تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

في فيلمه الروائي الطويل الأول "أثر الأشباح"، والمشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان الجونة السينمائي في نسخته السابعة، يطرح المخرج جوناثان ميليه، أسئلته حول ثنائية العدالة والانتقام، هل القوانين والمحاكم قادرة على إخماد نيران المقهورين .. أم أن القصاص الفردي من الجلادين هو الخلاص الوحيد؟ وهل لابد وأن يأتي الانتقام مصحوبًا بالدماء والقتل أم أن هناك سبيلاً آخر بلم فتات ما تبقى من إنسانيتنا المبعثرة؟ كلها رهانات ومعادلات أخلاقية تمزق روح حميد، تمامًا كما مزقت الحرب السورية أوصال جسده المنهك.

من خلال سيناريو (مستوحى من أحداث حقيقية) كتبه ميليه بالاشتراك مع فلورنس روشا، يضعنا المخرج الفرنسي أمام شخصية حميد (آدم بيسا)، الذي نجا من موت محقق في سجن "صيدنايا" بريف دمشق، ليجد نفسه أمام آخر أشد قسوة بعدما ألقاه مجموعة من الجنود السوريين في الصحراء هو ومجموعة أخرى من المعتقلين يشقون طريقهم نحو المجهول. وبعد عامين، نكتشف أن حميد لا يزال على قيد الحياة ويعيش في مدينة ستراسبورغ الفرنسية محاولاً كسب رزقه كعامل بناء رفقة مجموعة من المهاجرين، وبعد انتهاء دوامه يتجول هائمًا بين مجموعات من اللاجئين السوريين بحثًا عن قريبه الذي فُقد في الحرب، لكنها محاولات تتكلل بالفشل في كل مرة.

سرعان ما ندرك أن ما يبحث عنه حميد ليس قريبه كما يَدعي، ولكنه مجرم حرب سيء السمعة يُدعى حرفاز (توفيق برهوم)، فر إلى أوروبا تحت اسم مستعار وذاب وسط المجتمع الأوروبي، بعدما ترك لحميد خريطة من الندوب تملأ ظهره، ناهيك عن الجروح النفسية التي قد لا تلتئم أبدًا.

إحدى عناصر قوة النص السينمائي، هو عدم انشغال ميليه باستدعاء الماضي فيما يخص علاقة حميد وحرفاز في المعتقل، فكل ما ارتكبه هذا الجلاد من شرور يبدو حاضرًا على وجه حميد دون أن ينطق بكلمة واحدة. كما أن المخرج الفرنسي لا ينخرط كثيرًا في تأطير مشاهده بلقطات المطاردات السريعة كحال هذه النوعية من الأفلام، بل يحاول أن يبقي الصراع هادئًا على الشاشة لكنه متأججًا داخل نفس حميد، ليخلق واقعًا أكثر رعبًا مما كان عليه داخل سجن صيدنايا أو كما يُطلق عليه "المسلخ البشري".

إن حالة اضطراب ما بعد الصدمة التي يمر بها حميد، تصيبه بحالة من الشلل والجمود المهني والعاطفي تجعله يصد محاولات يارا للتقرب منه. "أتمنى لو تقابلنا في حياة أخرى"، هكذا تخبره يارا. ولكن كل يوم يقضيه حميد في مطاردة جلاده يقربه خطوة من العدالة، ويبعده آلاف الخطوات عن المضي قدمًا في حياته. وهذا نلاحظه بأحد المشاهد عندما ينجح أحد الأصدقاء بتأمين وظيفة له بأحد الجامعات، فيطلب منه حميد أن يتطلع إلى وجهه "هل هذا شخص يستطيع تدريس الأشكال الشعرية الآن".

