتلال للجامعات الفلسطينية ولطلبتها، ولعل التدمير الكلي لجامعات غزة وتصفية كوادرها التعليمية وحرق مكتباتها وتجهيزاتها البحثية خلال العدوان المستمر على القطاع تفسير عملي مباشر لمنطق الدولة العبرية فيما يتعلق بـ «الحريات الأكاديمية» للفلسطينيين، وهكذا نذهب إلى استنتاج صادم لا بد منه: إن كل تعاون دولي مع الجامعات والمؤسسات التعليمية الإسرائيلية -تحت غطاء التبادل المعرفي والتلاقي الأكاديمي والأبحاث المشتركة- انخراط أثم في التمكين للمشروع الصهيوني، وتأمر متعمد لمنح سلطات الاحتلال الاستيطاني ورقة توت تواري بها سوءة ممارساتها الإجرامية بحق الوجود الفلسطيني على الأرض الفلسطينية، وأن كل جدل بشأن حرية البحث العلمي (للمؤسسات) والحريات الأكاديمية (للأفراد) ينقلب مغالطة عندما يتعلق الأمر بالكيانات الجامعية الإسرائيلية وبالأكاديميين الإسرائيليين، إذ «لا توجد حرية أكاديمية أصلاً حتى تنطبق على الجميع»، على حد تعبير المؤلفة.

مؤلفات جديدة
ينضم كتاب “أبراج من عاج وفولاذ” إلى كتب مثل “فلسطين مختبراً- كيف تصدر إسرائيل تكنولوجيا الاحتلال حول العالم- 2023م” لـ”أنتوني لوينشتاين”، و”الحرب البيئية في غزة- العنف الاستعماري وآفاق المقاومة الجديدة 2024م” لـ”شريدة مولوي”، وعدة كتب أخرى صدرت في الآونة الأخيرة يتصدى مؤلفوها، وهم أكاديميون شبان شجعان وللمفارقة فإن بعضهم من أصول يهودية أو يحملون جنسيات إسرائيلية، لتفكيك الصورة التي رسمها الإعلام الغربي خلال ثمانين عاماً عن واحة مزعومة للديمقراطية والحضارة في قلب صحراء الهمجية، ورفع الستار عن جوانب يتم تجليها عمداً حسب أساليب “الترجمة حتى النخاع” التي تقوم بها الدولة العبرية للأرض الفلسطينية وللفلسطينيين، وللتاريخ أيضاً.

المصدر: الثورة نت

كلمات دلالية: المؤسسات الأکادیمیة الدولة العبریة على حد

إقرأ أيضاً:

مخلفات الإبادة الإسرائيلية.. قنابل موقوتة تهدد حياة الفلسطينيين

في قطاع غزة الذي ارتكب فيه الجيش الإسرائيلي إبادة جماعية، ما تزال المخلفات الحربية والقذائف غير المنفجرة تشكل خطرا داهما على حياة الفلسطينيين، وتهدد بحصاد مزيد من الأرواح و إحداث إعاقات دائمة، وسط غياب أي معدات أو إمكانات للتعامل معها.

 

ورغم توقف العمليات العسكرية نسبيا، إلا أن آلاف الأطنان من القنابل والمتفجرات التي أسقطت على المدنيين خلال أكثر من خمسة عشر شهراً تحولت إلى قنابل موقوتة مدفونة بين الركام، ما يزيد من معاناة الناس الذين اضطروا لنصب خيامهم بين أنقاض منازلهم المدمرة.

 

منذ بدء وقف إطلاق النار في 19 يناير/كانون الثاني الماضي، شهد قطاع غزة العديد من حوادث انفجار مخلفات الحرب، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى في عدة مناطق، وفق تقارير طبية.

 

من بين المصابين، كان الضابط بلال المبحوح (37 عامًا)، أحد أفراد إدارة هندسة المتفجرات بشرطة غزة، الذي فقد بصره نتيجة انفجار جسم متفجر أثناء مهمة عمل في جباليا شمال القطاع.

 

يرقد المبحوح في المستشفى المعمداني بمدينة غزة بعد أن أصيب بشظايا في وجهه وعينيه وجسده، تاركا إياه فاقدا للبصر تماما.

 

** إشارات يومية

 

المبحوح قال للأناضول إن إدارته تتلقى يوميا عشرات البلاغات حول وجود قذائف وأجسام غير منفجرة في الشوارع والمنازل والمنشآت التي تعرضت للقصف.

 

وأضاف أنه في 5 مارس/آذار الجاري، خرج على رأس فريق من هندسة المتفجرات لمعاينة مكان انفجار سابق في شارع "مزايا" شرق جباليا، تسبب في إصابة ثلاثة أطفال.

 

وأردف المبحوح: "بينما كنا نستمع لشهادات المواطنين ونعاين الموقع، وقع انفجار جديد باغتني وألقى بي على الأرض مضرجا بدمائي".

 

وأشار إلى أن قوات الاحتلال استخدمت أنواعا مختلفة من الذخائر الإسرائيلية والأمريكية، بعضها لم يكن مألوفا لدى خبراء المتفجرات في غزة، مضيفا: "لم يتوقف عملنا طوال شهور الحرب، رغم القصف والاستهداف المتكرر".

