لجريدة عمان:
2024-12-26@08:18:09 GMT

التعايش.. حالة من التكامل الاجتماعي

تاريخ النشر: 27th, October 2024 GMT

تدور المناقشة هنا حول محورية العلاقة بين مدنية المجتمعات وتقليديتها، وهي علاقة قد تكون طردية عند فهم البعض، وقد تكون عكسية عند فهم البعض الآخر، ويحل الاختلاف فـي هذا التقييم بناء على عدة عوامل؛ يأتي فـي مقدمتها تجربة الحياة - العمر المنجز للأجيال - وشمولية الوعي «المعرفة» وتنوع البيئة الاجتماعية «الحاضنة» والمحدد الجغرافـي (قرية/ مدينة) بالإضافة إلى مستويات الإندماج بين مكونات أفراد المجتمع، تجسير العلاقات بين مجتمعي القرية والمدينة من خلال تجفـيف منابع الاختلافات، ودور التجفـيف هذا مرتهن على الطرفـين الفرد والمؤسسة الرسمية، ويظل للأخير «المؤسسة» اليد الطولى فـي هذا الجانب، وتفاصيل ذلك فـيما يلي:-

يأتي التكامل؛ على الرغم من بساطة المفردة؛ واستسهالنا لتحقيقها؛ ليفرض استحقاقات ليست يسيرة، ونبدأ هنا بالمستوى الفردي، حيث يقتضي الأمر بذل الكثير من الجهد الخلاق حتى يصل أي طرفـين إلى مستوى من التكامل، فكلا الطرفـين مطالبان بكثير من التضحية، وبكثير من بذل الجهد، وبكثير من الأثرة، وبكثير من تجاوز تجاذبات النفس وأحقيتها بأن تكون لها الأولوية، وبالتالي حتى يصل الطرفان إلى قناعة أن يتكاملا، فهذا مستوى عالٍ من الرقي الإنساني، والمعهود «نسبيا» عند البشر، الذين يتنازعون حتى مع أنفسهم بأن تكون أولويتهم الخاصة جدا؛ هي من يجب أن يحظى بنصيب الأسد، قبل التفكير بالآخر، ولذلك فعندما ينزع الإنسان نفسه من مأزق الخصوصية، ويتسامى أفقيا فـي هذا الجانب، فهو بذلك يكسب رهان الاستحقاق البشري/ الإنساني، فـي آن واحد، ومتى تحقق ذلك على المستوى الفردي، كان تحقيقه على المستوى الجمعي، فرصته أكثر، وعلى المستوى الرسمي، فالمساحة تتسع أكثر وأكثر، حيث الوصول إلى مستويات عالية من المسؤولية الاجتماعية والوطنية على حد سواء.

كيف يأتي الربط بين مدنية المجتمعات وتقليديتها فـي شأن التكامل الاجتماعي؛ للوصول إلى مستويات من التعايش الآمن؟ ربما هنا تحتاج المسألة إلى شيء من القياس المعياري بين طرفـين يتبادلان هذا التكامل، ويتنافسان على هذا التعايش، كيف ذلك؟ المجتمع التقليدي وحاضنته القرية؛ كما هو معروف قائم قبل كل شيء على التعاون المفضي إلى التكامل، ومن ثم قائم على صناعة الحاجة التي تؤول نتائجها إلى الاكتفاء؛ أكثر منه على الرغبة، بينما المجتمع المدني وحاضنته المدينة، والموسوم هنا بالتطور المادي، قائم هو الآخر على الرغبة، والرغبة تحتاج إلى المزيد لأنها تولد الشراهة، حسب مقولة المفكر الإنساني غاندي:»إنني لا أسمح بأن تنتج المدينة ما يمكن أن تنتجه القرية، ويتساءل؛ لماذا؟ لان إنتاج القرية يشبع الحاجات الأساسية بينما ما تنتجه المدينة يشبع الرغبات وثمة فارق كيفـي بين الحاجة والرغبة، إذ الرغبة تولد الشراهة بينما الحاجة تولد الاكتفاء، ومن هنا تكون الحضارة ملازمة للقرية دون المدنية ...». - وفق كتاب (زمن الأصولية - رؤية للقرن العشرين) للدكتور مراد وهبة -.

