مطالبات بإصدار قانون لإثيات نسب اللقطاء.. وخبراء:لم يرتكبوا ذنباً.. فلماذا نقتلهم معنوياً؟ >> إخصائى الإرشاد النفسى والأسرى والتربوى:حياة اللقيط مليئة بالحزن والأسى والشعور بالنقص >> حقوقيون: التحليل الوراثى والبصمات الوراثية للطفل تحدد بدقة آباء مجهولى النسب >> أستاذ بجامعة الأزهر: ترك الأبناء أو إهمالهم تضييع للأمانة.
. والإسلام يجيز إصدار قانون لإثبات النسب
يبدو لك أن مشهد طفل صغير ملفوف فى قطعة قماش متروك أمام بيت أو مسجد أو ملقى فى صندوق قمامة، هو مشهد سينمائى يثير حزنك، أو مشهد خيالى فى إحدى الروايات، أو صورة من صور الحرب الدائرة فى بعض المناطق التى يشتعل فيها الصراع المسلح.. لكن الحقيقة أن هناك آلاف الأطفال «اللقطاء» أو «مجهولى النسب» فى مصر، عاشوا بالفعل ظروفاً مشابهة.
هؤلاء الأطفال ضحايا ظروف اجتماعية سيئة، ووحدهم يدفعون ثمن ذنب لم يرتكبوه، ما قد يخلق لديهم مشاعر الكراهية والعنف تجاه المجتمع كنوع من رد الفعل على المعاملة غير العادلة التى يتلقونها، رغم براءتهم الطفولية.
ولهذا تعالت فى الآونة الأخيرة مطالبات فى مصر بإصدار قانون لإثبات نسب الأطفال اللقطاء.
ويشير الحقوقى والباحث زيدان القنائى إلى أن الحكاية تبدأ غالباً فى العيادات الطبية، حيث يقوم بعض الأطباء باجراء عمليات ولادة للسيدات اللاتى ينجبن أطفالاً بطرق غير شرعية وعلاقات خارج إطار الزواج، وبعدها يتم التخلص من الطفل المولود بإلقائه فى أحد الشوارع.
وشدد القنائى على ضرورة إثبات نسب الأطفال اللقطاء داخل مصر باستخدام وسائل علمية متطورة وعلى رأسها التحليل الوراثى والبصمات الوراثية للوصول للأب الحقيقى وإجباره على الاعتراف بالأطفال وعمل شهادات ميلاد لهم.
وقالت ريهام عبدالرحمن، إخصائى الإرشاد النفسى والأسرى والتربوى، إن قضية الأطفال اللقطاء من أكثر القضايا الإنسانية إيلاماً وتعقيداً، حيث يعانى هؤلاء الأطفال من التهميش والإهمال بشكل غير إنسانى، حيث يترك الرضيع فى ظروف قاسية، ما يعرضه لمخاطر رهيبة مثل التعرض للكلاب الشاردة التى تنهشه بلا رحمة»
وأضافت" هذه الحوادث الفظيعة تعكس عجز المجتمع والنظام الاجتماعى عن توفير الحماية والرعاية لهؤلاء الأطفال الضعفاء.
وعن أسباب تزايد أعداد الأطفال مجهولى النسب أكدت ريهام عبدالرحمن أن هناك أربعة أسباب رئيسية وراء تزايد هذه الظاهرة، وهى الفقر والعلاقات غير الشرعية، العلاقات الجاهلية والجهل بالقوانين.. وقالت: «يعد الفقر من أبرز الأسباب التى تؤدى إلى انتشار هذه الظاهرة، حيث يعانى العديد من الأسر من ضيق المعيشة ما يسهم فى عدم قدرتها على رعاية الأطفال بشكل مناسب، كما تنجم بعض حالات مجهولى النسب عن علاقات غير شرعية، حيث يحاول أطراف العلاقة التخلص من الأطفال الناتجين عنها خوفاً من العار أو الفضيحة، وما زالت بعض العادات المتخلفة قائمة، حيث يرفض البعض الاعتراف بالإناث أو يتخلصون منهن بناء على معتقدات اجتماعية خاطئة، كما يشهد المجتمع جهلاً بمسائل النكاح والتبنى، مثل الزواج العرفى، ما يؤدى إلى تبنى أطفال ثم تركهم بعد اكتشاف الأحكام الشرعية المتعلقة بهم.
