خطأ بايدن الفادح: كيف تحولت الحرب في أوكرانيا إلى كارثة عالمية؟
تاريخ النشر: 27th, October 2024 GMT
ترجمة: أحمد شافعي -
بدت استراتيجية جو بايدن مألوفة، بما انعكس فيها من غرائز محارب قديم من زمن الحرب الباردة، فهي استراتيجية احتواء الصراع. عندما تحدث الرئيس الأمريكي في وارسو في مارس من عام 2022، بعد شهر من الحرب الروسية الأوكرانية، رسم خطا أحمر عند أصابع قدمي فلاديمير بوتن. وحذر قائلا «إياك أن تفكر حتى في التقدم لبوصة واحدة داخل أراضي الناتو».
وها هي استراتيجية بايدن، بعد ثلاثين شهرا، تحقق فشلا ذريعا. فالأزمة الأوكرانية، شأن السرطان الذي لم يلق علاجا، تنتشر بشكل لا يمكن السيطرة عليه. فهي أبعد ما تكون عن الانحصار في طين دونباس وجليدها، وإنما تزداد تداعيات الحرب السامة المنتشرة تدميرا على مستوى العالم يوما بعد يوم. وتلوث كل ما تلمسه وتفسده. صحيح أن الحرب «الساخنة» بين روسيا وحلف شمال الأطلسي قد اجتنبت حتى الآن. ولكن أراضي بولندية ورومانية تأثرت بالصواريخ الضالة والهجمات البحرية. ومنطقة البحر الأسود بأكملها متورطة، وكذلك بيلاروسيا. ويزعم بوتن أن الغرب يشن بالفعل حربا على روسيا ويهددها بالأسلحة النووية. ويتعهد متخصصو الدعاية بتبخير بولندا.
أثارت الأزمة انقسامات بين الولايات المتحدة وأوروبا داخل حلف شمال الأطلسي وداخل الاتحاد الأوروبي. فقد اندلعت خلافات بشأن إرسال قوات وصواريخ بعيدة المدى إلى أوكرانيا، ودعوة كييف إلى الانضمام إلى الحلف، وصياغة «هوية دفاعية» أوروبية منفصلة. كما ألغى الحذر الألماني موقف فرنسا المتشدد الجديد.
أصيبت السويد وفنلندا المحايدتان بالذعر وانضمتا إلى حلف شمال الأطلسي. وتخشى جمهوريات البلطيق العدوان الروسي المتجدد. والمجر وصربيا تسترضيان الكرملين. وإيطاليا مترددة. ولا أحد يشعر بالأمان.
تغذي الحرب التطرف السياسي اليميني واليساري مع تزايد الدعم للمدافعين الشعبويين المأجورين من بوتن. وفي مولدوفا، تعرض الاستفتاء على عضوية الاتحاد الأوروبي في نهاية الأسبوع الماضي للتشويه الشديد بسبب ما وصفته رئيستها مايا ساندو بعملية رشوة ضخمة من «مجموعات إجرامية تعمل مع قوى أجنبية» هي على وجه التحديد عملاء الكرملين.
والآن ترقب موسكو انتخابات هذا الأسبوع في جورجيا حيث تتآمر سرا لضمان خسارة الأحزاب المؤيدة للغرب. لقد انتشرت مثل هذه الحرب الهجينة ـ أي حرب التخريب، والتضليل، وعمليات التأثير، والهجمات الإلكترونية، والاحتيال، والتصيد عبر الإنترنت - في جميع أنحاء العالم منذ عام 2022، حيث تحذو الأنظمة الاستبدادية حذو روسيا.
ويشجع العجز عن احتواء الحرب على حدوث تحولات جيوسياسية رهيبة، أبرزها الشراكة «غير المحدودة» بين الصين وروسيا. فالرئيس الصيني شي جين بينج يحصل على نفط رخيص ويحصل بوتن المنبوذ على تكنولوجيا مزدوجة الاستخدام تكسر العقوبات بالإضافة إلى الدعم الدبلوماسي. لكن الأمر يتجاوز ذلك كثيرا. ففي قمة البريكس التي استضافها بوتن الأسبوع الماضي انضمت إلى إيران وكوريا الشمالية وسوريا وفنزويلا فضلا عن تركيا ـ وهي العضو في حلف شمال الأطلسي (ومنظمات كثيرة أخرى) إلى روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا. ويتصور بوتن تحالفا عالميا مناهضا للغرب، في حين يتصور شي نظاما عالميا جديدا في القرن الحادي والعشرين تقوده الصين خلفا لأمريكا.