وبقدر التباين الواضح بين الطرفـين - مجتمع القرية ومجتمع المدينة - إلا أن كلاهما لا ينفصل عن الآخر انفصالا مطلقا بسبب (الاكتفاء عند إنسان القرية، والرغبة عند إنسان المدينة) فحاجتنا إلى القرية؛ حيث منبع القيم، وبساطة النفوس، وتساميها فـي مجالات التعاون والتضحية، وبذل الجهد فـي كل ما من شأنه أن يعظم من العائد الإنساني بين أفرادها؛ هي ذات الحاجة إلى المدينة حيث بناء الآمال الكبيرة للارتقاء بحياة أفضل فـي محفزاتها المادية، وصورتها الاحتفالية المعروفة، والدهشة التي تثيرها فـي نفوس زائريها؛ حيث: الشوارع الفسيحة، والبنايات الضخمة، ومحطاتها الترفـيهية المختلفة، كل ذلك يتساقط أثره على الزائر، فـيرى فـيها التكامل الذي يفتقده فـي قريته الصغيرة المنزوية بعيدا عن صخب الحياة المتفاعل، وفوق هذا وذاك، فمجتمع المدينة لا يزال ملتحما التحاما وثيقا بمجتمع القرية؛ حيث الأصل؛ ولا يمكن أن يسقط أهميته وهو فـي زحمة اشتعال الشراهة المحفزة من قبل الرغبة الجامحة لكسب المزيد من المادة، بكل ما يعنيه مفهوم المادة، حيث تتهم المادة هنا بقدرتها على الاستحواذ على إنسان المدينة، فـيفقد بوصلة التواصل مع صنوه إنسان القرية، ولذلك تحرص الأنظمة السياسية؛ فـيما يسمى بعدالة التنمية؛ إلى تقليص الفروقات بين طرفـي المعادلة (المدينة/ القرية) وذلك من خلال شيوعية برامج التنمية، وعدم تركيزها فقط على المدن، والحواضر، وهذا من شأنه أن يجسر العلاقة أكثر فـي شأن اتساع مساحة التعايش، وتجفـيف منابع الإحساس بعدم العدالة وتحقيق ما يصبو إليه أبناء المجتمع الواحد من تكامل، وتعايش آمن مطمئن، وهذه غاية ليس يسيرا إدراكها إلا عند الأنظمة التي تضع أولوياتها القصوى خدمة أبناء مجتمعاتها.

إذن المسألة هنا محكومة ببعدين مهمين؛ هما: البعد الاجتماعي؛ وهو الأساس؛ حيث قاعدة الهرم العريضة، والبعد الاقتصادي، وهو المحفز، ولا يمكن عمليا أن يقوم أحدهما دون مساندة الآخر، فالمجتمع القروي المكتفـي بتحقيق الحاجات «اكتفاء» هو فـي الأصل المنتج لكثير من حاجات مجتمع المدينة، فالقرى سلال غذاء لا يمكن تجاوز أهميتها، والمجتمع المدني الذاهب أكثر إلى تحقيق الرغبات وتحقيق الذات «شراهة» هو المنتج لكثير من الإنتاج الصناعي، الذي لا يستغني عنها مجتمع القرية، فتباينات الأدوار هنا تفضي إلى كثير من التكامل، وهو بدوره المفضي إلى كثير من التعايش، ويظهر هرم ما سلو لتحقيق الحاجيات أن المجتمعين حاضرين فـي هذا «المتخيل» حيث يمثل مجتمع القرية تسلسل الهرم التصاعدي، ويمثل مجتمع المدينة قمة الهرم، ولا غنى لكل هذه المستويات عن الآخر، للوصول إلى الالتحام الكبير، وذلك عبر تحقيق الغايات التي ينشدها الجميع، ويحرص على تحقيقها الجميع أيضا، إلا فـي حالات استثنائية ضيقة، لا تصل إلى مفهوم الظاهرة.

