لماذا كانت الضربة الإسرائيلية على إيران «محدودة»؟
تاريخ النشر: 27th, October 2024 GMT
تباينت التحليلات حول الدلالات السياسية والعسكرية التي يمكن فهمها من أسلوب الضربة الإسرائيلية على إيران و«محدوديتها» فجر يوم السبت الماضي، لكن المؤكد أن إسرائيل ما كانت تجرؤ على أكثر مما أقدمت عليه بعد أن شاهدت ردة الفعل الماضية لإيران مطلع الشهر الجاري، ولا يبدو أن إيران سترد على الضربة الأخيرة خاصة أنها قللت من شأنها كثيرا؛ لكن هذا لا يعني أن المواجهة قد انتهت؛ فرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يتطلع إلى نتيجة الانتخابات الأمريكية فـي الخامس من نوفمبر القادم وفـي ضوء تلك الانتخابات يمكن أن يعود إلى استفزازاته بهدف جر إيران إلى مواجهة أكبر تدخل فـيها أمريكا طرفا أساسيا.
الواضح أن أمريكا التي حاولت كبح جماح إسرائيل من توجيه ضربة استراتيجية تستهدف المنشآت النووية الإيرانية وكذلك منشآت النفط لا يمكن أن تتخلى عن دعم إسرائيل حتى لو بدت أنها ضد توجيه ضربة لإيران. وتعتمد أمريكا فـي موقفها الرافض للضربة على ثلاثة مؤشرات: الأول، أنها تعرف القدرات العسكرية الإيرانية التي لم تستخدمها بعد وتعرف بشكل دقيق المرحلة التي وصلت لها إيران فـي تخصيب اليورانيوم. أما المؤشر الثاني فإنها لا تريد تبعات اقتصادية تنعكس عليها سلبا سواء من أثر الضربة الإسرائيلية على إيران أم من ردة الفعل الإيرانية على المنشآت الحيوية فـي حوض الخليج العربي. أما السبب الثالث وهو بعيد المدى فإن أمريكا لا تريد عداء حضاريا مع الشعب الإيراني منطلقة من فكرة أن ثمة مساحة فـي التوجهات بين الإدارة الإيرانية وبين عامة الناس؛ فأمريكا ما زالت تعتقد أن يوما سيأتي ليس بعيدا تعود فـيه العلاقات الأمريكية الإيرانية إلى ما كانت عليه أيام الشاه!
أما التصعيد بين إيران وبين إسرائيل فهو ليس وليد هذه الحرب، ولكنه يعود إلى نهايات سبعينيات القرن الماضي، وهذا العداء يكشف ما يمكن تسميته «بالغباء السياسي والاستراتيجي» من الجانب الإسرائيلي؛ لأنه لا ينظر إلى الجانب التاريخي لإيران ومركزيتها الجغرافـية فـي منطقة الشرق الأوسط. وفـي الحقيقة لا تملك إسرائيل فـيما يبدو هذه النظرة فهي نفسها سياق طارئ ودخيل على المشهد الجغرافـي.
لكن نتنياهو ينفذ الآن نفس السياسة التي دأبت أمريكا على تنفـيذها منذ قرابة أربعة عقود وهي التخويف من إيران وتصويرها باعتبارها الوحش المتوثب لالتهام المنطقة بأكملها، التهامها أيديولوجيا وسياسيا وكذلك جغرافـيا؛ ولذلك توحي تحركات نتنياهو بأنه يسعى لاستغلال الخطر الإيراني كذريعة لتبرير سياساته المتطرفة، وتعزيز مكانته السياسية فـي الداخل الإسرائيلي.
لكن هذه السياسات لم تحقق سوى نتائج عكسية، حيث تسببت فـي تآكل الصورة الذهنية التي حاولت إسرائيل رسمها على مدار عقود، بوصفها قوة إقليمية مسؤولة تدافع عن مصالحها دون تجاوز الخطوط الحمراء الدولية وبوصفها الديمقراطية الوحيدة فـي الشرق الأوسط التي ترعى وتحمي حقوق الإنسان.. هذه السردية سقطت إلى الأبد. ورغم أن البعض يعتقد أن تأثير هذا السقوط ليس كبيرا بحجم الطموحات إلا أن تغيير الصورة الذهنية الجمعية فـي العالم لا تحدث فـي غمضة عين رغم حجم التغيير الحقيقي ولكن على العالم العربي وعلى الفلسطينيين بشكل خاص أن يبنوا على كل ما تحقق من أجل حلم المستقبل والمآل الوحيد للقضية الفلسطينية الذي لا بد أن يأتي ذات يوم.
