روما– "قاضية فاسدة، آمل أن يقوم أحدهم بإطلاق النار عليكِ قريبا"، هذه إحدى عشرات الرسائل التي تتلقاها القاضية سيلفيا ألبانو، في قسم الهجرة بمحكمة روما، بعد رفضها التوقيع على إيداع 12 مهاجرا في مراكز الترحيل الجديدة في ألبانيا، مما زاد من التوتر السياسي بين اليمين الحاكم واليسار المعارض حول إدارة ملف الهجرة وأمن الدولة الإيطالية.

سرقت سيلفيا ألبانو، التي تشغل منصب رئيسة جمعية القضاء الديمقراطي (ذات التوجه اليساري)، الأضواء من جورجيا ميلوني اليمينية، عشية الذكرى السنوية لتنصيب حكومة اليمين التي ترأسها الأخيرة، حيث قدمت ألبانو "بلاغا مفصلا" إلى النيابة العامة بشأن التهديدات، تزامنا مع الإعداد للندوة الصحفية الخاصة بتقديم ميلوني حصيلة عمل حكومتها، ما حدا بالأخيرة إلى إلغاء الفعالية.

ألبانو التي أضحت تحمل اسم قاضية المهاجرين، بعد رفضها المصادقة على ترحيل مهاجرين مصريين وبنغلاديشيين إلى ألبانيا، مرجعة ذلك إلى أنه ليس هناك معيار ثابت للدول الآمنة، أصبحت هي نفسها مهددة في أمنها، وهو الأمر الذي رفع من مستوى التحذير لدى النخبة السياسية والحقوقية في إيطاليا.

فقد نددت قوى من اليمين واليسار الإيطاليين معا بالتهديدات، كما فعل رئيس مجلس الشيوخ إغناسيو لا روسا، الذي قال "يمكن أن تكون هناك آراء وأفكار مختلفة، لكن لا ينبغي أن يتزعزع الحوار المدني والاحترام المتبادل".

من جهته، اعتبر الناطق الرسمي باسم منظمة العفو الدولية، ريكاردو نوري، في حديث للجزيرة نت، أن "تهديدات القتل ضد القضاة خطيرة، وهي تأكيد آخر على أن خطاب الكراهية في إيطاليا لا يتم التصدي له بشكل فعال، بل أحيانا يُغذى بلغة سامة حتى من قبل من يتقلدون مناصب رسمية".

تسعى حكومة ميلوني اليمينية إلى زيادة ترحيل المهاجرين غير الشرعيين عبر نقلهم إلى مراكز في ألبانيا (وكالات) قضاء مستقل أم أداة؟

وعبرت ميلوني عن قلقها من قرار قضاة محكمة روما المضاد لسياستها في إدارة ملف الهجرة، وقالت "أعتقد أن قرارهم متحيز، والدليل على ذلك هو أن بعض هؤلاء القضاة انتقدوا الاتفاق مع ألبانيا حتى قبل الدخول في جوهره".

وأضافت ميلوني "أخشى أن يكون هذا القرار الصادر عن القضاة قد تم التنبؤ به من قبل بعض أعضاء الحزب الديمقراطي".

وكانت ميلوني تلمح إلى موقف القاضية سيلفيا ألبانو من المرسوم الوزاري بشأن الدول الآمنة، في مقال لها نشرته بمايو/أيار الماضي، على موقع جمعية القضاة الديمقراطيين، التي ترأسها ألبانو.

أما إلي شلاين، زعيمة يسار الوسط، ورئيسة الحزب الديمقراطي، فقد ردت على ميلوني بالقول "لقد قلنا ذلك.. ليس لأننا نقرأ الطالع، بل لأننا نقرأ القوانين".

وتعليقا على الجدل بشأن قرار القضاة الإيطاليين، يرى ريكاردو نوري أنه "لا توجد دول آمنة بطبيعتها، وأنه يجب فحص كل حالة بشكل فردي، لأنه داخل الدول الآمنة قد توجد مجموعات ضعيفة أو أجزاء من الأراضي التي ليست آمنة".

وتعليقا على الجدل المحتدم، أكد رئيس الجمعية الوطنية للقضاة، جوزيبي سانتالوتشيا أنهم لا يعارضون الحكومة، بل يسعون للدفاع عن استقلال القضاء، مضيفا: "سيكون من غير المنطقي أن تكون السلطة القضائية، وهي مؤسسة في البلاد، ضد مؤسسة أخرى مثل السلطة السياسية".

