د. هيثم مزاحم **

 

شاركتُ بين 17 و21 سبتمبر الماضي 2024، في مؤتمرين في الصين؛ الأول في شنغهاي نظمه مركز الدراسات الصيني العربي للإصلاح والتنمية التابع لجامعة شنغهاي للدراسات الدولية وعنوانه "التعلّم والاستفادة المتبادلة بين العرب والصين" شاركت فيه نخبة من الباحثين والأكاديميين العرب والصينيين، أما المؤتمر الثاني فهو المؤتمر الدولي لإحياء الذكرى الـ2575 لميلاد الفيلسوف الصيني كونفوشيوس، والذي يُعد كذلك المؤتمر السابع لمؤسسة كونفوشيوس الدولية.

وألقى وانغ هو نينغ، عضو اللجنة الدائمة للمكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ورئيس المجلس الوطني للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، كلمة في حفل الافتتاح، قال فيها "إن ثمة جهودًا ستُبذل لتعزيز التحول الإبداعي والتطوير الابتكاري للثقافة الصينية التقليدية الممتازة وتعزيز التبادلات والتعلّم المتبادل بين الدول والمجموعات القومية والثقافات حول العالم".

وأضاف وانغ أن "هذا لن يُثري الحضارة الصينية فحسب، بل سيسهم أيضًا في حضارة عالمية أكثر حيوية وتنوعًا". ودعا إلى المضي قدمًا بالكونفوشيوسية وجميع الثقافات التقليدية البارزة وتعزيزها، "ما يسهم في تقديم إسهامات جديدة لتطوير مجتمع مصير مشترك للبشرية".

حفل الافتتاح ترأسته سون تشون لان، رئيسة مؤسسة كونفوشيوس الدولية التي ألقت كلمة ترحيبية بالمشاركين وتعريفية بالمؤسسة وجهودها لإحياء فكر كونفوشيوس.

كما ألقى كل من رئيس الوزراء الياباني السابق ورئيس مجلس إدارة المؤسسة ياسو فوكودا، ورئيس الوزراء الإيطالي السابق ماسيمو داليما ورئيس الوزراء الفرنسي السابق جان بيير رافاران، كلمات، أكدوا فيها على أهمية الكونفوشيوسية في معالجة الأزمات وحل النزاعات.

من الجدير ذكره أنَّ الفلسفة الصينية قد لعبت الدور الذي لعبه الدين في الثقافات الأوروبية والشرق أوسطية، والذي تمثل في الأديان الإبراهيمية والمجوسية والصابئية والإيزيدية؛ فمثَّلت هذه الفلسفات النصَّ المقدَّس للشعب الصيني الذي ينهل منه تعاليمه، ويَغرسها في نفوس أطفاله منذ نعومة أظافرهم.

إذن، تشكّلت الفلسفة الصينية من ثلاث فلسفات رئيسية هي: فلسفة لاو تسو، وفلسفة كونفوشيوس، وفلسفة منشيوس. لاو تسو كان المعلّم الأول للفلسفة الصينية، ثم جاء كونفوشيوس ومن بعده تلميذِه منشيوس الذي يُعَد المعلِّم الثاني للكونفوشية.

تؤمن الكونفوشيوسية بوجود إله أو آلهة وتقوم على عبادة السماء "تيان" أو الرب الإله الأعظم "بان كو". وهي تؤمن كذلك بعبادة الطبيعة وعبادة الأرواح مثل غالبية الشعوب القديمة.

ولد كونفوشيوس في 28 من شهر سبتمبر سنة 551 قبل الميلاد في عهد أسرة آل تشاو التي حكمت الصين بين 1100 قبل الميلاد و256 قبل الميلاد. وتوفي سنة 479 قبل الميلاد عن عمر 70 سنة في مدينة كوفو غرب ولاية لو ودفن فيها.

كان كونفوشيوس يتحدر من عائلة أرستقراطية خدم عدد من أفرادها كمستشارين عند عائلة سونغ. لكن في القرن السابع قبل الميلاد خسرت العائلة نفوذها وثروتها وغادر بعضهم الولاية وبينهم جد كونفوشيوس الذى توجه الى ولاية "لو".