لا يمكن أيضا هنا تجاوز الدور الروسي فـيما حدث فجر السبت، حيث أبدت روسيا دعما واضحا لإيران وحذرت من التفكير فـي توجيه ضربات للمنشآت النووية الإيرانية. هذا التهديد الروسي يعكس التزام موسكو بالحفاظ على إيران بصفتها لاعبا أساسيا فـي المنطقة، وهو ما يجعل من الصعب على إسرائيل تنفـيذ خططها دون مواجهة تداعيات دولية خطيرة.
علاقة روسيا بإيران تتجاوز المصالح الآنية، فهما شريكان فـي أكثر من ملف، من بينها التنسيق فـي سوريا، ومواجهة الضغوط الغربية المشتركة. لهذا، فإن أي محاولة إسرائيلية لضرب إيران تعني تهديدًا للمصالح الروسية فـي المنطقة، مما قد يدفع موسكو إلى اتخاذ خطوات مضادة تتجاوز التحذيرات الكلامية.
يمكن فـي هذا السياق فهم التعقيدات الكبيرة التي أحاطت بالضربة الإسرائيلية على إيران والتي جاءت محدودة كما وصفتها إيران نفسها، وهي كذلك بناء على ما وضح من آثارها الميدانية.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الضربة الإسرائیلیة على إیران
إقرأ أيضاً:
إيران في مواجهة التحدي: كيف أفشلت الضغوط الأمريكية والإسرائيلية؟
يمانيون – متابعات
عبثا تحاول أمريكا وربيبتها “إسرائيل” تغيير المعادلات الإقليمية بردع الجمهورية الإسلامية وتحييدها بالقوة، وبمختلف أشكال الضغوط السياسية والاقتصادية والعسكرية، على أمل الانفراد بباقي الجبهات والتفرغ لها بعد الفشل الذريع والتهديد الوجودي الذي سببته جبهتا غزة ولبنان، ولا سيما بعد انتقال لبنان إلى مرحلة من الحرب المفتوحة عنوانها إيلام العدو وكسر غطرسته وإيقاظه من أوهامه.
لقد شكّل العدوان الصهيوني الأخير حلقة في هذه السلسلة الطويلة اليائسة من ثني ايران عن خياراتها وتوجهاتها التي قامت ثورتها الإسلامية عليها بالأساس. وشكّل الموقف الايراني من هذه الضربة تأكيدًا جديدًا للثبات الإيراني؛ حيث تعهدت بعدم تمريره وعدم السماح بترك اليد الطولى للصهاينة ومن يديرهم ويدعمهم.
كما أنّ لكل عدوان أو عملية عسكرية رسالة سياسية، فقد كانت الرسالة الموجهة لإيران باختصار، أن العدو يستطيع الوصول إلى إيران عبر مختلف المسارات الجوية، فعليها أن تنزوي وتكمن وراء حدودها وتؤثر السلامة وتترك الإقليم للصهاينة يرتعون به، ليشكلّوا “إسرائيل الكبرى” الموهومة.
لكنّ إيران تفطن جيدًا إلى أن الضربة، والتي لم تستهن بها، هي ضربة جبانة وخجولة أيضًا، لا ينبغي تضخيمها. وقد جاءت بهذا الشكل بسبب القوة والاقتدار والجرأة وعدم الخشية من التهديدات والتهويلات وعدم الرضا بالمذلة، وهو ما انعكس على موقفها الحاسم بأنها لن تمرر العدوان، ولن تتنازل عن مواقفها الداعمة للمقاومة.
نستطيع القول إن إيران، ومنذ تصديها للضربة الصهيونية عبر يقظتها وعبر دفاعاتها، ومنذ الساعات الأولى بعد الضربة، قامت بالاستعداد للرد بمختلف المسارات، الدبلوماسية والقانونية والعسكرية. فقد رممّت دفاعاتها سريعًا، واتخذت المواقف القانونية اللازمة لتثبيت حقها بالرد ومواجهة الكذبة الكبرى بأن العدوان الصهيوني كان ردًا على هجوم إيران القوي، والذي كان بالأساس ردًا مشروعًا على عدوان في عقر دارها. كما أوصلت رسائل الصمود والثبات اللازمة، في مستوياتها السياسية والعسكرية المختلفة، وحثت دول الجوار على اتخاذ المسلك نفسه تجنبًا لاستهدافات جديدة في المسار ذاته.
