بوابة الوفد:
2025-07-01@01:02:50 GMT

أنا ابن مين؟

تاريخ النشر: 27th, October 2024 GMT

 

 مطالبات بإصدار قانون لإثيات نسب اللقطاء.. وخبراء:لم يرتكبوا ذنباً.. فلماذا نقتلهم معنوياً؟ >> إخصائى الإرشاد النفسى والأسرى والتربوى:حياة اللقيط مليئة بالحزن والأسى والشعور بالنقص >> حقوقيون: التحليل الوراثى والبصمات الوراثية للطفل تحدد بدقة آباء مجهولى النسب >> أستاذ بجامعة الأزهر: ترك الأبناء أو إهمالهم تضييع للأمانة.

. والإسلام يجيز إصدار قانون لإثبات النسب

 

يبدو لك أن مشهد طفل صغير ملفوف فى قطعة قماش متروك أمام بيت أو مسجد أو ملقى فى صندوق قمامة، هو مشهد سينمائى يثير حزنك، أو مشهد خيالى فى إحدى الروايات، أو صورة من صور الحرب الدائرة فى بعض المناطق التى يشتعل فيها الصراع المسلح.. لكن الحقيقة أن هناك آلاف الأطفال «اللقطاء» أو «مجهولى النسب» فى مصر، عاشوا بالفعل ظروفاً مشابهة.

هؤلاء الأطفال ضحايا ظروف اجتماعية سيئة، ووحدهم يدفعون ثمن ذنب لم يرتكبوه، ما قد يخلق لديهم مشاعر الكراهية والعنف تجاه المجتمع كنوع من رد الفعل على المعاملة غير العادلة التى يتلقونها، رغم براءتهم الطفولية.

ولهذا تعالت فى الآونة الأخيرة مطالبات فى مصر بإصدار قانون لإثبات نسب الأطفال اللقطاء.

ويشير الحقوقى والباحث زيدان القنائى إلى أن الحكاية تبدأ غالباً فى العيادات الطبية، حيث يقوم بعض الأطباء باجراء عمليات ولادة للسيدات اللاتى ينجبن أطفالاً بطرق غير شرعية وعلاقات خارج إطار الزواج، وبعدها يتم التخلص من الطفل المولود بإلقائه فى أحد الشوارع.

وشدد القنائى على ضرورة إثبات نسب الأطفال اللقطاء داخل مصر باستخدام وسائل علمية متطورة وعلى رأسها التحليل الوراثى والبصمات الوراثية للوصول للأب الحقيقى وإجباره على الاعتراف بالأطفال وعمل شهادات ميلاد لهم.

وقالت ريهام عبدالرحمن، إخصائى الإرشاد النفسى والأسرى والتربوى، إن قضية الأطفال اللقطاء من أكثر القضايا الإنسانية إيلاماً وتعقيداً، حيث يعانى هؤلاء الأطفال من التهميش والإهمال بشكل غير إنسانى، حيث يترك الرضيع فى ظروف قاسية، ما يعرضه لمخاطر رهيبة مثل التعرض للكلاب الشاردة التى تنهشه بلا رحمة»

وأضافت" هذه الحوادث الفظيعة تعكس عجز المجتمع والنظام الاجتماعى عن توفير الحماية والرعاية لهؤلاء الأطفال الضعفاء.

وعن أسباب تزايد أعداد الأطفال مجهولى النسب أكدت ريهام عبدالرحمن أن هناك أربعة أسباب رئيسية وراء تزايد هذه الظاهرة، وهى الفقر والعلاقات غير الشرعية، العلاقات الجاهلية والجهل بالقوانين.. وقالت: «يعد الفقر من أبرز الأسباب التى تؤدى إلى انتشار هذه الظاهرة، حيث يعانى العديد من الأسر من ضيق المعيشة ما يسهم فى عدم قدرتها على رعاية الأطفال بشكل مناسب، كما تنجم بعض حالات مجهولى النسب عن علاقات غير شرعية، حيث يحاول أطراف العلاقة التخلص من الأطفال الناتجين عنها خوفاً من العار أو الفضيحة، وما زالت بعض العادات المتخلفة قائمة، حيث يرفض البعض الاعتراف بالإناث أو يتخلصون منهن بناء على معتقدات اجتماعية خاطئة، كما يشهد المجتمع جهلاً بمسائل النكاح والتبنى، مثل الزواج العرفى، ما يؤدى إلى تبنى أطفال ثم تركهم بعد اكتشاف الأحكام الشرعية المتعلقة بهم.