اسمه  الحقيقي "كونفوزي ـ كونغ فو تسو".  "كونغ" تعني المعلّم. اما اسمه المنتشر عالميًا فهو كونفوشيوس كما ترجم إلى اللاتينية.

على الرغم من أن معظم تلامذته لم يجعلوا منه إلهًا أو قديسًا، إلا أن بعض الملوك وعامة الصينيين وسموه بصفة القداسة، وجعلوا من ضريحه ومدرسته مكانًا للصلاة وتقديم النذور.

كان والده ضابطًا في الجيش وأنجبه عن عمر 70 عامًا وتوفي والده وكان عمر كونفوشيوس ثلاثة أعوام.

بدأ دراسته في سن الخامسة عشرة وفي سن العشرين تسلم وظيفة حكومية متواضعة حيث عمل في حسابات الحبوب والماشية وممثلًا لعائلة إقطاعية ما مهَّد له لاستلام وظائف مهمة في ما بعد.

عندما بلغ الثلاثين دخل مدرسة جديدة حيث تلقى علومه الفلسفية على يد أستاذه الفيلسوف لاوتسو الذي اعتبرته الطاوية أحد الأنقياء الثلاثة في الطاوية. وكان لاوتسو يدعو إلى القناعة والتسامح المطلق، لكن كونفوشيوس خالفه داعيًا الى مقابلة السيئة بمثلها، وذلك إحقاقًا للعدل.

كانت الصين أنذاك منقسمة إلى إمارات صغيرة متنازعة ينقصها الرابط السياسي والشعور القومي الواحد. ولعب كونفوشيوس، الخبير في شؤون الحكم والإدارة، دورًا في مشورة الحكام وتوجيه رسائله الأخلاقية والاجتماعية والسياسية إليهم. إذن عمل كونفوشيوس في عدد من الوظائف بينها مستشار للأمراء والولاة، وقاضٍ وحاكم ووزير للعمل ووزير للعدل ومن ثم كرئيس للوزراء في سنة 496 قبل الميلاد حيث أصبحت مقاطعة "لو" نموذجية في تطبيق تعاليمه الفلسفية.

كان كونفوشيوس حريصًا أن يبقى الحاكم ومعاونوه جاهزين لمواجهة تطورات غير متوقعة وسيئة. وقد علّم الحكام كيف يستعملون الدبلوماسية من أجل التوصل الى نجاحات في تسوية الخلافات.

نتيجة الخلافات بين العائلات المتنافسة على السلطة في ولاية "لو"، اضطر الى الاستقالة من وظائفه وغادر الولاية. ثم تنقل بين كثير من الولايات في الصين ينصح الحكام ويرشدهم ويتصل بالناس يبث بينهم تعاليمه حاضًا إياهم على الالتزام بالأخلاق الرشيدة. ومضى معظم أوقاته في الدراسة والتعليم وانتشرت شهرته في جميع المناطق الصينية وأصبح معلّمًا من الدرجة الأولى وأضحى عدد تلامذته بالآلاف. ووصف بأنه أحد كبار المصلحين أو أحد مؤسسي الديانات، مع أن فلسفته لم تكن دينًا منهج للسلوك الشخصي والاجتماعي والسياسي.

وترتكز معظم أفكاره الفلسفية على الحب وحسن معاملة الناس والرقة في الحديث والأدب في الخطاب وإحترام الأكبر سنًا والأكبر مقامًا مع تقديس خاص للأسرة، ونبذ الطغيان والظلم والإستبداد. وكان متواضعًا ومتسامحًا ولطيفًا من دون أي طمع له في المال والشهرة. وكان يبحث عن الطرق الضرورية لإسعاد الناس وتنظيم حياتهم اليومية.

كتب كونفوشوس حوليات الربيع والخريف "تشون شيوي" استنادًا الى الوثائق التي كانت في موطنه وهي من عام 722 قبل الميلاد الى 481 قبل الميلاد. وكتب أيضًا التفاسير العشرة لكتاب التحولات.  

