لحن التجربة الإنسانية
تاريخ النشر: 27th, October 2024 GMT
هند الحمدانية
تُقاوِمُ الموسيقى لتساندَ الحق وتُناضل في سبيل الحرية، ولتفتح بابًا لذكرياتٍ وصور وأصوات ظنَّناها خفتت دون عودة، تُقاوِم في عالمٍ أصبح يحترف الظلم والكبت واغتيال الحقائق؛ فتنبثقُ ألحانها مُحتلةً الفضاءات والمسامع؛ لتُشكِّل بمقاومتها المشروعة سلاحَ النور الذي يُعالِج أوجاع الإنسانية، ويَحِنُ على أفئدةٍ أثقلتها المُعاناة الطويلة؛ فهي دواءٌ فعّال في عالمنا المُعاصر لأولئك الذين يُعانون من الحبسة التعبيرية؛ حيث يفقدون قدرتهم الجزئية أو الكلية على التعبير أو الكلام، تُجبرهم في نهاية المطاف على الصراخ الطويل داخل صمت عقولهم المُحكَمة.
تخلقُ الموسيقى مسارًا بديلًا في أدمغتنا لنستشعر الأمان والأمل والدفء والاستمرار، فتربطنا بأنفسنا أولًا ثم بالآخرين لنحيا لحن التجربة الإنسانية، رغم الأسوار والحدود وتعدُّد اللُغات.
نتعمقُ في هذا المقال في تجربة موسيقية جديدة على الأغنية العربية والعُمانية.. إنِّها "ثلاثية غزَّة" بتركيبتها الفريدة للموسيقار العُماني الدكتور ناصر الطائي، والتي أطلقها للمرة الأولى خارج سلطنة عُمان، على مسرح الجمهورية بالعاصمة المصرية القاهرة في حفل فخم قاد الأوركسترا فيه المايسترو المصري جورج قُلته، وقدمتها السوبرانو المصرية أميرة أحمد والفنانة السورية لينا شماميان. وشكَّلت الثلاثية فلسفةً عميقةً وملحمةً إنسانيةً؛ حيث تتداخل ثلاث أغانٍ عضويًا؛ لتُشكِّل جسدًا بفكرٍ عربيٍ، تقوده أوركسترا على الطراز الغربي؛ حيث يسري نفس اللحن الموسيقي من منتصف الأغنية الأولى لينطلق مُجددًا من منتصف الأغنية الثالثة، مُشكِّلًا وحدةً ثلاثيةً في الموسيقى وارتباطًا دراميًا بين كلمات الأغاني الثلاثة.
وجاءت الأغنية الأولى "غزَّة هاشم" للشاعر الفلسطيني محمد العمور، تجسيدًا لـ"طوفان الأقصى" بمقدمتها الموسيقية التي مثَّلت طقوسَ الحرب بأبواقها النحاسية العالية وكلماتها الأبيّة: "حدثني عن غزَّة هاشم.. عشيقة الشهداء.. وعن سر الشموخ فيها والإباء.. وعن من أتاها.. ليستنشق العزة من هواها.. ويُقَبِّل ثراها.. ويتعلم معاني المجد.. من صغارها الأبرياء...". ثم الأغنية الثانية "روح الروح" لمؤلفها الدكتور ناصر الطائي، والتي احتضنت مشاعر الحزن والفقد على "روح الروح" فتقول: "روح الروح.. يا قلب مجروح.. طفيتي الشمع.. وتركتي الروح". ليختم المشهد الغنائي بالأغنية الثالثة: "وحيدة غزَّة" للشاعر العُماني الكبير سماء عيسى، والتي جسّدت الموت (الشهادة) فتقول: "وحيدة غزَّة.. وحيدة تنام وحيدة تستيقظ.. في وسط الظلام....".
تُعزَف نبضات الموت إلى أن تنتهي نبضات القلب في سبيل غزَّة فقط، وفي كل مرة تقول "وحيدة غزَّة" تسكت الأوركسترا الصاخبة المكوَّنة من أكثر من 50 شخصًا، فيُفقَد الصوت الإنساني معها؛ وذلك تعبيرًا عن مُعاناتها ووحدتها في الحياة والموت.