الضغط على القضاء

قبل يوم من الاحتفال بذكرى مرور عامين على تشكيل حكومة ميلوني، التأمت هذه الأخيرة في اجتماع خاص، لمعالجة الجانب القانوني الذي يحقق لهم المصادقة القضائية على ترحيل المهاجرين من عرض البحر مباشرة نحو مراكز الترحيل بألبانيا.

تقول البروفيسورة أنجيلا فيراريز زومبيني، أستاذة القانون الإداري في جامعة نابولي فيدريكو الثاني، إن الحكومة في محاولتها لسحب الذريعة من القضاء لم تكتفِ بنقل قائمة الدول الآمنة من مرسوم وزاري إلى مرسوم قانوني، بل قامت أيضا بتعديل قائمة الدول الآمنة بإزالة السبب الذي جعل محكمة روما لا تصادق على نقل المهاجرين إلى ألبانيا.

وتضيف زومبيني للجزيرة نت، أن من هذه الدول الكاميرون وكولومبيا ونيجيريا، والتي كانت تُعتبر آمنة في المرسوم الوزاري الإيطالي السابق، ولكن فقط لبعض الفئات من الأشخاص وفي بعض المناطق من تلك الدول.

وتزامنا مع حكم قضاة روما، سرّبت جريدة "إيل طيمبو"، المقربة من اليمين الإيطالي، رسالة إلكترونية تنتقد المد اليميني الذي تتزعمه ميلوني، كتبها المدعي العام في محكمة النقض، ماركو باتارنيللو، وهو من أبرز الأصوات في تيار القضاء الديمقراطي.

وجاء في الرسالة أن الهجوم على القضاء اليوم أخطر بكثير مما كان عليه في زمن سيلفيو برلوسكوني، لأن ميلوني ليس لديها قضايا ضدها، وبالتالي لا تتحرك لمصالح شخصية بل لرؤى سياسية، كما أنها تسعى لإعادة كتابة النظام القضائي بالكامل وليس مجرد الحصول على حصانة، في إشارة ومقارنة مع زعيم اليمين السابق برلوسكوني.

واعتبرت جريدة "إيل طيمبو" في تعليقها على رسالة المدعي العام باتارنيللو، أن "موضوع الرسالة يعكس برنامجا سياسيا معلنا تم تنفيذه من قبل القاضية سيلفيا ألبانو".

تعد مقاربة حكومة ميلوني اليمينية للهجرة جزءا من إستراتيجياتها الانتخابية بحسب خبراء (الفرنسية) مراكز الترحيل بألبانيا

يتخوف العديد من أفراد الجاليات العربية والمسلمة وغيرها من المهاجرين غير الشرعيين في إيطاليا، من أن يشملهم الترحيل نحو المراكز التي أنشأتها ميلوني في ألبانيا، بعد الاتفاق الذي جرى بين روما وتيرانا العام الماضي، بغرض تسريع منح الحماية الدولية في ظرف 4 أسابيع، بمعدل استقبال يصل إلى نحو 3 آلاف مهاجر شهريا.

وتجد إيطاليا نفسها في قلب النقاش حول الهجرة بسبب موقعها الجغرافي الذي يجعلها بوابة رئيسية لدخول المهاجرين إلى أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط، تحت قيادة رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني، كما يقول مصطفى أزعيتراوي، وهو باحث في الجغرافيا السياسية والاجتماعية، وأستاذ زائر بجامعة تورينو مختص بإشكالية الهجرة.

وأوضح أزعيتراوي في حديثه للجزيرة نت أن جزءا من تعزيز أمن أوروبا يمر عبر إدارة ملف الهجرة في إيطاليا والذي يتولى مسؤوليته وزير الداخلية ماتيو بيانتيدوزي مدعوما بوزير الخارجية أنطونيو تاجاني، "حيث يروج كلاهما لسياسات متشددة تجاه الهجرة، وذلك بهدف تعزيز الأمن الداخلي وتقليل أعداد الوافدين".

وتُعَدُّ مقاربة اليمين للهجرة، بحسب الباحث والأكاديمي، جزءا من إستراتيجياته الانتخابية، حيث "يعزز خطابا صارما يركز على حماية الأمن الوطني والحدود"، كما بدا في تصريح وزير الداخلية بيانتيدوزي بتسريع إجراءات الحدود، وتعهده بـ"تجنب استغلال طلبات الحماية للتلاعب بنظام الترحيل".

ويمكن وصف حالة الترحيل إلى ألبانيا، من منظور أزعيتراوي بأنها نوع من "التعاقد الخارجي" أو "التفويض الخارجي" لمعالجة الهجرة، وهو ما يمكن اعتباره بحسب المتحدث نفسه "غير قانوني بموجب القوانين الأوروبية التي تنص على حماية حقوق المهاجرين واللاجئين".

