منذ مآسى وفظائع الحربين العالميتين الأولى والثانية، تظل تداعيات العنف بمثابة شرارة تشعل فى نفوس الكتّاب والفنانين أشكالاً جديدة من التعبير والإبداع. يستعرض هذا المقال كيف استجاب المبدعون، من بابلو بيكاسو إلى جورج أورويل وصموئيل بيكيت، لهذه الفظائع، وكيف يمكن أن تثير الحرب الإسرائيلية الراهنة على غزة ولبنان حركات فنية جديدة.
شهدت حروب القرن العشرين سقوط ملايين من القتلى والجرحى وشكلت نقطة تحول فى وعى الكتّاب والفنانين. فقد عكس بيكاسو من خلال لوحاته فظائع الحرب الأهلية الإسبانية. وغيرنيكا هى لوحته الزيتية التى تعود لعام 1937؛ رسمها استجابة لقصف مدينة باسكية، مجسداً فيها بشاعة العنف والمعاناة، حيث تلتف الأشكال المشوهة كأشباح تتراقص على أنقاض الإنسانية.
على نفس النسق، يتجلى نقد البريطانى جورج أورويل فى أعماله 1948 ومزرعة الحيوان، حيث يتلاعب بالحقائق ويعرض كيف تخفى السرديات السياسية معاناة البشر. إن مفهوم newspeak "اللغة الجديدة" فى 1984 يعكس أساليب ازدواجية المعايير فى عبارات خادعة من عينة "الحرب سلام" عن التبريرات المتناقضة للصراع. وتعبر رؤى أورويل عن قلق متجدد إزاء العلاقة بين السلطة والعنف وتعكس غطرسة القوى العظمى فى عصرنا الراهن.
وفى عالم المسرح، تجسد مسرحية صموئيل بيكيت ( Waiting for Godot فى انتظار غودو) حالة من الانتظار حيث تعيش الشخصيات فى حالة من اليأس المستمر، ما يعكس الإحباط الذى يعترى النفوس بعد الكوارث. فبينما ينتظرون مخلصاً لا يأتى، يدعو المؤلف الجمهور إلى التأمل فى عبثية الوضع البشرى بعد إزهاق الأرواح ودمار العمران.
أما العنف المستمر فى غزة وإسرائيل ولبنان مؤخراً، وسقوط ضحايا من كل الأطراف، فهو كالجرح النازف فى ضمير الإنسانية، يترك آثاراً وندوباً غائرة تتطلب التعبير عنها فى الفنون. ومع تكشف بشاعة أحداث هذه الحرب، يظهر سؤال ملح: هل يمكن أن تُلهم هذه الفظائع حركة أدبية جديدة لم نعهدها أوتعيد إحياء العدمية أو مسرح العبث؟
إن العدمية تتناغم مع سقوط المعانى واختلاط الأمور، فى حين يعكس مسرح العبث الطبيعة السريالية للحياة فى مناطق النزاع، حيث تتحول الحقائق بفعل العنف إلى مشاهد درامية تظهر تناقضات مؤلمة. وهذا ما قد يقدم للكتّاب والفنانين ما يحفزهم على أن يخلقوا أشكالاً جديدة تعبر عن مآلات هذه الحرب الآنية. وقد تمثل الفنون متعددة الوسائط، بما فيها التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعى، منصة لأشكال من الشعر والفن البصرى والأداء المسرحى تترابط معا لتعكس مشاهد الموت والدمار، وتقدم بذلك عرضا مشتركا غنياً من التعبير عن مآسى البشرية.
يمكن أن تسهم الجهود التعاونية بين الفنانين من خلفيات متنوعة فى تقديم رؤى جديدة تعزز الفهم والتعاطف. فتكون هذه المشاركة وسيلة للاحتجاج والشفاء معاً، من خلال توفير مساحة للتفكير فى كيفية الخروج من دائرة الحرب الحالية.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الحربين العالميتين تداعيات العنف القرن العشرين
إقرأ أيضاً:
جولة جديدة لهوكشتاين تحت النار ومؤشرات على الفشل
كتب غاصب المختار في" اللواء": يترقّب الجميع أسبوعاً مفصلياً جديداً مع انتهاء مهمة هوكشتاين تتظهر فيه نوايا إسرائيل الحقيقية برفض وقف الحرب، ولا سيما ان هناك من لاحظ ان زيارة هوكشتاين هذه المرة سبقتها وترافقت معها أيضاً موجة غارات عنيفة خلال اليومين الماضيين على البقاع وبخاصة مدينة بعلبك، وعلى قرى الجنوب وبخاصة مدينة صور، وطرقات جبل لبنان، وقتل المزيد من المسعفين والمدنيين وتدمير المزيد من الأماكن السكنية ودور العبادة، تماماً كما حصل في الزيارة الأخيرة للموفد الأميركي، وكما حصل عند صدور المبادرة الأميركية - الفرنسية أواخر أيلول الماضي، وهو ما بدا تناغماً أميركياً - إسرائيلياً في جولة لتفاوض الجديدة تحت النار علّ وعسى يرضخ لبنان والمقاومة للشروط والتعديلات أو الملاحق التي يطلبها الأميركي والإسرائيلي للقرار 1701. ما يعني سلفاً فشل المحاولة الجديدة.وعلى خطٍ موازٍ ومؤسف من خطوط الحرب على لبنان، ان بعض الأقلام والتصريحات السياسية تروّج منذ فترة لمؤشرات على «احتمال حصول حرب أهلية أو نزاع أهلي نتيجة الانقسامات السياسية والشعبية القائمة»، من دون مراعاة ظروف الحرب القاسية على البلاد والعباد وتأثيرها السلبي على الوحدة الداخلية الثابتة حتى الآن، برغم كل محاولات زعزعتها بخبريات من هنا وتسريبات من هناك، عن أحداث وإشكالات بين النازحين وبين بعض شبان القرى المُضيفة، أكد الرئيس نجيب ميقاتي في حديثه التلفزيوني انها طبيعية وفردية وتعالج في حينه من قبل الجيش وقوى الأمن.
ويترافق ذلك مع ضخ إعلامي فضائي يقدم خدمات مجانية لكيان الاحتلال في حربه على شعب لبنان وليس على المقاومة فيه وحسب، عبر بث أخبار ومعلومات وأحيانا احداثيات ميدانية أسهمت في ارتكاب العدو العديد من المجازر في كثير من المناطق. عدا الشائعات التي تخلق بلبلة كبيرة في المجتمع وتسهم في تحريض اللبنانيين على بعضهم والتي ينساق لها بعض الأشخاص عن دراية أو عن جهل لخطورتها.
وبدت هذه الأجواء مترافقة ايضاً مع «المفاوضات تحت النار» الى أرادها نتنياهو، وهي ليست النار العسكرية فقط، بل النار الإعلامية والنفسية والاستخباراتية التي تضغط أيضاً على لبنان. وهو أمر سبق وحذّر منه مراراً وزير الإعلام زياد مكاري في لبنان، وأمس في الأردن خلال مشاركته في المؤتمر الرئيسي للأسبوع العالمي للدراية الإعلامية والمعلوماتية، حيث دعا «لمكافحة الأخبار الزائفة والمضللة والشائعات والتي تهدّد السلم الأهلي والصحة النفسية المجتمعية في ظل العدوان الإسرائيلي».