لقد أعاد الموسيقار الطائي في "ثلاثية غزَّة" رَسْمَ خارطةِ طريقِ الأغنية العُمانية، والتي ظلّت طيلة مرحلة تأسيسها لأكثر من 50 عامًا مُقنَّنة في قالبِ الأغنيةِ الوطنيةِ، والتي تُقدَّم في المناسبات الوطنية لا أكثر. لذا آن الأوان لأن نُحدِّد ونرسم معالم خارطة أغنية عُمانية جديدة، تحملُ مزيجًا من المشاعر الإنسانية التي يعيشها الإنسان العُماني من أملٍ وألمٍ وحبٍ وحزنٍ وشوقٍ وتطلعاتٍ عميقةٍ لما يشعر به العُماني تجاه ما يجري حوله من أحداث وصراعات إنسانية يؤثر ويتأثر بها.
ومِثل هذا الشكل الجديد من الأغاني يكسر القيود؛ حيث تَجرَّدَ من الارتباط بمناسبة أو التغني بأشخاص مُعينين، وفي المقابل، تبلور حول مُعاناة الناس ومُلامَسة مشاعرهم وأحاسيسهم الإنسانية؛ لذلك يبقى هذا النوع من الأغاني خالدًا لعشرات السنين. ولاحظنا كذلك عودة للأغنية الطويلة، والتي تحمل بين أجنحتها مشاعرَ متعددةً وعميقةً، وقد تحملُ رُوحًا حائرة بين القوة والانكسار، وبين الأمل والخيبة، وبين الحزم والحنين. كل هذه المشاعر المُتداخِلة مع بعضها البعض تحتاج لأكثر من ثيمة موسيقية واحدة؛ فنجد أن المُقدِّمة الموسيقية ترسم الإطار العام، وبعد ذلك يدخل الصوت الإنساني ويمتزج مع اللحن. وهناك مقطوعات موسيقية مختلفة بين الفواصل، ثم مقطوعة ختامية تُنهي العمل، في محاولة إبداعية لترتيب المعادلة الموسيقية في الغناء العربي؛ حيث اعتدنا أن يكون للصوت الإنساني المقام الأول في الأغنية، ومعه تخفُت بقية الأصوات. لكن في هذه الملحمة، أصبح الصوت الإنساني واحدًا من خمسين صوتًا موسيقيًا آخرَ، تكاملتْ جميعًا لتنتصرَ الموسيقى واللحن في نهاية الملحمة، كفنٍ مُتكامِل لا يحتاج إلى لُغة مكتوبة، وليتحول إلى جسرٍ إنسانيٍ مُعبِّرٍ عن كل شعوب العالم الحُر.
إنَّ "ثلاثية غزَّة" عملٌ إنسانيٌ عميقٌ انسجمت فيه الألحان والمشاعر، من "غزَّة هاشم" عشيقة الشهداء ورفيقة المقاومين الأوفياء، إلى الفقد الموجع والمُتواصل لـ"روح الروح" وفلذات الأكباد، وانتهاءً بـ"وحيدة غزَّة"، وحيدةٌ منذ سبعين عامًا، وحيدة تنام، ووحيدة تقاوم، ووحيدة تجابه الموت، ووحيدة تُلملِم أشلاء أحبتها، ووحيدة تنتصرُ بالشهادة.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
بعد نجاح التجربة بفاو بحرى..مزراعو قنا يتنافسون لزراعة أراضيهم بـ"البنجر"
تحقيق نتائج إيجابية لزراعة محصول البنجر، دفع الكثير من المزارعين في قرية فاو بحرى التابعة لمركز دشنا شمال قنا، إلى التنافس لزراعة أراضيهم بمحصول البنجر الجديد عليهم، لصالح مصنع أبوقرقاص، ليحل ضيفاً جديداً في أراضى قنا ويساهم في دعم جهود الدولة المصرية لزيادة كميات السكر، لتلبية الاحتياجات المتزايدة والحد من فاتورة الاستيراد.