عندما نقابل حرفاز وجهًا لوجه لأول مرة خلال مشهد المطعم المصمم بعناية وبصياغة ذكية، نرى شخصًا لا ينضح بالشر الصريح بل يجسد مزيج من الضعف وخيبة الأمل والندم والغضب المكبوت. يخبر حرفاز حميد بأن "جميع السوريين في أوروبا يتحدثون عن الوطن، والموت، والمشاكل. لا يمكنك أن تبدأ حياة جديدة إذا كنت تضيع وقتك في التفكير في الماضي". بالتأكيد نتفق مع وجهة نظره، وإن كان من الصعب تقبل هذه النصيحة الثمينة من مجرم حرب، ولكن ما فشل حرفاز في إدراكه هو أنه عندما تُنتزع منك حياتك يصبح الحديث عن الأمل دربًا من الوقاحة والخيال.

إن تطور العلاقة ما بين حميد وحرفاز، في المشاهد اللاحقة، ما هي إلا صورة مصغرة عن الانهيار الإنساني والأخلاقي الذي تخلفه الحروب، والتي كانت سببًا في تحول شخص كـ حرفاز من نموذج ناجح ظن أن بلده ستستفيد من علمه إلى وحش بشري، وكادت أن تدفع بالآخر نحو حافة الجنون.

إن الرهان الأخلاقي الذي وضعه ميليه على ذلك البطل الهش، ربما سيكون بمثابة مكافأة للجمهور في نهاية الفيلم، لكنه يُبقي القوس مفتوحًا أمام العديد من الأسئلة المعلقة حول ما آلت إليه مسارات حميد في النهاية. إن أشعار قباني ودياب ومفرداتهم العذبة الرقيقة والمتأرجحة حول أحلام الوطن والغربة تطارده وتحاصره طوال الفيلم - تمامًا كما تفعل أشباح الماضي – كي تذكره بما كان عليه يومًا ما وما الذي يجب أن يكونه الآن.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: مهرجان الجونة السينمائي أثر الأشباح المسابقة الرسمية لمهرجان الجونة السينمائي

إقرأ أيضاً:

ما هو القسم الجديد الذي أداه أئمة الأوقاف أمام السيسي في الأكاديمية العسكرية؟

شهد الرئيس عبدالفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، اليوم الثلاثاء، حفل تخرج الدورة الثانية لتأهيل أئمة وزارة الأوقاف من الأكاديمية العسكرية المصرية، وذلك في مركز المنارة للمؤتمرات الدولية.

تضمن الحفل العديد من الفعاليات، من بينها أداء قسم الولاء من قبل الخريجين، والذي يُعد قسمًا مستحدثًا خصيصًا للخريجين من الأئمة والدعاة.

السيسي خلال تخرج أئمة الأوقاف: لا تأثير للكلام دون عمل.. والموعظة وحدها لا تكفي لمواجهة التحديات الرئيس السيسي: "المؤسسات قد تحل محل العلماء في تجديد الفكر مع زيادة العلوم" قسم الولاء والفعاليات الثقافية

أدى الخريجون قسم الولاء، الذي لقنه لهم الدكتور أحمد نبوي، عضو المكتب الفني لوزير الأوقاف، وذلك في إطار تعزيز الولاء والالتزام بالمسؤوليات الدينية والإنسانية.

تلت هذه الفقرة الفقرات الثقافية التي شملت فقرة شعرية ألقاها أحد الدارسين، أعقبها إنشاد ديني، مما أضاف طابعًا روحانيًا للمناسبة، بحضور الرئيس السيسي الذي أبدى إعجابه بالتنظيم والروح التي سادت الحفل.

تأهيل 550 إمامًا لتعزيز قدراتهم الدينية

ضمت الدورة الثانية 550 إمامًا من مختلف أنحاء مصر، استمرت لمدة 24 أسبوعًا تحت عنوان "الإمام محمد عبده"، وذلك في إطار تنفيذ توجيهات الرئيس السيسي لتطوير الخطاب الديني.