 

وأوضح أنهم عملوا على تجميع تلك المخلفات في مخزن خاص شمال غزة، إلا أنه تعرض للهدم والتجريف من الجيش الإسرائيلي خلال العملية البرية في جباليا.

 

وأردف بالقول: "تم تدمير مقار عملنا جميعها، والمكان الذي كنا نجمع فيه بقايا ومخلفات الصواريخ غير المنفجرة، بما يحتويه من معدات بسيطة كنا نستعين بها في عملنا".

 

** غياب معدات السلامة

 

وأكد الخبير الفلسطيني أن عناصر هندسة المتفجرات يعملون بصدور عارية مع انعدام معدات السلامة، حيث تمنع إسرائيل إدخال أي تجهيزات أو معدات متخصصة.

 

وقال بصوت خافت: "نغادر منازلنا للعمل مدركين أننا قد لا نعود، لكننا نتحمل مسؤوليتنا لحماية المدنيين".

 

وعن طبيعة حالته الصحية، لفت المبحوح إلى أنه فقد بصره بشكل كامل، ويأمل في السفر للعلاج خارج قطاع غزة.

 

** 30 ألف قنبلة موقوتة

 

من جانبه، كشف العقيد محمد الزرقة، المتحدث باسم الشرطة بغزة، أن هناك تقديرات بوجود أكثر من 30 ألف جسم متفجر من مخلفات الحرب منتشرة في القطاع، تشكل خطرًا كارثيًا على حياة المدنيين.

 

وقال الزرقة في حديث للأناضول إن تلك الأجسام تشكل قنابل موقوتة تهدد حياة المواطنين، وتحتاج إلى إمكانيات كبيرة لإزالتها وتحييد خطرها.

 

وأضاف أن طواقم هندسة المتفجرات بالشرطة يعملون بإمكانات بسيطة للغاية، ومع انعدام تام لإجراءات ومعدات السلامة، وحتى للمركبات لنقل الأجسام الخطرة من أماكنها.

 

وأوضح أنه "مع هذا الواقع الصعب، يضطر عناصر الهندسة إلى التعامل جزئياً مع تلك المخلفات عبر نزع الصواعق ونقل الأجسام إلى مكان بعيد عن تواجد السكان"، مضيفاً أنها بحاجة للفحص ثم الإتلاف إلا أن ذلك متعذر حالياً لنقص الإمكانات.

 

وتابع: "يتم إزالة الأجسام صغيرة الحجم، أما القنابل ذات الأوزان الثقيلة فيتم الاكتفاء بتأمين محيطها ومنع اقتراب المدنيين منها، لحين توفر إمكانية إخلائها من المكان".

 

** صعوبة التعامل

 

ولفت الزرقة إلى أن آلاف الأطنان من الذخيرة والقنابل الملقاة على غزة خلال شهور الحرب تتطلب إمكانات هائلة في التعامل معها، من خلال عمليات المسح الهندسي لجميع المناطق في قطاع غزة.

 

وبين أن "هذا الأمر متعذر في ظل الظروف الحالية، فإمكاناتنا المتواضعة لا تسمح بذلك، كما أننا بحاجة إلى أعداد كبيرة من الطواقم العاملة المدربة لهذه المهام، ناهيك عن الاحتياج إلى إزالة الركام قبل بدء العمل".

 

وطالب متحدث الشرطة المجتمع الدولي والمؤسسات ذات العلاقة إلى التدخل العاجل من أجل إمداد قطاع غزة بالمعدات الخاصة لعمل هندسة المتفجرات؛ لتحييد خطر الأجسام والمخلفات غير المنفجرة على حياة السكان.

 

وأشار إلى أن "الضابط المصاب (المبحوح) ليس الضحية الأولى لانفجار مخلفات الحرب، ولن يكون الأخير في ظل استمرار منع الاحتلال إدخال الآليات الثقيلة لإزالة الركام، والمعدات اللازمة لعمل هندسة المتفجرات".

 

‏‎وبدعم أمريكي ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 إبادة جماعية بغزة خلفت أكثر من 160 ألف قتيل وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 14 ألف مفقود.


مقالات مشابهة

  • الفصائل الفلسطينية تنعى قادة منها في الغارات الإسرائيلية المتجددة على غزة
  • حماة الوطن يستنكر استئناف الضربات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين
  • السعودية تدعو إلى حماية الفلسطينيين من آلة الحرب الإسرائيلية
  • الرئاسة الفلسطينية تدين العدوان على غزة وتحمل المجتمع الدولي مسؤولية الجرائم الإسرائيلية
  • الخارجية الفلسطينية تطالب بتدخل دولي حازم لوقف الإبادة وتهجير الفلسطينيين
  • أبواب مفتوحة في الجامعات لمترشحي باك 2025 بداية من هذا التاريخ
  • حتى إشعار آخر.. تعليق الدراسة في جميع المؤسسات التعليمية بغزة
  • تعاون بين الأكاديمية الوطنية ومحافظة البحيرة لتنمية القدرات وبناء الكوادر
  • وزير خارجية مصر يكشف عن بدء تدريب الشرطة الفلسطينية التي ستدخل إلى غزة
  • مخلفات الإبادة الإسرائيلية.. قنابل موقوتة تهدد حياة الفلسطينيين