وما هذه بأحلام فارغة. فبالنسبة للعديد من بلاد الفئة الثانية، تمثل إدانة الغرب للعدوان الروسي في أوكرانيا ورفضه إدانة العدوان الإسرائيلي في فلسطين بل وتسهيله فعليا له معايير مزدوجة لا تطاق. مما يجعل هذه البلاد تبدل مواقفها.
ولكن أي شيء أكثر إيضاحا للطبيعة غير المحدودة لهذا الصراع دائم التوسع من الأخبار المذهلة التي تفيد بأن كوريا الشمالية، في مقابلة صارخة مع التدخل العسكري للولايات المتحدة والمملكة المتحدة في الحرب الكورية قبل ما يقرب من خمسة وسبعين عاما، تنشر قواتها في مسرح أوكرانيا؟
وما أبشع أن يستعمل دونالد ترامب «الحرب الأبدية» في أوكرانيا لإقناع الناخبين الأمريكيين بأن الديمقراطيين من أمثال كامالا هاريس لا يمكنهم السيطرة على عالم فوضوي، وأن حلف شمال الأطلسي عبارة عن خدعة يديرها الأوروبيون المتطفلون وأن الأمم المتحدة عديمة الفائدة.
وهذه الحرب أيضا تصرف الانتباه عن صراعات خطيرة أخرى، من السودان إلى ميانمار. وقد تسببت الهجمات على صادرات كييف من الحبوب في نقص الغذاء وارتفاع الأسعار مما أضر بالدول الأكثر فقرا. كما تعطل الحرب العمل التعاوني بشأن المناخ، بل إنها زادت بشكل كبير من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي. وفي حين لا يلقي بوتن، المتهم بارتكاب جرائم حرب، أي عقاب، يتراجع احترام القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. ويزدهر الإفلات من العقاب.
وتتصاعد التكاليف الاقتصادية الهائلة للحرب. إذ يقدر البنك الدولي أن العامين الأولين من الحرب تسببا في أضرار مباشرة في أوكرانيا بلغت 152 مليار دولار. وتتوقع الأمم المتحدة أن تبلغ التكلفة اللازمة للتعافي وإعادة الإعمار 486 مليار دولار. وكل يوم ترتفع هذه المبالغ. وفي الوقت نفسه، تعمل روسيا على بناء شبكات دولية مشبوهة ــ سوق سوداء معتمدة رسميا ــ للالتفاف على العقوبات وتقويض هيمنة الدولار.
والتكلفة في الأرواح مفجعة. فتقديرات الأمم المتحدة المتحفظة تشير إلى مقتل نحو عشرة آلاف مدني وإصابة مثلي هذا العدد. وربما يكون أكثر من ثلاثين ألف جندي أوكراني قد لقوا مصرعهم. وتشير تقديرات إلى مقتل مائة وخمسة عشر ألف شخص وإصابة خمسمائة ألف آخرين في صفوف الجيش الروسي. أما التكلفة التي يتحملها المجتمع الروسي في الواقع لا يمكن قياسها.
لم تخسر أوكرانيا الحرب، وهذا في حد ذاته إنجاز رائع. ولكنها أيضا لا تفوز. فالدعم الغربي يضعف، على الرغم من الخطب المفوهة، والقوات الروسية تتقدم. و«خطة النصر» التي اقترحها الرئيس فلاديمير زيلينسكي لم يقبل بها كثيرون. والشتاء قادم.
كم من هذا كان يمكن اجتنابه؟ بعض التطورات، من قبيل محور الصين وروسيا وصعود الشعبوية اليمينية، كان ليحدث على أي حال. ولم تزده الحرب إلا تسارعا. ولكن كثير من الأضرار الأوسع نطاقا كان من الممكن تجنبها، كليا أو جزئيا.
في وارسو، كان بايدن صريحا وأقرب إلى التباهي: فقد علمت الاستخبارات الأمريكية ـ منذ يناير 2022 ـ أن الغزو وشيك. وقد قال بايدن: إنه حذر بوتن مرارا من أن الغزو سوف يكون خطأ كبيرا. ومع ذلك، وفي ضوء اعتقاده العاطفي بأن نضال أوكرانيا من أجل الديمقراطية والحرية أمر ذو أهمية مطلقة وحيوية، فمن المؤكد أن ما كان ينبغي أن يفعله بايدن هو أن يقولها لبوتين بشكل صريح: «انس الأمر. لا تقم بالغزو. وإلا ستجد نفسك تقاتل حلف شمال الأطلسي الأقوى والأكثر تسليحا».