توفي كونفوشيوس بعد عودته الى موطنه بخمس سنوات عن عمر ناهز 72 سنة  في سنة 479 قبل الميلاد؛ إذ تركت وفاته الصين في حزن عميق، بعدما فقدت معلمًا عظيمًا لها اعتبر أعظم حكيم وفيلسوف في التاريخ الصيني؛ حيث مارس تأثيرًا كبيرًا على الفكر والحياة في الصين لأكثر من ألفي عام، فهو جعل التعليم متاحًا للجميع من دون تمييز بين الطبقات بعد أن كان مقتصرًا على طبقة النبلاء.

** رئيس مركز الدراسات الآىسيوية والصينية – لبنان

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

إندونيسيا تحيي الذكرى العشرين لكارثة تسونامي المأساوية التي أودت بحياة مئات الآلاف

استحضارا لما حدث قبل 20 عاما، قرر الإندونيسيون إحياء ذكرى تسونامي الذي ضرب دولا آسيوية، وراح ضحيته أكثر من 230.000 شخص. وخشية من تكرار الكارثة، باتت السلطات تهتم بالتوعية، ولا تكتفي بعرض لافتات كُتب عليها (باللغة الإندونيسية) "أنت في منطقة معرضة للتسونامي"

اعلان

شاركت مجموعة متنوعة من طلاب المدارس الثانوية في تدريبات التأهب للزلازل، ضمن الأنشطة المخلدة لذكرى واحدة من أسوأ الكوارث الطبيعية في تاريخ البشرية. وخرج الطلاب والطالبات من المدارس، وكأنهم يستجيبون فعلاً لتحذير داعٍ ينذرهم بوقوع تسونامي جديد، فمثلوا الدور وكأن الحادث وقع فعلا.

فنانون يؤدون عرضا فنيا خلال عرض مسرحي يصور كارثة تسونامي خلال إحياء ذكرى مرور 20 عاما، في أتشيه في باندا أتشيه بإندونيسيا، السبت 14 ديسمبر/كانون الأول 2024.Achmad Ibrahim/AP

ويستحضر السكان هناك تلك الطامة الكبرى، حينما هاجت الأمواج العاتية في المحيط الهندي، إبان عيد الميلاد، عام 2004، ووقع زلزال تجاوز قوته 9 درجات على مقياس ريختر، ضرب سواحل جزيرة سومطرة الأندونسية، وهاجت الأمواج، وحلقت في الهواء، في ارتفاع تجاوز 17 مترا، واجتاح المد شواطئ دول عديدة في المنطقة، كان أكثرها تضررا، بعد إندونيسا: تايلاند والهند وسريلانكا.

لقطة جوية باستخدام طائرة بدون طيار، تُظهر مسجد رحمة الله في قرية لامبوك، إحدى أكثر المناطق تضررا من تسونامي 2004، في أتشيه بيسار، إندونيسيا، الخميس 12 ديسمبر/كانون الأول 2024.Achmad Ibrahim/Copyright 2024 The AP. All rights reserved.

وتُظهر الصور مدى تمسك السكان بأرضهم ووطنهم، واستعدادهم للعيش في تلك المناطق، رغم أن قرى بكاملها قد سُويت بالأرض جراء الأمواج العاتية التي قتلت أكثر من 150 ألفا في أندونيسيا وحدها.

Relatedزلزال بقوة 7.1 درجة يهز جنوب اليابان: تحذيرات من تسونامي وتفتيش للمفاعلات النوويةفيضانات وانهيارات أرضية في إندونيسيا.. وفاة 27 واستمرار عمليات الإنقاذتغير المناخ أحدث موجات تسونامي هزت الأرض 9 أيامإندونيسيا: عمليات إجلاء مستمرة مع استمرار ثوران بركان جبل ليوتوبي "لاكي لاكي"

كما تظهر الفيديوهات مناطق أعيد بناؤها، وصارت تتزين بعشرات آلاف المباني السكنية والتجارية والحكومية، فضلا عن بناء المدارس في المنطقة التي شهدت فعليا دمارا شاملا في 2004.