أشير هنا أيضا إلى مقولة رائعة للكاتب جون إهر نبرغ جاءت فـي كتابه؛ المجتمع المدني - التاريخ النقدي للفكرة - يقول ما نصه: «فـي العائلة يختفـي العقل خلف الشعور والعاطفة، وفـي المجتمع المدني يظهر باعتباره أداة للمصلحة الفردية الذاتية. ولكن فـي الدولة فقط يصبح العقل وعيا بذاته، ويفـيد فـي التحرر الإنساني بأن يتيح لنا بناء أفعالنا طبقا لفهمنا للصالح العام» - انتهى النص - وهنا تتبلور أكثر الدور الذي يضطلع به النظام السياسي، ولعل مفهوم العائلة الذي جاء فـي النص هو المجتمع القروي؛ حيث يقابله المجتمع المدني الوارد فـي النص أيضا، وفـي هرم ما سلو تشير قمة الهرم إلى تحقيق الذات من خلال الإنجازات والأنشطة الإبداعية، وهذا الفهم؛ يقينا؛ لا ينتقص من حق الفرد فـي القرية، وإذا كان المفكر غاندي قد حصر نشاط رجل القرية فـي الاكتفاء، ولم يعطه مجال الشراهة، فليس ذلك معناه أن إنسان القرية جامد ملبد الشعور، محدود الطموح، فكثير من المفكرين والمبدعين، والساسة، والمنظرين جاؤوا من القرى والأرياف، فقد حفزتهم الشراهة لأن يكون لهم موطئ قدم على اتساع المدينة، فكان لهم ما أرادوا، ونافسوا منافسة حامية الوطيس، وكانت النتيجة صورة رائعة من التكامل والتعايش، والتكافل أيضا، وذلك مما يرفد الأوطان قوى بشرية ومعنوية تعزز مكانتها بين المجتمعات، وتعلي من شأن أدوارها المحورية التي تقوم بها فـي تعضيد المشروع الحضاري.

الملفت هنا؛ ووفق هذه المصادر المختلفة؛ أن الثيمة الاجتماعية هي الحاكمة فـي مختلف أنشطة البشر، وهي ما تضع طبعتها على مآلات النتائج فـي خاتمة الأمر، وإن كل المعززات المحققة لآمال الإنسان وطموحاته لا بد أن تخضع لمختبر الثيمة الاجتماعية، فالمسؤولية الاجتماعية أولا؛ ومن ثم تتسلسل بقية المسؤوليات، ومتى تعززت الحاضنة الاجتماعية، فإن بقية الحواضن سيكتب لها النجاح؛ بإذن الله؛ وهذا يعيدنا إلى أهمية الدور الذي تقوم به اللحم الاجتماعية فـي تجاوز الكثير من المعوقات التي تعترض مجمل البناءات التي يسعى إلى تحقيقها أفراد المجتمع فـي بعديه الشعبي والرسمي على حد سواء.

أحمد بن سالم الفلاحي كاتب وصحفـي عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: المجتمع المدنی مجتمع المدینة من التکامل فـی هذا

إقرأ أيضاً:

المركز الدولي للقيم الإنسانية يدعو الإعلام إلى دعم أخلاقيات التعايش السلمي

أكد كتاب وإعلاميون عرب، أن وسائل الإعلام تلعب دورًا رئيسيًا في توجيه الرأي العام وصنع القرارات المجتمعية التي تسهم في ترسيخ قيم التعايش السلمي الدولي، وأنه متى ما كان الإعلام ملتزمًا بالقيم الأخلاقية، فإنه يصبح أداة لبناء مجتمع أكثر وعيًا وعدلاً، أما إذا غابت الأخلاقيات، فإنه قد يصبح مصدرًا للضرر.

