هل هي حرب تقسيم السودان؟
تاريخ النشر: 27th, October 2024 GMT
حرب 15 أبريل القذرة، والتي لم يختبر كل السودانيين مثلها من قبل، هي حرب تختلف عن سابقاتها التي ظلت مشتعلة في السودان، منذ الحرب الأولى في العام ١٩٥٥، عشية خروج المستعمر والتي عرفت بتمرد توريت بجنوب السودان، إلا من بعض المدن التي يتم التوصل إليها بوساطات إقليمية ودولية وبرغبة الأطراف المتقاتلة، بسبب وصولها إلى مرحلة توازن الضعف، نتيجة لطول أمد القتال إلى سنوات وتداعياته الاقتصادية والسياسية، كلها كانت حروبات بين قوى سياسية تحمل السلاح لقتال الحكومات المركزية، رافعين مطالب تتعلق بالعدالة الوطنية والمواطنة المتساوية، لكن كل الهدن التي تم التوصل إليها لم تحقق سلاما دائما وشاملا ومستقرا في السودان، فظللنا في حالة حرب مستمرة، لأنه لم يتم الوصول إلى مناقشة جذور أزماتنا وإيجاد حلول واقعية لها، تمكن الشعب السوداني من الإمساك بزمام أمره الوطني وإصلاح الأخطاء الكبيرة المسكوت عنها، أو تلك التي تواطأت عليها النخب السودانية، القابضة على صناعة القرار الوطني.
اختلاف حرب أبريل الجوهري عن حروبات السودان السابقة، يكمن في أنها حرب من داخل نظام الدولة، النظام الذي بنته الحركة الاسلامية بانقلابها المشؤوم في العام ١٩٨٩، وظلت تعمل علي تمكينه لأكثر من ثلاثين عاما، فكان أن بنت نظاما قائما على القهر والفساد وسفك الدماء وسياسة فرق تسد، بدون أي وازع أخلاقي أو ضمير وطني، مارست فيه قبضة عسكرية بوليسية محكمة السطوة المطلقة، ثم عمدت إلى إنشاء العديد من القوات العسكرية الموازية لمؤسسة الجيش القديمة والموروثة من المستعمر، بدلا عن العمل على تطويرها، الذي يتناقض مع مشروع نظام دولة الحركة الاسلامية، فكان أن صارت هنالك جيوش قتالية أخرى، تتمتع بقوى عسكرية ضاربة، مثل مليشيات باولينو ماتيب، الدفاع الشعبي، كتائب الحركة الاسلامية، أبو طيرة، العمل الخاص، البابون، ثم الدعم السريع، الجيش القتالي الأكثر قوة وامتيازا من بين هذه المليشيات، والذي تم إنشاؤه بواسطة الحركة الاسلامية وقيادة الجيش الذي أصبح في الثلاثين عاما الماضية، أحد مؤسسات النظام الذي شكلته الحركة الاسلامية لاستمرار سيطرتها على السودان وموارده وقهر شعبه..
إذن، حرب 15 أبريل، هي حرب من داخل ال System الذي أصبح مسيطرا ومحركا لكل شيء في السودان وهنا يكمن اختلافها عن الحروبات السابقة في السودان، يرجع ذلك إلى أنها حرب انفجرت من داخل مركز قيادة المؤسسة العسكرية، والجيش والدعم السريع، هما اللذان يحتكران القرار الوطني السياسي والسلطة والثروة والسلاح، ويشكلان المؤسسة العسكرية للدولة السودانية حتى انقسامهما العنيف هذا، بسبب الصراع على السلطة والثروة، بعد أن تلاحقت الكتوف بينهما، لأنه لا يوجد نظام مؤسسة عسكرية يقوده رأسان مسلحان، ويمتلكان القوة المتكافئة، تقف من خلفهما الحركة الاسلامية في هذا الصراع، فهي عراب هذه الحرب من أجل استعادة السلطة التي طردهم منها الشعب السوداني في أبريل ٢٠١٨ بثورة ديسمبر السلمية المجيدة، ولكنها لم تقتلعهم، فكان أن عادوا إلى المشهد بانقلاب ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١، ثم انفجر الصراع بينهما بالحرب التي تأكل السودان وشعبه حاليا، الحركة الاسلامية لا تقبل، إلا برأس واحد فقط ولديها تجربة عظيمة في ذلك، عندما أصبح الجنرال البشير رأسا وحسن الترابي أب وعراب الحركة الاسلامية، حيث كان هو الرأس المؤسس والقائد، تم التخلص من الترابي الفكرة، لصالح الجنرال البشير البندقية، ويرجع ذلك إلى أن الحركة الاسلامية، هي نظام عنف، وليست نظام فكرة.