وأضافت: على الرغم من الرعاية والاهتمام الذى يتلقاه مجهولو النسب فى دور الأيتام، يعيش الطفل اللقيط حياة مليئة بالحزن والأسى، لا يمكنه التخلص من شعور النقص والاختلاف مقارنة بالأطفال الذين يعيشون مع عائلاتهم، ويتساءل يومياً من أنا؟ من هم أهلي؟ من أين أتيت؟ لماذا أشعر بالاختلاف عن الآخرين؟ لماذا أنا هنا بالذات؟ هذه الأسئلة والهموم ترافق الطفل اللقيط، أو مجهول النسب، منذ صغره حتى بلوغه.

وتابعت: هذا السياق يصبح من الضرورى إصدار قانون لإثبات نسب الأطفال اللقطاء ودراسة التدابير التى يمكن اتخاذها لتوفير حماية أفضل لهم وضمان حقوقهم الأساسية، مشيرة إلى أن هذه الخطوة ستسهم فى تعزيز استقرارهم العاطفى والنفسى، ما يقلل من مخاطر اضطرابات الهوية الجنسية، كما أن القانون سيفيد المجتمع بشكل عام من خلال معالجة ظاهرة أطفال الشوارع وتقديم الدعم والرعاية اللازمة لهم.

ويرى الدكتور أحمد سعد، أستاذ التربية بجامعة الأزهر، أن قضية رعاية الطفولة تشغل أهمية خاصة فى الفكر الاجتماعى المعاصر، وقال: وجدت ظاهرة اجتماعية ارتبطت بوجود الإنسان وتتثمل فى إنجاب أطفال من قبل رجل وامرأة لا تربطهما علاقة زواج شرعية أو عقد اجتماعى معترف به، ويطلق عليه فى مجتمعنا «الأطفال اللقطاء أو مجهولو النسب»، ويعيش معظم أبناء هذه الشريحة حياتهم إما فى الشارع أو فى داخل مؤسسات خاصة بالرعاية الاجتماعية، وقد تقوم بإدارة هذه المؤسسات جهات حكومية أو جمعيات أهلية يُودَع فيها الأطفال بسبب غياب أو فقدان الرعاية الأسرية.

وأوضح «سعد» أن هذه الفئة تعانى فى معظم الأحوال من مشكلات تتعلق بطبيعة عيشهم واندماجهم فى المجتمع، ومن بينها النظرة الإقصائية التى تركت فجوة واسعة بين هذه الفئة وبقية فئات المجتمع، ومن ثم عدم قدرتهم على الاندماج والتكيف داخل المجتمع؛ ولذلك ظهرت فى الآونة الأخيرة مطالبات بإصدار قانون لإثبات نسب الأطفال اللقطاء، وتبدو أهمية هذه المطالبات من حيث إن هذه الفئة من الأطفال يجب كفالتهم بصورة تحافظ على إنسانيتهم، كما يجب دعمهم والإسراع فى رعايتهم وإعادة تأهيلهم لدمجهم فى المجتمع ليكونوا أفراداً نافعين لهم ولوطنهم.