 ويهدف هذا البرنامج التدريبي إلى تحسين قدرات الأئمة على مختلف الأصعدة، بما يسهم في محاربة الفكر المتطرف وتعزيز دور الأئمة في نشر الوعي الصحيح وتطوير آليات التواصل مع المجتمع.

فيلم وثائقي وعرض بحثي حول السيوطي

كما شهد الحفل عرض فيلم وثائقي بعنوان "تقرير نجاح الدورة"، تلاه عرض جماعي للبحث الذي أعده دارسو الدورة حول موسوعية العالم والداعية الإمام جلال الدين السيوطي وأثر ذلك على أداء المهام الدينية.

 سلط البحث الضوء على إنجازات السيوطي في مختلف مجالات العلم الديني، بما في ذلك التفسير والحديث والفقه.

الإمام جلال الدين السيوطي: نموذج للفكر العلمي والديني

استعرض الحفل أيضًا السيرة الذاتية للإمام جلال الدين السيوطي، الذي يعتبر واحدًا من أبرز العلماء في تاريخ الإسلام. وُلد في القاهرة في عام 849 هـ (1445م) وترك إرثًا علميًا هائلًا من خلال مؤلفاته التي تجاوزت 600 كتاب في مجالات التفسير والحديث والنحو والفلسفة.

 كان السيوطي يُعرف بتبحره في سبعة علوم رئيسية، وكان له دور كبير في تطوير العلوم الدينية في عصره.

السيوطي، الذي اعتزل الناس في مرحلة متقدمة من حياته وأمضى وقتًا طويلًا في التأليف، يُعد من أبرز معالم الحركة العلمية في العالم الإسلامي. 

كانت مؤلفاته، مثل "الإتقان في علوم التفسير" و"الألفية في القراءات العشر"، تشكل مصدرًا مهمًا لفهم علوم القرآن والحديث.

تطوير الأئمة لمواكبة التحديات الفكرية

في إطار حديثه، أكد الرئيس السيسي على أهمية تدريب الأئمة على التفاعل مع القضايا الفكرية والتحديات المعاصرة. 

وأشار إلى أن تدريب الأئمة على التعامل مع الفكر المتطرف سيسهم في ترسيخ قيم السلام والتسامح في المجتمع، وأنه لا بد من مواكبة العصر والتطورات الحاصلة في جميع المجالات.

تعزيز الوعي المجتمعي ونشر العلم الديني الصحيح

تهدف هذه الدورات التدريبية إلى تطوير مهارات الأئمة في العديد من المجالات، مثل الخطاب الديني والقدرة على التواصل الفعال مع المجتمع، بالإضافة إلى تنمية قدراتهم على محاربة الفكر المتطرف وتقديم العلم الديني الصحيح.

 وتأتي هذه المبادرة في إطار حرص الحكومة المصرية على تعزيز قيمة العلم والوعي في المجتمع المصري.

مقالات مشابهة

  • في ذكرى رحيله.. محمود مرسي "عتريس" الذي خجل أمام الكاميرا وكتب نعيه بيده
  • مصير طائرة طيران الهند التي بيعت العام الماضي بعد تلويحة الوداع.. فيديو
  • الدوري الإسباني يسجل أعلى أرباح في تاريخه الموسم الماضي
  • 5.049 مليار يورو أرباح الدوري الإسباني الموسم الماضي
  • 920 مليون ريال إيرادات قطاع الاتصالات العام الماضي.. ونسب التعمين تصل إلى 93%
  • مفوضية الاتحاد الأوربي: التجارة الثنائية مع المغرب تجاوزت 60 مليار يورو خلال العام الماضي
  • نص قسم الولاء الذي ردده أئمة الأوقاف أمام الرئيس السيسي
  • ما هو القسم الجديد الذي أداه أئمة الأوقاف أمام السيسي في الأكاديمية العسكرية؟
  • الحسن الداكي أمام القضاة الأفارقة: القضاء المستقل يحقق العدالة
  • الشباب لا يعرف الفوز على «هلال» جيسوس!