في المقابل، يتبنى اليسار الإيطالي لغة التعددية الثقافية وحقوق الإنسان كأدوات للتعبئة السياسية، مشددا على ضرورة دمج المهاجرين وحمايتهم من القرارات التعسفية. وتعد خطوة القاضية سيلفيا ألبانو مثالا على ذلك.

في هذا السياق، تعتبر الباحثة أنجيلا فيراريس، أستاذة القانون الإداري، أن موضوع الهجرة هو أحد الموضوعات الرئيسة التي تشهد صراعا بين الأغلبية والمعارضة، وقد كان أيضا أحد المواضيع الكبرى خلال الحملة الانتخابية.

وتضيف أنه في هذا الشأن، "تمتلك الأغلبية والمعارضة رؤى مختلفة تماما، ولن يُحل هذا الصراع من خلال اعتماد هذا المرسوم القانوني". ومع ذلك، فإن هذا الأخير الذي أزال السبب الذي جعل المرسوم السابق يتعارض مع قانون الاتحاد الأوروبي، سيجعل من الصعب جدا على المحكمة عدم التصديق على نقل المهاجرين إلى ألبانيا، غير أن الباحثة أنجيلا فيراريس تقول إنه يظل من حق القضاة النظر في كل حالة بشكل فردي.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الدول الآمنة إلى ألبانیا فی إیطالیا

إقرأ أيضاً:

ماذا تعرف عن قاعدة غوانتانامو التي ستستضيف المهاجرين؟

قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي جعل ترحيل المهاجرين جزءاً أساسياً من حملته ورئاسته، أمس الأربعاء، إن الولايات المتحدة ستستخدم مركز احتجاز في خليج غوانتانامو بكوبا، لاحتجاز عشرات الآلاف من "أسوأ الأجانب المجرمين".

كما وقع على مذكرة رئاسية، وقال إنه سيوجه المسؤولين الفيدراليين لتجهيز المرافق لاستقبال المهاجرين المجرمين في الولايات المتحدة بشكل غير قانوني.

وقال توم هومان، مسؤول الحدود، إن إدارة الهجرة والجمارك الأمريكية ستدير المنشأة. ومع ذلك، لم تتضح تفاصيل الخطة على الفور.

What to know about Guantanamo Bay, the base where Trump will send 'criminal aliens' https://t.co/sg2MFDzUvX

— ABC7 News (WZVN-TV) (@ABC7SWFL) January 30, 2025 كيف تستخدم القاعدة؟

وحسب تقرير لوكالة "أسوشييتد برس"، تشتهر القاعدة البحرية الأمريكية في كوبا بالمشتبه بهم الذين تم جلبهم بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، إلا أنها تضم ​​منشأة صغيرة منفصلة تستخدم لعقود من الزمن لاحتجاز المهاجرين.

ويُستخدم مركز عمليات المهاجرين للتعامل مع الأشخاص الذين يتم اعتراضهم، أثناء محاولتهم الوصول إلى الولايات المتحدة بالقوارب بشكل غير قانوني. وأغلب هؤلاء الأشخاص من هايتي وكوبا.

ويشكل المركز جزءاً صغيراً من القاعدة، ويتضمن عدداً قليلاً من المباني وليس لديه القدرة على استيعاب 30 ألف شخص، الذي سبق وصرح ترامب أنه يمكن إرسالهم إلى هناك.

معقل للإرهابيين

ومن جهته، قال هومان للصحافيين "سنقوم فقط بتوسيع مركز المهاجرين الحالي".

ويعمل مركز احتجاز المهاجرين بشكل منفصل عن مركز الاحتجاز العسكري، وقاعات المحاكم المخصصة للأجانب المعتقلين في عهد الرئيس جورج دبليو بوش، خلال ما أسمته تلك الإدارة "حربها على الإرهاب".

ويضم هذا المرفق 15 معتقلاً، بما في ذلك العقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر (أيلول) خالد شيخ محمد. وهذا أقل من ذروته التي بلغت نحو 800 معتقل.

ما يصل إلى 30 ألفاً..ترامب يوجه باحتجاز مهاجرين في غوانتانامو - موقع 24قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأربعاء، إنه يريد السجن العسكري في غوانتانامو، المخصص عادة للمعتقلين المتهمين بالإرهاب، جاهزاً لاستقبال ما يصل إلى 30 ألف مهاجر غير نظامي.