وأضاف: «يجب وضع تشريع يكفل كل المبادئ والحقوق اللازمة للطفل اللقيط؛ ومنها حقه فى الحياة والبقاء والنمو فى كنف أسرة، وحمايته من كل أشكال العنف أو الضرر البدنى أو المعنوى أو الإهمال أو التقصير أو غير ذلك من أشكال إساءة المعاملة أو الاستغلال، وحقه فى الحصول على خدمات الرعاية الصحية والاجتماعية، ومساعدته على إكمال تعليمه الدراسى، وتنمية شعوره بالثقة والإحساس بالكرامة والاحترام وتقدير الذات.. إلخ. ومثل هذا التشريع سيدعم سلامة المجتمع، كما يساعد على تكوين المجتمع المتطور المتوازن البعيد عن الانحرافات والأمراض الاجتماعية.. المجتمع القادر على الابتكار والتجديد فى الفكر والعمل.

وعن حكم الشرع فى تخلص بعض الأسر من أطفالها بإلقائهم فى الشارع.. قال الدكتور أحمد سعد: الشرع الحنيف يحرم إلقاء الأطفال فى الشوارع مخافة الفقر أو الفضيحة أو غير ذلك، فلا يجوز للأب أو للأم بأى حال من الأحوال ترك الأبناء أو التفريط فيهم أو إهمالهم وترك رعايتهم وتأديبهم، فذلك من قبيل تضييع الأمانة التى يأثم فاعلها، حيث قال النَّبِى صلى الله عليه وسلم: «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ... وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ».

أما عن رأى الدين الإسلامى فى هذا القانون إذا تم تشريعه وصدوره، فأكد أستاذ التربية بجامعة الأزهر أن صدور مثل هذا القانون جائز ولكن فى حدود الشرع ودون انتهاك للحرمات؛ وتوضيح ذلك يكمن فى مسألتين؛ المسألة الأولى: أن الأطفال اللقطاء ومجهولى النسب هم فى حكم الأطفال اليتامى لفقدهم والديهم، بل هم أشد حاجة للعناية والرعاية من معروفى النسب، لعدم معرفة قريب يلجأون إليه عند الضرورة، وعلى ذلك فإن من يكفل طفلاً من مجهولى النسب، فإنه يدخل فى الأجر المترتب على كفالة اليتيم؛ لقول الرسول (صلى الله عليه وسلم): «أنا وَكافلُ اليتيمِ فى الجنَّةِ كَهاتين، وأشارَ بأصبُعَيْهِ يعني: السَّبَّابة والْوُسْطَى». والحديث فيه دليل على أهمية وعظم الإحسان إِلى اليتامى ومن على شاكلتهم.

والمسألة الثانية تشير إلى أن جمهور العلماء يرون أنه لا يجوز شرعاً إضافة نسب الطفل اللقيط إلى من تبناه، وأن نسبة الولد إلى غير أبيه حرام شرعاً؛ لما فى ذلك من الكذب والزور، واختلاط الأنساب، وخطورة على الأعراض وتغيير مجرى المواريث بحرمان مستحق وإعطاء غير مستحق، ولما فيه إحلال للحرام وتحريم للحلال فى الخلوة والزواج وما إلى ذلك من انتهاك للحرمات، وتجاوز لحدود الشريعة، وفى ذلك قول الله تعالي: (وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِى السَّبِيلَ ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِى الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً).

ومن جانب آخر، أكدت دار الإفتاء المصرية على جواز منح الطفل المكفول لقب العائلة الكافلة، بحيث يظهر مطلق الانتماء للعائلة فقط، دون التدليس بأنه ابنه أو ابنته من صلبه. وحتى لا يدخل ذلك فى نطاق التبنى المحرم شرعاً يشترط أن تكون الإضافة لاسم العائلة للطفل اليتيم أو مجهول النسب مثل ارتباط الولاء الذى كان بين القبائل العربية قديماً، كما أكدت دار الإفتاء أن فى هذا جانباً من التكريم وشيئاً من المصلحة للطفل اللقيط أو مجهول النسب، كما يضيف إلى حياته كثيراً من الأمان والاستقرار والأمل.