واستذكارا لذلك اليوم الأليم، تقول السيدة تريا أسناني، مدرسة ثانوية في إندونيسيا: ”عندما يسألني الناس كيف نجوت، أقول لهم: الله وحده يعلم. فأنا لا أجيد السباحة. وكان اعتمادي على الدعاء وذكر الله، لأنني آمنت بأننا إذا كنا مع الله فالله أكبر“.

ومن اللافت أن الكارثة تسببت في توحيد الناس، بغض النظر عن دياناتهم ومعتقداتهم، فصار إحياؤها يشمل الصلوات عند كثير من أتباع الملل والنحل، وخصوصا: المسلمين والمسيحيين والبوذيين.

Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية منظر مذهل في تركيا.. تجمد جزئي لبحيرة في فان يخلق لوحة طبيعية خلابة إل ألتو البوليفية: "المنازل الانتحارية" مهددة بالانهيار والسكان يصرون على البقاء احتفال بالريادة في مجال الاستدامة في إندونيسيا.. شركات في خدمة المجتمع والبيئة عيد الميلادإندونيسياتسوناميذكرىاعلاناخترنا لك يعرض الآن Next إسرائيل تواصل قصف غزة موقعة قتلى وجرحى والحوثيون يستهدفون تل أبيب بصاروخ باليستي يعرض الآن Next ألمانيا: الشرطة تفتش منزل المشتبه به في تنفيذ هجوم سوق الميلاد بماغديبورغ يعرض الآن Next صاروخ باليستي من اليمن يسقط في تل أبيب ويصيب 16 شخصاً بجروح طفيفة يعرض الآن Next هجوم بطائرات مسيّرة يستهدف مدينة قازان الروسية ويتسبب بأضرار مادية يعرض الآن Next من التشويق إلى الدراما.. أفضل أفلام عام 2024 عليك أن تشاهدها قبل نهاية العام اعلانالاكثر قراءة القيادة المركزية الأمريكية تعلن عن تصفية "أبو يوسف" زعيم داعش في سوريا آيتان على سقف قصر السيسي ومُلْك فرعون الذي لا يفنى.. صورة الرئيس المصري تشعل مواقع التواصل عاجل. ألمانيا: 5 قتلى على الأقل وإصابة 200 شخص بعملية دهس بسوق عيد الميلاد واعتقال مشتبه به سعودي الجنسية إصابة شاب بنيران الجيش الإسرائيلي خلال مظاهرة في ريف درعا السورية بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية.. هل تعلم أن للأسد 348 اسمًا؟ اعلان

LoaderSearchابحث مفاتيح اليومضحاياسورياهيئة تحرير الشام قطاع غزةبشار الأسدألمانياأبو محمد الجولاني الصراع الإسرائيلي الفلسطيني اعتداء إسرائيلقصفإسرائيلروسياالموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactPress officeWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2024

مقالات مشابهة

  • إندونيسيا تحيي الذكرى العشرين لكارثة تسونامي المأساوية.. فيديو
  • الموقف الصيني من فلسطين وإسرائيل بعد 14 شهر على حرب غزة
  • حركة العدل والمساواة السودانية .. بيان بمناسبة الذكرى السادسة لثورة ديسمبر المجيدة
  • في الـ71 من عمره وحطم أرقاما قياسية.. من هو نجم ألعاب القوة الصيني جين هوي؟
  • إندونيسيا تحيي الذكرى العشرين لكارثة تسونامي المأساوية التي أودت بحياة مئات الآلاف
  • مقالات فى الذكرى الثالثة للخيبة
  • الاقتصاد الصيني.. عام آخر من التحديات مع بوادر لتحفيز محلي
  • وزير التنمية العمرانية يلتقي نظيره الصيني على هامش أعمال مؤتمر الإسكان العرب بالجزائر
  • خفر السواحل الصيني: نحث الفلبين على الوقف الفوري للانتهاكات والاستفزازات
  • في الذكرى السادسة للثورة والاستقلال معاً لوقف الحرب