الجنرالان، البرهان وحميدتي، هما قائدان لجيش واحد أسسته الحركة الاسلامية في فترة حكمها الطويلة المشؤومة، بالتالي هما لا ينحدران من مؤسسة الجيش القديمة التي أنشأها المستعمر قبل انقلاب الإسلاميين في العام ١٩٨٩، إنه جيش الحركة الاسلامية برأسية، وتم إعداده من داخل ال System المختل الذي بنته الحركة الاسلامية، لأغراض الاستمرار في الحكم وقهر الشعب السوداني وسرقة الموارد والعمالة للخارج مقابل البقاء في السلطة والسيطرة على الثروة، فحربهما هذه هي حرب من خلقتهم الحركة الاسلامية في إطار سعيها للتخلص من تعدد الرؤوس، مثلما فعلت مع أبيها المؤسس حسن الترابي، إلا أن قراءتهم لما صنعوه، كانت خاطئة هذه المرة، فحميدتي ليس الترابي، إنما هو قوة مقاتلة سلحوها جيدا وممولة جيدا، فكان قرارهم هو التخلص من حميدتي لصالح الرأس الآخر البرهان، هنا وقعت الكارثة الكبرى، لأنهم نسوا أنهم بنوا الدعم السريع بنظام، جعله يفوق الجيش الذي أضعفوه لصالح الدعم السريع، وبنوا محاولتهم المدمرة هذه، على ظن أنهم يعرفون جيدا من صنعوه، ويعرفون كيف يتخلصون منه بقوة السلاح، إلا أن الأمور لم تكن هذه هي حقيقتها مطلقا بعد أن فجروا الحرب. اكتشف قادة الحركة الاسلامية إنهم أخطؤوا تقدير ما صنعوا تماما، وأنهم وقفوا إلى الجانب الخطأ من الجريمة باختيارهم دعم الجيش، إلا أنه لم يعد لديهم مفر من الاستمرار في الخطأ وصناعة عدو آخر غير الدعم السريع، الذي يقاتلونه، فعسى ولعل يصلون معه إلى اتفاق شراكة جديد، لصناعة عدو متوهم لتضليل الشعب السوداني، وجهوا الحرب نحو القوى السياسية المدنية، ممثلة في تحالف الحرية والتغيير، الذي شكل القيادة السياسية لثورة ديسمبر التي أسقطت سلطتهم الغاشمة، محاولين بذلك فعل ما يعرف عند مجتمع كرة القدم السوداني ب “تشتيت الكرة” أي إرباك الشعب السوداني، وترك الباب مواربا أمامهم إلى الجنرال حميدتي، الذي ربما يعودون إليه ممتطيا ظهر البرهان، حال حدوث تحولات على الأرض وتغيير في القراءات الإقليمية والدولية لحربهم القذرة هذه..