جاء ذلك في مائدة مستديرة نظمتها لجنة الإعلام التابعة للمركز الدولي للقيم الانسانية والتعاون الحضاري في موضوع: "الإعلام والفاعلية الأخلاقية"، والتي بثت عبر حسابات المركز وصفحاته على مواقع ومنصات التفاعل الاجتماعية، يوم السبت 21 كانون أول/ ديسمبر الحجاري.

شارك في النقاش الذي أدارته الإعلامية شيماء التجاري، كل من الإعلامية إسراء الشيخ من إسطنبول، وعادل الحامدي من لندن، وعبد الله مشنون من روما.

وأكدت التجاري في تقديمها للحوار أن الإعلام هو صلة الوصل التي من شأنها مد جسور التواصل بين الناس في مختلف بقاع العالم، وأنه يلعب دورا أساسيا في الانفتاح على كل ما يجري في العالم والتفاعل معه وفق ما تقتضيه قناعات الأفراد باختلاف مرجعياتهم وثقافاتهم ولغاتهم وأجناسهم.

وأشارت إلى أنه في ظل ما يعرفه العالم من متغيرات متسارعة ساهمت في تجددها الطفرة التكنولوجية والتحول الرقمي الذي اكتسح كل مجالات الحياة، بحيث أفرزت هذه المتغيرات أزمات حقيقية أرخت بضلالها على الوجود الإنساني ككل فغيبت حقيقته وزيفت معناه وغيرت وجهته نحو التيه والانحلال الخلقي وغياب المعنى وظهور النزعات الفردية والجنسية المدمرة للفطرة السوية.

وأكدت أنه كثيرا ما نجد أن الاستغلال السيئ لسلطة الإعلام ونفوذه قد ساهم بشكل من الأشكال في مواصلة تغييب منظومة الأخلاق والقيم الإنسانية من حياة الناس عموما لتزيد من قوة الانتكاسة الأخلاقية التي يعرفها العالم بأسره.

وقالت: "أمام هذه الأوضاع وغيرها لم يعد أمام كل من له ضمير حي سوى التشمير عن السواعد من أجل إعادة لفت الأنظار نحو الدور الأخلاقي للإعلام.. وبناء عليه ترمي هذه المائدة المستديرة التي تنظمها لجنة الإعلام التابعة للمركز الدولي للقيم الإنسانية والتعاون الحضاري إلى تناول موضوع "الإعلام وسؤال الفاعلية الأخلاقية" من خلال محاور هي كالآتي:

1 ـ الأدوار المنوط بالإعلام القيام بها في ظل الأزمة الأخلاقية العالمية
2 ـ إسهامات الإعلام في تكريس الفعل الأخلاقي الإعلامي
3 ـ تحديات ورهانات المرحلة

وتحدثت إسراء الشيخ، وهي صحفية وإعلامية، ومقدمة برامج في إسطنبول بتركيا عن الأدوار الأساسية التي يجب أن يقوم بها الإعلام في تعزيز القيم الانسانية خلال الأزمات الأخلاقية العالمية. وأشارت إلى أن العالم لا يعيش أزمة أخلاقية عالمية فقط، وإنما يعيش واقعا يتم فيه تصفية وإبادة القيم، تصفية الانسان وإبادته إبادة جماعية، وتدعو إلى ذلك وتشارك فيه عدد من وسائل الإعلام بشكل مباشر، حيث تقوم بالتواطؤ والتحريض المباشر مثلا على المسلمين بالدول الغربية عامة، وبفلسطين خاصة كما يبث أمام مرأى ومسمع العالم.