وأضافت: على الرغم من الرعاية والاهتمام الذى يتلقاه مجهولو النسب فى دور الأيتام، يعيش الطفل اللقيط حياة مليئة بالحزن والأسى، لا يمكنه التخلص من شعور النقص والاختلاف مقارنة بالأطفال الذين يعيشون مع عائلاتهم، ويتساءل يومياً من أنا؟ من هم أهلي؟ من أين أتيت؟ لماذا أشعر بالاختلاف عن الآخرين؟ لماذا أنا هنا بالذات؟ هذه الأسئلة والهموم ترافق الطفل اللقيط، أو مجهول النسب، منذ صغره حتى بلوغه.
وتابعت: هذا السياق يصبح من الضرورى إصدار قانون لإثبات نسب الأطفال اللقطاء ودراسة التدابير التى يمكن اتخاذها لتوفير حماية أفضل لهم وضمان حقوقهم الأساسية، مشيرة إلى أن هذه الخطوة ستسهم فى تعزيز استقرارهم العاطفى والنفسى، ما يقلل من مخاطر اضطرابات الهوية الجنسية، كما أن القانون سيفيد المجتمع بشكل عام من خلال معالجة ظاهرة أطفال الشوارع وتقديم الدعم والرعاية اللازمة لهم.
ويرى الدكتور أحمد سعد، أستاذ التربية بجامعة الأزهر، أن قضية رعاية الطفولة تشغل أهمية خاصة فى الفكر الاجتماعى المعاصر، وقال: وجدت ظاهرة اجتماعية ارتبطت بوجود الإنسان وتتثمل فى إنجاب أطفال من قبل رجل وامرأة لا تربطهما علاقة زواج شرعية أو عقد اجتماعى معترف به، ويطلق عليه فى مجتمعنا «الأطفال اللقطاء أو مجهولو النسب»، ويعيش معظم أبناء هذه الشريحة حياتهم إما فى الشارع أو فى داخل مؤسسات خاصة بالرعاية الاجتماعية، وقد تقوم بإدارة هذه المؤسسات جهات حكومية أو جمعيات أهلية يُودَع فيها الأطفال بسبب غياب أو فقدان الرعاية الأسرية.
وأوضح «سعد» أن هذه الفئة تعانى فى معظم الأحوال من مشكلات تتعلق بطبيعة عيشهم واندماجهم فى المجتمع، ومن بينها النظرة الإقصائية التى تركت فجوة واسعة بين هذه الفئة وبقية فئات المجتمع، ومن ثم عدم قدرتهم على الاندماج والتكيف داخل المجتمع؛ ولذلك ظهرت فى الآونة الأخيرة مطالبات بإصدار قانون لإثبات نسب الأطفال اللقطاء، وتبدو أهمية هذه المطالبات من حيث إن هذه الفئة من الأطفال يجب كفالتهم بصورة تحافظ على إنسانيتهم، كما يجب دعمهم والإسراع فى رعايتهم وإعادة تأهيلهم لدمجهم فى المجتمع ليكونوا أفراداً نافعين لهم ولوطنهم.
وأضاف: «يجب وضع تشريع يكفل كل المبادئ والحقوق اللازمة للطفل اللقيط؛ ومنها حقه فى الحياة والبقاء والنمو فى كنف أسرة، وحمايته من كل أشكال العنف أو الضرر البدنى أو المعنوى أو الإهمال أو التقصير أو غير ذلك من أشكال إساءة المعاملة أو الاستغلال، وحقه فى الحصول على خدمات الرعاية الصحية والاجتماعية، ومساعدته على إكمال تعليمه الدراسى، وتنمية شعوره بالثقة والإحساس بالكرامة والاحترام وتقدير الذات.. إلخ. ومثل هذا التشريع سيدعم سلامة المجتمع، كما يساعد على تكوين المجتمع المتطور المتوازن البعيد عن الانحرافات والأمراض الاجتماعية.. المجتمع القادر على الابتكار والتجديد فى الفكر والعمل.