كل ذلك يطرح سيناريوهات متعددة لمسار هذه الحرب، من بينها السيناريو الأكثر شؤما من بين الشؤم السائد الآن، وهو سيناريو تقسيم السودان إلى دولتين أو أكثر وعلى أسوأ الفروض، تقسيمه إلى مناطق نفوذ شبه دويلات، يسيطر عليها لوردات الحرب. هذا السيناريو بدأ يطل برأسه بتلميحات بعض منسوبي الحركة الاسلامية، كما تكشف عنه طريقة إدارتهم للحرب وتوجيهها، إضافة إلى بعض القوى الخارجية التي لديها مصلحة في عدم استقرار السودان، موازيين القوى العسكرية التي تميل كفتها حتى الآن لصالح الدعم السريع هي أحد دوافع بروز هذا التصور، فالإسلاميون وبسبب خوفهم من استمرار ميزان القوى الميدانية لصالح حميدتي، الشيء الذي يهددهم بالزوال وعدم تحقيق مآربهم في العودة إلى السلطة، حال فشلهم في إعادة التحالف السابق معه مرة أخرى بذات الطريقة القديمة، يرون وهذا صحيح أن مؤسسة الدعم السريع هي مؤسستهم، ويجب أن تكون تحت يدهم، أو يتم تفكيكها، أو يخرا الخروج بأقل الخسائر حسب منظورهم، وهو سيناريو تقسيم السودان..
لكن مشروع التقسيم، على الرغم من ضعف طرحه حتى الآن، إلا أنه يصطدم برفض حميدتي له، حسب ما ظل يعلن باستمرار من جانبه وإصراره على وحدة السودان، ما لم تحدث متغيرات طبعا، فنحن نقول بذلك حسب موقفه المعلن في هذا الإطار، كما أن بعض دول الجوار ونسبة لطبيعة تداخلاتها مع السودان وهشاشتها الداخلية وصراعاتها الإقليمية، لا ترغب في أن ترى السودان مقسما، لأن ذلك سيهدد استقرارها، ويشكل تهديدا لمصالحها من جانب دول أخرى في الإقليم، مثال على ذلك تشاد، إثيوبيا وجنوب السودان، هي دول ستتضرر من تقسيم السودان بشدة..
عموما تظل مخاوف التقسيم موجودة، خصوصا أن هذه الحرب القذرة تشهد أنماطا من العنف والتعبئة السلبية تجاه السودانيين بعضهم البعض، مشحونيين بخطاب كراهية متبادل بين الأطراف، وتقف خلفه كيانات وأفراد محسوبون على الحركة الاسلامية التي تستخدم كل الوسائل والسبل للوصول إلى أهدافها هي، وليس للأمر علاقة بالوطن وشعبه، لا من قريب ولا من بعيد، كل أطراف الحرب المتعددة، واقعة في فخ ممارسة خطاب الكراهية والتحشيد الجهوي والفوضوي للقتال، دون أي مؤسسات داخلها مسيطرة سيطرة تامة على مجريات الحرب وحماية المدنيين.
الوسومعبدالله ديدانالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الحرکة الاسلامیة الشعب السودانی تقسیم السودان الدعم السریع فی السودان من داخل إلا أن هی حرب حرب من
إقرأ أيضاً:
الحرب ومستقبل السياسة في السودان
هذه الحرب ليست مزحة. ولن تكون الحياة بعدها في السودان كما كانت قبلها. ولن تكون السياسة كما كانت. والسبب واضح. فقد خسر كل الشعب السوداني تقريباً كل شيء أو الكثير من الممتلكات والثروة والصحة والمنزل والسلامة الجسدية والصحة الإنجابية.
ولذلك فمن المرجح أن يكون لموقف الأحزاب السياسية والجماعات المنظمة من الحرب عواقب وخيمة بمجرد أن تضع أوزارها. فالناس الذين خسروا وعانوا كثيراً سوف يميلون إلى مكافأة المجموعة التي يرون أنها دافعت عن مصالحهم وانحازت إليهم ضد جلاديهم وايضا قد يميلون إلي محاسبة الجماعات التي يرون أنها خذلتهم في لحظة حوجتهم الأكبر.
وبشكل عام، اختارت الأحزاب والجماعات السياسية والأفراد المؤثرون أحد ثلاثة مواقف أدناه.
المجموعة الأولى دعمت الجنجويد إما صراحة أو خلف ستار من الحياد المراوغ الذي لم يعد أحد يصدقه. وكانت هذه المجموعة تعتقد أن الجنجويد يمكن استخدامهم لمعاقبة الإخوان وإحلال الحكم الديمقراطي المدني.