وأكدت الشيخ على الانعكاسات الخطيرة لتحريف الحقائق التي تروج لها وسائل الإعلام على أرض الواقع، حيث تروج للسردية الصهيونية وللإرهاب بالمفهوم الغربي، مما يسوغ القتل والإبادة للمدنيين، وأن غزة خير شاهد على هذا التقتيل والتدمير والإبادة الجماعية. وهو خير دليل على انحراف دور هذه الوسائل الإعلامية في نقل الحقيقة. مما يفرض التساؤل عن دورنا كإعلاميين بالمجتمعات العربية والإسلامية ـ في إطار المشترك القيمي ـ أمام هذه الأزمات الأخلاقية العالمية، لتحدده في الأدوار التالية:

ـ الاستمرار في نقل الصورة والمعلومة الحقيقية كما هي دون مبالغة أو دراما، فهي خير معبر عن تلك الحقيقة.

ـ تجنب الخضوع لاستفزازات وسائل الإعلام التي تدعم السردية الصهيونية،

ـ استحضار البعد المهني والأخلاقي في عملنا الإعلامي والصحفي،

ـ مراعاة المصطلحات التي توظف في نقل المعلومة والخبر حول فلسطين مثلا، وما يتعلق بها من تاريخ وواقع ورواية ومصطلحات ينبغي الترويج لها لدحر الرواية الغربية والصهيونية المنحرفة.

أما عادل الحامدي، مسؤول قسم أفكار في صحيفة "عربي21"، فذكر أن الإعلام الآن أضحى السلطة الأولى وأنه مسؤول عن تشكيل الوعي، وتوجيه الرأي العام في أي قضية من القضايا، وأن أغلب المنابر الإعلامية والمنصات الاجتماعية: تعبر عن الرأي وعن وجهة النظر الخاصة باجهة التي أوجدتها. ونبه إلى سرعة تفاعل الوطن العربي الآن أكثر مما مضى مع كثير من قضاياه بالمظاهرات والندوات الفكرية والقضايا القانونية... بعد أن أصبح العالم قرية صغيرة بفعل ثورة الاتصالات، مما يعطى سرعة أكبر في انتشار المعلومة.

انتقل الحامدي في معرض حديثه إلى ذكر أهم الأدوار التي يلعبها الإعلام في ظل الانفتاح الإعلامي وثورة الاتصالات:

ـ الإعلام نفسه تحول إلى قضية جوهرية في صناعة الرأي وليس فقط وسيلة أو أداة للدفاع عن قضايا مجتمعنا العربي والإسلامي، ومثل لهذا بتعامل الإعلام مع الإبادة الجماعية التي يتعرض لها شعب فلسطين أمام أنظار العالم، حيث نلاحظ الزوايا المتضادة التي يتم التعامل بها مع هذه الجرائم التي يقوم بها الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني.

ـ الإعلام في وطننا العربي نستثمره حاليا لنصرة قضايا مجتمعنا دون أن نصل بعد إلى مرحلة إنتاج القنوات الإعلامية التي نتواصل بها مع العالم، بمعنى أن يكون العرب هم من يتحكمون في إيصال المعلومة إلى الرأي العام، وليس التعويل على قنوات عالمية مملوكة لجهات أجنبية تفتحها وتغلقها متى ما رأت ذلك في خدمة مصالحها.

ـ التعامل العربي والغربي على حد سواء مع منصات التواصل الاجتماعي يبين مستوى التردي القيمي والأخلاقي والإنساني الذي يعيشه العالم، وحجم التعدي على القيم الإنسانية الفطرية.

ـ بعض الجهات استثمرت وسائل التواصل الاجتماعي بغرض الترويج لمظلوميتهم، وتحدي محاولات منع وصول قضاياهم للعالم بسبب آلة القمع التي تحول بينهم وبين ذلك.