وعن حكم الشرع فى تخلص بعض الأسر من أطفالها بإلقائهم فى الشارع.. قال الدكتور أحمد سعد: الشرع الحنيف يحرم إلقاء الأطفال فى الشوارع مخافة الفقر أو الفضيحة أو غير ذلك، فلا يجوز للأب أو للأم بأى حال من الأحوال ترك الأبناء أو التفريط فيهم أو إهمالهم وترك رعايتهم وتأديبهم، فذلك من قبيل تضييع الأمانة التى يأثم فاعلها، حيث قال النَّبِى صلى الله عليه وسلم: «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ... وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ».
أما عن رأى الدين الإسلامى فى هذا القانون إذا تم تشريعه وصدوره، فأكد أستاذ التربية بجامعة الأزهر أن صدور مثل هذا القانون جائز ولكن فى حدود الشرع ودون انتهاك للحرمات؛ وتوضيح ذلك يكمن فى مسألتين؛ المسألة الأولى: أن الأطفال اللقطاء ومجهولى النسب هم فى حكم الأطفال اليتامى لفقدهم والديهم، بل هم أشد حاجة للعناية والرعاية من معروفى النسب، لعدم معرفة قريب يلجأون إليه عند الضرورة، وعلى ذلك فإن من يكفل طفلاً من مجهولى النسب، فإنه يدخل فى الأجر المترتب على كفالة اليتيم؛ لقول الرسول (صلى الله عليه وسلم): «أنا وَكافلُ اليتيمِ فى الجنَّةِ كَهاتين، وأشارَ بأصبُعَيْهِ يعني: السَّبَّابة والْوُسْطَى». والحديث فيه دليل على أهمية وعظم الإحسان إِلى اليتامى ومن على شاكلتهم.
والمسألة الثانية تشير إلى أن جمهور العلماء يرون أنه لا يجوز شرعاً إضافة نسب الطفل اللقيط إلى من تبناه، وأن نسبة الولد إلى غير أبيه حرام شرعاً؛ لما فى ذلك من الكذب والزور، واختلاط الأنساب، وخطورة على الأعراض وتغيير مجرى المواريث بحرمان مستحق وإعطاء غير مستحق، ولما فيه إحلال للحرام وتحريم للحلال فى الخلوة والزواج وما إلى ذلك من انتهاك للحرمات، وتجاوز لحدود الشريعة، وفى ذلك قول الله تعالي: (وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِى السَّبِيلَ ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِى الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً).
ومن جانب آخر، أكدت دار الإفتاء المصرية على جواز منح الطفل المكفول لقب العائلة الكافلة، بحيث يظهر مطلق الانتماء للعائلة فقط، دون التدليس بأنه ابنه أو ابنته من صلبه. وحتى لا يدخل ذلك فى نطاق التبنى المحرم شرعاً يشترط أن تكون الإضافة لاسم العائلة للطفل اليتيم أو مجهول النسب مثل ارتباط الولاء الذى كان بين القبائل العربية قديماً، كما أكدت دار الإفتاء أن فى هذا جانباً من التكريم وشيئاً من المصلحة للطفل اللقيط أو مجهول النسب، كما يضيف إلى حياته كثيراً من الأمان والاستقرار والأمل.
وأوضح أيمن محفوظ المحامى أهمية الأوراق الثبوتية للأطفال والحقوق القانونية المرتبطة بها، قائلا: يحق لأى إنسان أن يكون لديه شهادة ميلاد ورقم قومى وأوراق ثبوتية تكشف عن هويته وجنسيته، هذه الأوراق لا تقتصر على إثبات الهوية بل تحدد أيضاً الحقوق الشرعية، مثل الحق فى الميراث. ووفقاً للدستور المصرى فى المادة 80، يعترف بكل شخص لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره كطفل، ويحق له الحصول على اسم وأوراق ثبوتية وتطعيمات مجانية ورعاية صحية وأسرية أو بديلة، وتغذية أساسية، ومأوى آمن، وتربية دينية، وتنمية وجدانية ومعرفية.
وفى حال وجود نزاع على نسب طفل من علاقة غير شرعية، أكدت المحكمة الدستورية العليا على حق المولود فى الحصول على رقم قومى مؤقت حتى يحسم النزاع بين الأم والعشيق. بالنسبة للأطفال اللقطاء، الذين يتم العثور عليهم فى الشوارع دون معرفة أهلهم، فإن من حقهم أيضاً الحصول على أوراق ثبوتية تصدر لهم بأسماء مختارة، وتكفل الدولة برعايتهم.