في هذا الصدد؛ من المهم إلقاء الضوء على بعض النقاط الخاصة بالسيناريوهات المتوقعة والإجراءات المتخذة:
1- لا يجب استبعاد تكرار الهجوم الصهيوني الغادر، وخاصة وأن هناك تسريبات رشحت حول نية الصهاينة للقيام بهجوم جديد، وهو ما كشفته “القناة 13” الإسرائيلية، نقلاً عن مصادر مسؤولة في الحكومة الاحتلال، من أن “إسرائيل” تخطط لتوجيه ضربة ثانية لإيران ردًا على استهداف منزل نتنياهو في قيساريا قبل أيام. وممّا لا شك فيه أن العدو لو لمس أي مؤشرات للضعف أو التردد؛ لن يتردد عن العدوان.
2- نجحت التهديدات الايرانية الجادة والصادقة في قطع الطريق على استخدام أجواء الخليج في الهجوم على إيران بعد الجولات الدبلوماسية والرسائل لهذه الدول؛ بأن إيران سترد على مصادر العدوان والجهات التي تنطلق منها، وهو ما أجبر العدو على اتخاذ مسار بديل عبر العراق لإحراج ايران على خلفية علاقاتها الوثيقة مع العراق. وهذا ما جرت مواجهته بتقديم العراق شكوى رسمية للأمم المتحدة لتحويل التهديد إلى فرصة لإلقاء الضوء على عدوان أميركا والصهاينة على العراق، فضلًا عن إلقاء الضوء على الوجود غير الشرعي لأميركا على أراضي العراق، على أساس أن الاختراق حدث بسبب الاحتلال الأمريكي وتسهيلاته للطائرات الصهيونية استغلالاً لنطاق هيمنته هناك.
3- حرصت إيران على تثبيت حقها وتوعدها بالرد عبر مستوياتها المختلفة، إبرازًا وتأكيدًا، لوحدة إيران وقطع الطريق على الرهانات والدعايات الكاذبة بوجود خلافات أو تباينات بين أجنحة سلطتها في أسلوب المواجهة مع الصهاينة. فقد توعّد الإمام السيد القائد الخامنئي والرئيس الايراني وكذلك الخارجية الايرانية وقائد الحرس الثوري، في مضمون واحد في جميع التصريحات والمواقف. وهو عدم السماح للعدو بكسر التوازن والمعادلات، وعدم تمرير أي عدوان على كرامة إيران وشعبها وسيادتها من دون رد، وأن العدو يخطئ في حساباته وسيتلقى عقابًا مريرًا على أخطائه.
الخلاصة، أن الموقف الإيراني من العدوان جاء بنتائج عكسية لما أراده الأمريكي والصهيوني، فقد أعاد الكرة إلى الملعب الإيراني، وبات العدو في حالٍ من التأهب والاستنفار؛ لا يعلم كيف ومتى ستسهدفه إيران ردًا على عدوانه. كما نجحت إيران في معركتها السياسية بإفساد الدجل الصهيوني الرامي إلى الإيحاء بأن العدوان كان دفاعًا عن النفس، وامتلكت شرعية حق الرد قانونًا، وفتحت أبوابًا من المشكلات الشرعية الدولية أمام الكيان وأميركا عبر دخول العراق طرفًا رئيسًا بعد انتهاك العدو لسيادته.. كما اتخذت إيران تدابير عسكرية أوصلت رسائل جادة للعدو أنها رممت أثار الضربة، وتجهز للرد عليها، وهو ما يعمق أزمة الكيان الأمنية والعسكرية، والتي تفاقمت بسبب غرقه في وحول في لبنان وما تذيقه إياه المقاومة اللبنانية من ويلات يومية، وهو ما أعاد الكرة إلى الملعب الإيراني الأمين والحكيم، والذي قد يستغل هذا الحق في الرد للضغط على الصهاينة ورعاتهم بوقف إطلاق النار، والذهاب إلى هزيمة ناعمة قبل الدخول في الهزائم الخشنة والمدمرة.
————————————————-
– موقع العهد الاخباري – إيهاب شوقي