تجربة زراعة البنجر بأراضى قنا، بدأت منذ 3 أعوام بزمام منطقة الياسينية بقرية فاو بحرى، على مساحات صغيرة، لكنها سرعان ما وصلت إلى 80 فدان، ومتوقع لها أن تصل ما بين 500 إلى 1000 فدان هذا العام، وفقاً لتوقعات شركة السكر، بعدما حقق المحصول نتائج طيبة للأراضى والمزارعين على حد سواء.
بدأنا التجربة منذ 3 أعوام
قال المهندس بسام محمد، مهندس بمصنع سكر دشنا ، تشتهر محافظة قنا بزراعة محصول قصب السكر، الذى تعد الأولى في انتاجه على مستوى الجمهورية، لكن من منطلق حرص شركة السكر وتنفيذاً لتوجيهات الدولة بضرورة زيادة كميات المنتجة من السكر، بدأنا نتوسع في زراعة محصول البنجر في كل المحافظات ومنها محافظة قنا التي تشهد تجربة جديدة لزراعة بنجر السكر بدأت منذ 3 أعوام، وتتزايد المساحة المنزرعة عاماً بعد آخر.
مستشفى قنا العام يجرى26عملية قسطرة قلبية بالتعاون مع جامعة عين شمس جامعة جنوب الوادي بتصنيف التايمز للتخصصات العلمية البينية في أول إصدارات 2025
وتابع محمد، تجربة زراعة البنجر بدأت في زمام منطقة الياسينية التابعة لقرية فاو بحرى بمركز دشنا، بمساحة صغيرة إلى أن وصلت إلى 58 فدان، والمساحة في تزايد مستمر، بعدما شاهد المزارعين المزايا والفوائد التي تعود عليهم مادياً خلال فترة قصيرة مقارنة بمحصول القصب، حيث يحقق الفدان الواحد عائد مادى يمثل أضعاف ما ينفقه المزارع على الأرض، وهو ما دفع الكثير من المزارعين للاستفادة من المبادرة التي تقدمها شركة السكر لزراعة أراضيهم بالبنجر.
البنجر يمتص الأملاح الزائدة بالتربة
واستطرد محمد، فضلاً عن الفوائد التي تعود على الأرض الزراعية، بعد حصاد محصول البنجر، حيث يمتاز بقدرته الفائقة على امتصاص الأملاح الموجودة في التربة وتقويتها، لتكون على قادرة على زراعة أي محاصيل أخرى خلال بقية العام، وخاصة محصول القصب الذى يحتاج إلى تربة قوية تتحمل فترة بقاء المحصول في الأرض والتي تصل لعام كامل.
متوسط انتاج الفدان 58 طن
وأضاف مهندس شركة السكر، بأن أول تجربة لزراعة البنجر بزمام الياسنية، أنتجت 54 طن للفدان، والعام الماضى 58 طن للفدان بناتج سكر 20، وحقق مكاسب وأرباح مضاعفة للمزارعين، ونعتمد على 3 أصناف حتى الآن " حسام وهو صنف ألمانى، ينتج متوسط 58 طن، وتريبلى بمتوسط انتاج 54 طن، وBTS للأراضى التي تعانى من سوء صرف ويتم تجربته حالياً".
وأشار محمد، إلى أن زراعة محصول البنجر لا يهدف لإلغاء زراعة محصول قصب السكر، لكن الهدف استثمار المساحات الفارغة والجاهزة لزيادة الكمية المنتجة من السكر في البلد والمزارع شريكنا في هذا الأمر، كما أن زراعة البنجر تساهم في تهيئة الأرض لمحصول القصب، مضيفاً بأن الشركة تتحمل تكلفة نقل المحصول والمزارع لا يعانى من أي شيء في النقل أو صرف المستحقات التي تحول بشكل سريع في الحساب البنكى للمزارع.
محصول البنجر البنجر7 البنجر6 البنجر5 البنجر3 البنجر2 البنجر4