هذا ما يسمى بالردع. وهذا هو الغرض من وجود حلف شمال الأطلسي. والاحتواء لم يكن كافيا قط. فربما ما كان بوتن ليصغي أصلا. ولكن نظرا لجبنه المعهود، فمن المحتمل أنه كان يمكن أن ينصت ويعفي الجميع من ألم كبير.
سايمون تيسدال معلق الشؤون الخارجية في أوبزرفر البريطانية.
عن الجارديان البريطانية
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: حلف شمال الأطلسی الأمم المتحدة فی أوکرانیا
إقرأ أيضاً:
صحف عالمية: وقف إطلاق النار بغزة غير مرجح قبل رحيل بايدن
ركزت صحف عالمية اهتمامها على مستقبل الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة بعد اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، إضافة إلى التطورات الميدانية المتلاحقة في المشهد السوري وتقدم قوات المعارضة.
وذكرت صحيفة الغارديان البريطانية في افتتاحيتها أنه ليست لدى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أي رغبة في وقف إطلاق النار بغزة.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2صحيفتان بريطانيتان: نظام الأسد يعاني وحلفاؤه عاجزون عن دعمهlist 2 of 2موندويس: هل تضم إسرائيل الضفة الغربية عام 2025؟end of listوأضافت الصحيفة أن "نتنياهو الهارب من تهم جرائم الحرب لا يعير هو وأنصاره أي اهتمام بقيم الأخلاق والإنسانية"، مشيرة إلى أن المعاناة القاسية لسكان غزة والأسرى الإسرائيليين سوف تستمر.
ونقل موقع ذا هيل الأميركي عن الدبلوماسي الإسرائيلي السابق ألون بينكاس قوله إن اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في غزة غير مرجح قبل مغادرة الرئيس الأميركي جو بايدن البيت الأبيض في الـ20 من يناير/كانون الثاني المقبل.
ويعتقد بينكاس -وفق الموقع- أن نتنياهو لديه مصلحة في تأخير اتفاق وقف إطلاق النار في غزة حتى يتولى الرئيس المنتخب دونالد ترامب منصبه.
ورأت صحيفة هآرتس الإسرائيلية، في تحليل لها، أن وقف إطلاق النار في لبنان لن ينهي الحرب في غزة، لأن إنهاء الحرب في القطاع الساحلي وسحب القوات الإسرائيلية منه "قد يؤديان إلى انهيار حكومة نتنياهو".
وتضيف الصحيفة أن ما ينطبق على لبنان لا ينطبق على غزة، وفق الرؤية الأيديولوجية لحكومة نتنياهو، التي تسعى إلى وجود عسكري مستمر في القطاع.
بدورها، نشرت صحيفة التايمز البريطانية مقالا بقلم الدبلوماسي الأميركي المخضرم دينيس روس قال فيه إن ترامب كان عاملا رئيسيا في دفع نتنياهو نحو وقف إطلاق النار في لبنان "لأن رفض رغبة ترامب ستترتب عليه تكلفة باهظة".
ووفق الصحيفة، فإن نتنياهو امتنع عن إعلان ضم الأراضي في الضفة الغربية خلال ولاية ترامب الأولى، لأن توسيع اتفاقيات أبراهام للتطبيع بين إسرائيل والدول العربية مثّل أولوية لترامب.
الملف السوريوعلى الجبهة السورية، قالت صحيفة واشنطن بوست الأميركية إن الهجوم الذي شنته قوات المعارضة السورية وأثار صدمة بسبب سرعته "شكّل التحدي الأكثر خطورة لنظام الرئيس بشار الأسد منذ سنوات".
وأضافت أن التقدم السريع للمعارضة من معقلها في إدلب يعد "تحديا أيضا لحلفاء الأسد خصوصا روسيا وإيران اللتين تنشغلان بالصراعات في أوكرانيا ولبنان".
من جانبه، رأى مقال في صحيفة فايننشال تايمز البريطانية أن تقدم قوات المعارضة السورية "يكسر الجمود الهش للوضع في البلاد، ويكشف بجلاء هشاشة نظام الأسد، وضعف الجيش السوري، واعتماده على دعم القوات الأجنبية".