ـ النظام العربي الرسمي ظل يتعامل مع الإعلام بمختلف أنواعه على أنه ملكية خاصة للحاكم ولا يعرف أية استقلالية، ما يؤدي مباشرة إلى الانفراد بمصدر المعلومة، أي أن مصدر المعلومة جهة واحدة والقنوات التي يأتي من خلالها مملوكة لدات الكطراف، وهذا ما يفقد المعلومة مصداقيتها،

ـ  نقل بعض وسائل التواصل الاجتماعي للمعلومات من جهة واحدة: فيه تضليل للرأي العام، وعدم بث الحقيقة كما يجب. وهي ـ أي هذه الوسائل ـ بذلك تسيء لصاحبها،

ـ مكنت هذه الوسائل في عصرنا الحالي كل شخص يتملكها من صناعة محتوى وتوجيه الرأي من خلال ما يبثه من حساباته ومنصاته الاجتماعية،

ـ تفاعل الإنسان مع فطرته السليمة والصحيحة يجعله على الطريق الصحيح الذي ينعكس على مدى تشبثه بقيم عظيمة: كالمساواة والعدل والحرية والتعاطف مع الآخر ورفض الظلم... ثم يعمل على الانخراط في بثها وإشاعتها.

أما عبد الله مشنون وهو إعلامي وكاتب صحفي بالمؤسسة الأوروبية الإعلامية بإيطاليا، فتناول الحديث عن دور الإعلام في تعزيز قيم الحوار المجتمعي حول القضايا الأخلاقية التي تبرز خلال الأزمات، فعرج على ذكر ما يشهده العالم الآن من انتشار واسع للإعلام، ومدى قدرته القوية على تقريب وجهات النظر وتحقيق التقارب بين الشعوب، مع التنبيه إلى ما قد تؤول إليه هذه الوسائل من جعلها أداة سلبية لنشر الشائعات، أو الأكاذيب، أو التلاعب بمصير الناس حيث التأثير الرقمي السريع على الإنسان في ربوع العالم.

وتساءل عن مدى ثبات الإعلام على نشر الحقيقة دائما؟ وبين استحالة ذلك بسبب أن الاعلام الآن أضحى وسيلة لتحقيق الربح السريع دون الأخذ بعين الاعتبار لمصدر المعلومة أو الأجندة التي يخدمها في شتى المجالات.

وتساءل: ما هو الدور الحقيقي للإعلام اليوم؟ وكيف يمكنه أن يظل أداة للبناء بدل الهدم والتخريب والتزوير للحقائق؟

وسرد مشنون مجموعة من الأدوار التي يمكن أن يقوم بها الإعلام في الأزمات العالمية ومنها:

ـ نشر الحقيقة ومحاربة التضليل الإعلامي؛ الاعلام هو المصدر الأساسي للمعلومات بالنسبة للجمهور،

ـ  أن يكون الإعلام حارسا أمينا للحقائق كون هذه الأخيرة مسؤولية كبرى عند بث الأخبار،

ـ تعزيز القيم الإنسانية المشتركة، إذ الإعلام وسيلة لنشر قيم التسامح والتعاون والمساواة عندما يستخدم الإعلام قوته لإظهار الجوانب الإنسانية. بالتالي خلق مجتمع منسجم مدني مستوعب للتنوع،

ولكون المبادئ والمعايير الأخلاقية أساس الرسالة الإعلامية لبناء الثقة مع الجمهور المتلقي للخبر والمعلومة، وتعزيز الوعي المجتمعي وتحفيز النقاش حول القضايا التي تؤثر على المجتمع: قدم الضيوف في مداخلة ثانية مجموعة من الخطوات العملية لتكريس الفاعلية الأخلاقية للإعلام فجاءت كما يلي:

1 ـ ذكرت الإعلامية إسراء الشيخ أن تعزيز الفاعلية الأخلاقية للإعلام تبدأ من نقله للصورة كما هي بلا مواربة أو مبالغة، مع التأكيد على ضرورة الالتزام بالمصطلحات الإعلامية والسياسية كما هي والتي تخدم مختلف قضايانا العربية والإسلامية. كما اعتبرت السعي والبحث عن المعلومة بحد ذاته من الفاعلية الأخلاقية، ونبهت إلى خطورة الفجور في نشر الخصومة خصوصا في ظل الاختلاف الفكري أو الأيديولوجي لمكونات المجتمع، وأن تكون المنابر الإعلامية أبواقا لذلك. بل لابد من احترام مشاعر الآخر وكل آرائهم، والتحقق من كل خبر ومعلومة قبل بثها.