وأوضح أيمن محفوظ المحامى أهمية الأوراق الثبوتية للأطفال والحقوق القانونية المرتبطة بها، قائلا: يحق لأى إنسان أن يكون لديه شهادة ميلاد ورقم قومى وأوراق ثبوتية تكشف عن هويته وجنسيته، هذه الأوراق لا تقتصر على إثبات الهوية بل تحدد أيضاً الحقوق الشرعية، مثل الحق فى الميراث. ووفقاً للدستور المصرى فى المادة 80، يعترف بكل شخص لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره كطفل، ويحق له الحصول على اسم وأوراق ثبوتية وتطعيمات مجانية ورعاية صحية وأسرية أو بديلة، وتغذية أساسية، ومأوى آمن، وتربية دينية، وتنمية وجدانية ومعرفية.

وفى حال وجود نزاع على نسب طفل من علاقة غير شرعية، أكدت المحكمة الدستورية العليا على حق المولود فى الحصول على رقم قومى مؤقت حتى يحسم النزاع بين الأم والعشيق. بالنسبة للأطفال اللقطاء، الذين يتم العثور عليهم فى الشوارع دون معرفة أهلهم، فإن من حقهم أيضاً الحصول على أوراق ثبوتية تصدر لهم بأسماء مختارة، وتكفل الدولة برعايتهم.

وأوضح «محفوظ» أن جريمة إلقاء الأطفال فى الشوارع تعتبر جريمة خطيرة بموجب المادتين 285 و286 من القانون، حيث يعاقب كل من يعرض طفلاً لم يبلغ سن السبع سنوات للخطر بالحبس لمدة لا تزيد على سنتين. وإذا نتج عن ذلك وفاة الطفل أو إصابته بعاهة مستديمة، تتراوح العقوبات بين السجن والإعدام.

وقال: فيما يتعلق بجرائم الإجهاض أو الجرائم المرتبطة بمهنة الطب، فإن العقوبات تختلف حسب الجريمة، وتتراوح بين الحبس والغرامة، بالإضافة إلى عقوبات إدارية مثل وقف الطبيب عن العمل أو غلق عيادته. من الضرورى تسريع إصدار قانون المسئولية الطبية الذى يحدد بوضوح مسئولية الأطباء عن الأخطاء الطبية بشكل عام.

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: طفل صغير صندوق قمامة

إقرأ أيضاً:

"الترندات".. بين التأثير الرقمي والتحولات الثقافية

 

 

د. أحمد بن موسى البلوشي

أصبحت كلمة "ترند" جزءًا أساسيًا من مُفردات العصر الرقمي، فهي تعبر عن الاتجاهات أو المواضيع الرائجة التي تنتشر بسرعة واسعة على الإنترنت، خاصة على وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة. وعلى الرغم من أن الترندات تبدو في ظاهرها سطحية أو مؤقتة، إلا أنها تعكس تحولات أعمق في الثقافة، والرأي العام، والسلوك المجتمعي.

ويُعدّ الترند نتيجة تفاعل مُعقد بين العقل الجمعي للمجتمع، وتكنولوجيا المنصات الرقمية، والظروف الاجتماعية والسياسية، فهو ليس مجرد "ضجة" مؤقتة، بل مرآة آنية تعكس أولويات المجتمع واهتماماته وحتى صراعاته، والتفسير المنطقي لهذه الظاهرة يقوم على فهم الترند بوصفه ظاهرة اجتماعية ونفسية وتقنية في آنٍ واحد، حيث لا يظهر الترند بشكل عشوائي، بل ينشأ نتيجة تفاعل ديناميكي بين ما يحدث على أرض الواقع، وما يشغل الناس من قضايا وهموم، وطريقة استجابتهم وتفاعلهم مع هذه القضايا عبر الوسائط الرقمية المختلفة.