 

من سيُحتجز في غوانتانامو؟

وقال مسؤولون في الإدارة الأمريكية، إن مراكز احتجاز المهاجرين في غوانتانامو سوف تستخدم "لأسوأ الأسوأ". وقد استخدمت وزيرة الأمن الداخلي كريستي نويم، وهومان، هذه العبارة أثناء حديثهما إلى الصحفيين خارج البيت الأبيض.

وكان بيان البيت الأبيض أقل تحديداً، حيث قال إن "المنشأة الموسعة من شأنها توفير مساحة احتجاز إضافية للمجرمين الأجانب، ذوي الأولوية العالية والمتواجدين بشكل غير قانوني في الولايات المتحدة، ومعالجة احتياجات إنفاذ قوانين الهجرة المصاحبة".

وقال مسؤول في الإدارة، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته إن "المركز سوف يستخدم لإيواء المجرمين الخطرين، والأشخاص الذين يصعب ترحيلهم".

هل توجد مساحة كافية؟

ووفق "أسوشييتد برس"، تعهد ترامب بترحيل ملايين الأشخاص الذين يعيشون بشكل غير قانوني في الولايات المتحدة، لكن ميزانية إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك الحالية، لا تحتوي إلا على ما يكفي من الأموال لاحتجاز حوالي 41 ألف شخص .

وتحتجز إدارة الهجرة والجمارك المهاجرين في مراكز المعالجة التابعة لها، وفي مرافق الاحتجاز التي تديرها شركات خاصة، إلى جانب السجون والمعتقلات المحلية. ولا توجد لديها مرافق مخصصة لاحتجاز الأسر، التي تشكل ما يقرب من ثلث الوافدين إلى الحدود الجنوبية للولايات المتحدة.

كما تم استخدام القواعد العسكرية الأمريكية مراراً وتكراراً منذ سبعينيات القرن الـ 20، لاستيعاب موجات المهاجرين الفارين من فيتنام وكوبا وهايتي وكوسوفو وأفغانستان.

Decisión gob EEUU de encarcelar en Base Naval en Guantánamo a migrantes, en enclave donde creó centros de tortura y detención indefinida, muestra desprecio hacia condición humana y Derecho Internacional

Es en territorio de #Cuba ilegalmente ocupado fuera jurisdicción cortes EEUU pic.twitter.com/riqxW5lSni

— Bruno Rodríguez P (@BrunoRguezP) January 29, 2025 رد فعل كوبا

لقد استأجرت الولايات المتحدة غوانتانامو، من كوبا لأكثر من قرن من الزمان. وتعارض كوبا هذا الإيجار وترفض عادة دفع الإيجار الاسمي الذي تدفعه الولايات المتحدة.

وانتقد مسؤولون حكوميون قرار ترامب، حيث اعتبر الرئيس الكوبي ميغيل دياز كانيل القرار "عملاً وحشياً"، ووصف القاعدة بأنها "تقع في أراضٍ كوبية محتلة بشكل غير قانوني".

وقال وزير الخارجية برونو رودريغيز: "إن قرار الحكومة الأمريكية بسجن المهاجرين في قاعدة غوانتانامو البحرية، في جيب أنشأت فيه مراكز تعذيب واحتجاز غير محدد الأجل، يُظهر ازدراءً للحالة الإنسانية والقانون الدولي".

مقالات مشابهة

  • ماذا تعرف عن قاعدة غوانتانامو التي ستستضيف المهاجرين؟
  • ترامب يرحل المهاجرين بالسلاسل والأصفاد.. مغردون: أين حقوق الإنسان؟
  • لم يبدأ مع ترامب.. ترحيل المهاجرين من أميركا معاناة عمرها قرن
  • قرار “تقدم” بفك الارتباط مع دعاة الحكومة الموازية: صراع المبادئ في مشهد سياسي ممزق
  • رئيسة وزراء إيطاليا تخضع لتحقيق قضائي في روما.. ما القصة؟
  • خبير أمن معلومات: المنافسة بين تطبيقي «DeepSeek» و«ChatGPT» صراع سياسي واقتصادي
  • خبير أمن معلومات: المنافسة بين "ديب سيك" و"ChatGPT" صراع سياسي بين الصين وأمريكا
  • غوميز تنتقد حملات ترحيل المهاجرين وديل راي تطالبها بالعودة للمكسيك
  • طرد المهاجرين.. رئيس الوزراء الفرنسي ينهي الجدل ويتخذ هذا القرار
  • جدل بين وزراء الحكومة الفرنسية بسبب المهاجرين