2 ـ أما عادل الحامدي فنبه إلى دور الإعلام الجديد والمؤثرين في صناعة المحتوى بعد أن كانت الوكالات الإعلامية الرسمية تنفرد ببث روايتها من جهة واحدة، كما هو شأن باقي المكونات التي تعتمد أدواتها الإعلامية الخاصة بها أيضا في بث مواقفها وآرائها.

وبين الحامدي أهمية المصداقية في التعامل مع الخبر وأثناء تحليله أو معالجة ملفات أخرى ذات أهمية من زوايا مختلفة، وختم بقوله إن الإعلام الجديد بجميع وسائله يمكنه أن يكون إحدى آليات التقارب والتفاعل والأمان والسلام بين المجتمعات. لكنه للأسف أزال كل الحجب التي كانت حائلا أمام الحديث عن الخصوصيات، وتجاوز كل الخطوط الحمراء التي لم يشملها الحديث سابقا. وحض الإعلاميين على التعالي عن الدخول في الخصوصيات الشخصية والانحياز للحقيقة.

3 ـ أما عبد الله مشنون فقد دعا إلى إطلاق مبادرات تدريبية، وتنظيم ورشات عمل ودورات  للصحفيين والإعلاميين حول الأخلاقيات المهنية وأدوات التحقق من الأخبار، وتعزيز التعاون الدولي بإنشاء شبكات إعلامية تعزز التبادل الثقافي وتعمل على تقديم محتوى يعكس التنوع الثقافي وقبول الآخر، وتحفيز كل ذي محتوى قيمي عبر المؤسسات الإعلامية، وتوظيف التكنولوجيا الحديثة وخاصة الذكاء الصناعي بحكمة كأدوات تخدم الإعلاميين والصحفيين على التحقق من الأخبار.

ويعرّف المركز الدولي للقيم الإنسانية والتعاون الحضاري نفسه بأنه مؤسسة تهدف إلى تعزيز القيم الإنسانية المشتركة وتشجيع التعاون بين الثقافات والحضارات المختلفة. ويسعى هذا المركز إلى بناء جسور التفاهم والاحترام بين الشعوب، وتعزيز السلام العالمي من خلال التركيز على المبادئ والقيم التي توحد الإنسانية.

مقالات مشابهة

  • «النيابة العامة» تبحث تعزيز التكامل بين أنظمتها ووحداتها
  • النيابة العامة تبحث تعزيز التكامل بين أنظمتها ووحداتها
  • مناقشة تحقيق التكامل بين "حماية المستهلك" و"مواصلات"
  • هاجر جلال: التعايش مع الأهوال قدر الشرق الأوسط
  • القرية التراثية بمتنزه العامرات تحاكي قصص العمانيين ومعيشتهم خلال الحقب الماضية
  • بذكرى أعياد الميلاد.. صلوات وطقوس مسائية تؤكد التعايش والسلام في السليمانية (صور)
  • ولي العهد البحريني يؤكد أهمية دفع التكامل العربي في مجالات التنمية الاجتماعية
  • المركز الدولي للقيم الإنسانية يدعو الإعلام إلى دعم أخلاقيات التعايش السلمي
  • حالة من الكر والفر.. مشاجرة بين موظفين وطلاب المدينة الجامعية بالأزهر
  • "لم أستطع التعرف على أي شيء عندما عدت إلى القرية".. تايلاندية نجت من تسونامي تتذكر المصيبة المميتة