تشمل الترندات الرقمية محتويات مرئية رائجة، وتحديات شبابية، وقضايا تثير الجدل العام، إضافة إلى عبارات أو مقاطع قصيرة تنتشر بسرعة لعدة أيام عبر منصات التواصل الاجتماعي. وغالبًا ما تكون هذه الترندات مرتبطة بشخصيات معروفة، أو أحداث محلية وعالمية لافتة، أو مواقف طريفة وساخرة تحظى بتفاعل واسع. إلّا أن هذه الظاهرة لا تقتصر على الترفيه، بل تعكس في كثير من الأحيان قضايا أعمق تهم المجتمع وترتبط به. وتزداد وتيرة تفاعل المجتمع مع هذه القضايا عندما تقع أحداث مفصلية سواء داخل المجتمع أو خارجه. ومن الملفت أن فئة الشباب، باتت تؤدي دورًا بارزًا في توجيه هذه الترندات، من خلال إنتاج محتوى يتميز بالجرأة والوعي الاجتماعي، ويعبّر عن قضاياهم وتطلعاتهم بأسلوب يعكس روح العصر وثقافة المشاركة.

تأثير الترندات على المجتمع أصبح ملموسًا وعميقًا، خاصة في ظل الانتشار الواسع لمنصات التواصل الاجتماعي واعتماد فئات المجتمع، لا سيما الشباب منهم، على هذه الوسائط كمصادر أساسية للمعلومة والتوجه والرأي. ففي جانبها الإيجابي، توفر الترندات وسيلة فعّالة للتعبير والمشاركة، وتلعب دورًا مهمًا في تسليط الضوء على قضايا مجتمعية مهمة.

ومع ذلك، فإن هذه الترندات لا تخلو من أخطار ومشاكل، خاصة عندما تكون مبنية على معلومات غير دقيقة، أو توجهات سطحية، أو محتوى مثير فقط لجذب التفاعل، في هذه الحالات، يمكن أن تروج الترندات لمفاهيم مشوشة أو مغلوطة، وتؤثر على وعي المجتمع بطريقة سلبية، حيث تصبح القضايا الجادة مجرد "موضة رقمية" سرعان ما تُنسى دون أثر حقيقي.

ويُعد التأثير الأكبر للترندات واضحًا على فئة الشباب، الذين يتأثرون بسرعة بمحتوى المؤثرين والشخصيات الرقمية، ما قد يؤدي إلى تبني سلوكيات أو قناعات لا تتماشى بالضرورة مع قيم المجتمع أو مع السياق الثقافي المحلي. كما إن سرعة التغيير في الترندات يمكن أن تخلق نوعًا من الضغوط النفسية والاجتماعية، خاصة بين المراهقين، الذين يسعون دائمًا لمواكبة ما هو رائج خوفًا من التهميش أو "الخروج عن السرب".

وعلى المستوى المجتمعي الأوسع، قد تُحدث الترندات فجوة واضحة بين الأجيال؛ فبينما يرى الجيل الأكبر سنًا أن بعض الترندات تافهة أو غير مفهومة ولا تتناسب مع قيمهم ومعتقداتهم، يعتبرها الشباب وسيلة للتواصل والتعبير. هذه الفجوة قد تؤدي إلى سوء فهم أو ضعف في الحوار بين الأجيال، مما يعزز الشعور بالانعزال والانقسام الثقافي داخل الأسرة والمجتمع.

التعامل مع الترندات في عصر الانفجار الرقمي لم يعد خيارًا هامشيًا؛ بل أصبح ضرورة ثقافية وتربوية ملحة، خصوصًا مع تسارع المحتوى وانتشاره بشكل غير مسبوق. وهذا يفرض على الأفراد، لا سيما فئة الشباب، امتلاك أدوات الوعي والتفكير النقدي التي تمكّنهم من التفاعل الذكي والمسؤول مع هذه الظاهرة. فليس كل ما ينتشر يستحق المتابعة أو التفاعل؛ إذ قد يُضخَّم الترند لأسباب تجارية أو دعائية أو نتيجة سلوك جماعي غير مدروس. لذلك، لا بُد من التوقف عند كل محتوى رائج وطرح تساؤلات جوهرية: ما الهدف من هذا الترند؟ ما الرسائل التي يُراد إيصالها؟ وهل تنسجم مع السلوك، والقيم، والمبادئ الشخصية ،والمجتمعية؟