وأوضح «محفوظ» أن جريمة إلقاء الأطفال فى الشوارع تعتبر جريمة خطيرة بموجب المادتين 285 و286 من القانون، حيث يعاقب كل من يعرض طفلاً لم يبلغ سن السبع سنوات للخطر بالحبس لمدة لا تزيد على سنتين. وإذا نتج عن ذلك وفاة الطفل أو إصابته بعاهة مستديمة، تتراوح العقوبات بين السجن والإعدام.
وقال: فيما يتعلق بجرائم الإجهاض أو الجرائم المرتبطة بمهنة الطب، فإن العقوبات تختلف حسب الجريمة، وتتراوح بين الحبس والغرامة، بالإضافة إلى عقوبات إدارية مثل وقف الطبيب عن العمل أو غلق عيادته. من الضرورى تسريع إصدار قانون المسئولية الطبية الذى يحدد بوضوح مسئولية الأطباء عن الأخطاء الطبية بشكل عام.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: طفل صغير صندوق قمامة
إقرأ أيضاً:
اتفاقية تعاون بين هيئة تنمية المجتمع بدبي ومكتب اليونيسف لدول الخليج العربية
دبي (وام)
وقعت هيئة تنمية المجتمع بدبي اتفاقية تعاون مع مكتب اليونيسف لدول الخليج العربية التابع لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة بهدف توحيد الجهود، وتعزيز التعاون المشترك لتطوير وإطلاق برامج توعوية وتدريبية تسلط الضوء على حقوق الطفل. يأتي ذلك تزامناً مع اليوم العالمي لحقوق الطفل، ليؤكد التزام الطرفين بتحقيق بيئة داعمة وصديقة للأطفال تضمن لهم حقوقهم الكاملة وتتيح لهم فرص النمو والنجاح.وقع الاتفاقية معالي حصة بنت عيسى بوحميد، مدير عام هيئة تنمية المجتمع، والطيب آدم، ممثل مكتب اليونيسيف لدول الخليج العربية.
وأكدت معالي حصة بنت عيسى بوحميد أهمية الاتفاقية، ودورها في تبني أفضل الممارسات العالمية في مجال حقوق الطفل، موضحة أن شراكة الهيئة مع اليونيسيف تمتد لسنوات طويلة، وتم خلالها إنجاز العديد من المشاريع في مجال نشر الوعي بحقوق الطفل وبناء قدرات المتعاملين مع الأطفال للمساهمة بحماية حقوقهم.
وقالت معاليها، إن الأطفال هم المستقبل واستثمارنا في حمايتهم وتمكينهم استثمار في بناء مجتمع أكثر تماسكاً وازدهاراً، مؤكدة سعي الهيئة من خلال هذه الشراكة إلى رفع مستوى الوعي المجتمعي حول حقوق الأطفال، وتعزيز دور المتعاملين معهم لضمان بيئة صديقة وممكنة لهم، وسنعمل معاً على بناء قدرات العاملين في هذا المجال، وتوفير موارد إرشادية وتدريبية تسهم في حماية الأطفال، وتحقيق نموهم السليم ليصبحوا أفراداً فاعلين وقادة متميزين لمستقبل أكثر إشراقاً.
ويتعاون الطرفان بموجب الاتفاقية في إعداد وتطوير مواد إرشادية وتوعوية وتدريبية تسلط الضوء على حقوق الأطفال، وتتناول الجوانب المختلفة لحمايتهم وتعزيز رفاههم.
وتهدف الاتفاقية إلى بناء قدرات المتعاملين مع الأطفال، بما في ذلك أولياء الأمور والمعلمون ومقدمو الرعاية، وتزويدهم بالمعرفة والأدوات التي تمكّنهم من القيام بدورهم الفاعل في حماية حقوق الأطفال وضمان بيئة داعمة لنموهم.
من جانبه، أكد الطيب آدم أهمية هذه الاتفاقية في تعزيز الجهود المشتركة لتحقيق الأهداف التنموية المرتبطة بالطفولة، مؤكداً أن الشراكة مع هيئة تنمية المجتمع في دبي تعزز من مكانة دبي مركزاً ريادياً عالمياً في مجال حماية حقوق الإنسان، وأشاد بالتزام الإمارة بمبادرات تستهدف تمكين الأطفال من التمتع بحياة كريمة وآمنة.