وتتكون المجموعة الثانية من أولئك الذين دعموا الجيش. هذه المجموعة تتكون من الإسلاميين ولكنها تضم أيضا عشرات، ربما ملايين من الناس العاديين، الذين ليسوا إسلاميين ولكنهم يؤيدون الجيش لأنه العمود الأخير للدولة السودانية، ولأنه مهما كانت عيوب الجيش فإن البديل ليس غزوا أجنبيا علي رماح ميليشيا إقطاعية مملوكة لعائلة ضيقة.
المجموعة الثالثة اختارت الحياد الصريح أو العملي الفعال ووصفت الصراع بأنه حرب بين جنرالين يسعيان إلى السلطة أو بين طرفين سيئين بنفس القدر. كثير منهم مارسوا حيادهم وراء خطابات نبيلة عن بدائل شعبية, قاعدية وسلمية لا وجود ولا تاثير لها على ما يحدث في ميدان الحرب الآن كما لم يكن لها تاثير في ود النورة ولا الجنينة ولا السريحة.
أنا أشاطر الإيمان بهذه التوجهات الشعبية القاعدية الآن، إن وجدت، و يوم تتوقف الحرب وفي الأمد البعيد، ولكن هل هي موجودة الآن؟ هل لديها إستجابة للاحتياجات العاجلة للناس الذين يواجهون القتل والاغتصاب والفقر الآن؟
لو كنت أستطيع أن أصدق عيني، لا وساويسي الأيديلوجية النبيلة، سأرى الناس يفرون من قراهم عندما يقترب الجنجويد، ويعودون إلى ديارهم عندما يحررها الجيش. ولا أرى أي تاثيرا يعتد به لتنظيمات قاعدية سلمية علي خروج الشعب من دياره أو عودته إليها أو سلامة حياته وماله وبدنه. وهذه حقائق موضوعية لا أملك ما يكفي من العمي الأيديلوجى لأنكرها.
ليس من المهم أن نتفق علي تفاصيل التوصيف أعلاه، ولكن الحقيقة التي لا تقبل الجدل هي أن هناك ثلاثة معسكرات في هذه الحرب: معسكر مؤيد للجيش/الدولة، ومعسكر مؤيد للجنجويد، والمحايدين الذين يحافظون على مسافة واحدة من طرفي الصراع. هذه حقيقة.
أتوقع أنه بعد انتهاء الحرب، واعتمادًا على من سينتصر بشكل حاسم أو بدرجة أقوي، فإن الشعب السوداني سوف يكافئ بطريقة ما المجموعة التي يرى أنها انحازت إليه خلال أسوأ لحظاته في تاريخه. وسوف يعاقب بطريقة ما من يرى أنهم خانوه. نأمل أن تكون العقوبة سلمية وسياسية وأخلاقية فقط بغض النظر عن قرار الشعب في سؤال من كان معه ومن خذله.
من نافلة القول أن حكم الشعب لن يقف علي الأجسام والأحزاب إذ أن الراي العام للشعب سيعيد تحديث موقفه من أيديوجيات وطروحات بما فيها خطاب الديمقراطية والمدنية وحقوق الإنسان والليبرالية واليسارية والإسلام والحداثة بشقيها العضوي والاستتباعى.
لا أعرف ما هي المجموعة التي سيكافئها الشعب السوداني ولا أعرف أي المجموعات سيعاقبها. الأمر متروك للشعب السوداني وأنا لا أتحدث باسمه ولا أدعي أنني أعرف ما يدور في أذهانه الآن لأنني لا أعيش وسطه ولا توجد وسائل إعلام أو وكالات استطلاع موثوقة لتسهيل قياس الوزن النسبي لتنويعات الرأي المتباين.
ولكني شخصيا بعد نهاية الحرب ساجد نفسي إما في كوم المعاقبين من الشعب لو قرر إن مثل موقفي خذله. أما لو قرر الشعب غير ذلك وأعتقني فسأجد نفسي أعمل كحجاز يدافع بلا هوادة عن سلامة أفراد وجماعات اعتبروا موقفنا من الحرب كوزنة أو غفلة أو دولجة أو ضعفا في ألحس الثوري.
ويا ود مضوي تجيبو قوي.
معتصم أقرع
إنضم لقناة النيلين على واتساب