إن امتلاك هذا النوع من التفكير يساهم في تحصين الأفراد من الانسياق الأعمى، ويمنحهم القدرة على اتخاذ مواقف مستقلة وواعية. ومن جهة أخرى، فإن الترندات لا يجب أن تكون وسيلة للهروب أو التسلية فقط، بل يمكن استثمارها في دعم التعليم، وتعزيز الوعي، وخدمة قضايا مجتمعية مهمة، شريطة التحقق من صحة المعلومات المتداولة وتجنّب الوقوع في فخ الأخبار المضللة، خاصة في الترندات ذات الطابع السياسي أو الإنساني أو الصحي. فالتثبت من المصدر والرجوع إلى الجهات الموثوقة خطوات أساسية لحماية الفرد والمجتمع من التضليل الرقمي. والأهم من ذلك، أن صناعة الترند لم تعد حكرًا على وسائل الإعلام أو المشاهير؛ بل أصبحت فرصة لكل فرد لإحداث أثر إيجابي، عبر الإبداع في طرح الأفكار وتسليط الضوء على المبادرات البنّاءة والقيم التربوية بأساليب مؤثرة وجاذبة. فالمحتوى في حد ذاته قوة، وحسن توجيهه يمثل مسؤولية أخلاقية وثقافية يمكن أن تصنع فرقًا حقيقيًا في الوعي المجتمعي.

وأخيرا نقول إن الترندات التي نراها اليوم لم تعد مجرد "موضة عابرة" تُستهلك بسرعة وتُنسى، بل أصبحت تمثل مؤشرات دقيقة على ما يشغل عقول الناس، وما يثير اهتمامهم، وما يعبر عن قيمهم وتوجهاتهم في لحظات معينة. إنها أشبه بعدسة مكبرة تُظهر نبض المجتمع، سواء من خلال ما يُضحكنا، أو يُغضبنا، أو يدفعنا للتعاطف أو التضامن؛ فالترند قد ينشأ من موقف فردي بسيط، لكنه يتحول إلى حراك رقمي واسع يكشف عن تطلعات أو مخاوف جماعية.

وهنا تظهر مسؤوليتنا كمواطنين ومستخدمين وفاعلين في الفضاء الرقمي: لا يكفي أن نتابع أو نعيد نشر الترندات فقط بدافع الترفيه أو التسلية؛ بل ينبغي أن نتعامل معها بوعي نقدي وقدرة على التمييز بين ما هو سطحي عابر، وما هو عميق يستحق التفاعل الجاد. المشاركة الفعالة تعني استخدام الترند كمنصة لتوصيل صوت، أو إيصال رسالة، أو دعم قضية نبيلة، أو تحفيز حوار مجتمعي بنّاء؛ فبدلًا من أن تكون الترندات أداة للتشتيت أو الاستهلاك السريع، والسخرية، يمكن أن تصبح وسيلة للتأثير الإيجابي وصناعة الوعي.

مقالات مشابهة

  • المقاومة الشعبية السودانية إلى أين يجب أن تتجه
  • العمل التطوعي.. ضمير المجتمع ونهضته الصامتة
  • التعليم في ميزان المجتمع
  • قوة المجتمع في ترابطه الأسري وتماسكه
  • كارثة صحية جديدة في غزة.. 35 حالة حمى شوكية في مجمع ناصر
  • “اليونيسيف”: ما يحصل في غزة عار على المجتمع الدولي
  • "الترندات".. بين التأثير الرقمي والتحولات الثقافية
  • الجمارك تباشر بتنفيذ قرار تخفيض ضريبة السيارات
  • ارتفاع عدد الشهداء الأطفال نتيجة سوء التغذية في قطاع غزة
  • الجزيرة ترصد أوضاع الأطفال مع سوء التغذية والجفاف في مستشفيات القطاع